السبت، 13 مايو 2023

مخطوطة فوينيتش... لغز أم خدعة

 في العالم الكثير من الموضوعات الملغزة العصية علي التفسير والمحصنة أما محاولات الفهم الإنساني، تعجز أمامها البشرية حتي اليوم الحاضر رغم الوثبات العلمية الهائلة التي تحققها الدول المتقدمة، بداية من حقيقة قارة أطلس الغارقة التي اختفت بين طيات التاريخ عقب دمارها، ولا أحد يستطيع أن يجزم إذا ما كانت القصة صحيحة أم من وحي خيال أفلاطون ليضرب أمثلة لآرائه الفلسفية كما عودنا في محاوراته الشهيرة، مروراً بالأهرام العظيمة في مصر، والتساؤلات اللامتناهية حول حضارة وادي النيل والحضارة السومرية والصينية وأسرار الشرق عموماً، مروراً بألغاز التاريخ الأوروبي والعربي، لقد شملت الألغاز عالمنا ويمكننا القول أننا نعيش في عالم من الغموض التام، فلا نعرف حقيقة أكثر الأشياء التصاقاً بنا، فما هو الزمن؟ وسر الجاذبية؟ وأين موقعنا في الفضاء الفسيح؟ وماهي طبيعة المخ البشري ذلك الجهاز الصغير الموجود في أدمغتنا شديد التعقيد والحساسية، ومن بين تلك الألغاز المنتظرة الشخص القادر علي حلها مخطوطة قديمة، يرجع تاريخها للقرن الخامس عشر قابعة في مكتبة جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد رحلة طويلة قطعتها بين المكتبات والأديرة، مخطوطة غامضة كتبت بلغة غريبة ورسوم سريالية أعجزت علماء التعمية وفك الشفرات، منذ اكتشافها علي يد جامع الكتب والآثار البولندي ويلفريد فوينيتش عام ١٩١٢ في، عندما باعت الجامعة الجريجورية في إيطاليا بعضاً من كتبها حين واجهت عجزاً مالياً اشترها فوينيتش بمبلغ غير معروف،ووجد مع المخطوطة رسالة ترجع تاريخ كتابتها إلي ١٩أغسطس١٦٦٦ مرسلة من جانيس ماركوس رئيس جامعة براغ إلي العالم اليسوعي أناناسيوس كيرتشر، جاء فيها أن الكتاب اشتراه رودلف الثاني إمبراطور براغ مقابل ٦٠٠دوكاتيه، وكان كيرتشر أحد خبراء حل الشفرات وتم إرسالها له علي أمل أن يفهم فحوي تلك المخطوطة المحيرة.

 الشئ الوحيد المؤكد عنها اسم مكتشفها في القرن العشرين، وأنها كتبت في الخامس عشر في السنوات الواقعة بين ١٥٠٤و١٤٣٨ حسب الفحص الكربوني الذي أجرته جامعة أريزونا لتحديد عمرها عام ٢٠٠٩،وبذلك تنسف أحد النظريات القائلة بأن كاتب هذه المخطوطة هو فوينيتش نفسه مستغلاً خبرته في عالم الآثار والمخطوطات! وهي واحدة من عشرات النظريات التي تحيط بتلك المخطوطة، فقد اعتبرها البعض مخطوطة سحرية كتبت بلغة الجان أو الملائكة، وآخرون قالوا إنها علوم جاءت من الفضاء الخارجي لتصف الحياة العجائبية لسكان العوالم الأخري.

 تعددت الأسماء التي وردت كمؤلفين محتملين لهذه المخطوطة، فافترض أن الفيلسوف الإنجليزي والراهب الفرانسيسكاني روجر بيكون الذي عاش في القرن الثالث عشر، ويعتبر أول أوروبي في القرون الوسطي يؤمن بالمنهج العلمي هو من صاغ المخطوطة علي تلك الشاكلة، لكن المتخصصين في أعمال بيكون يستبعدون تلك الفرضية وهو ما أعتقده فوينيتش نفسه، وذكر اسمي العالم الإنجليزي جون دي ووسيطه الروحاني إدوارد كيلي اللذين عاشا في بوهيميا، وأرادوا التكسب من الإمبراطور ببيع المخطوطة له، وهكذا تتعدد الرؤي حول تاريخ المخطوطة. 

أما إذا فتحنا المخطوطة نفسها فمن المستحيل التوصل إلي شئ قطعي... بل من المستحيل التوصل إلي أي شئ علي الإطلاق، المخطوطة كما ذكرنا كتبت بلغة غير معروفة، وفي السنوات الأخيرة عرفنا عن طريق الكمبيوتر أن تلك اللغة تشبه العبرية القديمة بنسبة ٨٠%، أما الرسوم فلا يمكن معرفة ما الذي تمثله، اتجاه الكتابة من اليسار إلي اليمين وعدد حروفها ما يقرب من ١٧٠ألف موزعة علي ٢٤٠صفحة، ويمكن تقسيم أبوابها استناداً علي شكل الرسومات إلي: 

1- قسم الأعشاب 2- قسم الفلك 3- قسم الأحياء 4- قسم الكونيات 5- قسم الصيدلة 6- قسم الوصفات 

ويعلمنا تاريخ البحث العلمي أن تعدد الآراء حول أي موضوع لإيجاد إجابة محددة عن الأسئلة التي يفجرها معناه أنه لا توجد له إجابة حقيقية، ولذلك ستبقي مخطوطة فوينيتش أحد الألغاز التي تطرح نفسها مع كل جيل، وفي كل مرة تتقدم فيها وسائل البحث العلمي في سعيها الدؤوب لاكتشاف المجهول.... ولكني أحياناً أتخيل أن تلك المخطوطة عبارة عن خدعة متقنة كتبها راهب منفرد أو مجموعة من رهبان القرون الوسطي، بهدف السخرية من العقل البشري وغريزته التي تريد إضفاء معني علي جميع ما يحيط به، وإيجاد تعريف وتفسير لكل الموجودات حوله، حيث أوهموا الناس أن تلك اللغة المخترعة لغة مجهولة ولابد أنها تعني شىئاً ما، وأن تلك الرسومات السريالية تشير إلي عالم مواز لعالمنا، أو أنها أحجية لحل أحاجي أخري أكثر غمومضاً، وبالفعل نجحت خطتهم وظلت مخطوطة فوينيتش تطرح نفسها كلغز وليس كخدعة بالغة الإتقان والتعقيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق