الأربعاء، 25 أبريل 2018

الخروج من الشقة


أدرت المفتاح في طبلة الباب,ممنياً نفسي باللجوء إلي كهف الوحدة وقوس قزح الصمت,عقب يوم طويل لاقيت فيه ما يلاقي الواحد من أقداره في الحياة,عدت منهزماً ككل يوم أحمل داخلي الحلم وتحاوطني خيبة الرجاء,وأتذكر مقولات المُسنات في أسرتنا"خيبة الأمل راكبة جمل!"..أشعر أن الجمل يسير فوقي بتؤدة المتمهل ليزيد آلامي!
رأيتهم وجوههم في المرآة المعلقة أمام مدخل الشقة,ثلاث رجال يستقبلونني بأقفيتهم العريضة,ووجوهم تتجه شطر المرآة!جفلت علي الفور وكدت أركض-وأنا رجل مضطرب الأعصاب تملأني الهواجس المخيفة ,تقبض علي طمأنينتي بأنيابها الحادة فالحمد لله إنني لم أصب بسكتة قلبية-لولا أن وجدت رابعهم كان يقف خلفي دون أن أشعر,فاصطدمت به بشدة أوجعت عظامي,وأطلقت تأوهاً عالياً يجمع بين الألم وطلب النجدة,ربما لو سمعته في فيلم سينما لتأثرت وسالت عيناي بالدمع,لأول مرة منذ أن دخلت أركز في وجوههم,حين تلفت حولي خوفاً وطمعاً,راعني مظهرهم القبيح ,الصالة بها بصيص من نور تبينهم من خلاله,وجوه قبيحة ورائحة منتنة كادت روحي تخرج منها,طوقني الأربعة من كل الجهات,نفس الأعين العكرة ذات النظرات الوقحة,هي هي العيون التي أقابلها كل ساعة,لكن هذه المرة علي غير انتظار,نفس الرائحة التي كنت أقنع نفسي ألا وجود لها وإنها تتهيأ لي كسبب نفسي لنفوري من الناس,الآن فقط أتأكد منها.
قبضوا علي رقبتي وتحركنا في الظلام نحو الطاولة الخشبية,أجلسوني فوقها ورقدوا علي كراسيّ الهشة المسكينة,سمعتها تئن تحت مؤخراتهم الثقيلة.
لا أعرف ما الذي أنطقني الجبن أم الزبد...آسف! الجبن أم الشجاعة فمنذ أن حدث لي ما حدث وأنا أهذي أحياناً...لا طوال الوقت أهذي حتي أنهم وضعوني في عنبر المجانين ,وبجواري الآن يقبع المهدي المنتظر يحاول إقناع هتلر بالعدول عن حرب عالمية ثالثة,ويقفز بينهما لأعلي, حامي الأرض من ضربات النووي شاهرا طاسة يوجهها نحو السماء صارخاً"احذر يا ترامب!تأدب يا كيم يونج"
-ماذا تريدون؟
رد أحدهم:
-بل ماذا تريد أنت؟
-لا أريد شيئاً...
-كارثتك أنك لا تريد شيئاً,تتمني في خيالك فقط لكنك لا تريد في أعماقك,قانعاً بيومك التافه السخيف يتكرر طوال سنوات عمرك!
-كلا أريد...أريد أن تتركوني أنام لأتمكن من استقبال يوم سخيف آخر!
هزأ الآخر وهو يجذبني من ياقة معطف لم يفلح بوقايتي من برد ديسمبر القاسي,فتركني داخله أرتجف بارد الأطراف وأرنبة الأنف:
-اذهب ونم في الشارع,فهذه شقتنا.
استجمعت أرواح المرحومين أبطال الإلياذة وهم يمزقون بعضهم بلا رحمة في ساحة الوغي,فصرخت-لكن في صوت خافت!-:
-هذه شقتي أنا...سأعفو عنكم!لن أستفسر عن كيفية دخولكم ولا ما ألحقتموه بي من فزع,فقط ارحلوا الآن وسأنسي كل شئ
علت القهقهات من الجهات الأربع,كأن العالم بأسره يسخر مني ويضحك عليّ, تلقيت صفعة من واحد منهم لم أتبين من هو تماماً فقد كانت مباغتة وسريعة,تلون وجهي بالحمرة غضباً وخجلاً وغيظاً من قلة حيلتي وهواني علي الناس.بكيت بحرقة وعلا صوت صراخي وأخذت أرفس وأضرب وهم لا يتحركون لا يشعرون,شتمت بكل قواميس السباب القذر,حطمت المرايا والأثاث,هرعت نحو النافذة ألعن النائمين وصوتي يرن في فضاء الشارع ويجلجل في جنباته,تكالب الأربعة عليّ أطرافي الأربعة,شلّوا حركتي وأسروني...آه تلك الرائحة تكاد روحي تزهق من شدة بشاعتها,كأني أُلقي بي في مرحاض عمومي لم يدخله عامل نظافة يوماً.
جردوني من ملابسي في عز البرد بلا رحمة وجروني نحو الشارع عنوة,بعد أن أشبعوني ضرباً.
ركضت والدموع تملأ عيني حتي قابلتني سيارة بيضاء,نزل منها رجلان ملابسهم بيضاء,ملوحين لي برداء أبيض فردت لهم ذراعي فألبسوني إياه بالمقلوب وأحكموا وثاق يدي حول خصري.
يقولون أنني أتخيل كل ما حدث وأن شهادة الجيران تكذب جميع أقوالي...آه الكلاب أولاد الأفاعي نجحوا فعلاً في إخراجي من الشقي,ورموني هنا,أتعرض لضربات الطاسة الطائشة في سبيل حماية الكوكب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق