السبت، 22 فبراير 2020

كوبري علي النيل


في أمان الله يسير الحمار يجر الكارو,عليها جوال من الدقيق,وفي مؤخرتها يقبع طفل له من العمر ثمان سنوات مبقع الثياب حليق الرأس له نظرة,مُهولة تبالغ في كل شئ,لا يمكن بالضبط التأكد إذا ما كانت رغبة في الاندماج مع العالم من حوله أم مجرد ألاعيب طفولية,وفي الأمام ممسكاً باللجام يتقر الأب خلف الحمار,معتمراً لفة غريبة علي رأسه,بل هي لفائف من قطع قماشية ربطها بصورة عشوائية,متقياً من البرد بجاكت محشو بثياب مهلهلة,سترها عن الأعين برقع عديدة في قلب الجاكت,بين الثلاثة الأب وابنه والحمار وبين النيل مرمي حجر,شب الطفل فرحاً لمرأي النيل"البحر...البحر!"وأخذ يفرك جسده علي سطح العربة فرحاً بالمياه الجارية أمامه,لكنه شعر بخبطة آلمته,وفي لحظة لم يجد الجوال أمامه,وسمع الأب يصيح بالحمار وهو يسب ويلعن.
كان الجوال ساقطاً علي الأرض وقد انفكت العجلة اليمني من مكانها,نزل الأب وأشار لابنه بالنزول,ووقف أمام الجوال جائراً لا يدري ما يفعل,أما الولد فقد نطر نظرة المتفاجئ للمرة الثانية,ووضع اصبعه في فمه,ثم تراجع برأسه للوراء في دهشه,كأنه يفكر في بناء رياضي معقد أو يدون سيمفونية ملحمية,كان شكله لذيذاً هكذا يبعث علي الضحك,لكن الأب لم يلمحه,ركع بجوار الجوال وتلفت للشارع العامر بالضجة حوله وهمس لابنه"لن يساعدنا أحد",وأخذ يعبئ فيه ما انفرط,وهو يقول في مذلة"وما ذنبي يا حاج حسنين,جوالك وقع من العربة غصباً عني,والله تركت العجلة تطير أمامي بعيدا وهرولت للمّ بضاعتك من علي الأرض"ثم صمت برهة وكأنه يستمع للحاج حسنين في رأسه,أو يتخيل الحوار"سامحك الله يا حاج أجل أنا نظري ضعيف والعملية تحتاج لجوال مثل جوالك ممتلئ بالجنيهات,والحال كما تري,ما العمل يا حاج,أمنع عن بطني اللقمة وأوفرها للولد والحمار"ثم نظر إلي الحمار بينما الولد يبتعد ناحية النهر"إنك حبيبي وغالي عليّ,ولا أستخسر فيك شيئاً أبداً,لا يساعدني في هذه الدنيا غيرك"ثم عاد ونظر حوله من جديد للشارع المكتظ بالحركة والناس,وقال في أسي بصوت واضح استمد جرأته من الضوضاء حوله التي لا بد ستمحوه من الأسماع"يا ناس فليساعدني أحد",وطرأت علي ذهنه فكرة - لم يجد ألفاظاً للتعبيرعنها مع الحمار- أن كل واحد في هذه البلد يتعالي عليه ويشعر أنه أفضل منه,الكل يحتقر من هو دونه وقمة الاحتقار محاولتهم اخفاء هذا الشعور بطريقة فجة,تعلن أنه يقلل منك لكن أخلاقه العالية تمنعه من إيصال هذا الشعور لك,لكن نظرات الأعين ونبرات الصوت ونفاذ الصبر عند تبادل الحديث,تقوم بالواجب وأكثر,كل فئات المجتمع تحتقر بعضها ويستعلون علي من دونهم لحساب ذات وهمية يستمدونها من بناء اجتماعي معوج, وهكذا نطلب من الآخرين الاحترام ونحن لا نحترم أنفسنا,فكيف سنتحول لأمة تطالب بوجود كيان لها وسط العراك الدول المستعر.وليس تحته غير الحمار لكنه لا يقدر علي التعالي عليه,أليس أفضل من كثير من البشر,بل أنه أصبح يتعلم منه,الصبر والوداعة والرضا ومسايرة الأمور والرضوخ حتي تسير المركب.
رفع أحماله علي سطح العربة وجري نحو العجلة,أعاد تركيبها كيفما اتفق,ونظر للصخرة التي اصطدم بها بغيظ شديد,لكنه سرعان ما حوقل وحمد الله علي كل شئ,وعاتب الحمار في مودة الأصدقاء"طيب أنا لم أرها بعيني الكليلة,أما أنت كيف فاتتك بعينك السلمية؟!"
نادي علي ابنه المستغرق في استمتاع بمشاهدة أمواج النيل تجري من تحته,تتلألأ في عنينه الصافيتان,شاعراً أنه يسرق من الشقاء لحظات مبهجة,تفرج علي المراكب والصيادين ولوح لأحدهم بفرحة غامرة,وقهقه من فرط السرور لما رفع يده له,أجلسه مع الجوال علي الطرف الآخر من العربة ليحفظ التوازن قدر الإمكان,نخر وتقدم الحمار في سيره ناظراً للأرض يومئ برأسه لليمين واليسار في ملل وعبر الثلاثة الكوبري وتحتهم النيل بجريانه المستمر الخالد من آلاف السنين.
عندما وصلوا للحاج حسنين لم يلحظ أن الجوال قد انفك ووقع,همّ الرجل أن يحكي له ما جري,وسرعان ما تجاهله الحاج لما دخل أحد التجار الكبار,فقام مسرعاً لملاقاته,وقف الرجل طوال دقائق بجوارهما,ولما بدأ حديث الأموال,التفت له الحاج بنفاذ صبر:
-ما الذي يوقفك هنا هكذا؟
-ولا حاجة يا حاج إنني فقط أريد أن أخبرك بأن....
قاطعه الحاج بغلظة:
-بعدين بعدين اذهب لحال سبيلك.
خرج الأب ليجد الولد يلعب بالكرة مع ابن الحاج في الخارج,سحبه من كفه ورفعه علي العربة,محاذراً أن يراه أحد وهو يلعب مع ابن الحاج,وعادوا يعبرون الكوبري لحمولة جديدة.

الاثنين، 10 فبراير 2020

عجلة ندي


عجلة ندي

مشهد1                                                                                فجر/داخلي
حجرة مختار
-مختار رجل في الستينيات ممد علي فراشه في ليلة باردة.
-لقطة مقربة لوجهه المتألم,دمعة تنزل علي خده.
-ينادي علي ابنته بصوت واهن,يتردد في الحجرة الخالية
مختار:
ياندي
قطع
مشهد2                                                                                فجر/داخلي
حجرة ندي
-ندي مستسلمة للنوم تحت دفء الأغطية العديدة.
-تنتبه للصوت فتقوم مسرعة,فنراها فتاة ضعيفة البنية نحيفة القوام.
قطع
مشهد3                                                                                فجر/داخلي
حجرة مختار
-تقتحم ندي الحجرة ملهوفة بملابس النوم,وتضئ النور.
ندي:
نعم يابابا,فيه إيه؟
-مختار ينظر لها في حرج.
مختار عايز أروح الحمام
تسنده ندي متحاملة علي جسدها الضعيف,فنري مختار مقطوع القدم اليمني ويتكأ علي اليسري بصعوبة بالغة.
قطع
مشهد4                                                                                صباح/خارجي

أمام المنزل
-ندي تفتح قفل الجنزير المربوطة به الدراجة أمام المنزل.
-تخرج لبرودة الصباح,مرتعشة,نري علي سلة الدراجة الكبيرة لوحة مكتوب عليها رقم هاتف ندي فوقه عبارة"لتوصيل الطلبات وقضاء المشاوير".
-تهم بالركوب,فتجد العجلة الخلفية مفرغة الهواء,تحك يدها في الأخري طلباً للدفء.
-تخرج المنفاخ المعلق في الدراجة وتبدأ في تحريكه,بينما يخرج جورج وزوجته ميريت,زوجان شابان, جيران ندي في العمارة.
-ينظران لها في إشفاق,ويتجهان نحوها.
جورج:
العجلة نايمة عالصبح ليه كده؟هي كانت سهرانة إمبارح ولا إيه؟
-لا يجد صدي لدعابته,ويواجه نظرة فراغ صبر من زوجته.
-جورج يأخذ منها المنفاخ.
جورج:
طب هاتي عنك انتي
ندي:
لا يا أستاذ جورج ماتعطلش نفسك
جورج:
يا ستي لا عطلة ولا حاجة,أهو الواحد يحرك جسمه شوية.

-يبدأ جورج في نفخ العجلة.
-تلحظ ميريت ارتعاش ندي من البرد,تخلع كوفيتها وتضعها علي رقبة ندي.
-ندي تحاول نزعها,بينما تتمسك بها ميريت,وقد شعرت بإشفاقهما,فبدا علي وجهها الانزعاج.
ندي:
مالهوش لزوم يا ميريت,لأ,كده كتير.
-ميريت تربت علي صدرها,مداعبة.
ميريت:
ماتزعليش نفسك يا أختي قوي كده,لما ترجعي بالسلامة ابقي اديهالي.
-جورج انتهي من النفخ.
جورج:
خلاص بقت ولا الموتوسيكل بتاع بات مان
-تبتسم لهما ندي فنكتشف أنها تمتلك ابتسامة لؤلؤية تشرح القلب,لكنها مدفونة تحت رداء المعاناة والجزن.
قطع
مشهد5                                                                               صباح/خارجي
سيارة جورج
-ميريت تجلس بجوار جورج في سيارة متوسطة التكلفة,يلوحان لندي التي انطلقت علي دراجتها في مواجهة الرياح الباردة.
-ميريت متألمة لتعب ندي.
ميريت:
لساها عيلة عالهم والشقا ده كله...أب عاجز ودنيا حالها مايل
جورج
ربنا يعين الجميع
قطع
مشهد6                                                                            نهار/خارجي
شوارع مدينة دمنهور
-فوتومونتاج.
-ندي توزع الصحف.
-تسلم ربة منزل كيساً للعطارة,وتأخذ أجرة التوصيلة,وتعطيها السيدة ساندويتش ترفض أخذه,لكن المرأة تصر بابتسامة طيبة,فتقبل,بعد اختفاء المرأة, تجلس علي الدراجة وتأكله.
-رجل عجوز يرتدي جلباب وطاقية,يربت علي كتفها بأبوة,يمنحها مائة جنيه,تعطيه الباقي فيأبي أخذه.
الرجل:
والله ما يحصل ده الحاج مختار الله كانت جمايله علينا
-شاب مستهتر يقود سيارة فارهة,يحدثها بإيحاءات جنسية,وهو يشير للافتة المعلقة علي الدراجة.
الشاب:
تعالي معايا مشوار حلو هاتتكيفي منه قوي
-تتجاهله,فيضيق عليها ويوقعها أرضاً ويجري بالسيارة ضاحكاً.
-ندي علي الأرض,لكن سرعان ما تقوم من جديد وتركب دراجتها.
قطع
مشهد7                                                                                غروب/خارجي
السوق
-السوق بازدحامه وصخبه.
-ندي تسلم طلبية,وترفع ساقها لتركب الدراجة
-يستوقفها رجل ملتح يبدو التطرف والسلوك الهيستيري في كلامه,وله نظرة تشي بعقل محدود.
الرجل
إيه يا بت انتي العجلة اللي ركباها دي,استغفر الله العظيم.
ندي
بت لما تبتك يا راجل انت! انت مالك؟!
الرجل:
ده مالي ومال المسلمين جميعاً,ده حرام...العجل حرام
-ينظر لجسدها بشهوة خبيثة,ويبتلع ريقه
-في نفس اللحظة يتقرب منهما صبي ينظر للدراجة كأنها غنيمة.
الرجل:
لما بنت زيك تركب عجلة كده والناس يتفرجوا علي جسمها في الوضع...
تقاطعه,مبتعدة عن الدراجة خطوة.
ندي:
والله الوضع ده أحسن من أوضاع تانية انت أدري بيها تبان عادية لكن تحتها بلاوي
-الصبي يقفز علي الدراجة منتهزاً الفرصة,ويجري بها.
ندي تصرخ
ندي:
عجلتي!حرااااامي!
-تنظر ناحية المتطرف في غضب
ندي:
منك لله يا ريتني ما شوفتك.
-تركض خلف دراجتها صائحة.
قطع
مشهد8                                                                                غروب/خارجي
مكان آخر في السوق
-ندي تركض لاهثة,وتصيح في إعياء
-يراها كريم شاب في الثلاثينيات, وهو جالس في المقهي يدخن,فتدفعه رغبة نبيلة في مساعدتها,فيقوم ناحيتها.
كريم:
مالك يا آنسة جري إيه؟
ندي:عجلتي...أكل عيشي.
كريم:بالراحة بس إيه اللي حصل؟
قطع
مشهد9                                                                               ليل/خارجي
شارع عمومي
-كريم وندي يسيران سوياً,ينظران إلي المارة والأرصفة يبحثون عن الدراجة.
كريم يحاول التخفيف عنها.
كريم:
علي فكرة أنا سمعت عن عجلتك دي قبل كده,ده انتي بقيتي أشهر من أوبر ده اللي بيقولوا عليه.
ندي:دي عجلة أبويا الله يشفيه,كنت بركبها زمان ألعب بيها,بس دلوقتي....
-تصمت في أسي.
كريم:
ما تخافيش هنلاقيها.
ندي تنظر له في مودة وتبدو كأنها نسيت الدراجة للحظة,وأنهما الآن رجل وامرأة.
ندي:
خايفة لأكون تعبتك معايا ولا عطلتك عن حاجة يا أستاذ....
كريم:
كريم
-تبتسم ندي,وكريم يبادلها الابتسامة.
كريم:
لا تعبتيني ولا حاجة,وبعدين أنا كده كده كان زماني قاعد عالقهوة لحد دلوقتي.
-يبتر عبارته وقد أدرك المفارقة من كدح المرأة وكسل الرجل.
كريم:
الوقت اتأخر والجو وحش,أنا شايف تروحي دلوقتي وبكرة ندور عليها,سجلي رقمي عندك
-تخرج ندي من جيبها موبايل صيني رخيص خلفيته علم مصر.
-ينظر لها كريم بإعجاب.
قطع
مشهد10                                                                             ليل/داخلي
حجرة مختار
-مختار حزيناً لضياع الدراجة,وبجوار فراشه ندي,وفي الخلف تليفزيون مفتوح علي تقرير عن أطماع الدول المعتدية والمنظمات الإرهابية علي مقدرات الشعوب العربية.
مختار:
لا حول ولا قوة إلا بالله,أهو كل اللي حصلك النهارده يا بنتي أكبر درس إن الدنيا زي ما فيها الشر اللي بيلسوع فيها برضه أهل الخير اللي بيطبطوا,الكلام ده سهل نقوله لكن لما نجربه,بتبان حاجات ياما,وكريم ده باين عليه راجل محترم....كان نفسي أكون جنبك بس للأسف ضرري أكبر من نفعي.
ندي:
ماتقولش كده والنبي يابابا,ده كفاية إني بانزل وعارفة انك مستنيني,ده لوحده بيخليني حاسة إنك معايا علي طول
قطع
مشهد11                                                                              ليل/داخلي
حجرة ندي
-ندي مستلقية علي السرير تستعيد وجه كريم وتبتسم.
قطع
مشهد12                                                                            نهار/خارجي
بداية الطريق الزراعي
-ندي يائسة ومتعبة.
ندي:
كده لفينا البلد كلها
كريم:
تكون راحت فين؟
-ندي تحدق بعينين مفتوحتين عن آخرهما وتشير خلف كريم,فنري صبيين أحدهما اللص علي مقربة منهما الدراجة
ندي:أهي.
كريم:دي عزبة مليانة عيال أشقيا إزاي مجاتش في بالي من الأول
-ندي تجري نحو الدراجة بفرحة,يمسكها كريم.
كريم:
استني مش كده
ندي:
أومال ازاي؟
كريم:
هاتيجي زي ما راحت
قطع
مشهد 12                                                                        نهار/خارجي

الطريق الزراعي
-كريم يتقدم نحو اللص وصاحبه.
كريم:
السلام عليكم يا رجالة
اللص:
وعليكم السلام
كريم:
هو شارع كونت دي مونت كريستو في دمنهور يتراح منين؟
-ندي ترقبه من بعيد.
اللص:
أول مرة أسمع عن الشارع ده,هو قالك فين؟
كريم:جنب شارع إيميليا كلارك علي طول
-صاحبه يتطوع بالإرشاد,وهو من النوع الذي يعرف كل شئ ويفهم كل شئ!
صاحب اللص:
آه شارع الواد كلارك اللي زي الطور, بص يا باشا توصل مدخل البلد وتاخد سيرفيس هاينزلك...
يوبخه اللص
اللص:
هو فيه شوارع بالاسم ده,بطل تفتي!
-يشتبكان في جدل
-يشير لندي خفية,وهو يشترك في الجدال
-تقترب وتركب الدراجة وتنسحب في هدوء.
كريم:
طيب يا رجالة متشكرين,هاكلم الراجل تاني اتأكد من المكان
-لا ينظران إليه,ويستمران في الجدل مع بعضهما.
-يطمئن علي ابتعاد ندي,وينسحب خلفها.
قطع
مشهد 14                                                                          ليل/داخلي
غرفة مختار
-يضحك كريم وندي ومختار وهم يتذكرون الموقف.
مختار:
المهم,مبروك رجوع العجلة يا جماعة,الحمد لله.
كريم:وفيه موضوع تاني كده عايز أكلمك فيه يا عم مختار
-ينظر لندي في حنان.
إظلام تام
-الشاشة المظلمة يكتب عليها"بعد سنة"
مشهد14                                                                             نهار/خارجي
صالة الشقة
-علي الحائط صورة كريم وندي في ملابس الزفاف.
-مختار يجلس سعيداً في الشرفة التي يدخل منها الشمس المشرقة وصوت كلاكس ملح.
-ندي تهرول نحو الباب في فرح
قطع
مشهد14                                                                             نهار/خارجي
أمام المنزل
-كريم يركب سيارة نقل صغيرة يستعجل ندي بالكلاكسات.
-ندي تهرول نحوه.
-تتحسس السيارة في سعادة,وتلوح لوالدها ولجورج وميريت الواقفون في الشرفة.
-تركب بجوار زوجها وينطلقان صوب الشمس المضيئة,وفي الخلف نري علي السيارة وهي تبتعد عبارة"سيارة ندي وكريم لنقل البضائع(عجلة ندي سابقاً)
-النهاية-
<<<<<<<<<<<<<<





 ليلة حب

مشهد1                                                                               غروب/خارجي
مدينة دمنهور
-لقطات عامة لشوارع المدينة وقت غروب يوم 29يناير عام 2011,الطرقات خاوية,النوافذ مغلقة,يسمع دوي طلقات رصاص,يتوقف عندما تقطعه صوت مدرعة,ومعها يتعالي هتاف للجيش المصري العظيم.
أصوات مختلطة:
عاش الجيش البطل
يحيا الجيش العظيم
جيش بلدنا نزل...الله أكبر
يخفت الهتاف,وتعم روح السلام.
قطع
مشهد2                                                                         ليل/خارجي
أمام مصنع الحلويات
-منة بنت جذابة في العشرينيات,تحمل حقيبة يد نسائية بليت من فرط الاستعمال,نستكشف وضعها الاجتماعي من ملابسها البسيطة ونظرة استكانة الحرمان في عينيها.تهرول خارجة من المصنع,والليل قد حل بما يثير الخوف في هذه الأيام.
-تكلم نفسها بصوت مسموع جلباً للأمان وللشعور بالونس.
منة:يعني كان لازم أنسي الشنطة بالفلوس إمبارح لما الدنيا هاجت,وقالوا كله يمشي.
-تتلفت حولها في خوف.
منة(برجاء):لو كان حد ييجي معايا...البت سلمي ولا مريم!بس مين هاينزل في الأيام دي...استر يا رب والنبي.
قطع
مشهد3                                                                                ليل/خارجي
أمام أحد المنازل في شارع مجاور
-الجندي علي واقفاً بثقة قابضاً علي سلاحه المعلق علي صدره كأنه جزء من جسده,شاب قوي البنية وسيم المنظر,تحمل لهجته رائحة الريف المصري الأصيل.
-يظهر في الشرفة امرأة علي ملامحها القلق والانزعاج,تحمل طفلها علي صدرها(يظهر التشابه بين حمل الأم لابنها وحمل الجندي المصري لسلاحه).
-يلاحظ علي قلقها.
علي:يامدام دخلي الولد من الساقعة دي...اطمني يا ستي ماتخافيش,إحنا موجودين.
-تبتسم المرأة وتدخل المنزل وقد عادت لها جزءً من طمأنينتها.
قطع
مشهد4                                                                               ليل/خارجي
شارع المصنع
-منة تسير في قلق,تتفادي شظايا الزجاج المكسور وجذوع الشجر الملقاة,تلمح مجموعة من الخارجين علي القانون,تضم بلطجية مع الهاربين من السجون,يحملون السيوف والأسلحة النارية,تستدير وتركض في الاتجاه المقابل.
-يلاحقها ثلاثة مجرمين اشتعلت رغبتهم فيها,وعلي وجوههم لذة انطلاق ميولهم التدميرية.
-تزيد من سرعة جريها حتي تتعثر في جذع شجرة,يتناثر حوله الزجاج المكسور.
-تسقط بعنف وتصرخ بينما ساقها اليمني تنزف دماً.
انتقال إلي
مشهد5                                                                               ليل/خارجي
أمام المنزل
-يُسمع صوت الصرخة.
-يهرع علي نحو مصدرها.
-تفتح المرأة نافذتها مفزوعة.
قطع
مشهد6                                                                                ليل/خارجي
شارع المصنع

-منة عاجزة عن النهوض,يقترب المجرمون الثلاثة.
-نظرة رعب علي وجهها,تصرخ بهيستيريا محاولة الدفاع عن نفسها بالتلويح في وجوههم,مما يثير ضحكهم.
-يمد أحد المجرمين يده نحو ثديها.
-يطلق علي رصاصة من سلاحه,يلتفت المجرمون ناحيته.
-علي واقف بصلابة يحدق المجرمين,يعدل كابه الميري,بهدوء مستفز.
علي:السلاح ده يا مجرم يا هارب منك له,أول طلقة منه تحذير
-يشير في وجوههم بتحد.
علي:التانية والتالتة الرابعة في المليان,هاتسلموا نفسكوا زي الناس ولا عايزين تتشحنوا زي البهايم.
-تظهر مجموعة الخارجين عن القانون,يتسحب نحوه أحدهم,ينتبه علي ويقاومه حتي يسقط علي الأرض,تبدأ المجموعة كلها في التحرك نحوه,يترقب هجومهم وسط صرخات منة.
-من البيوت والأزقة يظهر رجال المدينة,تسلحوا كيفما اتفق,ينضمون لعلي وتنشب معركة سرعان ما يقبضون فيها علي المجرمين ويفر البقية يلاحقهم الرجال.
قطع
مشهد7                                                                               ليل/داخلي
محل بيع هدايا
-علي ومنة جالسان في المحل المغلق ساقها الآن مربوطة,يعطيها صاحب المحل,عم مينا عجوز في الستين,كوب ماء لتهدئتها,علي الجدار لوحة للسيدة العذراء وسط مروج خضراء.
-يتجه صاحب المحل للنافذة,يحاول النظر من الشيش,يتوجه لهما بالكلام.
عم مينا:
بتفكرني يا علي بنفسي لما كنت في حرب في 73الدنيا مولعة حواليا وأنا هادي وعندي ثقة غريبة...الأفارول ده يا ابني اللي بينتمي ليه وبيواجه خطر ضد بلده وناسه,بتحل عليه روح المرحومين جدودنا الفراعنة,وبيبقي رمسيس علي كتفه اليمين وتحتمس عالشمال,وأحمس شادد علي إيده...هايعمل حساب لإيه ولا لمين؟!
-تنتقل العقارب من السابعة للثامنة.
-يحمل علي لعبة سانتا كلوز ويتجه لمنة الجالسة في أسي وألم,يضعها أمام وجهها ويشغلها,فتتراقص اللعبة وتهتز الحلقات علي وسطها,ويتمايل زعبوطه,يبدو علي علي المفاجأة فتضحك من اللعبة ورد فعل علي,تنظر لاسمه المكتوب علي صدره"علي السكري"
منة:علي فكرة اسمي منة
-يبدوان في هذه اللحظة مكتملين رجل وامرأة,وفي عيونهم نظرة الحب الصافية.
-يدعي عم مينا النوم,لكنه يرقبهما يتحدثان ويبتسمان في رضا من خلال عينه نصف المفتوحة,يقوم علي ويفتح الباب,ويتقدم نحو العتبة
علي(مداعباً):خلاص سجلت رقمك عندي,قولتي لي من عيلة المغربي؟
-تهز منة رأسها موافقة وعلي وجهها بسمة.
علي:وأمك ما عندهاش غيرك وبيتكوا في الشارع اللي ورا طوالي؟
-تعاود هز رأسها.
علي:إن شاء الله الأمور تخلص علي خير وآجي لك.
منة:خلي بالك من نفسك.
علي:وخلي انتي كمان بالك.
-يخرج من الكادر.
-منة تنظر في إثره بأمل.
-النهاية-





















الهروب للتعليم


الهروب للتعليم
"لامست قدمي أرض المطار لمسة خفيفة,سحقت فيها كل سنوات المرارة التي مرت بي,هنا في أوروبا وفي العام 2025سأبدأ حياتي الدراسية تاركاً جالوص الطين المحمول علي ظهري طيلة ثلاثون عاماً,من ارتشاف القذارة والعذاب النفسي داخل بؤر الجهل والأمراض النفسية التي علقت علي لافتاتها أسماء مدارس وجامعات.
مع ذلك كنت نادماً وحزيناً,ففي مصرعرف العالم نفسه,والآن تحتاج لغيرها لتعليم نفسها.لحست أعتاب المكاتب,من القاع إلي القمة دائخاً علي الأوراق والأختام,صارعت حقارة نفوس موظفي الحكومة وهوايتهم في تعطيل أعمال الخلق,كأني دانتي يخوض الجحيم مطعماً-في حالتي-بشهور الانتظار,والصبر علي الكلام البائخ,واحتمال رذالة من نوع صنع في مصري,بينما الدنيا تنجز بالتكنولوجيا في دقيقة,ما ننجزه نحن هناك في عام,وأخيراً حصلت علي هذه المنحة,وما رفاعة وطه وزويل,سوي عقول نيرة أتيح لها الرؤية في نور العلم الهادي من الظلمات إلي النور في بلاد أنا فيها اليوم.
أول شئ فعلته قبل الذهاب إلي سكن الطلاب,وضعت كل البهائم الذين حطموا عقلي وسلبوا مني الثقة في النفس,وتناوبوا علي امتهان كرامتي في زرائب التعليم المصري مسلسلين بجوار بعضهم,صففتهم علي الحائط وأطلقت عليهم النيران,مدفعي الرشاش كان يهتز بشدة مغتاظاً يشاركني الرغبة في القضاء عليهم بداخلي,لأكنس هذه القذارة ليحل محلهم الأساتذة بمعدنهم الصافي,المساهمين في بناء بلاد التقدم والتعليم.
ترددت في رأسي أصداء عبارات حملتها الذكريات"ربنا يدينا طول العمر,ونشوفك إنت فين واللي جنبك ده فين"قيلت لي بتهكم مسموم مقارنة مع تلميذ آخر,"لو ده فلح فده السبب ولو ده فشل فده السبب"أي نوع من البشر يوجه لطفل صغير هذا الكلام,أما في الزريبة الجامعية كان اسمي"الحمار"أطلقت علي معيدة لا تجيد الإملاء هذه الصفة,لأنها اكتشفت أني اكتشفت جهلها وبلادتها,وفي بلادي للأسف يحتل البلداء القمة,ويقبع النابهون في القاع,لا يزال صراخها المريض في وجهي كأنها رأت طاقة من نار جهنم يدوي في رأسي إلي اليوم,وغيرهم...وغيرهم!في بلاد النيل تنتشر هذه النماذج كما تنتشر الفئران والصراصير.
الآن أعيش حلمي القديم في التخلص من كل هذا لكن يبدو أن الذكري أقوي من نيران المدافع,علقت صور أبطالي من العلماء والمثقفين علي الحائط,ولما تجلي وجه العميد بنظارته السوداء,التي يرتديها علي بصريتهم ملايين من الناس,عادت لي ذكري صاحبة الصراخ المريض,عندما اقترحت تجهيز برنامج عنه,نظرتها المستهزئة بي وبه,وثقتها المستفزة التي لا تتأتي إلا لجاهل أو مجنون,وضحكات مشاريع البهائم القادمة ليحلوا مكانها يوماً ويستمر سلسال التخلف,كأني قلت نكتة أو قمت بحركات المهرج,يومها فاز صاحب اقتراح برنامج  عن المهرجانات الشعبية الاستحسان والإشادة,وبدأ يقود حركة العمل نحو مستقبل إعلامي واعد.
قررت دراسة الإعلام,أنتم هنا تقدرونها وتعرفون جيداً معناها,في بلدي أتعرض بسببها للسخرية من صديق لا يدري ما هو  الإعلام,ولم يقف يوماُ ليقرأ فيه كلمة,لكنه ككافة المصريين قادر علي الأحكام المطلقة بسهولة مطلقة,كان علي يقين أنها كلية تافهة لا شأن لها ولا قيمة,في نفس الوقت كليته سيدة الكليات,قالي لي يوم ذهابي لتأدية الخدمة العسكرية"إحنا اتعاملنا باحترام عشان طب وهندسة,أما إنت هاتشوف معاملة تانية"ارتبكت للعبارة,ولمعت في الأعين بريق الانتصار والشعور بالزهور والافتخار, في المجتمع الذي نشأت فيه,العنصرية ضاربة للجذور والعصب,كل الفئات تتنمر علي بعضها,كل الطبقات تحتك مع بعضها في تصادم,الكل يعوض وجوده في المستنقع المزري بأي قشة يظن أنها تميزه عن غيره,ثم يغضبون من صلف رجال الشرطة التي تمارس العنصرية كأي وحدة اجتماعية أخري!
رحت في سبات عميق,تراءت لي المكتبات ودور السينما ومعارض الفن التي تنتج الغث,وقد خرج منها خنازير وثعالب,يركضون حولي ويمنعونني من الدخول,تنبهت من نومي الذي يشبه فقد الوعي علي يد إيميليا الرقيقة-هي الآن زوجتي-فتحت عيني فوجدت وجهها طبقاً من الحلوي الأمريكية يطل علي,يسيل الشهد والكراميل من ابسامته الطفولية التي تبدو مع مع حركة حاجبيها مدعاة للضحك وسبباً للارتياح:
-هل أنت عبد الكريم الزميل المصري الجديد؟
قلبت العين ألفاُ فنسيت اسمي الأصلي!
-أجل أنا عبد الكريم.
-أعتذر...رأيت الباب مفتوحاً وأنت مستلق بملابسك فأردت الاطمئنان عليك...هل أنت بخير.
من هذه الحروف القليلة في ذلك الصباح الربيعي الحلو,عرفت معني الحب والحنان,ورأيت العطف ملاكاً يسب في قلبي رحمة وسعادة.
بعد ساعة وجدتها بجواري في الجامعة,انفرجت شفتيها عن بسمة لطيفة,ومع بدء المحاضرة,كان رأسي عامراً بالأفكار والمشاريع,وقلبي يهفو نحو الحب والأمل.
عام بعد آخر,بدأت آمالي تقوي,وزادت معارفي في مجالات عديدة جداً,فقد جبلت منذ طفولتي علي عشق القراء والتعلم,وكانت هذه لعنتي حين دفعت نحو نظام التعليم المدمر في مصر,الذي تذوي فيه العقول وتتضائل الطموحات,وتنصب الدرجات والشهادات صنماً يدور حوله الجميع في هيستيريا,ويحصل الكل علي ألقاب ومناصب ووظائف,وتتراكم أجيال الجهل والتفاهة,حتي تغدو رغبات أصحاب الوعي والتفكير تتلخص في الهروب من هناك إلي هنا.
بفضل تشجيع إيميليا وإيمانها بي زرعت في داخلي الجنوح نحو دنيا الأدب وصنعة الكتابة"كلامك جميل وتحليلاتك فريدة فلماذا لا تكتب؟"بدأت أتزحزح نحو الهدف الذي جئت من أجله,وأبحرت مع عالم الآداب العالمية,كانت إيميليا هي هيلين وبياتريس وجولييت وليلي,وتحولت علي يديها حياتي,الآن في 2040بسبب وقوفها بجواري واستنادي العاطفي عليها,أصبح اسمي لامعاً في عالم الفنون والآداب,التي استلهمت فيها روح مصر العظيمة...عظيمة رغم كل شئ.
في هذه الاحتفالية تكريماً لشخصي الفقير,هنا في برلين مدينة القوة والجمال,أتوجه لقبلة روحي الكامنة في وادي النيل,سلاماً أيتها البلاد التي أحلم بها تنهض من جديد,تنفض عن نفسها غبار القرون,وتتهيأ لاستقبال عالم جديد تنال فيه مكانتها الحقيقية بين الدول,أتخيلها في أحلام يقظتي وقد تجلت في صورة الأم إيزيس تسعي بين أبنائها,مهما بعدت بنا الليالي سنلتقي يوماً يا أمي يا أم الدنيا والكائنات"
عصف التصفيق في القاعة,هبط من المنصة,وخرج ممسكاً بيد حبيبته إيمليا واتجها نحو المنزل,وفي الصباح التالي أيقظته يدها الحانية,تعرف عليها قبل أن يفتح عينيه,وغمر قلبه شعور غريب بالامتنان للأيام السوداء التي حملته علي جناح يمامة بيضاء إلي مستقبل الحب والكرامة.