الأحد، 21 أغسطس 2022

منعطف خطر... النجاة تكمن في الفن!

 

منعطف خطر... النجاة تكمن في الفن!

منذ بدء عرض مسلسل"منعطف خطر"عبر منصة شاهد,والجمهور المصري والعربي في حيرة أمام لغز مقتل سلمي الوكيل,تلك الجريمة التي كشفت عن جرائم أخري وعرضت شرائح متعددة المستويات يضمها المجتمع المصري في ثناياه,تشعبت الخطيوط وازدادت الحيرة,ومع تقدم الأحداث واقتراب النهاية,بلغت التكهنات والتحليلات ذروتها,وازداد معها إعجابنا بطاقم العمل تحت إدارة المخرج الواعد السدير مسعود,صاحب الرؤية الفنية المُجددة في الدراما التليفزيونية,رغم صغر سنه إلا أنه يمتلك طاقة إبداعية كبري نريد مشاهدتها تشع في أعمال أخري تحمل بصمته الإخراجية ذات النكهة العلمية الممتزجة بروح فنية رهيفة تأسر الخيال,وهو مانفتقده في الدراما الحالية التي تصر علي السقوط لولا أمثال السدير المسعود يظهرون كل فترة كي يمنحوا الأمل في مستقبل فني راق أعتقد أنه أحد دعائم السلام والاستقرار وإحلال المنطق في عالمنا العربي المضطرب.

ويزداد ارتباطنا بالخيوط المحبوكة التي رسمها المؤلف محمد الصري والمفاجآت التي يخرجها من جعبته كل حلقة,فتتركنا مشغولي الفكر والوجدان ليس بلغز الجريمة فحسب التي منحها كل مقومات التشويق بل بالعلاقات الأبوية المتآكلة,حيث نري نتائج الإهمال وسوء التربية والغياب الدائم للآباء يترك آثاره البشعة متجسدة في شخصيات الأبناء وسلوكهم,معظم الشخصيات في المسلسل تعاني مشكلات مع آبائها,وذلك من وجهة نظري هو ما يشير له عنوان"منعطف خطر"فكيف نحلم بمجتمع متماسك ومتعاون والنواة الأسرية نفسها مفككة بل وتشبه أحياناً جبهات الحرب!

يجسد الشخصيات التي أصبحنا ننتظر رؤيتها أسبوعاً مجموعة من الفنانين أمتعونا بأدائهم:

باسم سمرة:عبر عن فجيعة الأب المكلوم بصورة مؤثرة انطبعت في القلوب,وقدم نموذج الرجل الذي تتهاوي أسرته أمامه ممزقاً بين حمايتها والرضوخ لمطالب غريمه القديم المعلم سلامة,باحترافية شديدة أكدت علي حجم موهبته الفنية التي يختزنها ذلك الوجه شديد المصرية حتي أننا يمكننا رؤية أشخاص حقيقين نعرفهم في ملامحه,وكما أثار فينا العطف الشديد بمشاهده وخاصة دفن سلمي منحنا ابتسامة-جعلتني شخصياً أقهقه-عندما لام بتلقائية ابنته علي قبول عزومة الغداء عند كريم الشاب الفاسد المدلل"يا سلام!ده علي أساس إن احنا معندناش أكل في البيت؟!ماناكل في بيتنا!"

ريهام عبد الغفور:صاغت شخصية الأم الثكلي في ابنتها التي لسعها حزن الفقد بصدق انتقل للمشاهد,فأصابهم الحزن بدورهم لأن التمثيل يعتمد علي الصدق في تجسيد الشعور الإنساني,والقدرة الفنية علي نقل الحالة الشعورية للمتلقي,هذا ما قامت به ريهام عبد الغفور بنضج متوقع منها بعد تأدية تجارب متنوعة وأدوار مختلفة صهرتها في أتون الخبرة وأصبحت فنانة تجسد أدوارها باقتدار,لقطات تعابير الذهول والألم,التوسل والخذلان والحيرة,دشنتها كفنانة يمكنها استكمال المسيرة الباذخة المشرفة للمرأة المصرية علي الشاشة منذ عزيزة أمير في البدايات لو أتيح لها أدواراً جادة وأفردت لها مساحة كافية تستقبل قدرتها التي لم نكتشفها حتي الآن بالكامل.

باسل الخياط:تقمص دور الضابط هشام الذي يخفي تحت هدوئه,جيشان شعوري عارم استطاع نقله بعينيه,باعتماده منهج الصمت القادر علي إزاحة الكلمات,ليجسد شخصية المقدم هشام منقسم الروح بين ثلاثة عمله الذي أعطاه كل وقته,أبيه الغائب دوماَ من حياته فحرمه من عطف الأبوة,وابنته التي تحتاج إليه لكنه يكرر خطأ والده رغم نفوره الشديد منه,بغيابه المتواصل عنها,ومشهد المستشفي أمام أبيه المحتضر والمونولوج الذي يزيل الستار عن دواخله جعل عبارة تتردد في ذهني"علي الآباء أن يبروا أبنائهم في الصغر,كي يبرونهم عندما يطعنون في السن ويختفي من حولها رونق الحياة".

خالد كمال:كلمة أسطي أصبحت مبتذلة اليوم,لكنها تطلق علي من بلغ في حرفته شأناً أصبح معه مثلاً يحتذي به,فهي كلمة فارسية معناها"أستاذ"وعليه خالد كمال أحد أسطوات التمثيل في جيله,قدم دور الشقيق المشوه العاجز,المطرود من إمبراطورية والده ليعيش علي الهامش لا يشعر بآلامه أحد,فأجبرنا أن نسأل أنفسنا عن مكمن العجز فينا حتي ولو كنا ظاهرياً قادرين!

حمزة العيلي:أسطي آخر له سمة مميزة أساسها اختراق جوهر الشخصية والتعايش إبراز تفاصيلها,تختلف أدواره من النقيض إلي النقيض وفيها كلها نجده قادراَ علي تطويعها وتقديمها بنفس درجة الإتقان.

جالا هشام:مشاهد قليلة وأثر بارز...في دور مدمنة المخدرات التي أحرقتها الغيرة والحقدة علي سلمي,فوصلت لدرجة امتهان نفسها مادامت الغاية في النهاية الإضرار بعدوتها!!بمظهرها الغريب الذي يخفي ورائه تاريخ من الألم النفسي والتشتت الوجداني الذي يطفو علي سلوكها فنشعر به دون البوح الصريح,أخبرتنا أن عجلة إيذاء الناس لبعضهم للأسف لا تتوقف فالأذي عدوي من يصاب بها يصر في الغالب علي نقلها لغيره...إلا ذوي القلوب الكبيرة.

محمد علاء:الابن العائش في ظل والده العملاق,وكما كان الخضوع كاملاً,سيصبح التمرد قاسياً, أول مرة أراه وأظن أنني سأبحث عن أعماله بعد ذلك,هيئة مغايرة ونبرة مميزة عن الآخرين.

تامر نبيل:بعد مسلسل خلي بالك من زيزي ودوره الذري-أي صغير الحجم هائل الكتلة-في فيلم كيرة والجن وأنا أدرك أني أشهد ميلاد فنان حقيقي حتي ولو لم ينتشر فنياً حتي الآن,شريك الضابط هشام يختلف عنه في الشخصية والرؤية الفلسفية لماهية القانون وطريقة تنفيذه,مشاهده الظريفة تريح الأعصاب من الشد المتواصل لتصاعد الأحداث.

سلمي أبو ضيف:صاحبة اللغز... ترتقي السلم خطوة خطوة,في النهاية بالتأكيد ستصل إلي الدرجة التي ستتطور فيها موهبتها لتصبح ناضجة لأنها بالفعل واعدة.

تميمة حافظ:أمينة صديقة سلمي,وجه جديد يجعلني أشد تفاؤلاً, قدمت شخصية هادئة تعتبر عين المحققين والمشاهد علي شخصية سلمي,وأتمني أنها لا تخفي شيئاً ما!!!

كافة عناصر المسلسل تضافرت لتصنع منه ذلك العمل الذي نتهلل حين يبدأ عرضه ونشعر بالغضب حين تنتهي الحلقة بقفلة تثير فينا الفضول...ولا يمكن بالطبع اغفال الكبار كأحمد ماهر العائد بعد غياب في كامل عنفوانه الفني لم ينقص منه شيئاً بل ازداد رسوخاً.

خلف الكاميرا,نسج حسام حبيب مدير التصوير باللون والإضاءة تعبير بصري عن الحالة النفسية للأبطال,أراح أعيننا بالألوان الصافية الممزوجة بعناية,من التهريج البصري الذي نراه علي الشاشة في الأعمال المبتذلة,وديكور يحيي علام,وصف بدقة الحالة الاجتماعية للأسرة التي تعيش في نفس المدينة لكن عوالمها مغايرة,فمن البيت المتهالك في الحارة الضيقة إلي الفيلا الفخمة الشاسعة,استطاع رسم خريطة اجتماعية واقتصادية كخلفية للقصة الدرامية التي تدور أحداثها أمامنا.

ولتكن تلك فاتحة أعمال جيدة أخري...لأن الخلاص النفسي والاجتماعي يكمن في الفن الصادق الحقيقي,الذي ينبهنا للمنعطف الخطر,فنتجنبه كي ننجو من مآزق الحياة الماكرة.

 

الاثنين، 15 أغسطس 2022

كل الأبواب مغلقة

 

كل الأبواب مغلقة

تظهر مجموعة من عشرة أفراد تتباين في المظهر والفئة العمرية,المسرح عبارة عن مكان غامض ومقبض أبرز ما فيه بضعة سلالم حجرية تفضي إلي الهاوية,الضوء مسلط فقط علي البقعة التي يتجمعون فيها,إنهم في الحقيقة خليط من عصور مختلفة وثقافات متعددة تعبر عن تاريخ البشرية بقدر الإمكان,لا أسماء لهم لكن كل واحد يحمل رقماً يدل عليه,بينهم امرأة واحدة هي رقم أربعة

خمسة(مستكملاً الحديث مع رقم ستة:..إذن قل لي ما الذي يخيفك؟

ستة(متمسكاً بالرقم الموضوع علي صدره):أخاف أن أفقد رقمي فأضيع ولا يصبح لي قيمة.

(يتسلل شخص مقنع من خلال الظلام المحيط بهم ويضع أول باب أمامهم,لكن المجموعة لا تراه ولا تشعر به)

عشرة:أعتقد أننا يجب علينا الاستمرار.

سبعة:ألم يكن الموعد هنا؟

خمسة:هو قال ذلك.

سبعة:إذن فلننتظر.

(يوضع الباب الثاني)

ثمانية:أحياناً أحلم أني أعيش حياة سعيدة دون هموم أو قلق,وأستيقظ من النوم والكآبة تعتصرني...فهل أنا رجل بائس يحلم أنه سعيد,أم رجل سعيد يحلم أنه استيقظ في عالم من الشقاء.

(لا أحد يجيب)

صوت:ضحكات ساخرة مستفزة

(تهبط من السماء دمي برؤوس مقطوعة)

ستة:إني خائف

(يوضع الباب الثالث)

تسعة(في حوار جانبي مع خمسة,):وكيف تتأكد من صدق وعده,ربما يكذب ولن يأتي أبداً,لطالما وعد أناساً غيرنا بالمجئ وتبخرت أحلامهم في رؤيته,ولم يرثوا من صبرهم غير الحسرة والألم,وسيطر علي أرواحهم اليأس وغزت أجسادهم الأسقام.

خمسة:إذا كانت تلك المسيرة القاسية كلها دون جدوي فقد ضاعت أعمارنا سدي في انتظار سراب.

(يوضع الباب الرابع)

واحد(هو الأكبر سناً في المجموعة):لا تقلقوا  إننا علي المسار الصحيح,ذلك هو المكان المقصود وسرعان ما سيجئ بعد قليل.

أربعة(ضارعة في سعادة)هل عند وصوله سيهبني الطفل الذي أرجوه؟!

واحد:بكل تأكيد لقد قالوا أنه صانع معجزات,سيمنحك الطفل والمال إذا رغبتي في ذلك,لكن عليك التحلي بالصبر.

(يوضع باب خمسة)

ثلاثة(يتحدث إلي الجمهور):عندما يجئ سيتغير العالم إلي الأفضل,وستغدو الأشجار أكثر اخضراراً,والمياه أكثر عذوبة,والشمس ستكتسي بحلل البهجة,وسيسكن الحب قلب كل إنسان,ولن نري دمعة طفل ولن نسمع صراخ امرأة,وسنحيا في السعادة الأبدية,وسيتعزي الحزاني,و يُنصف الأبرياء,ولن نعرف الظلام بعد اليوم,بل سنعيش تحت النور الكامل وكل من حُرم شيئاً سيجزي بأضعافه,وكل من ذاق مراً,سيمتلأ فمه بالشهد,وسنرتاح أخيراً بعدما عرفنا التعب وعَرفنا كأنما عشنا توأماً ملتصقاً لا حياة للواحد دون الآخر.

صوت:طلقات رصاص ومدفعية,صواريخ وطيارات محلقة,تتخللها صرخات مرعوبة,وصوت الكاميرات وتعليقات علي الأنباء.

(يوضع الباب السادس,وتمر لحظات صمت مقلقة,المجموعة لأول مرة تشعر بحدوث شئ غير طبيعي في الظلام من حولها,يغشاها القلق والتوجس,يجلسون في خضوع ومذلة علي السلالم الحجرية الموضوعة خلفهم...يدخل من المساحة الخالية من الأبواب شابان يضعان طاولة يتبعهما رجل يحمل كاميرا وخلفه مذيعة جميلة,ورجل يرتدي قناع مهرج علي بذلة غالية الثمن,يجلسان إلي الطاولة وتبدأ الكاميرا في التصوير.

المذيعة:وهكذا أعزائي المشاهدين في كل مكان,وصلنا إلي الفقرة الثابتة في برنامجنا مع الأستاذ السيد الدكتور الفاهم في كل المجالات,والدارس في الداخل والخارج وعلي الأطراف,ليحلل لنا أحوال العالم.

الرجل:في الواقع لا يوجد جديد تحت الشمس,ما يحدث اليوم هو نفس ما كان يحدث في القرون الماضية منذ ظهور البشرية علي كوكب الأرض,الاختلاف الوحيد أنه يحدث بوجوه جديدة وأساليب تتغير مع الزمن؛لذلك أهيب بالسادة المشاهدين ألا يزعجوا أنفسهم لأن كل ما كان سيكون من جديد ولا حيلة لنا في ذلك.

المذيعة:برافو برافو برافو...شكراً لكم أعزائي المشاهدين ونتمني أن نراكم في القرون التالية علي خير.

(يجمع فريق البرنامج أدواتهم ويخرجون)

ستة(مايزال متمسكاً برقمه):إني خائف...خائف.

ثلاثة(يحاول طمأنة ن حوله):لابد أن أوهامنا من فرط الإجهاد وعسر المسير,تصور لنا مخاوف لا أساس لها من الصحة,إن أفظع المخاوف وأشدها تحكماً في العقل والجسد هي ما يوحيه الإنسان لنفسه...أجل كلنا خائفون ولابد أن نخاف,لكن ما معني الحياة دون مقاومة للخوف والأوهام والألم,إذا استسلمنا لأفكارنا السوداء لن نفلح,سندمر أنفسنا وندمر غيرنا.

(يدخل رجل يركض خلف امرأة حاملاً مسدساً)

الرجل:سأقتلك.

المرأة:ارحمني.

الرجل:ليس اليوم محلاً للرحمة,إن تلك الكلمة قتلتها الخيانة.

المرأة:أقسم لك أني بريئة.

الرجل:لا يوجد في الدنيا بريئاً الكل يستحق العقاب لسبب أو لآخر.

(يطلق عليها الرصاص ثم ينتحر,ثم يدخل طفل صغير هو بالتأكيد ابنهما,يراهما فيبكي ثم يخرج صارخاً في فزع ويبتلعه الظلام)

ثلاثة(يقترب من أربعة فتفزع بشدة لكنه يطمئنها أنه معجب بها):لا تخشي شيئاً,لا أقصد أي سوء(متردداً في خجل)سمعت أنك تتمنين طفلاً.

أربعة:أجل.

ثلاثة:والقادم وحده هو القادر علي ذلك!

أربعة:ليست مسألة قدرة...إنني لا أرغب في أحد سواه.

ثلاثة(محبطاً,لقد نبت الحب فجأة فتغير فجأة):ولكن ماذا لو لم يأت؟!

أربعة(مندهشة):لقد تلوت للتو خطبة بليغة عن قدومه المرتقب وما سيصنعه في العالم من سعادة وبهجة لا نظير لهما.

ثلاثة (لنفسه):يا إلهي... أتمني لو لم يأت.

أربعة:أتقول شيئاً؟

ثلاثة:كلا... والطفل كيف تتخيلينه؟

أربعة(حالمة):بهي,شقي,وسيم,حنون...يعطيني بداية جديدة ومعني لحياتي,إنني أحلم منذ طفولتي أن أصير أماً,فالأمومة هي أعظم عمل في العالم,وأنت بم تحلم؟

ثلاثة(يكتشف لحظتها شيئاً محزناً عن نفسه,فيبتسم في مرارة):قضيت سنوات عمري كلها أحلم بالقادم,لم أفكر في سواه أبداً,سيطر علي فأنساني الماضي والمستقبل(يتأملها)أنساني نفسي.

(يوضع الباب الثامن)

ستة(يتشبث برقمه وقد طار صوابه):إنني رقم ستة(يصرخ)إنني رقم ستة ترتيبي بعد خمسة وقبل سبعة.

(يذهب ويقف بينهما,يتحركان فيتحرك معهما,ينظران إليه باستغراب)

سبعة:توقف عن ذلك!

ستة:وماهو ذلك"الذلك"؟

سبعة:هذا الذي تفعله.

(يتحركان من جديد,فيتحرك معهما ويحشر نفسه بينهما)

خمسة:هل جننت؟!

ستة:لا أدري كل ما أريده ألا تتركاني أنكما الشاهدان علي وجودي.

خمسة(ساخطاً):لقد جننت فعلاً!

سبعة:لم يكن ينقصنا غير ذلك.

ستة(يهمهم مترنماً)أنا ستة,ستة,ستة(يضحك بجنون)وأنتم ما رقمكم؟ومن تكونون؟وما هو الشاهد علي وجودكم(تستمر ضحكاته المجنونة)

(يوضع الباب التاسع)

(عشرة يخرج من دائرة الضوء,وينتبه للأبواب التي وضعت في الظلام,يتحسسها بيديه,يحاول فتح الباب الأول فلا يقدر,يجرب في الثاني مضطرباً فلا يستطيع)

عشرة(يصرخ ملتاعاً):يوجد هنا أبواب معلقة.

(يركض البقية نحو الأبواب وقد خرجوا من دائرة الضوء نحو الظلام الخافت,ويحاولون فتحها بطريقة بالتدريج بهيستيرية,وقبل وصولهم للفرجة الأخيرة يثبت عليها الباب العاشر,يفشلون في فتحه هو الآخر,رقم أربعة تبكي,وعشرةيقع علي الأرض منهاراً,ستة يزداد جنوناً,سبعة يبكي,ثمانية خائف,واحد ساهم,خمسة غاضب,تسعة لايزال يحاول فتح الأبواب,تسعة يائس,واحد ينظر إلي السماء برجاء,كل ذلك يحدث في ثوان قليلة,المجموعة كلها منهارة,وقفة قصيرة صامتة...يدخل من الجهة المقابلة للأبواب شبح غامض علي هيئة ظل سلويت,لا يمكن معرفة كينونته,يدق الباب,ينتبه الجميع ويثارون من جديد ويندفعون لفتح الباب,لا يزال الشبح يدق علي جميع الأبواب.

المجموعة:كل الأبواب مغلقة

أربعة(تتقدم إلي مقدمة المسرح,يتبعها ثلاثة)لما جاء ميعاده لم يتمكن من الوصول.

ثلاثة:ربما كان علينا أن(يغالب تردده وحيرته)ربما كان علينا أن نكتفي بما نمتلكه دون انتظار لأمر مجهول.

أربعة:الانتظار عذاب والوصول عذاب أشد(تنظر له بحنان وقد فهمت معني كلامه)

ثلاثة(يمد يده فتمسكها)قد يكون ما كنا ننتظره طوال حياتنا كامن داخلنا ومعنا طوال الوقت...ما يشع منه النور ويصلح حالم العالم في قلوبنا دون أن نشعر به,أو نشعر به ونتجاهله وربما نسخر منه فيذبل(ما يزال الشبح يدق في إصرار وإزعاج)...من يدري ربما كان القادم لا يحمل لنا إلا الشر.

(ثلاثة وأربعة يخرجان من الجهة المقابلة للأبواب, في سلام وانسجام متماسكي الأيدي)

ستة(يدور في جنون حول المسرح):أنا رقم ستة أنا رقم ستة,أنا بعد خمسة وقبل سبعة(يشير إلي الجمهور أثناء ركضه):فمن تكونون؟...من تكونون؟...من تكونون؟

ستار

 

 

 

 

ختم القلب الكبير

 

ختم القلب الكبير

في عتمة الليل وسكونه المريح,تشرق في قلبه شمس الطموح,في الغد سيقوم بعمله العظيم المرتجي,ومع بياض النهار وجلبته تنطفئ كلسان شمعة أخرسته الظلمات,حتي نبت في ذهنه خاطر وقال لنفسه"لن أكون قائداً يصول في الميدان بمهابة,ولا عالماً يتواصل مع أسرار الكون,ويقول للاحتباس الحراري تمهل قليلاً,وليس بيني وبين المال عمار فأغدو من أباطرة المال وأوزع الوظائف علي المتعطلين,ما أنا إلا إنسان عادي وأقل من العادي وسأحوم في تلك الحدود,حينها تراءي له ما كان محجوباً.

لاحظ أن ابنة حارس العقار ترتدي حذاء مهترئاً,لايقيها برد الشتاء وأوحاله,فاشتري لقدميها الصغيرتين حذاء جديداً,فضحكت بسرور وصفقت بيدها بسعادة طفلة في السابعة,وركضت بثقة وأمل نحو الطريق.

جاره الذي يلقي عليه كل يوم سلاماً مقتضباً,اقترب منه وشد علي يديه مبسماً,فمضي الرجل فخوراً-وكان يحترمه-وبدلاً من أن يضيع وقته عند حلول المساء في كلام الإنترنت الفارغ,اتصل بأخيه الذي لم يحادثه منذ فترة,فشعرا سوياً أن الزمن لم يمر,وفي البارحة كانا يلعبان بالكرة أمام مدخل الدار.

هبط من المنزل حاملاً بعض مدخراته ليضعها في صندوق معدني مخصص لمرضي السرطان عليه صورة طفل يحارب المرض والعلاج الكيمائي معاً,وخيل له أن الطفل يبادله العطف والامتنان.

وعندما حل الليل من جديد كان قلبه مغسولاً,وقالت له نفسه التي تخففت من أوزارها فلم تأمره هذه المرة بالسوء"ما يهمك في الطموح والعظمة اللذين يداعبان غرورك المقموع,ألا يكفيك تبديد سواد قلبك لتري ذاتك في مرآة الإنسانية"

منذ ذلك الوقت يفيض به الشجن والحنان,فيطبع كل ليلة دمعة علي المخدة...ختم القلب الكبير.