إجابة لسؤال يوسف زيدان:
هَلِ "المَشَاعِرُ" جميعُها اختراعٌ إنسانىٌّ ؟
تدور القصص في مختلف الثقافات حول الرضيع الذي يُترك في الغابة لتربيه أنثي
حيوان ما ويعتبرها كأمه وتعتبره هي ابنها,عواطف الأمومة أسمي مشاعرالحب,والحب أسمي
المشاعر كلها,تلك العلاقة الناشئة بين اثنين من جنسين مختلفين,ربطت بينهما مشاعر
معينة تغلغت في الإنسان والحيوان,هل يمكن القول أنها"اختراع إنساني"؟!
المشاعر هي الوجود الإنساني ذاته؛وطالما لم يوجد الإنسان نفسه حسب أي
اعتقاد كان,فالمشاعر لم يخترعها لذاته,المشاعر,الوعي,الإدارك,كيمياء
المخ,الهرمونات المختلفة لمسببات الاكتئاب أو السعادة....كل تلك أشياء لا حيلة للإنسان
فيها,تلك هي كينونته,كل شئ في المخ,حتي الحب الشائع عنه أنه في القلب مكان تفاعله
المحسوس نوعاً هو المخ,من يصدق الرواية الدينية المتواترة في الاعتقادات الثلاثة الشهيرة,ولها
أمثال في غيرها,يعرف أن الله خالق الإنسان ومدبر أمره,وهو المتحكم وكل شئ عنده بمقدار
ومادام معه فلن تقدر الأحزان علي هدمه وتحطيمه,الله خالق (حواء قبل آدم,وليس كما
يُشاع العكس),كان أول شعور أوجده في قلبيهما الندم,الندم علي الأكل مش
الشجرة,فالندم أصل كل المشاعر,فقد ندم صلاح جاهين وعبر عن ندمه ببساطه حائراً
علي"الفرص اللي سيبتهم ولا اللي ما سيبتهمش",من ينظر لبواطن الأمور
ويتأمل فيها بعمق,سيشعر طوال الوقت بالندم,الندم الموروث من آدم وحواء.
ومن يعتقد بالتطور وأصل الإنسان الحيواني وتطوره علي مر العصور عن طريق
رحلة طويلة من أصل نوعه الأول حتي الصورة التي عليه الآن,الجينات تتحكم في كل
شئ,والعواطف ليست سوي تفاعلات معينة في المخ,حتي التضحيات التي يؤديها الآباء
لأبنائهم وتُخلد كعبرة علي الحب الأبوي,ليس سوي جين عبقري يهدف إلي حفظ النوع
للبقاء واستمرارية وجود البشر,قد تكون الدهشة عنده هي أول المشاعر التي أوجدتها
الطبيعة في الإنسان,أول إنسان تكلم وانتصب واقفاً,أول من فكر,أول من استخدم يديه
بعد أن تحررا من المشي في عمل شئ,بالتأكيد أًصابته الدهشة؛رحلة طويلة اختصرها
المخرج ستانلي كوبيرك في فيلم أوديسا الفضاء,بدءً من محاولة القرد للقتل بعظمة
يحولها هو في لمحة لسفينة فضاء,طوال تلك الرحلة كانت الدهشة التي صاحبت الإنسان,الدهشة
التي كلما زادت عند الفرد كان من الممتازين في الحياة البشرية,فأن تدهش يعني أنك
تري أبعد مما يراه الآخرون,تري الرسائل الغير لفظية لفهمها وتحليلها,في حين أن
العاديين لا يفهمون سوي الظاهر والمباشر.
المشاعر ليست اختراعاً,ولا صلة للبشر بها,هل يوجد دواء للحزن,أو للندم,أو
مصل للسعادة أو الحماس!!ما يخترعه البشر فقط هو الاحتواء لتلك المشاعر,وأقصي أنواع
هذا الاحتواء,المصحات النفسية والعقلية,المكان الذي يذهب إليه من فاق اضطراب
مشاعرهم وبالتالي سلوكهم عن من هم أقل من جنوناً؛ما يتسبب في مصائب كثيرة.الدين,القانون,العادات,الأخلاق,جدران
غير مرئية لاحتواء مشاعر الآخرين خارج المصحة.
التليباثي والديجافو....وكل تلك المشاعر التي تواجه الناس مرة واحدة علي
الأقل في العمر,كلها دلائل علي وجود روابط أزلية تحكم مشاعر البشر,وحتي الآن لا
يفهم المشاعر التي يواجهها في حياته,لأنها تكاد تكون منفصلة عنه,وخارجةعن
محيطه,فالعقل يقف أمام المشاعر كعدو ونتيجة صراعهما نحدد من يبقي في المجتمع
الخارجي ومن يذهب للمصحة العقلية كمجنون أو مريض نفسي,استمعت للعديدين خلال حوارات
تندرج فيها عبارات مثل"حاسس إن فيه حاجة كبيرة مستنياني بس مش عارف هي
إيه","مش عارف أنا عايز إيه,مش حاسس إنه فيه حاجة شداني"...المشاعر
الإنسانية شئ لا يفهمه الإنسان,ولو توصل لفهمه من الممكن أن يدعي أنه اخترعه,حتي
علاج الجنون والاضطرابات العصبية تختلف طرق علاجه من عصر لآخر ومن مدرسة علاجية
لأخري.
الشعور هو الوجود الواعي واللا وعي للإنسان,الشعور
بـ"الأنا",التي قد يراها تتحكم فيه ولا حيلة له,المشاعر صراع أزلي ,وجد
الإنسان نفسه فيه منذ صرخة الميلاد الأولي حتي شهقة الموت.
لو كنت تحب ماجدة الرومي وتعيش في صوتها,فستشعر مع أغانيها بالمؤثر القوي
الذي تنتجه في مشاعرك,وأم كلثوم حين تغني في ليلة صافية,وعند هزيمة المنتخب,وحين
انهيار حلم وضياعه وبحثك عنه بلا جدوي,وعند خسارة أليمة,وحين تحطم صورتك الذهنية
عن نفسك أو تحطمها عن شخص أو شئ آخر,كل تلك المؤثرات يجدها الإنسان أمامه في رحلة
الحياة,يعيها وحين يعيها يشعر بها,وفي النهاية هو ليس سوي شاعر ورغبات يتوه فيها
طوال عمره بلا قائد ولا مرشد؛لذلك يجئ للواحد منا شعور أنه يحلم حين ينفصل عن كل
ما يحدث أمامه في لحظة صفاء وتأمل,وأحياناً يتفرج عليه في انتظار أن يخلع الجميع
ملابسهم وتتغير المشهد ويصفق بحرارة لكل من هم حوله علي أدائهم المقنع والمؤثر,لي
صديق أخبرني ذات مرة,أنه ينتظر الأستاذ إبراهيم نصر ليسأله"نذيع ولا
مانذيعش"!!
ما يخترعه الإنسان هو التوهم لتتوه فيه مشاعره ولا يواجهها بصراحة خوفاً من
اتباعها فتنقلب حياته وينهار عالمه الخارجي؛لذلك نسرح ونحلم كثيراً في العالم
الداخلي,صنيعتنا نحن وما نرتاح فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق