الخميس، 23 فبراير 2023

قصص قصيرة جداً

 -هل ستعود من الحرب يا أبي؟

طمأنه الأب مؤكدا وهو يربت علي رأسه بحنان: -حتما،وسنحتفل ليلتها حتي الصباح. ابتسم الطفل مبتهجا وتقافز مرحا في الحجرة،بينما أمه ترقبه دامعة في أحد الأركان...مايزال ابنها يتكلم مع الأشباح.
.................
 هربت العيون في اللقاء الأول بعد الفراق، رأيتها تسير بمحاذاة الرصيف في ليلة شتوية باردة خلت فيها الشوارع لتستضيف الأمطار والدموع، ليلة غريبة عن ليلتنا الأخيرة معاً بين دفء الجدران والأحاديث المرحة، والقلب المشحون بالأمل في عالم جديد رأيناه بخيالنا يزدهر بين ضفاف دخان الكراهية وعتمة الأحزان، لما التقت عيوننا عصرنا الخجل ولطمتنا الخيبة، وانبثقت متاريس طروادة التي أعيت أخيل في الأمتار القليلة بينا، وفي لحظة واحدة سقط وجهانا إلي الأرض، كأننا ندفن في جوفها حلماً داعبنا ذات مساء وجعلناه وليدنا الصغير، وتحولت دقات قلبينا إلي معاول حفر أهالت علي الحلم التراب، وحين عدت لوحدتي لاحقني صوت أنينه المكتوم" أخرجوني من الحفرة إني لكما سفينة وسط المحيط الغاضب...المحيط سيبتلعكما! "،لكنني دسست رأسي بين الوسائد وأسلمت نفسي لكوابيس اعتادت العبث بي، حتي نبهتني أشعة شمس باهتة رسمت بقعة صفراء علي الحائط تعدني بكوابيس جديدة بعد الغروب.
............
  - كلفني أحد أعيان المدينة برسالة أسلمها إلي الملك القابع خلف أسوار القصر، بعدما أصابه اليأس من العثور علي شخص يقبل بهذه المهمة الخطيرة، ولما كنت الأحمق الوحيد فقد تطوعت وذهبت إليه ذات ليلة وقلت بشجاعة لا أعلم كيف غزت قلبي الجبان: - أعطني الرسالة...فأنا وحدي القادر علي تحقيق مرادك. رأيت ابتسامته علي نور السراج الخافت الذي يشع من الحجرة، ثم مد لي الرسالة المختومة بإحكام وسمعت صوته خافتاً:
 -خذها أيها البطل، وحين تعود سأقيم لك احتفالاً سيؤرخ به الناس لأعمارهم. سكت الرجل الذي أنصت له الجميع، فسأله أحد الموجودين:
 -وما الذي جري بعد ذلك أيها العجوز الطيب؟
 -وبعد طريق شاق حافل بالمخاطر، كدت أخسر حياتي فيه أكثر من مرة وأفنيت بيت شعابي شبابي، وصلت أخيراً إلي القصر ممنياً نفسي بالإنعام والتكريم...ومازلت أحلم ومازال باب القصر مغلقاً حتي اليوم.