السبت، 10 مايو 2025

آدم حنين سؤال وجواب

 1-ما هو الحي الذي نشأ فيه آدم حنين؟

حي باب الشعرية. 

2-ما الذي تعلمه آدم حنين من زيارة المتحف المصري؟

تعلم النظر إلي الأشياء، ووجدت عينه طريق الرؤية. 

٣- كم عام عاش آدم حنين في قرية القرنة بالأقصر؟

عامين. 

4- ما الذي ألهم آدم حنين لوحة البشارة؟

منزل ريفي بسيط رآه في قرية القرنة بالأقصر، علي واجهته غزالة معلقة.

٥-ماذا قالته الرسامة غابرييل مونتر، لآدم حنين، أثناء زيارتها للمعرض الذي أقامه في ميونيخ؟

إنه لن يجد في بيئة الغرب مايغني تجربته، وأنه من الأفضل ألا يتأثر بأعمال الأوروبيين.

٦- اذكر واحداً من الأعمال التي أنجزها آدم حنين أثناء تواجده في جزيرة "الفنتين"؟

رجل يشرب من القلة.

٧- ما هي أهم أعمال آدم حنين مع الشاعر صلاح جاهين؟

رسومات لمرافقة "رباعيات صلاح جاهين" في مجلة" صباح الخير".

8-من هو المهندس المعماري الذي صمم منزل آدم حنين بالحرانية؟

رمسيس ويصا واصف.

٩-في أي عام أقام آدم حنين معرضه في بيت السناري؟

عام ١٩٦٦.

١٠- ما هي أسباب سفر آدم حنين إلي باريس؟ 

نكسة ١٩٦٧،حينها كانت الأجواء مشحونة والناس كانت معبأة باليأس والهزيمة، فلم يستطع الاستمرار في هذا المناخ. 

١١- كم عام مكث آدم حنين بفرنسا؟ 

٢٥عاماً. 

١٢-في عام أنشئ سمبوزيوم أسوان الدولي للنحت؟ 

١٩٩٦.

١٣- متي بدأ ترميم تمثال أبو الهول؟ 

١٩٨٩.

١٤-متي بدأ تأسيس سمبزيوم أسوان الدولي لفن النحت؟ 

١٩٩٦.

١٥-متي بدأ آدم حنين في إنجاز مشروعه الشهير"السفينة"؟ 

٢٠٠٠.

١٦-متي بدأ إطلاق الدورة الأولي من جائزة آدم حنين لفن النحت؟

٢٠١٦

١٧- أي خامة يفضل آدم حنين استخدامها؟ 

الفحم والنسيج

١٨- هل يختار آدم حنين موضوعات أعماله بناء علي تأثير الفن المصري أم أن هذا التأثير يظهر بشكل غير مقصود؟ 

حضور الفن المصري في أعماله يأتي دون قصد، وبغير افتعال، لأن هذا الفن صار جزءً من تركيبته النفسية والشخصية. 

١٩-كيف تؤثر الثقافة والخبرة الحياتية في رؤية الأشكال والتفاعل معها وفقاً لآدم حنين؟ 

يري آدم حنين أن الأشكال ترتبط في أذهاننا بكثير من الانفعالات الني نحس بها وتذكرنا بلحظة الرؤية، فكل إنسان يتذكر شيئاً مختلفاً عن الآخر، وكل شخص لديه تصوراته ورؤيته حسب ثقافته وخبرته. 

٢٠- ما هو العمل الفني الناجح من وجهة نظر آدم حنين؟ 

العمل الذي يشبه لقاء جديداً بالجمال والإدراك الذي يثير الدهشة والرغبة في التأمل العميق. 

٢١- ما هي الخصائص التي تجعل البومة كائناً منفرداً في نظر آدم حنين؟ 

يري آدم حنين البومة كائناً غريباً ومثيراً جداً، فرغم ما تثيره في نفس البعض من شعور بالتشاؤم إلا أنها شديدة التفرد، تظهر ليلاً وتختفي نهاراً ومعبرة عن العزلة بشكل ما. 

٢٢- ما هما القطبان المتناقضان في جوهر الفن المصري؟ 

هما الكتلة والخفة، إن جوهر النحت المصري القديم هو المهابة والرقي وصلابة وخفة التمثال أو المنحوتة، وهاتان الصفتان هما اللتان أعطتا الفن المصري شكله الذي يبدو بسيطاً إنما سحيق وعميق الأغوار. 

٢٣-ماذا كان دور صلاح مرعي في سمبوزيوم أسوان؟ 

كان مسئولاً عن ترتيب المنحوتات الجرانيتية المعاصرة المعروضة بالمتحف المفتوح بأسوان، وحافظ علي الطبيعة الجبلية للأماكن، مفضلاً جمال المناظر الطبيعية. 

٢٤-ما الذي يجعل تجربة آدم مع البردي مثمرة؟ 

ورق البردي مادة مدهشة، مادة تجمع بين الحجر والخشب، فيها نوع من الدفء جعله مرتبطاً بها ارتباطاً عضوياً، كانت علاقته بمادة البردي مثمرة للغاية، لأنها كشفت عنده مخزون ثقافي وروابط ماض مازال يتحرك في داخله. 

٢٥-في أي عام افتتح متحف آدم حنين؟

٢٠١٤ 

٢٦- في أي مجلة كانت تنشر رباعيات جاهين ولوحات حنين؟

مجلة روز اليوسف. 

٢٧- من الذي نظم عرض أعمال آدم حنين بقاعة العرض الدائمة بمكتبة الأسكندرية؟ 

 صلاح مرعي. 

٢٨- ما الذي دفع آدم حنين لإطلاق مسابقة" آدم حنين لمراحل التعليم ما قبل الجامعي"؟ 

إيماناً منه بأهمية دعم وتشجيع النشء علي ممارسة الفن التشكيلي كوسيلة للتعبير عن النفس. 

٢٩- في أي عام أطلقت مؤسسة آدم حنين مسابقة قريتي؟ 

٢٠٢٢


٣٠ – ما الذي يميز فن النحت من وجهة نظر آدم حنين؟ 

يري أن فن النحت أكثر ارتباطاً بالطبيعة، كما أن له علاقة مباشرة مع المتلقي، عكس الرسم أو التصوير، لكنه فن يحتاج إلي الصبر والتأني، فهو يجلس أمام العمل لساعات طويلة

 




أوبنهايمر... برومثيوس أم فرانكشتاين؟

 


أوبنهايمر... برومثيوس أم فرانكشتاين؟ 

كل فيلم لكريستوفر نولان بمثابة بئر عميق للأفكار الفلسفية المثيرة للنقاش، وتحفيز العقل علي التأمل، منذ انطلاقته الأولي بفيلم Follwing  ذو الميزانية المنخفضة للغاية(٦٠٠٠دولار)1998،، حتي فيلم أوبنهايمر ٢٠٢٣ الذي تكلفت صناعته ١٠٠مليون دولار ومثلهم للتسويق والدعاية، إن رحلته السينمائية عبارة عن اسكتشاف للحياة والنفس، البحث عن نغمة الزمن الغامضة، في سيمفونية الكون العظمي.

في عام ٢٠٢٤فاز نولان لأول مرة بجائزة أوسكار أفضل مخرج عن فيلم أوبنهايمر، الذي توج بست جوائز إضافية من إجمالي ١٣جائزة رشح لها، نال منها جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثل دور رئيسي لكيليان مورفي، عن أدائه لشخصية أوبنهايمر ليصبح أول أيرلندي يفوز بتلك الجائزة، وأفضل ممثل مساعد لروبرت داوني جونيور عن دور لويس شتراوس رئيس لجنة الطاقة الذرية الأمريكية بين عامي ١٩٥٣و١٩٥٨، وأيضاً أفضل مونتاج، أفضل تصوير سينمائي وأفضل موسيقي تصويرية.

قبل ذلك بأربع سنوات وتحديداً في شهر ديسمبر من عام ٢٠٢٠أعلنت شركة وارنر برذرز للإنتاج السينمائي، عن خطة لإصدار أفلامها في دور السينما وعلي منصة HBO بشكل متزامن، وكان نولان يتعاون مع تلك الشركة العريقة منذ فيلمه Insomina ٢٠٠٢،فانزعج بشدة من هذا القرار، لأنه من أكبر المدافعين عن السينما بشكلها التقليدي التاريخي، حيث يجلس المشاهد في دور العرض يكتنفه الظلام، وأمامه الشاشة العملاقة ليبدأ سفره الروحي في عالم الفن والأحلام، وأدي ذلك القرار لهجرته لشركة يونيفرسال لإنتاج وتوزيع الفيلم، بشروط خاصة فرضها نولان، فبالإضافة لبند الميزانية الضخم طلب عدم عرض أي فيلم جديد للشركة المنتجة لمدة ثلاث أسابيع قبل وبعد صدور الفيلم،وتم الموافقة علي كافة طلباته مما يعكس مدي أهمية نولان في صناعة السينما الأمريكية، بل أن بعض الممثلين الذين ظهروا في الفيلم خفضوا من أجورهم للعمل في الفيلم كروبرت داوني جونيور ومات ديمون وإيملي بلانت، فحصل كل منهم علي٤ملايين دولار، مقابل أجورهم المعهودة التي تترواح بين ١٠ و٢٠مليون دولار، والأغرب إن عملية اختيارهم كانت سرية للغاية، لدرجة أن منهم من لم يعرف أي دور سيؤديه بعدما وافقوا علي عقد الفيلم، لثقتهم الكاملة بمهارات وكفاءة كريستوفر نولان، الفنان القادر علي الانتصار لماهية السينما الحقيقية، في ظل مخاطر تكنولوجية رهيبة تقدم الزيف بدلاً من الصدق الفني، وآمن بالجمهور العاشق لذلك الفن، فلم يخذله وتوافد من كل أنحاء العالم علي قاعات العرض السينمائي مخصصاً جزء من يومه وروحه ووجدانه ليهبه للشاشة الفضية، لأن السينما كما يفهمها نولان وهو محق مائة بالمائة، تجربة سمعية وبصرية يتشربها وعي المشاهد ولا مكان لهذه التجربة سوي دور العرض وإمكانياتها المجهزة لذلك، وبعد وقت قصير أصبح أوبنهايمر جزء من الثقافة الشعبية في العالم

بدأ نولان كتابة الفيلم في بضعة أشهر، عقب انتهائه من العمل علي فيلمTenet ولم يكن ذلك الوقت القياسي مفاجئاً، فنولان يفكر في عمل فيلم عن أوبنهايمر منذ سنوات طويلة، فعندما كان في الحادية عشرة اندلعت احتجاجات ضد الأسلحة النووية، فعرف منذ طفولته خطورة السلاح النووي، وامتلأ قلبه بالخوف من احتمال نشوب حرب نووية تفني الجميع، وفي شبابه أصدر المغني البريطاني ستينغ أغنية عام ١٩٨٥تنتقد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ظلت كلماتها عالقة في ذهنه خاصة عبارة"كيف أنقذ ابني الصغير من لعبة أوبنهايمر المميتة؟!" ظلت تلك الأفكار تموج في طيات وعيه وبين تلافيف دماغه لعهد طويل من الزمن حتي ربطها بفيلمه الأخير، ويري نولان أن طببعة تتصورنا للسلاح النووي تغيرت مع مرور الوقت، لكن من المستحيل ألا نتوقف عن الخوف منها، واعتبر أن الغزو الروسي لأوكرانيا عام ٢٠٢٢جرس إنذار مخيف أعاد للبشرية الرعب من التهديدات النووية.

منذ المشاهد الأولي يجد المشاهد نفسه في خضم فوران حياة أوبنهايمر العاصفة، إنه يحاكم بطريقة ما وإن بدا الأمر غير ذلك، هو نفسه يحاكم نفسه كما تعبر عينا مورفي بعمق، يحاكم ذاته، ماضيه، علاقاته، ذنوبه، أو علي الأقل يبرر حياته كلها علي حد قول شتراوس، غريمه الذي أوقع به كي يتم سحب تصريحه الأمني بسبب ميوله الشيوعية، يشرح مونتاج رشيق ومباغت يعتمد علي تركيز المشاهد حياة أوبنهايمر، وبطريقة نولان في السرد غير الخطي الذي تميز بها، يستعرض عبر ٣ساعات ظروف مشروع مانهاتن الحاضن للقنبلة الذرية، وما جري بعده، بين وجهتي نظر أوبنهايمر-شتراوس،، الأمر الذي سيجعلنا نطرح أسئلة عديدة طوال الفيلم، كما يبتغي نولان بالضبط من أعماله"أنا لا أصنع أفلاماً لأبدي وجهة نظر، أصنعها لأطرح الأسئلة المثيرة وأقدم تجربة مشوقة للجمهور أتمني أن تبقي في ذاكراتهم" من تلك الأسئلة المطروحة وتاهت في خضم جدل جناية أوبنهايمر علي البشرية أو إنقاذها من مجازر قاسية كانت ستحدث لولا سلاحه الرادع، سؤال ماهي الحقيقة؟ إن شتراوس أبغض أوبنهايمر وسعي في النكاية به، لأنه" ظن"قيام أوبنهايمر بتأليب العلماء عليه، بدليل تجاهل أينشتاين له بعد لقاؤه بخصمه، وهو ما أثر في نفسيته بعمق، فشتراوس في المقام الأول مجرد موظف بيروقراطي يحيا بين ألمع عقول علم الفيزياء، وزاد من حقده غرور أوبنهايمر في حديثه معه، وسيتجلي في الختام أي وهم بني عليه شتراوس موقفه-ثنائية الخيال والحقيقة أحد عناصر فن نولان خاصة في فيلم prestige – فأينشتاين وأوبنهايمر أثناء وقفتهما بجانب البحيرة، لم يذكرا شتراوس قط، بل كان حديثهما حول الدمار والخراب المهيمن علي العالم بفعل السلاح الذري، ما جعل أينشتاين يغوص في أفكاره الداخلية، دون إحساس بوجود شتراوس، وقد ترك أوبنهايمر وحيداً حيراناً لا يدرك هو الآخر ماهي الحقيقة، هل ساهم في إنقاذ ملايين الأرواح أم رسم لها طريق الهلاك؟!

العلاقة بين أوبنهايمر وشتراوس استلهمها نولان، من علاقة موتسارت وسالييري كما صورها فيلم أماديوس للمخرج ميلوش فورمان ١٩٨٤، وتبين حقد الرجل المديوكر علي عملاق منحه الله موهبة لا تجاري، فيجد نفسه ازدادت صغراً ووضاعة، وتولدت فيها جراثيم الحقد والبغضاء، فتنسج  السوداوية الحيل والمكائد للنيل من الرجل العظيم، الذي صفع كبرياؤه كاشفاً له عن حجمه الحقيقي، وهو يلقي بظله الممتد علي روحه فتتسسمم للأبد، ويسعي للانتقام المدمر كي يرضي روحه المنكسىة دون قصد علي الإطلاق، إلا مواجهتها بالحقيقة المريرة، وأي الرجال في عالمنا يحتمل لذعة مرارة الحقيقة؟!

يبدو أوبنهايمر في ذلك العمل شبيهاً بالطبيب فيكتور فرانكشتاين، خالق الوحش الذي يطارده طوال الرواية التي ألفتها ماري شيلي في القرن التاسع عشر، ويناديه"أبي" ويوصف أوبنهايمر أيضاً بأبو القنبلة الذرية، التي أصبحت هي الأخري وحشاً يطارده نفسياً، منذ بداية انطلاقها في رؤي من وحي خياله، من ضمنها المشهد المخيف لفتاة ينسلخ وجهها وهي تصفق له، هذه الفتاة هي فلورا ابنة كريستوفر نولان، في تلك اللقطة تداخلت الحياة الشخصية لنولان برؤيته الفنية، كأنه يريد القول أن خطر السلاح النووي يتهدد أبنائنا وكل ماهو عزيز علي قلوبنا.

لقد ارتبطت قوة أوبنهايمر في الفيلم بمنحني صناعة القنبلة، كي تصل أمريكا لصناعة القنبلة النووية قبل ألمانيا النازية بزعامة هتلر، وعند اكتمال جاهزيتها، تتلاشي قوته بالتدريج، بعد أن كان قائداً تكفي إشارة منه، الأكثر من ذلك أنه يصبح محل شك من قبل السلطات، وغير مرحب به علي الإطلاق في أروقتها، لدرجة أن الرئيس الأمريكي هاري ترومان كما جسده جاري أولدمان في مشهد واحد مؤثر وحقيقي لأبعد مدي، يمنع دخوله لمكتبه مرة أخري ويطلق عليه"البكّاء" بعدما تحكمت فيه عقدة الذنب ورأي الدماء تلطخ يده... الوحش يعذبه ويطارده، ويبلغ ذروة رعبه حين يري في المشهد الأخير كابوس تعرض الأرض لخراب نووي شامل، انفجارات في كل مكان ووهج القنابل يخفي تحته نهاية العالم.

الرغبة في تجربة القنبلة التي دافع عنها أوبنهايمر، إحدي مواقفه المتهورة كما أوضح الفيلم طبيعة سلوكه، عندما حاول تسميم أحد أساتذته، أم رغبة في إثبات الذات، أم فعلاً محاولة لدفع شر أكبر كان ليحدث لولاه؟... الأكيد أن في تلك اللحظة ساطعة البياض أثناء تجريب القنبلة في لوس ألاموس، أدرك أوبنهايمر أن سلاحه الجديد  سيغير من شكل العالم للأبد، فكان أول ما طفي علي وعيه عبارة من كتاب الباهاغافاد غيتا الهندوسي"الآن أصبحت أنا الموت مدمر العوالم. لم يعرض نولان شخصية بطله بعين أحادية إما أبيض أو أسود بل فتح جراحه ليري مدي تعقد صراعه الداخلي، محاصراً بخيارات صعبة، ويتردد من جديد تساؤل شتراوس عن طبيعة أوبنهايمر كرجل وكعالم" العبقرية ليست ضماناً للحكمة، كيف يمكن لرجل عرف الكثير أن يكون أعمي لهذا الحد؟"، يعترف نولان"إن فكرت في أكثر الشخصيات غموضاً التي قدمتها، فبالتأكيد أوبنهايمر هو الأكثر غموضاً وازدواجية، ومع الأخذ في الاعتبار إنني مخرج ثلاثية باتمان فهذا يعني الكثير".

الملمح البارز للفيلم تركيزه علي الوجه البشري، فنحن لا نري معظم الوقت سوي وجوه ترتسم عليها مشاعر، وشفاه يخرج منها حوارات تشكل الركيزة الأساسية للبناء الدرامي كله، مما يعيد للأذهان تحفة سينمائية أخري بنيت علي الحوار بعنوان  12 angry menيطالعنا دوماً الوجه للبشري في كل مشهد، علماء وعسكريون وسياسيون، يعلق علي ذلك مدير تصوير الفيلم هويت فان هويتما"منذ البداية أدركت أن ذلك الفيلم سيكون عبارة عن وجوه، وذلك تحد كبير بالنسبة لنا، في الأفلام الأخري كنا نعتمد علي اللقطات الكبيرة، أما هذا الفيلم فهو يغوص للداخل حول المشاعر والتعبيرات والوجوه والذاتية" من بين تلك الوجوه والتعبيرات تتشكل مرحلة مصيرية من تاريخ البشرية، استغلها نولان جاعلاً من كل مشهد ذروة في حد ذاته، عن صراعات نفسية وعلمية وسياسية وأخلاقية صهرت مواقف ومصير أوبنهايمر.

سواء كان سليل برومثيوس سارق النار من الآلهة ليهبها لبني البشر كي تقوم عليها حضارتهم الجديدة وعاني من انتقامهم حيث وكل به نسر يأكل كبده، ثم ينبت له كبد جديد وهكذا، كما في الأسطورة اليونانية، ومعني اسمه"الفكر المتقدم" كما أشار الفيلم لذلك، أو فيكتور فرانكشتاين الهارب من وحش صنعه، يظل فيلم نولان عملاً إبداعياً يستحق التتويج بالجوائز، وأغلب الظن إنه سيصبح عتبة لهوليوود كي تقدم سير العلماء وما في حياتهم من دراما بطريقة مبتكرة، بعدما رأينا في فيلم أوبنهايمر ساحق النجاح حشد ضخم من علماء الفيزياء جذبوا جمهور السينما يتصدرهم أوبنهايمر ولعبته المميتة. 


الأحد، 27 أبريل 2025

رمضان بالصوت والصورة

 رمضان بالصوت والصورة


لهلال هذا الشهر هيئة مختلفة، إنه يبزغ في السماء كعلامة علي بداية أجواء جديدة، تقطع التسلسل العادي للحياة، وتدب في القري والمدن روح جديدة غير معهوده، إنه الزائر السنوي الذي يمد يده بالرحمة والبركات والبهجة، وسرعان ما يحمل عصاه ويرحل علي وعد بزيارة قادمة بعد ١٢ شهر بالتمام والكمال.

تتسامي الروح في ذلك الشهر الكريم ويبدو باب السماء قريباً للغاية من العالم الأرضي، ربما لأننا ننسي الدنيا إلي حد ما وننهمك في العبادات، فتمتلأ المساجد بالكبار والصغار، وتكثر الصدقات ويهنئ الكل بعضهم بحلول رمضان، وتبدأ تجربة بصرية-سمعية في غاية السرور والإمتاع، تشحن ساعات النهار أغنيات رمضان المعتقة بروح الماضي والفن الأصيل،وكلما بعد بها الزمن نكتشف كم هي رائعة، ومن المستحيل مجاراتها في إمكانياتها الإبداعية أو بما تثيره من شجون وذكريات، فأغنية"رمضان جانا" من ألحان محمود الشريف وكلمات الشاعر الغنائي حسين الطنطاوي وغناء محمد عبد المطلب المذاعة في عام ١٩٤٣،بمثابة البيان الشعبي لاستطلاع هلال رمضان وإشارة البدء بطقوس رمضان بمقدمتها الموسيقية العبقرية، والأداء الغنائي المتمكن، وكلماتها السهلة الممتنعة، فحين تسمع في البيوت والدروب، فالوقت قد حان لتعليق الزينة وشراء اللازم من خزين رمضان وحلوياته، وتستنير الشوارع بالأشرطة الملونة والأضواء، ويدعو الجو الكرنفالي الحميع للسعادة، وتكتمل المرحلة الغنائية بـ"وحوي يا وحوي" للمطرب أحمد عبد القادر، المقتبسة من التراث المصري القديم، وكما يتم استقبال رمضان بالغناء نودعه أيضاً بالغناء، عندما تعلن شريفة فاضل اقتراب عيد الفطر حين تشدو "تم البدر بدري والأيام بتجري" ثم تؤكد علي مفارقة يختص بها شهر رمضان ألا وهي كونه"هالل بفرحة ومفارق بفرحة" ولا أعرف شهر سواه يهب الفرحة في  عند قبوله وإدباره إلا رمضان.

ونفس الشوارع التي كان يعمها الضجيج وتمتلأ بالزحام في النهار، تكاد تخلو مع أذان المغرب من الحركة، فالناس في بيوتهم يتهيأون لصلاة المغرب وتناول إفطارهم الذي يكون عادة دسماً يحوي من نعم الله الكثير، ومن لا يتسني له الإفطار في منزله وسط أهله لظروف عمل أو سفر، يحاول المحيطون به مساعدته وإكرامه، وبعد وهلة يعود الزحام وربما أكثر، فتمتلئ المتاجر والمقاهي، ويمرح الأطفال خارج البيوت حتي وقت متأخر من الليل لاطمئنان الأهالي ببركة رمضان وونسه، ومع لحظات الفجر الندية يسعي المصلون للمساجد بين الصحو واليقظة، يرجون رحمة ربهم لاجئين لحماه، ويملأون بيوته التي تبقي رحبة رغم امتلاء الناس بها، تختلط الأنفاس بالدعوات بالهمهمات، بصوت قراء القرآن كلاً منهم علي نغمة وآية مختلفة، كأن الشهوات خمدت وصفت الصدور والقلوب.

ويمتاز رمضان بموسم فني زاخر وفاخر، وتظل الأعمال القديمة في الإذاعة والتلفزيون لها رونقها ومتعتها التي لا تضاهي، رغم التطور التكنولوجي الفائق في صناعة الصوت والصورة، مازالت الأذن والعين تحن للأصوات المعبرة و الوجوه الأليفة القريبة من القلب لفنانين مصر الحقيقيين، الأذن ترقص طرباً حين تسمع ملكة الميكروفون زوزو نبيل وهي تهمس" بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد...." هنا نعيش بالوجدان في عالم من الخيال الجميل المستوحي من قصص ألف ليلة وليلة، كتبه للإذاعة طاهر أبوفاشا وأخرجه محمد محمود شعبان عام ١٩٥٥،مع أن ألف ليلة وليلة قدمت للدراما التليفزيونية مراراً إلا أن الأصل الإذاعي يمتاز ببصمة سحرية علي الوجدان لا تمحي، ويحتل مكان الصداراة في الأعمال المقتبسة عن ألف ليلة وليلة، فنحن نركب علي بصوت فناني ذلك الزمن علي بساط علاء الدين، ونطير بين الممالك والقصور نشارك أبطال القصص مغامراتهم، ولما ينطلق سيد مكاوي في "المسحراتي" يلهج بكلمات فؤاد حداد المقطرة بحب مصر والإنسانية والحياة، فالسحور قد حان وضوء الفجر يبحث عن طريقه، ومع الإقبال علي طعام السحور تتشبع قلوبنا بالأشعار والغناء مع اثنين من أجمل أبناء مصر ارتبطا بالشهر الكريم، يدعوان كل ليلة ليقظة الضمير والهمة كما يدعو مسحراتي الشارع ليقظة العيون" وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال، حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال، وكل شبر حتة من بلدي حتة من كبدي حتة من موال"، وسيد آخر هو سيد الملاح مع المبدعة سهير البابلي  كونا ثنائياُ إذاعياً في منتصف السبعينيات ارتبط برمضان  عن طريق مسلسل"سيد مع حرمه في رمضان" يقدمانه بأسمائهما الحقيقية، ويغنيان في بدايته أغنية في منتهي الظرف، ومن مشكلات سيد وحرمه لمشكلات أخري يواجهها" موهوب وسلامة" كما قدمهما فؤاد المهندس وعبد المنعم إبراهيم، ومع كل أمسية نستمع لرجاء موهوب بمنحه فرصة أخري ليبين قدراته التي يؤمن بها وحده، وهو يردد" ده أنا موهوب والله العظيم موهوب" فننتظر للغد لسماع موقف مضحك جديد، ومع صوت قراء القرآن الكريم نحلق في سماوات الله العلي القدير ونسمع كلماته بحناجر ازدانت بآيات كتاب الله، ونسمع بخشوع وطرب عمالقة مدرسة التلاوة المصرية وبخاصة الحصري والمنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد ومصطفي إسماعيل، وكيف ينقلون معاني الكلمات بأدائهم الصوتي وإحساسهم العميق بالقرآن الكريم، ومع الابتهالات نخشع وندعو الله بقلوب رقت من فرط حلاوة الأصوات وصدقها، مستقبلين أيام الرحمات بابتهال النقشبندي"رمضان أهلاً مرحباً رمضان، الذكر فيك يطيب والقرآن" .... إن أثير الإذاعة سري في أيام وليالي رمضان، لينشر فيها ذكريات عصية علي السقوط في بحر النسيان.

 ولم يختلف الأمر بالنسبة للتلفزيون بفوازير رمضان التي قدمها صلاح جاهين وفهمي عبد الحميد، فملآ الدنيا وشغلا الناس، وعلي الشاشة تألقت نيللي وشريهان بتلك النوعية من الأعمال، بينما اكتسح المواسم الرمضانية" ليالي الحلمية" بأجزائه الخمس  من تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ ، فتابعهما الجمهور بشغف وتعلق وهما يرويان مع ما يقرب من ٣٠٠فنان حكاية مصر الحديثة، مجسدة في الصراع بين الباشا سليم البدري والعمدة سليمان غانم، علي مدار عشرات الحلقات دمجت المتعة بالتفكير، وبأسلوب طريف وراقي حاور فنان الكاريكاتير رمسيس زخاري نجوم مصر في الثمانينيات والتسعينيات خلال برنامج"يا تليفزيون يا" فاقتربنا من مبدعي مصر بشياكة وخفة علي القلب، وحين نتذكر هذا البرنامج وأمثاله نرثي لحالة الزعيق والكلام بـ"العين والحاجب" في البرامج الثرثارة المتسابقة نحو افتعال الجدال التافه، وحين يتربع الشعراوي علي كرسيه نجلس أمام لسان لبق يفسر الآيات القرآنية بأسلوب مبسط جعلته قريباً من رجل الشارع.

رمضان في مصر له خصوصية لا تجدها في أي مدينة في العالم، فذلك الشهر طوفان من المشاعر يتم التعبير عنها بطرق شتي، سواء في الروحانيات أو فرحة الاستقبال أو تزجية أوقات الصيام بمتابعة الأعمال الفنية، ولكل طريقة صوتها وصورتها، فيبدو رمضان كعالم خاص وجميل، ولكن ياللخسارة فهو كلل شئ بهيج يتلاشي سريعاً ويذوب في تتابع الليل والنهار، ولا يبقي منه سوي الذكري تؤنسنا حتي يعود من جديد.... وهكذا تمضي الأعوام. 


الخميس، 27 فبراير 2025

المنفلوطي... الرجل والأثر

 

 

المنفلوطي... الرجل والأثر

 

في عام ١٨٧٦استقبلت بلدة منفلوط الشهيرة بزراعة الرمان،الواقعة علي الشاطئ الغربي لنهر النيل بمحافظة أسيوط،ابنها الأشهر الذي سيرتبط اسمه بها مصطفي لطفي المنفلوطي،وسيقام له عند مدخلها تمثالاً يقف ليذكر الداخل والخارج أنه هنا ولد وعاش صاحب النظرات والعبرات،فخر بلدته وناسه،عائلته تنتسب للسبط الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد رسول الله،ويبدو أن الأصل رسم مستقبل العائلة فعمل أكثر أفرادها كنقباء للأشراف وقضاة شرعيين،والده محمد لطفي قاضي منفلوط الشرعي،أما والدته اسمها هانم حسين تركية من أسرة الجوربجي،طلقها أبوه وتزوجت من رجل آخر.

كعادة أهل مصر في تلك الفترة دخل الصبي مصطفي الكتاب،ليبدأ منه أولي خطوات حياته العلمية،وتخرج منه حافظاً لكتاب الله الكريم،ثم التحق بعد ذلك بالأزهر الشريف ومكث فيه عشر سنوات،ولم يقف اهتمامه العلمي علي مايتلقاه من دروس في الأزهر،بل كان شغفه بالمطالعة والقراءة أوسع من المناهج وأقوال المشايخ،وهناك تتلمذ علي يد الشيخ محمد عبده منذ عام ١٨٩٥وأصبح من المقربين له،لم يستكمل المنفلوطي دراسته الأزهرية ولم يحصل علي شهادة العالمية،بخلاف استاذه الذي تحدي جمود الدراسة الأزهرية ليحصل علي شهادته،بينما المنفلوطي انغمس في القراءة الحرة في التراث العربي القديم والترجمات من الأدب العالمي  والاطلاع علي الكتابات الصادرة من أدباء الشام في المجهر،والتي مثلت روحاً جديدة علي الأدب العربي.

اتسم المنفلوطي بحساسية شديدة لكل موقف يمر به،أو صفحة من كتاب يقرؤه،ورغم تدفق قلمه السيال،لم يكن طلقاً في الكلام،لسانه ثقيل في الحروف حين يتحدث،كأن الطبيعة سلبت من لسانه البيان وأودعته في سن قلمه،وبفعل الموجات المتحررة القادمة من الغرب وتأثره بالثقافة الأوروبية،علم بناته في المدارس الأجنبية،وفي سنواته الأخيرة حاول إتقان الفرنسية فلم يتمكن من ذلك،ورفض أن يستبدل زيه العربي بالزي الإفرنجي،وإن كان تعلق بالملابس الداخلية الأوروبية.

عام ١٨٩٧تعرض للمحاكمة بسبب قصيدة هجا فيها الخديوي عباس حلمي لدي عودته من تركيا،نشرها في مجلة الصاعقة ثارت لها غضبة القصر الحاكم،واتهمه بالعيب في الذات الملكية،وكاد يتعرض لخطر السجن،لولا توسط أصدقاؤه وعلي رأسهم محمد عبده،يقول في مقدمتها:

قدوم ولكن لا أقول سعيد     وملك وإن طال المدي سيبيد

رحلت ووجه الناس بالبشر باسم     وعدت وحزن في القلوب شديد

حين توفي الإمام محمد عبده١٩٠٥عاد لبلدته يكسوه الحزن،ويفضي بمكنون قلبه علي صفحات الجرائد، كجريدة الصاعقة والمؤيد،ومن الثانية سينطلق المنفلوطي بالنظرات والعبرات،ليكون أشهر كاتب مقال في زمنه،مما يؤهله ليعينه سعد زغلول وهو وزير للمعارف ١٩٠٩ في وظيفة المحرر العربي للوزارة،ويظل يرعاه حتي وفاته ١٩٢٤بسبب تسمم الدم"البولينا"،ودفن وشيع يوم ١٢يوليو دون أن يشعر به أحد إلا قلة كانت حوله،بعدما شغل أذهان المتعلمين والعامة بكلماته وكتاباته،لأن ذلك اليوم كانت مصر كلها في شغل عنه،بعد محاولة الاعتداء علي سعد زغلول في محطة القاهرة،فأصيب برصاصة في ذراعه الأيمن،وأخري أعلي الثدي الأيمن،حين كان في طريقه ليهنئ الملك فؤاد بقدوم عيد الأضحي،فهاجت البلاد كلها خوفاً علي زعيمها الذي أشعل ثورتها الكبري قبل خمس سنوات،وفي خضم ذلك ذلك الاضطراب العاصف فاضت روح مصطفي لطفي المنفلوطي في عيد الأضحي،متألماً من المرض كما عاش يتألم لأوجاع وأحزان نفسه،ويتوجع لمصائب الناس من حوله يلقي عليهم نظراته ويسكب لأجلهم عبراته،وكما عاش متأوهاً مع أبطال قصصه ورواياته،مات وهو يصيح بلهجة الصعيد"آه... آه... يابوي!".

ونعاه أمير الشعراء أحمد شوقي،منوهاً بيوم وفاته الذي صادف الحدث الجلل،فصرف عنه الأنظار وهو يلفظ آخر أنفاسه ويواري التراب،وقد عاش في بؤرة الاهتمام،ومحطاً لأنظار كل ناطقي العربية:

اخترت يوم الهول يوم وداع    ونعاك في عصف الرياح الناعي

هتف النعاة ضحي فأوصد دونهم     جرح الرئيس منافذ الأسماع

من مات في فزع القيامة لم يجد     قدماً تشيع أو حفاوة ساع

لا يمكن لكاتب أو فنان أن يبزغ من فراغ،أو يظهر من تربة فارغة،بل لابد من عملية تجهيز طويلة وتدريب ذهني حقيقي،تتألف فيها القراءات والتجارب حتي تضع البذرة الأولي التي ستثمر في أوانها حدائق فكرية وقصور فنية بهيجة يترنم بخلودها الزمن،والمنفلوطي كاتب تراثي من الطراز الأول،تشرب التراث العربي شعره ونثره،وهضمه وصاغ من ذلك تياراً تجديداً رومانتيكياً في الأدب،فما فعله أستاذه محمد عبده من تجديد للفكر الديني،كرره المنفلوطي في عالم الأدب،وكيف للمنفلوطي أن يخفق في التجديد كمعلمه وقد قيل أنه كان يلازمه ملازمة الولد للأب،فتحرر من"قيود التمثل والاحتذاء"علي حد قوله في مقدمة الجزء الأول من كتاب النظرات حيث جمع بين دفتيه مقالاته في المؤيد،ولم يكن ذلك يجدي شيئاً لولا أن المنفلوطي صاحب نفس فنية حساسة وعقل واع ومدرك يحسن التدبر والتفكير،تشبع الرجل من أدب الجاحظ وابن العميد وابن المقفع وابن عبد ربه والأصفهاني والجرجاني،ودواوين المتنبي والبحتري وأبي تمام والمعري،وتنسم ريح عصره بكتابات جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة،فكتب بالعربية أعمالاً مزج فيها اللغة العربية الصرفة بديعة النغم والمعني بالروح الأوروبية،كما قام بتعريب نماذج من الأدب الفرنسي بصورة بليغة محملة بالمشاعر والأفكار أكسبتها شهرة ضخمة ربما فاقت شهرتها في بلاد السين نفسها.

انتهج المنفلوطي في أعماله المنهج الرومانسي وقد جاءت راياته تخفق من أوروبا في القرن التاسع عشر،بعد زوال سلطان العقل وانطلاق الوجدان والقلب،وهو ما عبر عنه الشاعر ألفريد دي موسيه"أول مسألة هي ألا تلقي بالاً إلي العقل... بل اقرع باب القلب ففيه وحده العبقرية وفيه الرحمة والعذاب والحب". يعتبر جان جاك روسو هو الرومانسي النموذجي الأول الذي شق طريقاً للرومانسية،وقد عرفت مدام دي ستال الرومانسية في فجر مولدها بكونها تعني"الحس المرهف،الحزن المبهم،التطلع إلي الله وحب الطبيعة"-إنه أدب المنفلوطي دون زيادة-من أبرز روادها فيكتور هوجو الذي سيطر علي أدب القرن التاسع عشر حتي سماه بعض النقاد"عصر فيكتور هوجو". وكما نري في تلك الإشارة السريعة أن المذهب الرومانسي نبع من الأراضي الفرنسية لذلك يقال"الرومانسية هي الثورة الفرنسية ممثلة في الأدب".لاءمت تلك المدرسة وجدان المنفلوطي،وأظن أنه همس لنفسه في ليلة هادئة بكلمات فيكتور هوجو في ديوان التأملات وهو يستدعي شجونه التي لامست وجدان الجميع وتولهوا بها كأنها مرآة لوجدانهم هم"عندما أكلمك عن نفسي فإنما أكلمك عن نفسك،آه كم أنت مجنون لو ظننت إنني لست أنت". لقد مهد التراث العربي كما عايشه المنفلوطي لدخوله باب المدرسة الرومانسية واعتماده رسولاً لها بين أهل عصره الذين عشقوا كتاباته من أصغر القراء شأناً حتي قمم الأدب المصري كنجيب محفوظ ويحيي حقي،تلك المدرسة التي تعني بالقلب والقلب وحده،وتدور أعمالها في جو من المشاعر والأحاسيس،في مدتئم القلوب وشوارع الخطرات الشاعرية،فعاش يبكي للمنكوبين البائسين،ويرقق القلوب علي الضعفاء العاجزين،وعن منهجه الأدبي يقول"ولقد قرأت ماشئت من منثور العرب ومنظومها،قراءة المتثبت المستبصر،فرأيت أن الأحاديث ثلاثة:حديث اللسان،وحديث العقل وحديث القلب"،ويؤكد أنه لم يحفل سوي بحديث القلب أي إنه رومانسي بالسليقة و إن لم تكن الكلمة طرقت سمعه بعد،نبت في تربة عربية مترعة بالرومانسية يفوح من بلاغتها رائحة القلوب،فقرر استكمال مسيرة أجداده ويؤسس للرومانسية مدرستها في الأدب العربي المعاصر،وأن يكون هو ناظرها الأول وأن يعرف في مقالاته التي كان يتخاطفها القراء المحبون له،وبعضهم يحفظها عن ظهر قلب من فرط هيامه بها،فيثني علي كتاب بلاغة الغرب لكامل حجاج اذي جمع فيه مختارات من الأدب الأوروبي،ويترجم قصيدة الدعاء لفيكتور هوجو مبدع رواية البؤساء درس الإنسانية الخالد،ويخط رسالة لتولستوي الذي هجر أملاكه الشاسعة ومات في محطة قطار بعدما حاول منح ثروته للفلاحين الروس الفقراء،وينعي فولتير المدافع عن الحرية وكرامة الإنسان،ويحلل معني البلاغة متخذاً خطبة أنطونيو بعد مقتل القيصر مثالاً لذلك كما وردت في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير.

بمزيج من الترجمة والتأليف يكتب قصص العبرات التراجيدية،كإرهاص لما سيترجم بعد ذلك من روايات بدأ في تعريبها ١٩١٧بعمله الأشهر ماجدولين لألفونس كار،وقد عربها عن ترجمة صديق له يدعي محمد كاما فؤاد،كعادة المنفلوطي في إعادة صياغة الأعمال الأصلية عن طريق شخص آخر يعرف الفرنسية،فيضيف ويحذف حسب هواه ويعيد ترتيب الأحداث كما يراها هو لما كما دونت ويستفيض في الدروس والمواعظ... وبعد أن يتساءل الناقد عبد الفتاح كيليطو في كتاب"لن تتكلم لغتي"سؤالاً استنكارياً"من هو القارئ العربي الذي لم يتأثر في فترة من حياته بالمنفلوطي،ولم يفتتن بأدبه،ولم يذرف الدموع الغزيرة عند قراءته؟"يلاحظ أن المنفلوطي تشبع بالمؤلفين الفرنسيين الذين ترجم لهم،لدرجة أنهم صاروا جزء من كيانه وروحه لدرجة عدم كتابة اسمائهم علي أغلفة الروايات،فتحت عباءته الأزهرية اللباس الداخلي الأوروبي الذي زلع به،فالمنفلوطي بداخل أعماقه روح أوروبية سترها بالملابس الأزهرية،كما ستر أسماء المؤلفين تحت اسمه العربي الفصيح.

يتذكر الناقد عباس حضر في إحدي مقالاته جزء من حالة الهيام بالمنفلوطي،انهمكت في قراءة المنفلوطي بكل مشاعري وفتنت بعباراته وجمله الموسيقية،حتي إنني كنت أكتب ما يطربني منها في مذكرة جيب أضعها في جيبي كأنها محفظة نقود أنفق منها"لقد أثر المنفلوطي بكتاباته المقالية في النظرات والقصصية في العبرات والأعمال المعربة بروحه ووجدانه الشخصي،في رواد أدبنا الحديث الذين نفتخر بمنجزهم في معترك الحياة الأدبية،نجيب محفوظ أول محطاته الحقيقية بدنيا الأدب في صباه كانت بين يدي المنفلوطي"بدأت أقرأ المنفلوطي حتي تشبعت منه تماماً،وعندما فرغت وبدأت اسأل عنه وجدته قد مات منذ ٢٧عاماً فبدأت أبكيه"ماجدولين هو الكتاب الوحيد الذي أعاد قراءته لأكثر من عشرين مرة!... في ماجدولين شحنة عاطفية لا تفني،مصدرها حرارة عواطف المنفلوطي نفسه وشاعرية بطلها استيفن وروحه العامرة بالحب ومالاقاه من خطوب وتضحيات جسيمة في سبيل حبيبته،ورقة وجمال ماجدولين ومأساتها التي أدت لانتحارها بعد الزواج من ادوار صديق استيفن الثري،مع الجو الأوروبي الذي يغلف صفحاتها،والعبارات النثرية الممتعة،وظل محفوظ يذكر المنفلوطي في أعماله،في رواية بداية ونهاية نسمع حسن يقول لخطيبته"من يقول أن القبلة استهتار؟ألم تقرأي ما قاله المنفلوطي في القبلة وهو الشيخ المعمم؟"أما كمال عبد الجواد المعادل الروائي لشخصية محفوظ فيناجي نفسه في الثلاثية"موت المنفلوطي وضياع السودان ووفاة سيد درويش أحداث كللت زمننا بالسواد"،العميد طه حسين كان من المتولهين بالمنفلوطي قبل محفوظ بزمن،يلتهم مقالاته بأذنه،وتأثر بها من حيث إيقاع النثر وسبك المعاني،ويتجلي ذلك في مقالاته القصصية مثل جنة الشوك والمعذبون في الأرض،وكذلك إبراهيم المازني في صندوق الدنيا وقبض الريح،ولم يفلت من تأثيره كتاب الرومانسية كمحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي،بل ورواد الاتجاه الواقعي كعبد الرحمن الشرقاوي،ويعبر يحيي حقي بكلماته التي تعرف علي الدوام هدفها،بتشكيل فكرة كاملة واضحة بعبارات رشيقة في ذهن القارئ في كتاب"خليها علي الله"عن مكانة المنفلوطي بين أبناء جيله وينسحب ذلك علي الأجيال التالية له"كان المنفلوطي أعز الناس لدي الجيل الذي أنا منه،مصطفي لطفي المنفلوطي.أسال من صخرة الفصحي عيناً سلسبيلاً كم نهلنا منها وارتوينا،إن سحره لا يقاوم وفضله علينا عظيم،ولو أنه رحمه الله أكبر مسئول عن دموع مآقينا وزفرات صدورنا،وخفقات قلوبنا ونحن نقرأ له" العبرات"و"ماجدولين-أو تحت ظلال الزيزفون"".

لقد شق المنفلوطي بقلمه مجري جديداً للأدب العربي المعاصر،وحرك المشاعر فظهر من يكتبون بعد أن أحسوا بلذة الأدب تأثراً به.... وما يزال تأثيره مستمراً حتي اليوم رغم ما يتعرض له علي الدوام من نقد أو بالأحري"نقض"وتجريح،منذ هجوم المازني عليه في العاصفة التي أقامها مع العقاد في كتاب الديوان،ليشتهرا علي حساب كبار من حملوا القلم مع بداية النهضة المصرية،حتي زمن الإنترنت والكلام حق فيه لمن يعلم ومن لايعلم،من يقرأ بتمحيص ومن سمع ويردد دون فهم،يكفي أن كل من يدرك قيمة المنفلوطي ويحمل روحاً شاعرية مهمومة بآلام البشر وأوجاعهم،سيظل يأتنس في لياليه مع النظرات والعبرات،يري كيف تلضم كل عبارة رهيفة حساسة مع أختها لتنتج صفحات تقرأ بالقلب قبل العين والعقل،ويحيا ساعات غير محسوبة من العمر،يعيش فيها مع ماجدولين واستيفن وقد سمت مشاعره،وتعلم أن يفتح قلبه للحب تاركاً الحقد وسخائمه كي لا يتلطخ بالوحل،معرضاً عن الصغائر متعالياً عن الغريزة في سبيل الروح،ويتحمس للوطن هاتفاُ لحياته من أعماقه مع رواية في سبيل التاج،المهداة منه لزعيم الأمة سعد زغلول،ويشهد فيها كيف تغلبت عاطفة الوطنية قسطنطين ابن القائد برانكومير علي كل عاطفة أخري حتي حبه لأبيه الذي يكتشف خيانته لبلاد البلقان،فيفضل حرية شعبه واستقرار بلده علي حياته وحياة أبيه مضحياً في سبيل الوطن بكل ما يملك دون تردد أو ندم...أثر أعمال المنفلوطي في الزمن الحالي ليست في الأسلوب والألفاظ،التي طرب لها أجدادنا في عصره وحفظوها إعجاباً بمقدرته اللغوية التي بجلوها فيه،بل في الروح العذبة والصدق الذي يكسو كلماته،ولأنها خرجت من القلب فتسري للقلب،سواء كان ينتظرها تصدر في جريدة تأتي من مكان بعيد،أو يقرأها علي شاشة هاتف أو كمبيوتر بين أصابعه يفتحها في أي وقت كحالنا اليوم... إنها مؤثرة حقاً لا أحد ينكر وحتي أكثر كارهيها،لا يعترض علي كونها تلامس الروح الساذجة الطيبة الكامنة داخل كل فرد فينا،وتتواري مع كل تجربة مريرة حتي تكاد تتلاشي من الكمد والضربات القاسية!وبمثل تلك الأعمال يمكننا الحفاظ علي جانبنا الخير،في زحام ملابسات حياتية وتعقيدات اجتماعية تهدد باغتياله في كل ساعة،مع المنفلوطي نحتال لأخذ هدنة من ضجيج الترندات والكلام الفارغ والأحداث المخزية،والكتب الرديئة وأدعياء الكتابة والثقافة،ونخلو نتصفح خطرات قلب ذاك الرجل البليغ ومعانيه الحلوة،وننطلق مع شخصياته ذوات المبادئ الثابتة كي لا تذبل فينا الفضائل.

ومع كل معركة أدبية تافهة،أو ضجة من شبه أديب أو مدع ثقافة متضخم الذات،أتذكر ابن منفلوط الذي ترك أثره ورحل،والرجال الحقيقيون هم من تتكلم عنهم أعمالهم لا ثرثراتهم،أتذكره وابتسم قائلاً"سلام عليك يا منفلوطي،يا من جعلت من الأدب ملجأ أهرع إليه في وحدتي فأشارك بوجداني شقاء إخوتي في البشرية،فيرق قلبي ويهتف بحب الإنسانية".


 

 

الجمعة، 31 يناير 2025

الخطط 36

 


اشتهرت الصين بالحكمة التي غطت كل جوانب معيشتها، فكما نتعلم فن الحياة من لاوتزو وفن السياسة والمعاملات من كونفوشيوس، من كتاب الخطط الست والثلاثين نستقي فن إدارة المعارك، ليست الحربية فحسب بل المعارك الاقتصادية والسياسية والإعلامية، لأن ذلك الكتاب كاشف للطبيعة البشرية، ونوازع وأهواء النفس الإنسانية رغم صفحاته المحدودة، ويعرض بالتلميح والإشارة لمواطن ضعفها وكيفية استغلالها لاقتحام أسوار الأعداء مهما تسلحت بالدفاعات لكتابة النصر النهائي أو الانسحاب دون خسائر، لقد ظهرت تلك الخطط خلال عصر الممالك المتحاربة، قبل ظهور قادة روما العسكريين، لتلخص خبرات طويلة في الصراعات بين جيش وجيش وعقل وعقل، إنها الخطط التي طبقها أفذاذ الحياة العسكرية كالإسكندر ونابليون، فلم تكن حروبهم مقتصرة علي السيف فقط، بل جاء السيف في مرحلة متأخرة بعد استخدام الحيل والمهارات والتكتيكات الحربية للتغلب علي الخصم وكشف معسكره وطريقة تفكير قواده... إنك بين صفحات هذا الكتاب ستتغلغل في رقعة شطرنج كبري، وتكتشف مفاتيح الفوز في معارك كثيرة إذا استوعبت كيف تلعب دورك جيداً، وماذا تحرك من قطعك وكيف تتفادي أفخاخ خصمك للإيقاع بك. 


ديوان المتنبي

 


صدق ابن الرشيق القيرواني عندما قال"ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس" وديوانه الذي حققه عبد الوهاب عزام-الذي قضي شطراً كبيراً من عمره في صحبة المتنبي- بتدقيق شديد مع الإشارة لما نسب للمتنبي أو ما غيره الشاعر نفسه فيما بعد، واختلاف نسخ المخطوطات فيما بينها، يملأ وجدان القارئ حتي اليوم وسيظل قابعاً في الثقافة العربية مادامت قائمة ثروة للاقتباس والقياس والعظة، نري فيه تطور الشاعر منذ صباه لأنه قد رتب القصائد تاريخياً من أول بيت قاله حتي ختام آخر قصيدة له، نسير مع قصائده لنهاية حياته، ويالها من حياة فريدة وشخصية نادرة، اصطدمت بالدنيا والناس ومع كل ارتطام نسمع دويه شعراً يتفجر من قريحته الملهمة من موهبة سماوية، ستقرأ هنا أحد روائع وآيات الأدب العربي القديم، تتعلم اللغة والحكمة وفن البياز ويدق قلبك في مواطن كثيرة وستتأمل وتفكر في الدنيا والناس في مواطن أكثر، فمن بين أبيات المديح والرثاء والهجاء والغزل، يعصر المتنبي من حشاشة نفسه ويصفي قطرات من روحه مثقلة بالحكم مواعظ التجارب مع الناس ودنياهم، ولا تندهش لو وجدت نفسك وعواطفك تتجلي في مرآة قصائده، فقد صدق أيضاً القاضي الفاضل أيضاً حين قال"إن أبا الطيب ينطق عن خواطر الناس". 


التعريف بشكسبير

 


حينما يكتب العقاد في السير والتراجم، تفيض الأفكار والمعلومات من قلمه السيال، جامعاً كل الخيوط الذاتية والموضوعية لرسم صورة صادقة عن المترجم له، وهكذا فعل وهو يعرف بشكسبير فيدون للقارئ بطاقة شخصية مطولة عنه، يسطر فيها روح عصر شكسبير وخصوصية انجلترا في ذلك الوقت لعزلتها بين أمواج البحر، ويبين دور الأسرة والفارق بين تطلعاتها المحدودة وطموح أعظم شخص ولد فيها، بل أحد أعظم الأسماء في التاريخ، ويبرئه من تهمة الانتحال التي اتهم بها زوراً أو جهلاً، ويصور طبيعة شكسبير الكاتب المسرحي وشكسبير الشاعر، مسجلاً آراء الأدباء فيه كفولتير وتولستوي،وكيف يتم تطبيق النظريات النفسية الحديثة علي أبطاله، ولماذا تحول لأيقونة عالمية في مختلف الدول، حتي ولو كانت تعادي إنجلترا إلا أن أعمال شكسبير برونقها اللامع طغت علي أي خلاف سياسي أو عسكري، وكيف تلقفته الثقافة الشرقية، الكتاب يجيب علي العديد من الأسئلة حول واحد من أعظم أدباء بني البشر، الرجل الذي أدخل في اللغة الإنجليزية كلمات صكها وختم عليها لم تكن تعرفها من قبل، والعبقري الذي صور شخصيات حية أكثر من الأحياء أنفسهم كهاملت وعطيل والملك لير... إنه خير استفتاح لمن يقبل علي خشبة المسرح الشكسبيري لأول مرة ولا غني عنه للمهتمين بأعمال شكسبير وحياته، لأنه يلقي الضوء علي الكثير من الألغاز والمشكلات التي أحاطت بشخصيته، فلا تضيع الوقت واجلس مع العقاد ليقدم لك شكسبير الرجل والفنان.