·
لماذا
أنا متمرد؟
حين كانت مصر
ديمقراطية تتسع لجميع الآراء
والاتجاهات,قبل أن تصبغها الصبغة الصحراوية المتعصبة التي هبت نسائمها بعد حرب
أكتوبر,حين بعنا دماء الشهداء..دماء الشهداء بيعت كثيراً من قبل,لكن شهداء كل
مرحلة ينسونا المرحلة التي قبلها,في السبعينيات وعلي يد السادات,دخلت مصر في
المنعطف الذي أوصلنا إلي مانحن فيه الآن من تخلف وجمود,وحجر علي العقول وتحجير
للأفكار,وقتل للابداع,وأكمل أنت بما تراه,فكل شئ مباح,متاح للجميع,كل مساوئنا
فضحنا بها,وتذكر سد النهضة والحوار المذاع,وقل ما يحلو لك,ولكن أرجو ألا تنسي
التعليم وانتهائه من بلادنا,مع الإبقاء علي المباني التي تحمل
اسم"مدرسة","جامعة",والاستمرار في منح شهادات وأوراق,والحفاظ
علي الألقاب الفارغة التي يحصل عليها كل من باع عقله,بهجص اللاتعليم المصري.
نعود إلي ما كان يحدث في مصر قبل كل ذلك,صدر
كتاب للفذ إسماعيل إدهم بعنوان "لماذا أنا ملحد"والكتاب باين من
عنوانه,تصرف المصريون بمنتهي التحضر والرقي,فكان الرجل يقول رأيه,والآخرون يقولون
رأيهم مع الاحتفاظ بكامل احترام كل طرف للآخر,وإسماعيل أدهم صاحب عقلية فذة وذهن
عبقري,وكان المعارضون له يجادلونه بالحجة الفكرية,والبرهان العقلي,فلم يسبه أحد أو
يرفع عليه قضية حسبة,ناهيك عن إزدراء الأديان,كان ملحداً صراحة,ولم تتعرض حياته
للخطر ولا رزقه للمصادرة,وحياته المعذبة ونهايتها المأساوية كانت لظروف شخصية.
واليوم...
بعد مرور كل تلك السنوات التي عدنا فيها
لقرون مضت,لولا بقية عقل,وأطلال فن,وقليل من التفكير,فهل يمكنني أن أقول لماذا أنا
متمرد؟....يا للبؤس الذي نحيا فيه اليوم,ياللعجز الذي أصابنا,لكن الأمل
باق,والثورة مستمرة...وستنتصر.
1-التعليم:حدث ولا حرج لكن كل ما يمكنني
قوله,أن كل من يحصل علي منصب في مصر,غالباً درس في جامعاتها,وحمل شهادة
الدكتوراة,التي يغضب البعض من تجريده من لقبه ك"دكتور",شاهدوا أدائهم و
استمعوا لأفكارهم,ستغنيكم عما أريد قوله...لا تعليم,لا مستقبل,وحاضرنا اليوم كان
مستقبل الأمس,اليوم يهدد المستقبل,وستظل الدائرة تدور وتدور,حتي يتم حل (أم
المشاكل)في مصر,لا مستقبل إلا بالتعليم,ولا تعليم إلا بالتعلم,والتعلم عند
الغرب,تكفينا نحن ألقابنا الفارغة التي نتداولها بيننا.
أتمرد لأني لو أنجبت أبناء,فلن أدخلهم
المدارس المصرية,ولو كان الأمر يعني عدم حصولهم علي (شهادة!!!),أتمرد لأن بقية
إبداعي-لو لم يكن وهماً-تتهدد بهذه الجريمة التي تتركب في مدارس وجامعات
مصر,وتستمر لأن القانون لا يعاقب عليها.
2الشرطة:في الدول الديمقراطية التي تحترم
حقوق الإنسان,وجود ضابط شرطة يعني أن الأمان قد حل,والطمأنينة يجلبها زي الشرطي
لمن يراه,أما عندنا,فإن "الباشاوات"يرهبون الجميع,ويفرضون سطوتهم علي
الكل,ويتعاملون مع الجميع بقسوة فاقت الاحتلال,ولو أوقعني حظي في الخلاف مع
رتبة,فأنا لا أضمن حياتي,وليست تلك مبالغة,بل حوادث تمت بالفعل,ولو أردت الذهاب
إلي أحد الأقسام سأتردد ألف مرة,وأعود أدراجي ألفين,وقبل أن أدخل سأخبر صديق لي
حتي يتصرف في حالة تغيبي,تلك الأفكالر ليست سيريالية بل واقع معاش,نتجرعه بمرارة.
أتمرد من أجل حياة آمنة قدر الإمكان,أتمرد
من أجل وجود ضابط ليحميني,لا ليخترق خصوصيتي لو كان رقيقاً,أو ينتهكني لو كان
متوسط القسوة,والعلم عند الله ماذا يمكن أن يفعل لو كان غليظاً قاسياً.
3-الصحة:لو لم تكن مصاباً بمرض عضوي فأنت
تعاني من مرض نفسي ما,تلك هي القاعدة لنسبة هائلة من المصريين,المرض يتهدد الجميع,والأطباء
يتعرضون لحملة هجومية جبارة من كل الاتجاهات,لدرجة تقارب أن تكون مخططة
ومدروسة.الطبيب والمريض يعانيان,فمن يعالج يا ناس؟!
أتمرد لأني أعرف مصير طفل أكلت الفئران وجهه
في مستشفي حكومي,أتمرد لأني لا أريد أن أهان أو أن يخطئ الطبيب خطأ يودي بحياتي(راجع
فقرة التعليم!)
4-لو لم أكن مصرياً:أريد أن أفخر بانتمائي
لبلدي,لمعرفتي أنه في حاضره مشارك في صناعة المستقبل,وأن الدول الأخري تتأمل
إنتاجه وعمله بانبهار,وتدرك كل السفارات والحكومات,أني معزز ومكرم في بلدي,وأنه
ليس لي ثمن؛لأنه لا ثمن يساوي مصرياً تم الاعتداء عليه أو إهانته في أي دولة
أخري,لا يمكن الدفع لأنه لا يوجد ثمن,فعليهم أن يدركوا ذلك قبل أن يهموا بأي
عمل,فنحن لم نعد كما السابق,نموت ونحتجز,ونقتل,ونعذب ويمر الأمر بسلام ودون محاسبة
رادعة.
أتمرد لأني أريد أن أقول بإيمان:"لو لم
أكن مصرياً,لوددت أن أكون مصرياً.
أسباب التمرد لا تحصي,كانت تلك الاسباب حصاة
من فلاة شاسعة,نعيش فيها ومن الممكن تسميتها بالربع الخراب,ولا منقذ منها سوي
التمرد.لو أخذ أعدد أسباب تمردي فلن أنتهي...فهي ذات أسبابك أيها القارئ,حين تنتهي
أسباب بؤسك أنت,فلن يعود للتمرد حاجة.. اليوم التمرد واجب وطني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق