مريم
فرحة كانت بفستانها الأبيض المُشتري خصيصاً للزفاف,حين رأتها أمها ترتديه
قفز خيالها بالزمن سنوات,رأتها كفتاة جميلة في يد عريسها يزفهما الأهل والأقارب في
ليلة العمر,عقب كفاح طويل لتصل بابنتها لتلك الليلة,مريم طفلة في الثانية
عشر,اصطحبها والداها لحفل زفاف في الكنيسة,عائلة صغيرة في ليلة سعيدة,تنتظر كل
أسرة مثلها لأبنائها,التصقت بأمها طوال الليل,لم تترك يدها,وهم علي باب
الكنيسة,رأت مريم لعبة في المحل المقابل,سحبت يد أمها لتنتبه لها وهي تنادي بصوت
رقيق ناعس من أثر السهر:
-ماما..ماما..عايزة اللعبة دي.
انشغال أمها بالحديث مع الأقارب,دفعها للتململ فأخذت تحك الأرض بقدميها
الصغيرتين وهي علي وشك الصياح,لمناداة أبيها لعله يشتري هو اللعبة,مرت سيارة ببطء
أمام الجمع الواقف علي الباب,شاهدت فيها مريم زميلتها شيماء,ضحكا لبعضهما,وتبادلا
إشارات التحية بالأيدي,وشيماء تلفت نظر أبيها:
-مريم صاحبتي في المدرسة.
غابت السيارة بسرعة عن عين مريم المبتسمة,وعادت لتحدق في اللعبة,ستشتريها
الليلة لتضمها لما عندها من ألعاب جميلة,ستأخذ تلك العروسة الكبيرة في حضنها
الليلة,وستحكي لها عما يشغل عقلها الصغير,عن المدرسة,وعن ميس نبيلة,وربما كان يشغل
قلبها البرئ إعجاب بأحد الأولاد حرك مشاعرها الطفولية,وستخبرها عما فعلت تلك
الليلة في الفرح,ولما تستيقظ للذهاب للمدرسة,ستضعها في السرير حتي تعود وتكمل ما
بدأت,كل هذا كان سيحدث لو لم يظهر إرهابي نتاج سنوات طويلة من الجهل والفقر
والفساد,ليمحو برصاصه الشيطاني الملعون,حياة كاملة من علي وجه الأرض,لا ذنب لها
عنده,إلا أنها وُلدت مسيحية,وتحمل علي يدها الناعمة صليب صغير,اتخذ منها عدواً,من
الممكن جداً لو لم العوامل المُشاركة في صناعة السفاح,واجهته في حياته,أن يربت علي
كتفها أو أن يداعب شعرها بحنان وهو يمر أمام الكنيسة,شاعراً أنها طفلة تستحق أن
تشعر بالحنان ممن هم أكبر منها سناً,لكن حظ مريم أوقعها في إرهابي يكره كل ما
يخالفه,ولا يحتمل رؤية الناس يعيشون بسعادة,إما أن يكون الكل مثله أو فلتذهب
الدنيا كلها للجحيم,بعد أن ضمن له شيوخه الجنة!
مريم...بأي ذنب قُتلت؟ألأنها من أب مصري وأم مصرية,وتعيش علي أرض مصر,الذي
قال عنه المعلم في الفصل أنه صاحب أول حضارة,وعاشت فيه كل الأطياف بسلام متعاونين
لرفعة بلدهم؟ هل أصبحت الجنسية والعيش علي أرض الوطن بدين مسيحي جريمة تستحق عليها
تلك الطفلة العقاب,والعقاب ليس أقل من القتل؟!
من خلع عن مريم الصغيرة فستانها الأبيض,وأدخلها في تابوت,لا يستحق الحياة
لا هو ولا من يؤيده ولا من يسكت عليه,مريم لم تكن تريد في دنياها الصغيرة
الكثير,فقط العروسة اللعبة تلك الليلة,وفي الصباح تضحك مع شيماء وهما يقولان
لزملائهما أنهما شاهدا بعضهما الليلة الفائتة,وتسرد عليها ما رأته في الزفاف,لم
يستطع الإرهابيون الصمت عليها,كانت براءتها وطفولتها أقسي عليهم من الرصاص الذي
أطلقوه عليها,لغتهم الوحيدة؛بذلك لابد من قطع لسانهم من أساسه,حتي لا ينفثون سمّه
في بلدنا مصر.بلدنا التي خسرت طفلة جميلة,قد تصبح ذات يوم طبيبة حنونة تعتني
بالمرضي وتخفف آلامهم,أو فنانة تسعد الجمهور,وقد تكون كاتبة ترفع اسم بلدها كمثقفة
مؤثرة...مجرمون قتلة,حرمونا منها وهم يتكاثرون و يضربونا بلا رحمة كل يوم.
فقدنا اليوم نسبة من أحلامنا وجزء من مستقبلنا,ولو لم نتكاتف و نصد الهجمة المُهددة
لحياتنا علي أرض وطننا الذي يصير من سيئ إلي أسوأ,فلن نجد لأنفسنا لا حلم ولا
مستقبل,وستكون مريم حلقة في سلسلة طويلة ممتدة,واجبنا أن نقطع رءوس كل الحيات,و
اجتثاث كل بذور وجذور الإرهاب بكل عزمنا, بلا إصغاء لأي صوت سوي صوت ضميرنا وصوت
وطنيتنا.
حبيبتنا مريم....سلامٌ عليك يا صغيرة,وتشفعي ليرحمنا الله مما وجدنا أنفسنا
فيه.. والـ13 طلقة يا شهيدة,سنطلقهم علي كل مصائبنا ونكائبنا المؤسية
المدمرة,وسنذق منهم كل أعداء الوطن وخائنيه,ارتاحي أنت في مكانك,وبأسماء شهدائنا
وأبنائنا سنكمل الكفاح,ومن قلبك الصغير سنستمد الأمل,علي الرغم من كل شئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق