السبت، 18 يناير 2014

الكرباج علي ظهر الكوكب!



الكرباج علي ظهر الكوكب!

مرثية جديدة يغنيها جوني عقب مرثية نجيب سرور,متوسعة مرثيته هو وأنطونيوس هذه المرة...إنهم يرثون الكوكب!
النظريات العلمية الفلكية,أدب الخيال العلمي,أفلام هوليوود,تفسيرات نهاية العالم,الكتب السماوية.....,.......كلهم يتحدثون عن نهاية العالم ودمار الأرض,تاريخ الإنسان وما أبدعه في تاريخه الحضاري الممتد لآلاف السنين,كان جوهره الصراع مع الموت والفناء,والعلم الطبي اليوم في الغرب يحاول أهله محاربة الموت,والحديث عن خلايا لا تموت,وتجارب لهزيمة الشيخوخة كخطوة أولي في طريق القضاء علي الموت,فكرة الموت والنهاية,تكمن بصورة غير مباشرة في كل أعمال الإنسان كما يكمن فيها الجنس والرغبة الجسدية في اللاشعور,لكنها تظل في الخفاء لا تخرج علناً وخاصة في بلدان لا تحترم الفلسفة ولا الجنس,تري الأولي ضياعاً للوقت والثانية عيب وحرام,وحتي لا يأخذني الحديث لبعيد في هذا الفجر السابق لامتحان بعد ساعات سأتكلم عن الأغنية مباشرة.
في الصراع الدائر بين أولاد الأفاعي من الإخوان,والجيش المصري,المحاط(دوره السياسي)بشكوك عند الكثير من الشباب الثائر,تأكد في عزوفه عن المشاركة في الاستفتاء علي الدستور,ووسط كل تلك اللخبطة الملعبكة في المشهد المصري الدموي القاتم,لما يتكلم الفنانون عن السياسة,يكون كلامهم علي قدر فنهم,فمثلاً لما نجد المنشدين الإسلاميين,ينوحون متسائلين:"ثورة دي ولا انقلاب",وغير ذلك من الملوثات السمعية الضحلة في كل شئ,نري الفنان ينظر من مكانه العالي للكوكب البائس الأزرق التائه في الفضاء الكوني,الغير منظورة أحياؤه من الفضاء,لو كان يراقبنا أصدقائنا الفضائيون من التليسكوب,لتشككوا كثيراً في وجود حياة علي تلك النقطة الزرقاء السابحة في الفضاء,كما نشك نحن في الكواكب الأخري!لكن حدث لإرادة ما حياة علي سطحه,الفنانان في أغنية"الكوكب"يرانها موحلة,وتستحق الحرق بولعة,بينما الإنسان المتشئ المستهلك لا ينتبه,ويزيدان الرثاء بأنه"يا عيني مجرد سلعة",لم يتوقف الإتجار بالبشر منذ بدايته الملعونة حتي اليوم,الإتجار الصريح حتي وقت قريب جداً كنا نجد منه الأمثلة الواضحة تحدث,بصفقات تثير حنق أي عاقل علي الكوكب ويتمني حرق أوحاله حتي لو كان هو واحداً منها,ليس من المستبعد أن يكون هذا النوع لا يزال قائماً بسرية,وفي مصر باعة الأطفال لسد الحاجة مثال لا يحتاج للشرح,يحتاج لأغنية رثاء,الأكيد أنه اتخذ أشكالاً لا حصر لها,بدءً مما تفعله الشعوب مع بعضها علي ظهر الكوكب,حتي ما يفعله القواد مع العاهرة في زقاق مظلم...أما عن الأطفال,فلا أريد القول حتي لا أبكي...
مع ظهور ثقافة الاستهلاك لم يكن يتخيل المثقفون الزاعقون ضد هذا الخطر,بلا صناعة ولا علم ولا عقل,أن يتحول الإنسان المصري ذاته إلي سلعة كما اليوم,البعض توقع وحذر من ذلك في المجتمع المصري,لكن ككل التوقعات الغرائبية عن الزمن المقالة فيه التي تحققت,قوبلت بالسخرية والتجاهل,وهاهي الأغنية أكثر الفنون تعبيراً عن المجتمع تعترف بتحول الإنسان إلي سلعة.
البائع يريد تزويق السلعة لعرضها وبيعها والكسب من ورائها,الفنانون نوعين,فنان رضي أن يكون للسلطة زينة وفنان لم يرد سوي تزيين الحياة بفنه,النوع الثاني قلة ولا صوت لهم وعمرهم في الغالب قصير,النوع الأول هو ما تتحدث عنه الأغنية,الفنان المسكين,آخر حلقة في سلسلة الاستبداد,فهو ينفذ ما يأمره به سجانه,والسجان عبداً للمأمور,والمأمور لا يهمه الاثنان في شئ إلا خدمة مصالحه,فالفنان مذعور من السجان,والسجان عبد المأمور,والمأمور وحده الشبعان!
المستبدون كلهم اتخذوا من الفن مطية,لأغراضهم,ومنهم من كان الفن وخسارتهم فيه سبباً في رغبتهم في هدم العالم كالرسام الشاب الذي لو قبله الفن بين رعاياه ليخرج طاقته الفنية,لكن ظروف عديدة حرمته من ممارسة هوايته الفنية الجميلة,تحول إلي السفاح الألماني المعروف باسم"هتلر",أو كالروماني المحب للتمثيل والمسرح,والذي غني علي الناي أشعار هوميروس عن حريق طراودة بعد أن حرق روما وجلس يشاهدها وهي تحترق,هناك شك في تلك الحكاية عن نيرون,لكن المؤكد نوعاً ما أنه قتل زوجته أوكتافيا لأنه علقت علي سقوط الصولجان من يده علي المسرح!ربما يعرف المستبد قوة الفن أكثر بكثير من الفنان نفسه والحالات علي ذلك كثيرة,حتي لو تنبه الفنان للعبة فـ"المأمور من غير إحراج
لامؤاخذة فـ إيدُه الكُرباج
على ضَهر الكوكب بيدور
بيلسوَع ويطُق شرار
والحاشية تألف أشعار
على صوت كرباجُه المسعور
"والكوكب كترت أوحاله"....وهكذا تدور الدورة في كتمان لا يكشفه سوي فنان يعرف ما يقول!
كتبت عنهما من قبل بمناسبة أغنية نجيب سرور,وقد ظننت أن الكلام انتهي,لكن الفن المتجدد مع كل عمل,يخلق الكلام عن نفسه بنفسه....الأغنية السياسية في مصر تتطور,هي السيدة في فنون ما بعد الثورة,والنماذج المطروحة مبشرة بوعي غنائي يستهدف المواطن حاملاً صوت الثورة,أعمال فنية عالية القيمة ظهرت في الغناء المصري,فعقبي للسينما,تلك الجميلة الملقي عليها"مية نار" عمداً من مجموعة مخربين,حين تعود شابة جميلة تغوي الفنانين من جديد لتقديم مواهبهم وإبداعهم كاملاً ستكون اللوحة المصرية الفنية مضافاً إليها لون جديد,أعشقه!سيحتضن داخله الأغنية...ليتها تعود.
الفنان المصري-الشباب خصوصاً-يحاربون اليوم علي جبهات كثيرة,لكن عليهم أن يحملوا سلاحاً واحداً اسمه"الفن"فهو أقوي من كرباج المأمور ومن المأمور نفسه,علينا أن نتخيل شكل الحياة بلا فن؛لنعرف ماهيته!
نماذج كالشباب الذين ينتسب إليهم كاتب و مغني الأغنية,هم الدليل الوحيد علي أنه رغم كل شئ,في الغد قد نري بريق الفن يعود,أو علي الأقل تستمر الجذوة مشتعلة,وسط طوفان الإسفاف,والصوت هامس وسط صخب الفن التجاري الهابط,المثير للغيظ أن إمكانية وجود فن تجاري عالي القيمة ليس مستحيلاً,لكن هذا الحال في مصر اليوم,لكنهم سيستمرون رغم كل شئ,وهم من يجعلوني أستمر في الحلم.
وربما نكمل الحديث في أغنية جديدة.....

الخميس، 9 يناير 2014

نظرية التطور بلا داروين!



  إجابة سؤال يوسف زيدان....المؤجل!:


ما هى الصيغُ الأولى لنظرية التطور ، حسبما قدمها الفلاسفةُ من قبل ظهور كتاب تشارلز داروين " أصل الأنواع " بقرون طوال من الزمان ؟
عمرنا كبشر عاقلين أصحاب حضارة علي هذا الكوكب لا يذكر.منذ متي بدأت الحضارة علي الأرض, خمسة آلاف عام؟ستة؟سبعة؟عشرة؟! لا شئ بالنسبة لعمر أمنا التي نعيش عليها,شهدت من العصور و الأحداث ,ما نعرفه منها بالنسبة لأعمارنا علي أكثر تقدير ومع كل الهيبة الممسوحة بها حضارة الإنسان أقل دقيقة في يوم من أيامنا...أقل بكثير..لوافترضنا أن الانفجار الكبير حدث في بداية العام فإن الهرم بُني من عشر ثوان,وكريستوفر كولومبوس اكتشف أمريكا من ثانية واحدة...وهنا تقول الإنسانية مع سناء جميل:"إحنا صغيرين أوي يا سيد" كما نطقتها بصدق ممزوج بمرارة في فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة,ولابد أن يرد ابن الإنسانية علي أمه بعكس ما قال أحمد زكي"لا يا أمه إحنا مش صغيرين بس....لا ده إحنا ولا حاجة خالص"مع الاعتذار لوحيد حامد,ولكل من يظن أن مشكلته تكمن في عدم قدرته علي رؤية ذاته علي حقيقتها,فيستعين بهذا الحوار الخاطف بين الشخصيتين,ثم يذهب ممتلئاً بنفسه.
ما يبدأ به تاريخ الجنس البشري(العقل),حين بدأ الإنسان يتفكر في نفسه,ويشعر بالأنا التي تخصه,ويتأمل في الكون الواسع من حوله,تساءل"من أين جاء كل ما حولي؟...والأهم,من أين جئت أنا,وإلي أين سأمضي؟"لما استخدم عقله,هذا الذي لم يوجد لأسلافه من قبل,بدأت الحضارة والفلسفة والدين وكل شئ نتأثر به حتي اليوم,نحن الذين نظن أننا قطعنا شوطاً كبيراً عن المرحلة الأولية التي ابتدئ بها الإنسان حياته,ونصفها في الكتب والمحاضرات والأحاديث بـ"البدائية"مع نبرة مشوبة بالقليل من الحذر,والكثير من التحقير,علي اعتبار أننا تقدمنا ووضعنا عن كاهلنا تلك البدائية التي لم تعد تمثل لنا  غير مرحلة متخلفة مرت في حياة الإنسان وتخطاها بمراحل,ولو عدنا لأصول كل شئ في الحياة التي نعيشها وتعيشنا يومياً,لوجدناها تعود بجذور عميقة للمفكر الإنساني الأول,لا نري منها نحن إلا الثمرة المتناولة في يدنا,والأساس مدفون تحت تراب من غرور الإنسان ووهمه بتقدمه وانحيازه الأعمي لنفسه فقط علي هذا الكوكب,أما العاقل المتأمل فيري ما لا يراه من حوله,يدرك جيداً أصوله ويعود إليها,يعود إلي المعرفة البكر,التي ظن نيتشه أن حيوانات ذكية وضعتها علي الأرض وحين تتنهد الطبيعة ستختفي كل تلك المعرفة,والبديهيات الأولي مشكلة حقيقية,فلا زالنا لليوم لا نعرف من وضع البديهية الأساسية المعروفة أن 1+1=2,وهناك مؤلفات وبراهين لإثبات تلك النتيجة,التشكيك ليس صنعة العاديين من البشر,هو هواية وغواية المطعونين في أدمغتهم بالعقل,العقل المتوتر الصاخب,الضارب بكل شئ عرض الجمجمة,إلا وضع كل شئ موضع التساؤل والبحث,ومن البديهيات الناشئة مع العقل البشري"نظرية التطور".
يبدأ البعض لتأريخها من عند اليونان,ويتخذ فلسفة اليونانيين ومقولاتهم كبداية,أول وأقدم حضارة معروفة اليوم هي حضارة سومر,وضعت سومر الكثير من التراث الشرقي الثقيل,الذي أثر في كل الحضارات فيما بعد,وسنجد له أصداء مع كل حركة ننتقلها في أديان ومعتقدات وأساطير الشرقيين وتراثهم,الشرق الذي أشرقت من عنده شمس العقل الإنساني,ووضع أولي البذور للتكوين العقلي الإنساني,وهناك سنجد جذور الأفكار الأزلية التي رافقت العقل منذ أن وجد الإنسان العاقل.
من لا يصدق الأساطير سيُنكر أغلب التراث الفكري للبشر,فالأسطورة بداية كل شئ,وتجسيم حي للرموز والأفكار,التي تطورت لتصبح العلم التجريبي,الذي تطور بدوره ليكون كل ما حولنا اليوم من علوم ومشاعر وتقاليد يعود أغليها للأسطورة.
اللوح السومري الواصل إلينا نجده يقول:أنه في البدء كانت(نمو namu)نمو هو البحر(الماء)ووصفت نمو بأنها الأم التي ولدت الأرض والسماء,أي أن هناك اتفاق في البداية استمر حتي أثبته علمنا الحديث,أن الماء هي أصل الحياة,منها خرجت كل الأحياء,وظهرت نظرية أصل الإنسان المائي بوصفه سمكة,متخطية بتلك المقولة التي الخاطئة التي يسخر منها أعداء نظرية التطور,أن الإنسان أصله قرد,وتجدها عند كل كل حديث عن نظرية التطور كفرض مسلم به,الإنسان والقرد من أصل واحد مشترك كما تقول النظريةوسنأتي إلي ذلك.
يعود علماء النفس لتفسير هذا الاعتقاد الذي شاع عند القدماء في فلسفتهم إلي ذكري في اللاوعي الإنساني,ذكري السباحة في الماء الرحمي للأم بحره الأول.
وفي أسطورة أخري نجد الحديث عن البشر الأول,في تصور أقدم حضارة تم اكتشافها علي الأرض,وهم يصورون أسلافهم من قبل بتلك الصورة الصريحة:
"البشر الأول لم يعرفوا أكل الخبز بعد
يسيروا علي أيديهم وأرجلهم
كالخراف يعلفون الحشائش
ومن القنوات كانوا يشربون الماء آنذاك"
الحديث عن البشر الأول في حالتهم الحيوانية,شبههم السومريون بالخراف,ويقولون أنهم ساروا علي أيديهم وأرجلهم,نجد هنا إشارة مباشرة عن فكرة التطور قبل أن يأتي مؤسس النظرية الحديثة داروين,أبو التطور وواضع أسسه العلمية,والمُجاهر الأول علناً بتفسير الحياة تطورها علي الأرض.
وفي سومر قبل أن نغادرها ونحن نتفحص ذرات من حضارتها,نري أصل كلمة"إنسان" العربية,من anzi,anهو إله السماء وziتعني الشبيه,ومن هنا بدأ القول أن الخالق أوجد الإنسان علي صورته, تلك مشكلة ستتبلور,حين يتطور الفكر الإنساني في تصور مفهوم الألوهية,وعلاقته بالرب الخالق الموجود في أول ظنه في السماء,وآن تعني أيضاً السماء.
عند سومر البدايات الأولي للاعتقادات البشرية,فيها ما يخص الخلق والأديان ما سيتردد بصور مختلفة بعد ذلك في التوراة,وهناك أصل الأسطورة التوراتية الشهيرة التي تأثر بها المسلمون عن آدم وحواء المخلوقة من ضلعه!!والثمرة المحرمة!,وتلك الأشياء مع تدقيق النظر والاستعانة بالعلم الحديث المُثبت تجريبياً,والخروج من أسر الماضي بكل أخطاؤه وتصوراته المقدسة عندنا اليوم,سنجد ألا أصل لتلك الحواديت المرتدية لباس التفسير القرآني,الموضوعة علي مائدة السخرية عند من يمتلك فكرة عن الجنس البشري وتاريخه قبل ظهور تلك الأساطير المقدسة عند الأديان الكتابية,ولها مثيل في الفلسفات والعقائد الأخري,مادمنا نصمم أن نجد الإعجاز في القرآن وحتي بعيداً عن الإعجاز ودروشة البعض به بغير علم,فنيته التي سنعتبرها سليمة ستودي بالعقل المسلم إلي ترد وتخلف أبعد مما فيه,بعيدا عن تلك الفكرة علينا أن نتحلي بشجاعة التجديد,والتوقف عن حبس الأفكار والتفسيرات عند مرحلة معينة وبطريقة محددة,فالقرآن حمال أوجه,ويناسب كل عصر كما يصرخ المسلمون,وإشاراته ولغته تحمل حتي اليوم ما نستخرج منه ويتم تطويعه للتفاسير المختلفة.
سومر....مفتاح البداية للحضارة الإنسانية,ولثقافتنا المعاصرة,المدينة الواقعة في العراق اليوم,تعتبر مهداً لكل حضارات الشرق الأدني,في الشرق ظهرت الأديان الإبراهيمية الثلاث المعروفة عند أتباعها بـ"الديانات السماوية".في ملحمة جلجامش الباحث عن الخلود,أول الأساطير في الأدب الإنساني وأكثرها تأثيراً وتعبيراً عن العقل الجمعي البشري المتشابه بصورة تبدو أمامها قشرة الإختلاف واهية وتستحق الحرق؛ليظهر لنا الجوهر الواحد الدال علي الأصل الواحد لكل البشر,تظهر شخصية إنكيدو صديق البطل أو"السنيد"بلغة السينما,إنكيدو حين خلقته الآلهة للوقوف في وجه جلجامش ومقاتلته,في البداية كان كالوحش,بدائي في الغابة يشرب علي أربع ويصطاد الغزالة كالأسد وتألفه الوحوش كواحد منها له ذات الطباع,بعد تعرفه علي المرأة والتحامه بها في أول اتصال جنسي,تحول لبشر عاقل عنده أبجديات الإنسانية....نربط هذا بما جاء في كتاب نظرية آذان الأنعام وسيبدو تفسيره أن الاتصال الجنسي هو الشجرة المحرمة علي البشر من قبل مقبولاً وغير مفاجئ,وأنها هي خطيئة آدم الأول حين انصاع لوسوسة الشيطان,وطبعاً لا نجد هنا أي حواء في القصة...الجنس حكاية طويلة جداً تدور عندها أهم مشاهد التاريخ البشري,منذ الفصل التمهيدي حيث لم يكن الإنسان يفهم العلاقة بين الاتصال الجنسي والحمل,حتي اليوم بما يمكن عمله من الحيوان المنوي والبويضة في المعامل وأنابيبها,و كلمة الحياة جاءت في العربية من "الحيا"وهو فرج المرأة,"الأنثي هي الأصل"عبارة تحمل من الأسرار المخفية أكثر مما من المعلنة المحيرة.
حمل العقل الإنساني فكرة التطور الخلاق منذ بدايته ,رحلته طويلة.مرت في محطة اليونان,طاليس الملقب بأبي الحكماء,قال بأصل الحياة واعتبره الماء,والروح المحركة للمادة,وكل متحرك هو ذي روح,ثم أنكسماندر,أول من قال أن الإنسان أصله سمكة في محاولة لشرح انتقال الحياة من البحر إلي اليابسة,وعنده ان الحياة جاءت من مادة أولية,وأن المخلوقات جاءت بتأثير من الشمس علي العناصر الأرضية,جاء بعد الحيوانات الإنسان فدار دورته هو الآخر حتي الصورة التي هو عليها الآن,الشك كبير في إيمان فلاسفة اليونان بجبل الأوليمب وصورة الآلهة الأقرب للهزلية,وواضح في تفسيراتهم العقلانية للحياة غياب أساطيرهم عنها.
العبارة الشهيرة"أنت لا تنزل النهر مرتين"منسوبة لهيرقليطس,الحياة لا تتكرر فيها الحوادث مرتين,والتطور مستمر كجريان النهر,أرجع أصل الكائنات ومصدرها إلي النار,ولا يري حاجة للخالق ولا حاجة للموجودات بموجود,بل هي الدنيا كانت وستزل كالنار تتقد.
وأمبدوقليس وعناصره الأربعة:النار,الهواء,الأرض,الماء,فزيوس رمز النار,وهيرا ترمز للأرض,وإيديونيسوس يرمز للهواء,نستيس فاضت دموعها فتكونت الأنهار,كما الإله أنكي كان مصدر الأنهار عند السومريين بمنيه الخارج من قضيبه,هو شاعر فيلسوف,فامتزاج تلك العناصر يأتي عن طريق قوة الحب,وافتراقهم بسبب الكراهية,ونجد عنده الشذرات الأولي لفلسفة العود الأبدي عند نيتشه ونظرية التطور عند داروين.
ولوكريتوس يعتقد أن التحول سنة الكون والإنسان وحش هذبته المدنية.
هؤلاء وغيرهم  من اليونانيين ركبوا قطار التطور الأزلي في تاريخ الحضارة البشرية,وظلت أفكارهم مثيرة للتأمل مع الأخذ في الاعتبار أن هناك جزء عظيم من الحضارات القديمة ضاع ولم يكتشف حتي اليوم,ربما يفسر لنا هذا الجزء,كيف تطور الإنسان,فما وصل إلينا يؤكد أن تلك الحضارات كان بها دراسات وأفكار عن التطور سبقت النقاط التي وصلتنا من ذلك,تلك النقاط المتبقية من تاريخ بحثي طويل لدي تلك الحضارات القديمة,الحضارات التي أوجدنا الإنسان العاقل بعد رحلة تطورية مضنية,حتي يكرمه الخالق بالعقل والمخ,الغير موجودان بتلك الصورة الكاملة إلا عند أبناء آدم قبل ذلك كان الانتصاب,والأطراف,حتي تاج العقل. آدم في قصص الخلق لا نعرف هل كان ذكر واحد,أم جماعة بشرية أعطاها الله هذا الاسم وهو يعني الملائمة والموافقة!وغير ذلك من الملغزات في قصة الخلق الإسلامية بعيداً عما قدسناه من الإسرائليات,أبناء آدم ومنحتهم ومحنتهم في آن واحد(العقل)تلك النفخة التي نفخها له الله فكان ما يعرف حتي في العامية المصرية اليومية بـ"النافوخ"تلك النفخة التي كانت أساس لكل شئ في حياتهم,تاركين بذلك أصولهم الحيوانية الأولي بعد أن أصبحوا عاقلين.
المسلمون حين تفكروا كما أمرهم الله في خلق السماوات والأرض,وصلوا أيضاً لذات النتيجة,أن التطور حقيقة يقبلها العقل المفكر الباحث المتأمل فيما وراء الظواهر,في مرحلة ذهبية من الناحية العقلية والفكرية,لم تتكرر في تاريخ العرب,الحرية والعلم والإنقياد وراء التفكير السليم,مع نبذ القيود وغلق متجر التكفير والتحريم,ظهر إخوان الصفا بإنجازاتهم العلمية,وابن خلدون,وابن مسكويه وغيرهم ممن قالوا بالتطور,اليوم لو حدثت أحد المسلمين عن التطور لقرر فوراً أنك تعارض حقيقة الخلق,ويدخل بك في شعاب بعيدة عن الموضوع بأفكار خاطئة منتشرة عن الخلق والتطور علي السواء؛لأننا فقدنا ملكة العقل وموهبة التفكير أنكر معظم المسلمون التطور ومذهبه,وكل ذي عقل يتأمل في النص القرآني سيجد للتطور شواهد ومعالم وإشارات واضحة,لكن مثل تلك الآيات للحفظ فقط والاستظهار,نمر عليها كغيرها بلا تدبر ولا وقوف متأمل في كلام الله الذي يحدثنا كما نقول دوماً,بل الجمود والتعصب والخوف من الفهم والعيش في ظل اجترار الماضي,هي العين التي نقرأ بها كلام الله,وتحولنا من إخوان الصفا بعلمهم وفلسفته وجرأتهم العقلية إلي الإخوان المسلمين!!!
في رسائل إخوان الصفا جاء التالي:
"لكل كون ونشوء غاية أولاً وابتداء,وله غاية ونهاية إليها يرتقي,ولغاية ثمرتها تجتني" وأيضاً"ثمّ اعلم يا أخي بأن النبات متقدم الكون و الوجود على الحيوان بالزمان , لأنّه مادة لها … و هو كالوالدة للحيوان … و ذلك أنّه يمتص رطوبات الماء و لطائف أجزاء الأرض بعروقه إلى أصوله ثمّ يحيلها إلى ذاته , و يجعل من فضائل تلك المواد ورقاً و ثماراً و حبوباً … و يتناول الحيوان غذاءً صافياً هنيئاً مريئاً كما تفعل الوالدة بالولد . ثمّ اعلم يا أخي , أيدك الله و إيانا بروح منه , بأن الحيوان ما هو تام الخلقة كامل الصورة كالتي تنزو و تحبل و ترضع , و منها هو ناقص الخلقة كالتي تتكون من العفونات و منها ما هو بين ذلك كالحشرات و الهوام بين ذلك , التي تنفذ و تبيض و تحضن و تربي . ثمّ أعلم بأن الحيوانات الناقصة الخلقة متقدمة الوجود على التامة الخلقة بالزمان في بدء الخلق . و نقول أيضاً أن حيوان الماء وجوده قبل وجود حيوان البر بزمان , لأن الماء قبل التراب , و البحر قبل البر في بدء الخلق . و اعلم يا أخي بأن الحيوانات التامة الخلقة كلها كان بدء كونها من الطين أولاً , من ذكر و أنثى توالدت و تناسلت و انتشرت في الأرض … من تحت خط الاستواء حيث يكون الليل و النّهار متساويين و الزمان أبداً معتدلاً هناك بين الحرّ و البرد و المواد المتهيئة لقبول الصورة موجودة دائماً . و هناك أيضاً تكون أبونا آدم أبو البشر و زوجته , ثمّ توالدا و تناسلت أولادهما و امتلأت الأرض منهم سهلاً و جبلاً و براً و بحراً إلى يومنا هذا"
هنا نجد آدم الأرضي...دليل آخر علي أن آدم العاقل وجد في الأرض وتكون هناك ولم يعرف الجنة السماوية.
وابن سينا:"وما يحدث في عالمنا, إنما ينتج عنه بمعاضدة الأفلاك ... وما يبقى في الأرض ووجد امتزاجا تحصل منه المعادن، وإن وجد امتزاجا أكثر يحدث النبات، وإن وجد امتزاجا أعلى يحصل منه الحيوان، وإن وجد امتزاجا أحسن وأعدل يحدث منه الإنسان"
وعند ابن مسكويه"أن الموجودات مراتب، وكلها سلسلة متصلة… وكل نوع من الموجودات يبدأ بالبساطة ثم لا يزال يترقى ويتعقد حتى يبلغ أفق النوع الذي يليه، فالنبات في أفق الجماد، ثم يترقى حتى يبلغ أعلى درجة، فإذا زاد عليها قبل صورة الحيوان. وكذلك الحيوان يبدأ بسيطاً ثم يترقى حتى يصل إلى مرتبة قريبة من الإنسان.”
في مسألة القردة والإنسان يقول:هو الذي يحاكي الإنسان من تلقاء نفسه ويتشبه به من غير تعليم كالقردة وما أشبهها، ويبلغ من ذكائها أن تستكفي في التأدب بأن تري الإنسان يعمل عملاً فتعمل مثله من غير أن تحوج الإنسان إلى تعب بها ورياضة لها. وهذه غاية أفق الحيوان التي إن تجاوزها وقبل زيادة يسيرة، خرج بها عن أفقه وصار في أفق الإنسان الذي يقبل العقل والتمييز والنطق والآلات التي يستعملها والصور التي تلائمها.”
ثم ابن خلدون: إنّا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام، وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان، واستحالة بعض الموجودات إلى بعض… انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدرج: آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخيل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب لأن يصير أول أفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدرج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية، ترتفع إليه من عالم القردة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولم ينته إلى الروية والفكر بالفعل، وكان ذلك أول أفق الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا.”
"وقد توهم بعض النسابين ممن لا علم لديه بطبائع الكائنات أن السودان وهم ولد حام بن نوح، اختصوا بلون السّواد لدعوة كانت عليه من أبيه ظهر أثرها في لونه وفيما جعل الله الرّق في عقبه، وينقلون في ذلك خرافات من القصص، ودعاء نوح على ابنه حام قد وقع في التـوراة وليس فيه ذكر السّواد ، وإنما دعا عليه بـأن يكون ولده عبيدا لولد أخوته لا غير . وفي القول بنسبة السودان إلى حام. غفلة عن طبيعة الحر والبرد وأثرهما في الهواء وبما يتكون فيه من الحيوانات ، وذلك أن هذا اللون شمل أهل الإقليم الأول والثاني من مزاج هوائهم للحرارة المتضاعفة في الجنوب ، فإن الشّمس تسامت رؤسهم مرّتين في كل سنة قريبة إحداهما من الأخرى فتطول المساتمة عامة الفصول ، فيكثر الضوء لأجلها ويلح القيظ الشديد وتسود جلودهم لإفراط الحر.”
كلام علماء المسلمين لا يحتاج إلي تعليق؛لنفهم أنهم تطوريون آمنوا بتطور لا يعارض الخلق,ويحتاج إلي مطور.
كتب بوفون عام 1778:"إن الحمار ينتمي إلي الجواد ولا يختلف عنه إلا في التعديلات..وإن الإنسان والقرد يعودان إلي أصل واحد مثل الجواد والحمار,وإن كل عائلة,سواء من النبات أم الحيوان,قد اشتقت من أصل عام,بل أن جميع الأحياء قد نبعت من نوع واحد مفرد,وهذا النوع بمرور العصور قد أعقب جميع السلالات المعروفة الآن"
قبل خمسين عاماً من ظهور كتاب داروين,فسر لامارك تطور الكائن الحي؛بأنه نتاج العادات التي يتعودها من تغير الوسط البيئي حوله.

قيل الكثير عن التطور منذ سومر حتي النظرية القائلة أن الإنسان نتاج تزاوج قرد وخنزير,وهي نظرية قيلت منذ أيام,والخنزير يشابه الإنسان من الناحية التشريحية,,فعمليات زراعة الأعضاء يستخدم فيها الطب أعضاء الخنزير,وفي المستقبل يطمح العلم في استبدال كبد الخنزير بكبد الإنسان لندرة الأعضاء السليمة,والقردة العليا... قريبة جدا من الإنسان,وليس بينهما إلا خطوات قليلة لو قطعها القرد فسيتحول إلي إنسان,اعتقد أهل جزيرة سومطرة حتي زمن قريب وربما للآن علي أن إنسان الغاب يمكنه الكلام,لكنه لا يريد حتي لا يتخذه البشر عبداً لشدة قربه من الإنسان, وقريب في الجينات كما هو معروف,وفي السلوك أيضاً والهيكل,والمظهر,حتي أنها تعلمت لغة الإشارة في إحدي التجارب وعرفنا ميلها للمزاح بالقول مع مدربيها,ولا يوجد عائق عندها للحديث إلا عائق إلهي...
يعتبر هوكسلي أن:"الفروق الجسدية التي تفصل الإنسان عن الغوريلا والشمبانزي ليست كبيرة إلي الحد الذي تبلغه الفروق بين القردة العليا والقردة الدنيا"
لكنه الإنسان"نسي الطين ساعة أنه طين *** حقير فصال تيها وعربد
وكسا الخز جسمه فتباها *** وحوى المال كيسه فتمرد
كما يصفه إيليا أبو ماضي,تاه عن أصله ولم يتأمل في الكون والحيوان والنبات,النبات الذي يشعر ويتألم ويتذكر,وله عقل وحركة وروح,بتجارب مثبتة,لم يعتبر نفسه عضو في النادي الأرضي,وظن أنه سيدها,والأرض(مسخرة)له وليس بفضله,عليه أن يتأمل في الانقراض والتطور,ويعمل ما عليه ليستمر في الحياة علي الأرض,ومن يعرف إلي متي سيكون الجنس البشري موجوداً؟!علي الأقل بهيئته الحالية,وهوليوود بكل عبقريتها وفنيتها كل فترة تثير الفزع علي الأرض,متحدثة عن الكوراث,والفناء,والتهديدات اللا نهائية أمام الجنس البشري,ليس من فراغ ما تفعله, هو قائم علي تحليلات ورؤية لماضي وحاضر ومستقبل الإنسان علي الأرض,وفلسفة صلاح جاهين قالت ذلك أيضاً,مرددة نظرية التطور ببساطة عجيبة من قلب كبير لشاعر إنساني:" أنـا كنت شـىء وصـبحت شىء ثم شىء
شـوف ربـنـا . . قـادر علـى كـل شىء
هـز الشـجر شـواشيـه ووشـوشنى قال
:
لابد مـا يمـوت شـىء عشـان يحيا شىء

عجبي
من يعتقد بالتطور,يعرف تاريخه ويشعر به في ذاته,يراه ببصيرته فينطلق علي لسانه بكلمات صريحة,كقول جلال الدين الرومي:" عشتُ تحت الثرى في عوالم من تبر وحجر؛ ثم ابتسمت في ثغور زهرات عديدة الألوان؛ ثم جُبت مع الوحش المتنقل فوق زهر البسيطة، وعلى متن الهواء وفي مناطق المحيط.
وفي ميلاد جديد غطست في الماء، وحلقت في الهواء،وحبوت على بطني وعدوت على قدمي. وتشكل سر وجودي كله في صورة أظهرت ذلك للعيان فإذا أنا إنسان.
ثم أصبح هدفي أن أكون في صورة ملاك في ملكوت وراء السحاب،وراء السماء حيث لايمكن لأحد أن يتبدل أو يموت.ثم أعدو بعيداً، وراء حدود الليل والنهار، والحياة والموت ، مرئية كانت أوغير مرئية. حيث كل ما هوكائن، كان دائماً واحداً.
التاريخ البيولوجي ظهر في روحانياته,صفاء البصيرة وقوة الاستبصار,مكناه من سرد مراحل تطوره من البداية التي لم يشهدها,حتي النهاية التي يطمح إليها,ويصدق أنها ستكون,مادام ما
سبق من مراحل كان....حيث كل ما هو كائن,كان دائماً واحداً

نظرية التطور من النظريات المشبوهة في المحيط العربي البائس,وبين أبناؤه البائسين نتاج بؤسه,إما هي غير معروفة علي الإطلاق,أو تتهم بالكفر والإلحاد ومحاولة نقض نظرية الخلق الدينية,كما إنها تنفي عن الإنسان تكريم الله له.العلوم عندهم تابو لا يقرب,ومقولبة في مقولات خاطئة,المتدينون منهم فهموا قصة الخلق فهم توراتي,لم يتمعنوا فيما جاء في الآيات الدالة علي التطور وهي كثيرة,ولأن القرآن ممكن تفسيره باللغة والمعني والعلم الحديث والنحو والتشكيل,سنستخرج منها قصة مغايرة تماماً لحدوتة الثمرة وخلق حواء من الضلع,ومع التفكير خارج الصندوق بما لا يستعين من خارج النص بكلمة,ربما نري أن آدم الإنسان غير آدم الرسول,ونعرف متي جاءت حواء ودورها,بدلاً من اتهامها الاتهام السخيف الشهير,وما المقصود بالشجرة المحرمة,وكيف أغوي الشيطان آدم,وماهي طبيعة المعصية .....في التفاسير العلمية الحديثة سيجد المسلم المعاصر المتأثر بالتراث الساذج ما يصدمه,ويعيد تشكل وعيه عن وجوده وخلقه وتطوره,والمراحل التي مر بها حتي يتحول,إلي هذا المغرور الذي رفض قديماً نظريات كوبرنيكوس وجاليليو,حتي يظل هو وكوكبه مركزا العالم,ثم هاجم التطور تعففاً عن أصوله القديمة المشتركة مع كل الأحياء,ومضي بعقله يطاول الزمان والدنيا ناسياً أنه محظوظ,محظوظ أنه منح دوناً عن سائر الأحياء عقله ولغته وأطرافه وانتصابه,ولم يقع تحت رحمة أشباهه من القردة,المحرومة مما سبق,ولو كان عندها علينا تخيل السيناريو الكابوسي لنا نحن البشر!
بيير بول الكاتب الفرنسي وضع لنا الصورة في رواية كوكب القردة, كوكب أسماه "سورو",كلمة لاتينية تعني الأخت,أخت الأرض,تطورت فيه القردة وبقي البشر علي حيوانيتهم,وما نفعله نحن بالقردة يفعله القردة بأبناء جنسنا علي الكوكب البعيد ,وهوليوود لم تترك هذه التحفة تمر بلا نسخ سينمائية متعددة,حتي أن البطل الرواي أخذ يتخيل علي الكوكب البعيد,أن يصبح هذا ما يحدث علي الأرض...حين عاد وجد في استقباله في باريس ضابط شرطة,حين اقترب منه تجمد من الدهشة والخوف,فهو لم يكن سوي غوريلا,قال في الرواية القرد المثقف كورنيليوس,مانقوله نحن البشر عن التطور ولماذا تفوقنا علي الكوكب,الاختلاف الوحيد أنه قرد يتحدث عن جنسه!
فكرة التطور تحتاج إلي خيال,لن يتصورها إلا من كان يملك قلب شاعر وخيال فنان,وإيمان مستنير نابع من العقل والعلم.
العلم قال كلمته في نظرية التطور,أصبحت حقيقة علمية لا يمكن التراجع عنها,من يطعن فيها يبحث عن الكمال في دنيا النقص,هي الحقيقة الأقرب لوجودنا وماهيتنا,عقد قرابتنا مع كل ما هو موجود علي ظهر الأرض,عائلتنا الكبيرة الجائرين عليها,قاتلوها نحن حتي نرتدي الفراء والجلود, لم نخرج يوماً من الغابة,بنينا فيها مستعمراتنا الإنسانية,لكنها بقيت غابة يحكمها قوانين التطور,والبقاء لمن يستحق البقاء ويقدر علي الحياة تحت ظروف يتكيف معها مهما كانت قاسية.
الزمن خطي أم دائري؟هل التطورعنوان الإنسان أم الثبات؟كيف يسير التاريخ...صحيح هل يكرر نفسه؟الدين ونشأته كيف ومتي؟
أسئلة تحتمل الإجابة وعكسها,مكان المجُيب هو المفتاح.
6و9 تلك هي فلسفة الدنيا ببساطة,أنت تري الشئ من مكان معين,تتصوره بطريقة معينة,تتحول إلي حقيقة عندك,أو كما قال حسين السيد في أغنية لوردة "وانا لما صحيت على حبك
وشفت الدنيا من عندك
اتمنى لو كل العشاق يحبو زي انا ما بحبك"
الخلقيون يرونها ثابتة والتطوريون يرونها متغيرة,إنما هي خلق تطوري أو تطور خلقي,الفنان الأعظم,مبدع هذا الكون,صناعته غير صناعتنا البشرية المتجمدة البالية,تستمر لوقت معين,تعد غير صالحة,نستبدلها ونرميها,الحياة ليست كذلك,لا يمكن طبعاً لأحد أن يعرف سر الحياة والروح,لكنها بالتأكيد لا تخضع لتصوراتنا البشرية المحدودة أمام عظمة الكون المحتارين في ذرة من صحاريه الشاسعة اللامتناهية,اسمها كوكب الأرض.
ما معني ارتباط فكرة التطور بالعقل الإنساني كل هذا الوقت؟معناه أنها أمر بديهي تشي بها الحياة لنا طوال الوقت,الأذكياء فهموها وعملوا بها,التطور في الغرب ونظريته يدخل في صلب الحضارة الغربية وفلسفاتها,كل الأسئلة والمشاكل المطروحة علي الساحة العقلية اليوم نجد فيها التطور حاضراً بقوة,فاعلاً في حياة تلك الأمم,تطورت وترقت تدريجياً,حتي أصبحنا بالنسبة لها كنسبة القردة العليا للإنسان,ستغضب وتسخر,لكنها الحقيقة التي كلما تمادينا في الإبتعاد عنا كلما طعنتنا أكثر,بينما الشرق المؤمن بالثبات متروك لثباته,حتي تدهور واستقبله القاع بترحيب لأنه مخلص للسقوط والضياع!
هم آمنوا بالتطور فهنيئاً لهم قيادة الأمم وممارسة الإمبريالية بلا رادع,كفتوة من فتوات عصر ما قبل الباشوات الجدعان"جات في عينه",ولنبق نحن ما شاءت لنا الأقدار في موخرة الأمم..بالمعني الحرفي للكلمة!
لنتأمل لحظةمشاكلنا واهتماماتنا وما يموج في مجتمعنا المتخلف.. مسلوب العقل والإرادة,لنقلب الأفكار السطحية لتظهر سطحيتها أكثر,لنستمع للكلام الفارغ من أدمغة أكثر فراغاً,وبعدها نظرة سريعة علي المجتمع الغربي المؤمن بالتطور والآخذ به في كل المجالات,هناك علوم المستقبل والفضاء,وربما وجدوا كوكباً جديداً بدلاً من الأرض, البشائر ظهرت مؤخراً ,تفكر الشركات العالمية الكبري أن تبني لها فروعاً خارج الأرض! هنا عند الثابتين الجامدين دوامة الإسلام والعلمانية ,حكم العسكر وحكم الفقيه,وكل ماضاع فيه أعمار أجيال بلا فائدة,ولازال العميان قاصري النظر يتقاتلون حول تلك الثنائيات السياسية الأيقونية,التطوريون يبحثون عن السوبر مان ويصممون لجيوشهم بذلات الرجل الحديدي شبيهة بالفيلم,ويموت الجامدون  من البرد والجوع في الشوارع والمخيمات!
هدف التطور منذ البداية(المخ_العقل)منفصلان صحيح لكن لا يمكن الحديث عن واحد مع إغفال الآخر,حجم المخ البشري تضاعف حجمه ثلاث مرات طبقاً لعلماء الأنثروبولوجي وقياساتهم....(الكلمة وسرها!!!)كبر حجم المخ لأن الإنسان بدأ يتكلم,ظهرت اللغة فكان لابد من مخ يتسع ويكبر لاستيعاب اللغة,اللغة التي يفهم بها الدنيا,ولاعجب أن الأديان والفلسفات والمذاهب كانت تبدأ بالكلمة في البدء,المعني الظاهر مشترك بين ماورد في الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله",وأول ما في القرآن"اقرأ باسم ربك الذي خلق" هذا كان في البدء عند الله,الكلمة ارتبطت بالخلق,بدون المخ الكبير للإنسان ما كان ليرتقي لأعلي شجرة الحياة المتنوعة,من خلال مكانته العالية المشرفة علي أفراد العائلة الأرضية,يشعر صاحب البصيرة أن عمره يوازي عمر الحياة كلها,ففيه"انطوي العالم الأكبر" كما سيشعر مع الإمام علي,بوجدانه يعيش دورة الحياة كاملة فيقول مع القديس فرانسيس"أيها الطير أخي في الخلق، سبّح معي بحمد الخالق الذي كساك ريشاً ووهبك جناحين تطير بهما، وأفسح لك في فضائه تسبح فيه كما تشاء، وأظلّك بحمايته وما كان أضعفك عن أن تحمي نفسك ويردد مع جلال الدين الرومي ما سبق ذكره.
المذهب الدارويني لم يخبرنا مع معني الحياة ولا ماهيتها,فقط شرحها وفسرها بيولوجياً بالأدلة العلمية,ينتسب التطور لـ"عار العائلة"كما وصفه الأب ابنه شارل داروين!داروين الخالد بتأسيسه ودفاعه وإعلانه عن النظرية, داروين الذي زلزل الدنيا,وغير نظرتنا لأنفسنا والحياة من حولنا...
 لو استمرت الحياة علي الأرض ومضي مثل مامضي,من يعلم كيف ستكون نظرة الأحياء لنا؟ ربما يتحدثون عن كل الهيلمان التكنولوجي الغارق فيه إنسان العصر,كمرحلة بدائية كانت فيها الأرض سابحة في الظلام وقت ماكانت باقي الكواكب الأخري تتعاون مع بعضها في علوم الكون....مع التطور سنصبح حفريات تستحق الدراسة.
قصة التطور والنظرة المتمعنة لأصل الأرض وظهور الحياة عليها في الكون,يعطينا سيناريوهات لا حصر لها,لا يمكن السخرية من واحد منها-عكس الحاصل عند ذوي العقول المحدودة-السيناريوهات المطروحة كلها تقول كم نحن ضعفاء,ولا نملك من أمر أنفسنا شيئاً وكم هو متهافت وسقيم منطقنا الدنيوي,وأن المستحيل هو ألا يكن هناك مستحيل,العذر الصريح للإنسان سجنه الأرضي ووجوده وحده في عالم لا يعرف عنه شيئاً حتي الآن....ربما هناك آخرون معنا لا نعرفهم!نشعر دوماً بالاغتراب والحنين لما هو مجهول,ثم يأتي الموت ليمحينا...مما يعني أننا لا نرتبط بالأرض وبالحياة عليها,نحن فيها لكننا لسنا منها.
كلمة"creative"تترجم للعربية أحياناً بوصفها تعني الإبداع,ومعناها الأساسي الخلق,أمام التطور نحن أمام خلق إبداعي,عمل فني مر بمراحل عدة(نحن الآن في بداياتها الأولية)وفي المستقبل سيتطور هذا العمل عما هو عليه اليوم,ومانحن إلا حلقة من حلقات هذا التطور العجيب...ومع ظهور الثقافة العلمانية لم تعد عملية الخلق حكراً علي الخالق فقط في اللغة,الفنانون يتم وصفهم بالخالقين لما أبدعوا وصمموا,الفن ارتبط بالمقدس لسموه علي باقي الأعمال كلها؛لأنه ارتبط بالدهشة الأولي للإنسان,عندما اضطرب وتلقي أول (المعارف الكسيرة)مسمي فرانسيس بيكون قاصداً بها دهشة تعتري الإنسان وتدفعه للرغبة في العلم والتأمل,وفي سياق مماثل اعتبر ريلكه"ليس الجمال إلا ابتداء الهلع"فالهلع الذي يعتري رافضي النظرية ومهاجميها,بعد مرحلة الاقتناع بها سيرون الجمال في التطور العبقري المؤدي إلي الإنسان الهالع,يذهب روبرت فولر إلي اعتبار الدهشة أنها"واحدة من الخبرات الأساسية المفضية إلي النظام الخفي"....النظام الخفي....وبالمناسبة,الشمبانزي أيضاً يعرف الدهشة.لاحظت عالمة الحيوان "جين جودول" أثناء مراقبتها لبعض قردة الشمبانزي قرداً يومئ والتأثر باد عليه إلي شلال (جميل),وفغر فمه دهشة وهو قابع علي صخرة حوالي عشر دقائق,والتكهنات لا تزال تثار حول وجود شكل بدائي من الروحانية في الشمبانزي,وهي نفس التكهنات المثارة في كوكب القردة لبيير بول,الفارق أن تلك التكهنات كانت تثار حول البشر!التأمل والتساؤل والإبداع ما يرقي عند البشر ويوصلهم لمرحلة ما بعد الدهشة,مرحلة العقل.
ولهنري ميلر رأي قاله:"وإذا أردنا المعني الدقيق لكلمة حياة:فإن علينا أن نقول إننا لم نعرفها بعد.
إننا لم نعد حيوانات...ولكننا لم نصبح بشراً بعد"

من رباعيات صلاح جاهين,تخرج الحكمة الإنسانية من قلب شاعر إنساني برئ فذ,حتي قيل عنه أنه"الطفل الإلهي",منها ما وجهه للإنسان,أي إنسان: إنسان أيا إنسان ما أجهلك
ما أتفهك في الكون و ما أضألك
شمس وقمر و سدوم و ملايين نجوم
و فاكرها يا موهوم مخلوقه لك ..عجبي"

ملخص بسيط لرحلة بشرية طويلة...بالنسبة للبشر.
هناك نقاط سريعة تستدعي الملاحظة:
1-التطور أقرب التفسيرات لنشوء الحياة علي الأرض,ثم ظهور الإنسان العاقل عليها وما أنجزه بعقله.
2-اللبس حاصل بين مصطلحي (نظرية/ theory)في كلتا اللغتين,يعطي معني مخالف للمفهوم كله,التطور نظرية أثبتتها الحقائق العلمية فتحولت إلي (حقيقة/ fact)....فضلاً عن أن معناها الشائع في الحياة اليومية,لا محل له في المجال العلمي.
3-التطور لا يعارض حقيقة الخلق,إلا بتدخل من الأساطير الإسرائيلية القائمة علي ما يخالف المنطق,المتأثرة بأساطير سومرية كحكاية سيدة الضلع والإله أنكي.
4-التطور هو المستقبل,ولو لم يدخل في الفهم السياسي والإجتماعي للدول سيظل تدهورها مستمر في الهوة اللامحدودة وشعوب الشرق الأوسط خير مثال.
5-العلم أبرز صفاته التطور والتغير المستمر للأفضل,يعتبره المغفلون نقصاً بلا وعي بالنسبية والمطلق...المهم أن العلم بلا تطور وتغير دائم وتحولات تهزم القديم وتحل محله الجديد,أو توسع من نطاقه وتزيد عليه.
6-الناتج من الفقرة السابقة,شك في التطور وحقيقته,شك مشروع لا شك فيه!لكنه لا يناقض كل ما قلته سابقاً,العلم لا يعترف بالحقيقة الثابتة اللامتغيرة في عالم يتغير كل لحظة,اليقين العلمي يتلخص أنه حتي اليوم وبجهود العقل الجمعي البشري في مختلف الأزمنة والحضارات,تم إثبات أن التطور فكرة نبتت في عقل الإنسان منذ أن كان له عقلاً حتي ما جاء به علم الجينات والهندسة الوراثية والطب........
7-كلمة آدم الواردة في القرآن تعني"الملائمة والتوافق",والقرآن نص عامر بالأسرار,العلم أثبت أن البشرية لم تبدأ بشخصين اثنين فقط كما يُحكي ببساطة عن بداية الكون,لكن الفهم القاصر الدوجماطيقي لتفسير القرآن يجعل من زغلول النجار يحكي عن عبد الصبورشاهين غاضباً مستنكراً أنه سمعه يقول لبعض الشباب"أن آدم عند بابا وماما زي أي واحد فيكوا",نحن نريد رأيه في ماقال العلم وما يقول التفسير العصري أنه لم يكن آدم واحد بل لو صح علينا القول أنهم كانوا"أوادم".
8-البابا فرنسيس يعتبر أن قصة آدم وحواء,ليست إلا صيغة أدبية...كالجحيم الذي لم تعد تؤمن الكنيسة بوجوده وإنما هو استعارة للروح المنعزلة عن الرب,والتي ستجتمع معه في النهاية.

في عربة الدرجة الثالثة علي سكك حديد مصر دار حوار طريف عن التطور,شوهدت جاموسة في الترعة يبدو أنها غارقة,لم يتمعن (الطلبة الجامعيون) في المشهد لسرعة القطار,قال أحدهم أن"الجاموسة بتغرق",فأراد زميله فتح موضوع التطور وهو يحمل عدة كتب"الجاموسة ما بتغرقش في المية","ليه"قرر أن السبب هو التطور"ليه بقي؛لأن الجاموسة اتطورت,اللي بيغرق القطة,القطط ما اتطورتش, ما بتحبش الميه"