الجمعة، 19 مايو 2017

التوأم قصة لفيلم قصير

التوأم
قصة لفيلم قصير

أثناء تراخي القبضة الأمنية عقب 25يناير,وانفلات جموع الناهبين علي المتحف المصري والاستيلاء علي عدد من محتوياته,يتورط كريم رجل في الثلاثينيات في المشاركة في واحدة من عمليات السرقة بدافع من الإغراء في الكسب السريع السهل فضلاً عن عدم تقديره قيمة آثار بلده,وأثناء استلامه لتمثال صغير لفتاة فرعونية,يضطرب كيانه كله فجأة ويبدو كأنه علي وشك الهروب إلا أن أحد المنفذين الذين يبدو عليهم سيماء التمرس في الخروج علي القانون ينهره وينظر له نظرة تهديد,فيتسلم التمثال ويعود به لمنزله ؛ليخبئه ريثما تسنح له الفرصة لبيعه.
في المنزل يضع كريم التمثال علي مكتبه ويبدو في وضع يوحي بأنه واقف أمامه مذنباً متخاذلاً,مستنداً بقبضته المضمومة علي يديه مغمضاً عينيه,بينما التمثال يرقبه مبتسماً في صمت,ويبدو التناقض بين كريم الحي بلا رونق ولا حيوية,والتمثال الجامد الذي رغم صمته تنطق ملامحه بالحيوية والفن والنشاط ويطل الذكاء من عيني الفتاة والحنان من ابتسامتها,تدخل ابنته الصغيرة لمكتبه دون أن يشعر,فتثير في قلبه شعوراً بالحنان فيضعها أمامه علي مكتبه,يجذب التمثال البنت فتمد يدها لها وتضعه في مواجهتها تتأمله,يصدر عنها ابتسامة شبيهة بابتسامة الفتاة,ولأول مرة يلحظ كريم هذا الشبه الواضح العجيب بين التمثال وابنته,يرفع ابنته علي ذراعه وهي ممسكة بالتمثال برفق وإعجاب,كأنه يحمل ماضيه ومستقبله وحاضره,يلمس وجه البنت مرة والتمثال مرة...وتقرر عيناه أن يصون كليهما.
يعود التمثال للمتحف بعد أن حفظه كريم من أيدي اللصوص,تزوره الأسرة خصيصاً وتقف البنت أمام تمثال الفتاة تقلد وقفتها وحركتها الحية,فتبدوان توأمتان يفصل بينهما آلاف السنين.


الخميس، 11 مايو 2017

الخيميائي..."البحث عن الذهب كالذهب"


النجاح التاريخي لرواية الخيميائي لباولو كويلو,وتصدرها واجهة المكتبات في الشرق والغرب قابعة فوق الرفوف بمختلف الترجمات,يتلقفها القراء من كافة جنسيات العالم,متربعة علي عرش الأفضل مبيعاً حتي دخلت موسوعة جينيس!يكشف لنا أن ما يتفادي الناس الحديث عنه هو ما يحتل كيانهم ويثير فيهم الإعجاب والانبهار والحب.
يعيش معظم الناس حياتهم اليومية العادية,يفكرون في كل ما هو هامشي وهزيل ولحظي,يمتلأ يومهم بالتفاصيل والصخب والنزاعات العادية؛ليهربوا من السؤال الملح"ما المنوط بنا بالضبط أن نفعله في هذه الحياة؟وكيف نفعله؟"...رواية كويلو قدمت حكاية جذابة في ثوب أسطوري فانتازي عن الإيمان بالأحلام التي نكبتها والأمنيات التي نؤجلها,والسعي من ورائها في ظلام البصر بإشراق البصيرة والإنصات للغة القلوب والعالم من حولنا,العالم الحي الذي ينتمي لنا وننتمي له.
سانتياجو البطل في رواية الخيميائي,هو نفسه سانتياجو في رواية العجوز والبحر لهمنجواي حيث يعلمنا ويلهمنا أن الإنسان يمكن هزيمته لكن من المستحيل قهره وتحطيمه,الصياد العجوز كان يسعي هو الآخر وراء تحقيق أسطورته الذاتية,خلف السمكة الكبيرة كما سعي لها الراعي الشاب خلف الكنز,لأجل حلم رآه في منامه عن كنز ينتظره عند أهرامات مصر,يترك حياته التي ألفها في قريته الإسبانية وأغنامه التي عاشرها وأحبها,في رحلة عجائبية تنتمي للواقعية السحرية نحو أهرام مصر,في طياتها وأحداثها نجد الكنز الحقيقي غير المادي كنز الحب والمعرفة والتجربة والصداقة,التعرف علي الذات وتأمل مجريات العالم,والنظر لحكمة الله من عين لم تعد تري وجه واحد فقط للأشياء,بل اكتسبت دراية وخبرة لتفذ لكل الجوانب وربما تسني لها لمحة من الباطن المكنون,كنت خلالها أتذكر الحكمة التي تقول"البحث عن الذهب كالذهب"
في الرواية نوعين من الشخصيات,شخصيات دفنت أحلامها فتحولت مع مر الأيام إلي عرائس ماريونيت أسلمت قيادها للظروف وحكم العادة-كمعظم الناس-وشخصيات جعلت من نفس هذه الظروف والعادة عروستها التي تتحكم فيها علي هواها,الأول نوع آمن بأحلامه وبلغة الكون والعلامات ,والثاني أكل وشرب ونام وظن أن هذه هي الحياة وليس عليها حرج,وإن كان في داخله تتفجر الرغبة في تحقيق الأحلام وتؤرقه الأسئلة وإن كان يخفيها خلف عربة فيشار أو واجهة محل كريستال!هذا النوع الثاني هو الغالبية العظمي من البشر,الذين وجدوا في هذا العمل الفني تعويض وأمل أحلامهم التي طرحوها من حياتهم,ففقدت الحياة قيمتها,لم يكتب كويلو نصاً في الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الجري وراء لقمة العيش أو أزمة السكن والازدحام الخانق والتصارع الجنوني علي ما يعتبره الناس سبب حزنهم وبؤسهم,لكنه كتب عما يخفونه وسط كل هذا,عن أحلامنا المهجورة المتوارية خوفاً من السخرية أو التحقير أو الازدراء,أحلامنا الممتعة سواء حققناها أو ظلت مجرد أحلاماً.
إعجاب كويلو بالثقافة العربية وتأثره بها واضح,وخاصة لو قارنا مقامة الحريري التي نصها"كنت في ضيافة التنوخي أتصبر من زاده بالفرج على شدة الدهر، و التنوخي لمن لا يعرفه هو قاض و أديب من بغداد العصر العباسي، له عدة مؤلفات منها (نشوار المحاضرة)، و (الفرج بعد الشدة) الذي كنت آكل منه حين حدثني بحديثه الآتي...
قال لي: ألا أقص عليك خبرا عجيبا؟
قلت: أجل.
قال: حدثني أبو الربيع سليمان بن داود قال: كان في جوار القاضي أبي عمرو محمد بن يوسف قديما، رجل انتشرت عنه حكاية، و ظهر في يده مال جليل، بعد فقر طويل، و كنت أسمع أن أبا عمرو حماه من السلطان، فسألت عن الحكاية، فدافعني طويلا، ثم حدثني، قال: ورثت عن أبي مالا جليلا، فأسرفت فيه، و أتلفته حتى أفضيت إلى بيع أبواب داري و سقوفها، و لم يبق لي في الدنيا حيلة، و بقيت مدة لا قوت لي إلا من غزل أمي، فتمنيت الموت.
فرأيت ليلة في النوم، كأن قائلا يقول لي: غناك بمصر، فاخرج إليها.
فبكرت إلى أبي عمرو القاضي، و توسلت إليه بالجوار، و بخدمة كانت من أبي لأبيه، و سألته أن يزودني كتابا إلى مصر، لأتصرف بها، ففعل. و خرجت.
فلما حصلت بمصر، أوصلت الكتاب، و سألت التصرف، فسد الله علي الوجوه حتى لم أظفر بتصرف، و لا لاح لي شغل.
و نفذت نفقتي، فبقيت متحيرا، و فكرت في أن أسأل الناس، و أمد يدي على الطريق، فلم تسمح نفسي. فقلت: أخرج ليلا، و أسأل، فخرجت بين العشاءين، فما زلت أمشي في الطريق، و تأبى نفسي المسألة، و يحملني الجوع عليها، و أنا ممتنع، إلى أن مضى صدر من الليل.
فلقيني الطائف _أي العسس_، فقبض علي، و وجدني غريبا، فأنكر حالي، فسألني عن خبري، فقلت: رجل ضعيف، فلم يصدقني، و بطحني، و ضربني مقارع.
فصحت: أنا أصدقك.
فقال: هات.
فقصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها و حديث المنام.
فقال لي: أنت رجل ما رأيت أحمق منك! و الله لقد رأيت منذ كذا و كذا سنة، في النوم، كأن رجلا يقول لي: ببغداد في الشارع الفلاني، في المحلة الفلانية _ فذكر شارعي، و محلتي، فسكت، و أصغيت إليه_ و أتم الشرطي الحديث فقال: دار يقال لها: دار فلان _فذكر داري، و اسمي_ فيها بستان، و فيه سدرة _و كان في بستان داري سدرة_، و تحت السدرة مدفون ثلاثون ألف دينار، فامض، فخذها، فما فكرت في هذا الحديث، و لا التفت إليه، و أنت يا أحمق، فارقت وطنك، و أهلك وجئت إلى مصر بسبب منام.
قال: فقوي بذلك قلبي، و أطلقني الطائف. فبت في بعض المساجد، و خرجت مع السحر من مصر، فقدمت بغداد، فقطعت السدرة، و أثرت تحتها، فوجدت قمقما فيه ثلاثون ألف دينار، فأخذته، و أمسكت يدي، و دبرت أمري، فأنا أعيش من تلك الدنانير، من فضل ما ابتعت منها من ضيعة و عقار إلى اليوم"....برواية الخيمائي,سنجد أن كويلو أقام هيكل عمله علي هذه الحكاية,وأضاف إليها الأفكار فجاءت الرواية" رواية أفكار".
إذاعة البرنامج الثقافي استندت إلي ترجمة بهاء طاهر لهذه الرواية,وحولتها لعمل درامي إذاعي ممتع,كان أميناً علي النص الأصلي-يذاع هذه الأيام-بعنوان"رحلة السندبان"بطولة خالد النبوي وخالد الذهبي,أدي خالد النبوي دور الراعي الشاب بأداء فني شديد الاستيعاب لشخصية الراعي الذي يود تحقيق أسطورته الذاتية,ورغم إنه راع شياه إلا أنه يحمل في داخله حلماً كبيراً وقلباً طيبا وعقلاً متحفزاً لفهم أسرار الكون والتواصل مع روح العالم.