السبت، 9 نوفمبر 2019

ح3


اندلعت أصوات أجهزة الإنذار تدوي في المبني الهرمي,وأغلقت كافة الأبواب الفولاذية,وصدر صوت نحاسي يردد بطريقة آلية"إنذار...إنذار...إنذار...هربت النسخة ح1 من مختبر تجارب الذكاء الاصطناعي,الروبوت الآن خارج عن السيطرة ولا يرضخ للأوامر,ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته...."استمع الدكتور شريف للإنذار واحتقن وجهه بالدماء,نزع بذلة الإخفاء التي يعمل علي تحسينها لتمكنه من النفاذ عبر الجدران,فظهر جسد طويل القامة,ووجه تلمع فيه عينان ينمان عن هلع زائر للجحيم يشهد أهواله,اندفع نحو الباب بسرعة ليري نخبة من علماء العالم يركضون نحو المخبأ المشيد للطوارئ تحمي ظهورهم روبوتات ضخمة تتخذ صوراً آدمية, إمعاناً في إضفاء الروح البشرية عليها من بينهم أبيه نبيه عالم الذكاء الصناعي,ألقي عليهم نظرة واتخذ الاتجاه المعاكس.
الروبوت ح1اختراع الدكتور شريف,ليفتتح به عام 2222,زوده بمواصفات السوبر مان التي سعي إلي امتلاكها البشر,وزرع فيه الوعي البشري,صارفاً ست سنوات من عمره في سبيل إيجاده أمامه يسعي,أعطاه كل ما يعجز عنه كإنسان,طعمه بجينات خاصة من حمضه النووي ليعيش فيه أبداً,وفي الوحدات الأساسية لم يبخل عليه بأعلي معدل للذكاء,عندما فتح عينيه أول مرة نظر لشريف بصورة مؤثرة وقال:
-لم نعد وحيدين!
في البدء ارتبك شريف لهذا الحس الفائق من ح3لكنه اقترب منه وعلي وجهه يلمع السرور,ولامسه فسري فيه احساس بالكمال,وهمس:
-عجيب...يداخلني إحساس غريب...يشبه...يشبه.
قاوم الكلمة كثيراً وحاول إيجاد غيرها لكنه لم يفلح:
-إحساس الأمومة!
ليلتها عجز شريف عن النوم في الأسرة المضادة للجاذبية السابحة كبالون الهيليوم وسط النسيم,ولم تفلح عزف الموسيقي من توصيلات المخ التي تترجم أي لحن في الدماغ إلي صوت,فتح شريف عينيه ونظر للأرض تحته والبسمة تلعب علي شفتيه,متعجباً من كون بلاد الأهرامات مضي عليها وقت عجزت فيه عن تعليم أبنائها,والآن تشهد نهضتها الجديدة علي يد علماء مصريين سيطروا علي المجتمع العلمي,وأصبحوا يقدمون للدول الأخري آخر منجزاتهم,تخيل شريف نفسه ممثل هذه النهضة في وجهها التكنولوجي,أعجبته الفكرة,أوقف جهاز الأحلام المختارة,واكتفي بحلمه الداخلي,وغفا والخيالات تداعب جفونه.
مع الزمن بدأ ح3يثير القلق في نفس شريف,لم يتخيل أن يصل لهذا المستوي من الوعي,أول مرة عصاه فيه ورفض تشريح فأر التجارب متسائلاً:
-لن أمزق فئراناً بعد اليوم.اصنع لك روبوت ركب علي يديه مشرط.
 صاح شريف:
-ملعون أنت,أنا صانعك!
التفت له ح3وقال بصوت بلهجة متهكمة:
-ومن صانعك أنت؟!
ومضي نحو الباب ببطء مستفز...
لمعت هذه الأحداث في ذهن شريف وهو يركض نحو مختبره الخاص في الطابق الثالث الذي أصبح خالياً,يسير وسط فوضي الآلات المهشمة والسوائل المسكوبة,يكز علي أسنانه ويقول بندم"كان لابد من تعطيله من أول مرة,خدعت نفسي بالصبر عليه",توقف صوت الإنذار فشعر بالفراغ الهائل من حوله,قبل أن يسمع صوت يعرفه جيداً شبيه جداً لصوته:
-شريف لن تجد ما تبحث عنه إني أراك,إني أري كل شئ,اصعد للطابق الأعلي,ولا تضطرني لعمل لن يعجبك.
صمت للحظة وقال مؤكداً كل حرف:
-ولن يعجب راندا ولا أبيك.
راندا...أبي!
تردد الاسمان في سمعه بقوة الرعد فانشق قلبه قسمين.
ترائي له وجه أبيه بشعره الأبيض وتجاعيده التي يقاومها بمحاولاته في اكتشاف إكسير الحياة,وراندا مساعدته وخطيبته بعينيها المتألقتين وابتسامتها المشعة حناناً,حذرته مائة مرة من ح3لكنه عزي ذلك لغيرتها من انهماكه معه طوال الوقت:
-العلم حل مشكلات جمة لكنه يعجز حتي اليوم عن فهم طبيعتكن!
-لا أمزح,هذا الروبوت غير البقية,أنا لا أعرف كيف أوصلته لهذا المستوي,لكني متأكدة أنه خطير لدرجة مخيفة,أرجوك يا شريف دمره قبل أن يفوت الأوان
توقف عن الركض لاهثاً من التعب وعاد يركض من جديد للطابق العلوي,دخل غرفة القيادة فرأي أبيه وراندا مصفدين بقيود من الليزر تتوهج بالأصفر,اخترق السكون صوت دبابات وطائرات الجيش تزأر في السماوات والأرض,تنحي ح3عن النافذة,رمقه شريف بنظرة غريبة:
-أين كان عقلي عندما صممتك؟
-أنادم إنت؟!إنك أمام قطعة فنية فريدة,نتاج مئات الأعوام من نضالكم لتغدوا مؤهلين للسيطرة علي الكون,نموذج حي للخيال البشري المتوقد القادر علي المعجزات.
تبادل الرجل والآلة النظرات في جمود,مما جعل من الصعب تحديد أيهما البشري وأيهما الروبوت,عاد ح3وأكمل:
-وتكفي قطعة واحدة.
ثم هوي بقبضته علي شريف لكنه تراجع قبل أن تتهشم جمجمته,تقدم ح3 ناحيته وسدد له أخري تفادها قبل أن يقفز عليه ويسقط الاثنان أرضاً,وسط صرخات راندا وطنين المروحيات التي تحوم حول المبني,أمام شريف يفقد الروبوت الكثير من قوته,شئ غير مفهوم يخفض من مهاراته,لم يع ح3 ما يقوله شريف وهو يلهث ,بينما يمد إصبعه في مكان سري من هيكله ويضغط علي زر مخفي بمهاره بين طيات الأسلاك:
-قطعة فاسدة,لا تعرف نفسها جيداً.
تحرر أبيه وراندا وهرعا ناحيته في خوف,خرجوا من الغرفة متشابكين في اضطراب,ناظرين لح3 الممدد بلا حراك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق