الجمعة، 29 نوفمبر 2013

خمس سنوات وخمسين جنيه



خمس سنوات وخمسين جنيه
(مستوحاة من حادثة حقيقية)
لا تمتلك الحيوانات التي نعتبر أنفسنا أرقي منها,تلك الوحشية عند أبناء آدم,البشر مزروع فيهم الشر والفساد منذ الجريمة الأولي,المساحيق التجميلية والكلام الحلو..رتوش,فقط للتغطية علي القبح والفساد والقرف في النفس الإنسانية,الوحش في داخلنا حين تطلقه الظروف الصعبة تمر لحظة علي القلب يهيئ نفسه فيها للتسامح,لحظة واحدة! ينهيها تذكر الضحية,لابد من القصاص واسئتصال الجريمة بالقانون والمحاكم,في مصر لا توجد عندنا مفاهيم فلا القانون قانون ولا المحاكمة محاكمة ولا أي شئ نفسه,الجريمة هي هي,الجريمة هي لغة الظروف بكل معانيها,التي تدفع الأم لقتل ابنتها بعد تعذيبها من أجل خمسين جنيهاً.
حين يكون الفقر موجوداً,تكون الحياة عقاب حتي الموت...لحظة...لا تمروا علي كلمة"فقر"بسهولة,اعتدنا نحن علي ذلك المثلث الشهير,مثلث برمودا المصري بالع ناسنا ووطننا في بطنه الأسود,الفقر والجهل والمرض,نمر عليهم كشئ اعتيادي وهو فعلا اعتيادي جداً في مصر,عادي أن تري طفلاً صغيراً في ليلة باردة وأنت ساهر في المقهي,يتقرب منك وهو ينفخ في يديه من البرد"عمو...حاجة لله"لو رحمته ستعطيه جنيه,اثنين..ثلاثة,وسيمضي وستنساه مع أول كلام يقال,الفارق بينه وبين طفلك النائم في فراشه الدافئ,ليقم في الصباح يتناول إفطاره ويذهب إلي مدرسته,الظروف؛لذلك كلما مررت علي شئ سئ ووجدته عادي في قلبك,فخف علي إنسانيتك من الزول,ستتعذب نعم وستعاني في كل وقت,لكنك ستبقي إنساناً مازال يشعر بالبشاعة اللامتناهية حوله,وغير ذلك من حوادث يتعرض لها المصري منا طوال الوقت,حوادث هي نفسها حياتك التعيسة في وطنك التعيس.
الفقر والحاجة لخمسين جنيه,دفعا الأم-هل من الممكن وصفها بالأم؟الحياة القاسية تغير حتي أرقي المشاعر-لقتل وتعذيب ابنتها....
داخت زينات علي الخمسين جنيه التي وضعتها علي الكومودينو العاري من الزجاج,والمكسور من الجانب,دورت في كل مكان,كان علي وهبة ومحمد في الشارع,كما هم كل يوم,وحدها رضوي الصغيرة أم خمسة سنوات هي من بقت في المنزل,تراقب أمها بعين خائفة وهي هائجة تبحث عن ما تسميه "فلوس الجمعية",أثناء هذيانها,الرجل يسوق التوك توك طوال النهار وعند منتصف الليل يأكل وينكح,ويضربها للتنفيس عما يراه من الزبائن,ثم ينام باللباس الداخلي ملتصقاً بها من الخلف عقب ضربات علي وجهها لتعتدل له,ترك لها الخمسين جنيه ومضي,لتدفع فلوس الجمعية,وهاهي فلوس الجمعية لم تعد موجودة,ضاعت,هل تقول له حين يعود أنها ضاعت,ربما قتلها,ربما ارتاحت!,لكن يظل القتل أمراً يهرب منه كل ذي روح,البقاء في مواجهة الفناء عند الجد بلا فلسفة فارغة هو من يكسب,من أخذها؟آخر مرة رأتها عند خروج الأولاد,ليس إلا الصغيرة,كلا ليست صغيرة علي السرقة,هي تفهم كل شئ,ومعيشتها وسط هؤلاء الناس جعلتها وحش صغير,لا تنسي إشاعة لم تنتشر عن أنها طلبت من الصغار نقوداً لتخلع لهم ملابسها التحتية,كما سمعت من عواهر الشارع في حواديتهن الساقطة,لم تعط لتلك الإشاعة قيمة,نسيتها في الزحمة,وحين خف الصخب بضياع الخمسين جنيه نادتها بصوت حاولت أن يكون طبيعياً:"رضوي....تعالي يا ماما"جاءت وهي تمسك بعروسة قطنية قذرة"كان فيه هنا فلوس,عارفة الفلوس؟ كانت هنا عالكومودينو راحت فين؟ماشوفتيهاش؟أخدتيها؟"
لم تستوعب رضوي الكلام وكان عقاب ذلك الفوري,صفعة أطاحت العروس التي احتضنتها,وصراخ باك من الطفلة,وصوت زئير من زينات,بعد سباب وصفعات هيستيرية,بدأت تخبط رأسها بالجدار,هنا بدأ الجيران ينتبهون,لكنهم اعتادوا علي الضرب والصراخ في منازلهم وعند جيرانهم,الكل بضرب الكل,في الشارع لو لم يسح دم أحدهم يقولون أن ملاك رحيم مر بنا اليوم,اللسان للشتائم واليد للضرب والمرأة للنكاح والطفل للبكاء,والرجل للعمل وحمل الهموم,ارتطم رأسها الصغير بالجدار مرات عدة حتي نزف دم وخرج بعضه من الأذن,الخمسون جنيه ضاعت,كل حياة زينات كانت في الخمسين جنيه,النقود لم تجعلها تنتبه إلي ما تفعله,لابد أن تدل الطفلة علي النقود,من أخذها سواها"فين الخمسين جنيه يا بنت الوسخة؟"كالمجنونة فتحت الفرن الساخن بعد دقائق من طهي الطعام,ووضعت فيه رأس رضوي الصغير,وظلت تضرب وتصرخ وتموء كقطة,هنا بدأ الجيران ينتبهون لما حدث,تعالي الدق علي الباب وفي النهاية كسروه,الوجوه الشاحبة من الفقر,الملابس الداخلية الممزقة,والجلاليب الحريمي الرخيصة,الأطفال القذرون,حشد ممن ينتظروهم دورهم كضحية....ضحية كرضوي القتيلة من أجل خمسين جنيه.

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

يوسف زيدان... وأنا



يوسف زيدان...
وأنا
كانت فكرة  نحتاجها في المجتمع المصري,بوصفه مجتمعاً من العالم العاشر,فكرة الأسئلة التي يضعها يوسف زيدان كل أسبوع,فالسؤال هو طريق المعرفة,ونحن مجتمع اطمئن منذ عقود لإجابات معلبة يستخرجها من أفواه تكلمت منذ مئات السنين,ويضعها كطرح لا يقبل الشك أو التحوير أمام أي سؤال تواجهه به الحياة,لا يبحث عن الصواب بقدر ما يسترجع مرات لا حصر لها ما يريحه من عناء المعرفة وما يتبع المعرفة من قلق وتغير جوهري في رؤيته للحياة من حوله....
وقد كسبت هذا الأسبوع في واحد من هذه الأسئلة المتتالية علي العقل كأحجار تنشئ مبني لم أتبينه بعد,ولكني أشعر به حجرة حجرة,أرسل لي رقمه لترتيب استلام الكتب,وحادثته أول أمس وأنا في(الحرم الجامعي!!..ياعيني علينا)بمجرد أن فرغت من(المحاضرات العلمية!!!)عند الظهر كلمته مرتين ولم أجد رداً وبعد الرابعة بقليل وبمجرد أن فرغت,وقبل أن أتلاحم في المعركة اليومية في المواصلات للرجوع إلي دمنهور من الأسكندرية,قلت لأجرب مرة قبل أن أذهب واستلقي علي السرير كجثة حتي اليوم التالي,تنحيت إلي مكان هادئ نوعاً,وطلبت الرقم,كنت أظن أنه بمجرد أن ينطق أول حرف سأعرف صوته مباشرة:
-آلو...
(صوتي الداخلي:جاتها خيبة اللي عايزة خلف إنت نقلت الرقم غلط!!)
-أيوة الدكتور يوسف...
-آه(تقريباً أنا لا أذكر)
-أيوة أنا محمود..محمود قدري اللي....
-أهلاً يا محمود
اثناء ذلك وجدت بجواري صديقة وصديق في انتظاري يتكلمان.
سألني عما اختاره من كجائزة
-بنسبة كام؟
ضحك وقال...
-يعني إيه بنسبة كام؟الشامل ولا كتب دار الشروق
-لا أعمال حضرتك
-تختار إيه؟
-هو أنا في وضع اختيار؟
ربما ضحك مرة أخري
-إيه اللي ناقصك من المجموعة؟
(صوتي الداخلي:ولة إوعي تقوله إنك بتقراله pdf)
-يعني...عزازيل,متاهات الوهم
(صوتي الداخلي:إنت متأكد إن اسمه متاهات الوهم؟)
-إنت قاهري ولا من اسكندرية يا محمود؟
-لا أنا من دمنهور بس دايماً موجود في اسكندرية
-طب إحنا عندنا صالون,آخر أربع في الشهر,يعني الأربع اللي جاي ده لأ الأربع اللي بعديه.يناسبك؟
-أيوة يناسبني
تقريباً هذا ما أذكره من المكالمة قبل أن ينهيهابقوله:"موفق يا محمود",وأنهيها بـ"مع السلامة",ثم سألتني عقب المكالمة:"إنت كنت بتكلم مين؟"تطوع صديقي ليجيب ضاحكاً,وهو دائم الضحك وهذا كان يغيظني منه حتي اعترف لي أن أمنية حياته ألا يجعل شيئاً يضايقه:
- يوسف زيدان
وباستغراب
-مين يوسف زيدان
ضاحكاً مرة أخري:
-ده واحد كاتب
سرحت في اللاشئ ونحن واقفون,قبل أن أنتبه لسؤالها وهي علي وشك الزواج:"إنتوا مش ناويين تتجوزوا ولا إيه؟
فأجبت:
ها عندك عروسة؟
-عندي كتير
ثم  صديقي ضاحكاً
-ده بيقولك مش عايز واحدة محجبة
وعلي الرغم من أنها غير محجبة فقد قالت ما يدهشني حتي اللحظة:
-بس ده جواز إنت عايز واحدة محترمة
-مش بالزي ولا بالهدوم وهو إيه الاحترام أصلاً؟....
وقد توقفت لأني كنت أريد الذهاب لألحق ميكروباص أو أتوبيس أو قطار,أي ركوبة أجدها لأنام وأخرج من هذا المكان وأمثاله الذي أضاع مستقبل أجيال عديدة,وأكبر مشكلة تواجهها مصر,معامل الحيونة والتسطيح تلك المسماة"مدارس وجامعات",لكن لساني أكلني لأتكلم:
-وبعدين أنا مش عايز جواز بمعني جواز,آخر مرحلة في العلاقة هي الجواز كاسم اجتماعي بس...
ضحكوا لأنهم لم يعتادوا إلا ما سمعوه وحفظوه ووعوه,بلا محاولة لتصور أشكال جديدة أو أفكار غير مسبوقة,طلبت مني سيجارة فأعطيتها كليوباترا مع تمنعها لأنها"بتشرب ميريت" بعد أن قررت بحكمة مجرب:"أحسن سيجارة دلوقت الكيلوباترا,كل المستورد بقي زي الزفت مش عارف ليه"
في الواقع لا أحد في محيطي سمع اسم يوسف زيدان قبلاً,قريب لي يكبرني بعشرة أعوام حدثته عنه منذ فترة طويلة,فقال:"أيوة أيوة! افتكرته,خلي بالك الراجل ده أنا نعرفه قبل ما أنت تعرفه,أنا كنت بنحب(نسمع له).....بس إيه بقي؟!..ماكنتش نعرف اسمه!!"
لم أعلق  ولم أضحك؛لأني أحياناً أري الحياة بشكل المأساة,السواد يحوطني من كل جانب,فلم أقو علي الهزار.
حتي يكتمل شكل المهزلة الكبري في التعليم ندخل الامتحانات لنفرغ ما تم حشوه من قشور غبية,ونخرج مبتهجين بالشهادات,وأنا عندي الأسبوع القادم,امتحانات "الميد تيرم"يا جمالو يا جمالو,تسقيفة حقيقية لصناع الأوهام المصري ومحترفي إقناع الجمهور بها,لو أتقن كل واحد في البلد عمله كما يتقنونه هم,لكنا مكان اليابان اليوم,وقد توقفت عن تناول الأوهام,والحقيقة أن....لن أقول الصفحة,بل الفصل الواحد من عمل ليوسف زيدان أبقي وأخلد وأفيد مما قضيته في اللاتعليم المصري منذ أن دخلت الحضانة وأنا عندي أربع سنوات.
في المقهي مع صديق آخر صارحته:
-أنا بنفكر ما نروحش!
-مش بعد ما كلمته
-أصل إنت عارف أنا مابنعرفش نتكلم وبعدين بيقولي كلمني قبليها بيومين عشان تفكرني,مش عارف نكلمه نقول إيه.....وبعدين خلي بالك أنا جايزتي بناخدها كل أسبوع لما ييجي يحط السؤال,أنا مابقيتش نعرف نقرا غير لما يحط السؤال وبعدين في مصر الكتب ما تعتبرش جوايز أنا لو قلت لحد أنا كسبت في مسابقة هايقولي كسبت كام...,بصراحة راجل عظيم,هي كلها آراء وتلاقي واحد تاني بيشتمه عالفيس ولا حاجة.مين في بلدك بيعمل كده؟؟؟!!!! مين يشغله ده يعرف حاجة ولا ده يفهم حاجة! مالهم هم ومال الزفارة اللي في دماغ الناس؟ كل واحد فيهم خد وضعه واسمه وشهرته وكل سنة وإنت طيب علي كده يا حاج,وابقي تعالي كل يوم,ده حتي مسابقة الشروق لما كسبت فيها كلموني وقالولي ابعت عنوانك واختار أربع كتب هنبعت لك واحد وماحدش بعت حاجة! إنما الراجل كلمني واهتم و قالي أنا هانجيبهم لك معايا وأنا جاي...أنا هانروح وخلاص...ده أنت بتلاقي معيد كان بيغش قدامك ويروح يمسح إيده في الحمام قدامك لما بيتعين بيبقي عايز يمشي علي دماغ البشر,ولا دكتور أمي ما بيعرفش يكتب ودول أنا شفتهم عامل دكتوراة في ورك النملة وعدد مفاصله,لما حد يناقشه ويزنقه,يزعق له ويقوله أنت دماغك عايزة تتفرمط,بيكلم ميموري ده مش بني آدم!...شكلك ما بتقرليش اللي كتبته في الشروق واليوم السابع عن التعليم...إنت مش حلو علي فكرة!
ملحوظة:نصف الكلام الذي قلته بسخرية حتي لا أثقل علينا,والشيشة التفاح ثالثنا حذفته لأنه يحتوي علي ألفاظ نابية صدرت مني.
آخر صالون حضرته كان لعلاء الأسواني,ناقش في نصفها رواية سفر الخروج,وحين بدأ يتحدث في النصف الثاني عن الوضع السياسي وجدتني أقم فجأة وسط نظرات الجميع,وأذهب حتي الباب لأخرج وفي أثناء مروري وجدته يجذب نفساً من سيجارته ويحدق فيّ بصمت,وبمجرد أن عدت للمنزل أرسلت له رسالة علي الإيميل,تحت عنوان"الذي رحل قبل النهاية لأنه سيتقيأ من السياسة"كان هذا في شهر يناير من هذا العام,وبعد نصف ساعة وكنا في حوالي الثانية بعد منتصف الليل وجدته يشكرني علي تقديره في الرد,ويرجو أن أحتفظ بالتفاؤل لأن الثورة مستمرة وستنتصر بإذن الله,ولا زلت أنتظر الثورة وانتصارها!!!
نحن أبناء السنوات السوداء,تفريغ من كل شئ,لا أغنية حلوة ظهرت في عصرنا واشتهرت ليستمع لها الناس,لا يوجد فيلم يستحق هذا اللقب العظيم,ليعبر عن حالنا,حتي الحالة السياسية المحلية والعالمية الراهنة,كلها سكاكين مزقت في جسد أجيال أبناء التسعينيات هم حالياً من يأخذون دورهم في التقطيع,يلتفتون فلا يجدوا حولهم إلا ما يحعلهم بائسين أو تافهين,لا وسط عندنا,إما أن تري السواد وتعيش فيه أو تغمض عينك وتعيش في دنيا التفاهة لتهرب من الواقع,قرأت"في صالون العقاد كانت لنا أيام"لأنيس منصور وأنا في المرحلة الثانوية,ولم أتصور أن في هذا الزمن من سيقدر علي امتلاك قلوب تلامذته,أو إفادتهم وتنويرهم وتبصيرهم,صحيح أنه سيكسر أوهامهم ويكشف جهلهم وعطيهم المعرفة والثقافة في كرات من اللهب يلقيها عليهم كأسئلة تخفي أكثر مما هو معلن,لكن يوسف زيدان غير هذا التصور,وللحظة تمنيت أمنية من أمنياتي التي أسخر منها فيما بعد,أمنية تجئ بعد جائزة نوبل,هي أني أصل ذات يوم لهذا الوضع,رغم أن الأحوال تسوء,والقادم أسوأ,وما تفعله مصر في أولادها,يجعلهم أعداء لها,ويحولهم لعبء ثقيل عليها بدلاً من أن يكونوا مواطنين صالحين,والسنوات القادمة –لو لم أمت- أخشي أن أقول أني عشت الزمن الجميل الماضي,وأتذكر صافيناز بشجن وحنين,هي والشخص الذي لا أعرفه التي رقصت علي صوته,كنموذج للفن الذي يفتقده أبناء هذه الأيام,أو عكاشة كرجل وطني فجر ثورة يونيو ويناير!!! اللهم لا تمنحنا ما نستحق,بل تفضل علينا كيلا نهلك.
عبارتان لا أنساهما أبداً,واحدة جاءت من الأستاذ الجامعي الوحيد الحقيقي الذي عرفته,بعد ست سنوات ذقت فيهما مرارة التعليم الحكومي والخاص,اسمه"أشرف توفيق"كان قادماً من معهد السينما-تحدثت عنه في تلك المدونة من قبل-ذات ليلة في رحلة أقنعني فيها بالذهاب معه,وكان هو صديقي ومحدثي طوال الرحلة,ونحن نتعشي في الفندق,جالسون حول المائدة نأكل مع زملائي (الطلاب الجامعيين)-لا أعرف ماذا نطلب!!-وجدته يقطع الصمت بمقولة صادقة المشاعر نفذت لداخلي:"أهو محمود اللي قدامكوا ده,هايبقي في يوم من الأيام كاتب كبير,وأنا متأكد أنكوا هاتسمعوا عنه قريب"وقد شجعني بكلماته طوال العام الذي قضاه معي,وكان يصفني أمام الجميع بأني أفضل طالب عنده,رغم أني أكثرهم صمتاً وأكثرهم رسوباً!وبعد عامين,وجدت عبارة أخري من يوسف زيدان:"هذه البذرة ستكون يوماً شجرة وارفة"...أما عدم قدرتي علي التصديق وابتلائي باحتقار الذات فتلك مشكلتي التي تخصني....نسيت أن هناك رسائل أخري من آخرين ومن قراء عاديين,لكني لا أحب الحديث عن نفسي كثيراً!!!!!!!
ليوسف زيدان عندي مكانة خاصة جداً سأشرحها حين أصبح قادراً علي ذلك,وحين أري البذاءات وخاصة ممن يطلقون علي أنفسهم كتاباً ومثقفين علي الإنترنت,وهم يخلطون فيها اتهامات سياسية بعبارات حقودة,لا أعلق مكتفياً لهم بالرثاء,فمن ينجح ويصنع شيئاً لوطنه وسط هذه الظروف والعوائق,يصيب من يعملون في ذات مجاله بالغيظ والهذيان,ويُريهم حجمهم الحقيقي,بدون أن يتعب نفسه في الرد عليهم,بالاستمرار والمداومة علي الفعل وزيادة التحقق,وأسأل نفسي,في أي مكان سأكون أنا مع الزمن,وتجيبني نفسي ولا تبخل عليّ بالمعرفة:"مش ده السؤال يا ابني,السؤال هو:إنت هاتعيش أصلاً,ولو عشت هايكون ليك مكان؟ما اظنش"
أنا أشكر الحياة علي ربطي بصلة ولو واهية بمثل هذا الرجل العظيم,وربما يأتي تعليقاً يشتمني ويتهمني بأي تهمة يري المعلق أنه يتصف بها في داخله وتخرج علي لسانه بهيئة شتائم موجهة,أو ينصحني بأن العظمة لله وحده,كما أن محمد منير ليس هو الملك فالملك هو الله وحده.نحن نحتاج إلي ألف يوسف زيدان بكتبه وأحاديثه وأسئلته لنخرج من ظلام العقول وسجن السطحيات والتفاهات والأفكار البدائية المؤذية التي تنتشر كفيرس لعين في الجو يتنشقه فقط العرب والمسلمين.
ورغم لقبه الأكاديمي الذي لا أحبه وهو يعلم أني لا أحبه,يلتصق بي لقبه كحلم من الممكن تعميمه في التعليم المصري,أن يصبح كل أستاذ كيوسف زيدان,حكيت كثيراً وخاصة في ذكرياتي الموضوعة عن الهراء الجامعي المصري,وسأكتفي أن أقول عن التحطيم الأساسي والإعدادي,أني طوال عمري ضعيف جداً في مادة الرياضيات,بسبب شخص اكتشفت فيما بعد حين كبرت أنه مريض نفسي يستحق العلاج,ذات مرة استوقفني بلا مناسبة وقال لي بلهجة جارحة لا أنساها وضحكة متشفية,في وجه طفل في حوالي الثانية عشر بأسلوبه الريفي القح:"أهو اللي يشوفك بالنضارة دي يجول الواد ده هايطلع ضاكطور هاهاها" وآخر مدرس لذات المادة,وسط مجموعة في الدرس"يعني أنا لما أمسك الورقة وملاقيش فيها رقم واحد صح وأديله صفر يبقي ده أكيد قدري" ذلك من أقل الأشياء التي واجهتها مع هؤلاء الناس,وأنا اليوم  عاجز عن حل المسائل الحسابية البسيطة,والبسيطة جداً.
أنا جئت من السفر متعب,ولا أراجع أبداً أي حرف أكتبه وأكتب من وحي اللحظه ثم أنشره قبل أن أنكره,الغريب أني لا أقدر علي الفتح عيني من النوم المُهاجم وعلي الرغم من ذلك أتلذذ بالحديث عن يوسف زيدان...أعلم تحدثت عن نفسي أكثر.
أنا شاكر للزمن أنه رغم كل شئ,عرفني بزيدان,غيري يمشي ويتعلق بمن يقرر أن فترة الحمل أربع سنوات,أويصف نفسه ويوصف بأعلم أهل الأرض وهو أضحوكة للناس,أو يحذر المشاهدين من 13/13/2013 يوسف زيدان عليه مسئولية ضخمة أمام محبيه وتلامذته,أشياء لا تعد علي الأصابع الواحدة بالكاد أطمئن إليها في الحياة,وكونه علي قدر تلك المسئولية من ضمنها.
وقد يكرمني الزمان وهو البخيل,وأسجل بأدواتي المعدودة ما يدور في داخلي عن يوسف زيدان,رجل المعرفة...والأسئلة.
وحش النوم يلتهمني,وأنا ناظر لبطنه التي سأدفن فيها بعد دقائق,والنوم له سلطان,أكبر من سلطان الكتابة,لو لم أكن كتبت تلك الكلمات السابقة لكان استمر ألم جسدي,فصمت الكلام عندي تعوضه الكتابة,ولو لم أنم الآن لمسحت كل تلك الكلمات تعباً واحتقاراً لسفاهتها مقارنة بمشاعري,وقد فعلتها مراراً في موضوعات كثيرة...سأنام,أو سأستيقظ,بعد فيلم Inceptionأصبحت أشك في الأمر كثيراً.
الجامعة الزيدانية

السبت، 16 نوفمبر 2013

لما ألاقي الحرية



أنا مسجون جوايا
ببص عالدنيا من شباكين
بينهم حاجز
زي الزنازين
إوعي تقول"أنا حر"
الحرية مش قوالة
الحرية إنك تكون
زي ما أنت عايز تكون
نفسي أكون...........
زمان وأنا صغير
كنت عايز أتجوز بنت عمي
كان ده حلمي
دلوقتي بنت عمي ماتت من سنين
من غير ما يكون ليها عريس
وأنا لسه عايش
مستني الفرح يجمعنا سوا
ولا ساعة كنت فيها حر
مسجون أنا جوايا
يمكن نسيت مفاتيح نفسي!
يمكن مانزلتش بيها من بطن أمي!
حد خدها مني؟
أنا مش عارف
لأني مش حر
مرة تانية حلمت بالجنة
ومع السنين والفكر
اتشتت
شكيت
ثم
آمنت
ولسه الدايرة بتدور
نفسي أكتب قصيدة
عن الحرية
وعن نفسي الحرة
وعن زمني السعيد
لكن وياللخسارة يا ولد
عمري ما هاعيش سعيد
طول ما أنا مش حر
مجرد واحد زي ناس تانيين
وأنا نسخة منسوخة من الأولين
لو لقيت الحرية في الطريق
هانشرها وأوزعها
وهاضحك علي واحد عبيط
عاش سنين كتيرة
وأيام حزينة
وهو مش حر
وهاقول...."يا تري الحرية ممكن تعوضه؟!"
بس لما ألاقيها!!