الاثنين، 19 أغسطس 2024

أصل الكون.. كيف بدأ كل شئ؟

 

 

أصل الكون.. كيف بدأ كل شئ؟

 

سيظل السؤال عن أصل الكون مطروحاً علي الدوام، يؤرق الذهن البشري فيسعي العلماء للإجابة عليه، أو بالأدق يجتهدون في محاولاتهم للإجابة عنه، إنه التساؤل الذي طرحه الإنسان منذ أن نما عقله ونظر للسماء وهو يرقب نجومها المتلألئة في الليل الحالك، مستنداً علي جدران كهفه البدائي يتأمل ما حوله في خشوع ورهبة، وحاولت الأساطير القديمة حل اللغز ودأب الفلاسفة علي مر العصور علي البحث والتفكير، وكانت الإجابة السائدة أن الكون ثابت وسرمدي، مع أن الأساطير والفلسفات لامست جزء من حقيقة التطور الذي طرأ علي العالم والإنسان، مع ذلك بقيت صورة الكون في الذهنية العامة للبشر صورة جامدة ثابتة مركزه الأرض،،حتي اندلعت الثورة العلمية الأوروبية في القرن السادس عشر، وبدأت بخلخلة تصورات مغلوطة عديدة، أدت في النهاية لتوصل عالم الفلك البلجيكي جورج لوميتر لنظريته حول نشأة الكون، شارحاً أنه بدأ من نقطة متفردة تمددت لتصبح كوننا الذي نعيش فيه الآن، وبدأ طريقه ببحث علمي بالفرنسية نشره عام ١٩٢٧بعنوان"كون متجانس ذو كتلة ثابتة ويتسع مسببأً دوران السدم خارج المجرة"، لم تلفت تلك الرسالة العلمية انتباه الدوائر الفلكية حتي تم ترجمتها للإنجليزية علي يد العالم إدنغتون، وفي ذلك الوقت كان أينشتاين- كعلماء عصره-يعتقد بثبات الكون قبل أن يدرك خطأه بعد ذلك-فعلق علي ما جاء به لومتر قائلاً"إن حساباتك سليمة ولكن الفيزياء التي استخلصتها فظيعة"، ولكن لم يؤثر ذلك في إيمان لوميتر بنظريته في مواجهة علماء الكونيات وعلي رأسهم العالم الكبير أينشتاين الذي كانت نظريته النسبية سبباً في استنتاج لوميتر لفكرته! ووقف أمام الجمعية البريطانية للتقدم العلمي، يناقش العلاقة بين الكون الفيزيائي والدين، يقترح أن الكون يتمدد من نقطة منفردة سماها"الذرة الأولية" وذكر عبارة تحيلنا لعالم الأساطير ورموزه الساكنة في جنبات حكاياته وقصصه"البيضة الكونية تنفجر عند لحظة الخلق" فبحسب قصة الخلق والتكوين اليونانية نجد العالم بدأ من بيضة خرجت منها الآلهة، وفي الفلسفة الهندية فـ"الهيرانيا غاربها "هي البيضة الذهبية التي نشأ منها الكون، بل إن أوفيد الشاعر الروماني عبر عن استحالة ثبات الكون وتحوله المستمر:

" ما من شئ ثابت في الكون، كل شئ يتقلب بالزيادة أو النقصان

وكل ما يولد يحمل في رحمه بذور التغيير"

أطلق علي نظرية لوميتر التي تعتبر النموذج المثالي لتفسير أصل الكون اسم"الانفجار الكبير"، كما وصفها العالم الأنجليزي فريد هوبل عام ١٩٤٩ أثناء انتقاده لها، حيث كان من أنصار ثبات الكون.

الانفجار الكبير يحكي بصورة علمية ومنطقية ميلاد كوننا الكبير، فالفكرة ببساطة تقول أن الكون بدأ من نقطة معينة تسمي نقطة التفرد قبل ١٣.٨مليار سنة، عبارة عن فقاعة صغيرة أصغر آلاف المرات من رأس دبوس، وكانت شديدة السخونة والكثافة تفوق الخيال، ثم انفجرت وبدأ الكون الذي نراه الآن في الظهور ووجد الزمن والمكان والفضاء والطاقة والمادة والمجرات والأرض وأنت وأتا ومازال الكون يتمدد... كانت درجة الحرارة مابين ٤ إلي ٦ تريليون درجة مئوية، وفي تلك المرحلة كانت المادة والطاقة نفس الشئ، ثم أصبحت بعد ذلك الظروف ملائمة لنشوء الذرات، فدخل الكون في مرحلة الاندماج بعد ٣٠٠ألف سنة وتكون أول عنصران في كوننا الهيدروجين والهيليوم.

أيدت ملاحظات وأبحاث العالم أدوين هابل عام ١٩٢٨ نظرية لوميتر فبعد سنوات من الرصد  الفلكي، وجد أن المجرات تبتعد عن بعضها البعض فيما يعرف باسم الانزياح الأحمر حيث رأي اللون الأحمر يغلب عليها، وهي ظاهرة تحدث عند زيادة الموجة الكهرومغناطيسية القادمة من أحد الأجرام السماوية، فالشعاع الأحمر الصادر من الأجرام السماوية يعني أنها تبتعد عن نقطة الرصد، وصاغ قانون هابل للتوسع الكوني"تتناسب سرعة ابتعاد المجرات عن بعضها طرداً مع المسافة بين المجرات".

في الاربعينيات من القرن الماضي اعتقد جورج جاموف وربرت هيرمان أنه لو كان هناك صدي لموجات دقيقة تنتشر في الفضاء متبقية من زمن الانفجار الكبير فسيكون ذلك دليلاً جديداً علي صحة النظرية، وفي عام ١٩٦٤ وعن طريق الصدفة اكتشف أرنو بينزياس وروبرت ويلسون  تلك الموجات المتبقية وعرفت باسم "اشعاع الخلفية الميكروني الكوني" أو اختصاراً CMB أي أن الكون يشق طريقه متوسعاً علي خلفية من اشعاعات ميكرونية.

إن الانفجار الكبير فكرة عبقرية حقاً فتحت عيون العالم علي حكاية مدهشة يثير تأملها القشعريرة لعظمة وسمو الحياة، فحين تنظر للسماء بعد ذلك ففكر أنك والنجوم والشمس والكواكب من نسيج واحد ومادة واحدة...وتذكر دوماً أن حل كل لغز يتبعه انبثاق سلسلة جديدة من الألغاز، ومازال ما نعرفه عن العالم من حولنا يعادل قطرة في محيط هائل.

 

المراجع:

١-قصة التطور في ٢٥اكتشاف،دونالد أر برونيرو، ترجمة عمر ماجد، مؤسسة هنداوي، ٢٠١٧.

٢-اطلاق سراح العلم، روبرت شيلدريك، ترجمة أحمد الزاملي، دار دون، ٢٠٢٠.

3-خمسون فكرة يجب أن تعرفها عن العلم، غيل ديكسون، بول بارسونز، ترجمة نورا محيي الدين، المجموعة العربية للتدريب والنشر ٢٠١٩.

 

 

 

 

 

 


أينشتاين وجورج لوميتر

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق