الأربعاء، 24 أبريل 2019

نظرة مصرية لليابان


يمكن تقسيم التاريخ الياباني منذ البدايات اللأولي المغلفة بعالم الأساطير,إلي الوقت الحاضر في المراحل الأساسية التالية:
1-اليابان في طور التكوين الأسطوري المتشابه في مضمونه مع  بقية التفسيرات في الوعي الإنساني العام لظهور الكون والبشر,فقد وُجد في أقدم  ما دون عن اليابان كتاب(كوجيكي)المكتوب عام(712),قصة الخلق اليابانية,التي تروي اتفاق الآلهة علي إرسال اثنين منها (إيزاناجي)و(إيزانامي)وهما أخ وأخت كي يخلقا اليابان,فوقفا علي جسر السماء العائم,وقذفا في المحيط برمح مزين بالأحجار الكريمة,ثم رفعاه نحو السماء,فتقطرت من الرمح قطرات تحولت إلي(الجزر المقدسة)المعروف بأرخبيل اليابان,وبرؤية ومحاكاة ما تفعله الضفادع في الماء,عرفا الاتصال الجنسي,فالتقيا كزوجين وأنسلا الجنس الياباني,ومن الحفيد( ننيجي) جاءت السلسلة الإمبراطورية اليابانية.
2-اليابان البوذية(522-1603),وقد انتقلت منها البوذية من الهند عن طريق جارتها الصين,وانتشرت البوذية بدافع حاجة الشعب للإشباع الديني,ورغبة الملوك في تنظيم الدولة,لاقت التشجيع من الإمبراطور(سويكو)الذي ازدهرت علي يديه الحضارة اليابانية,وفي عهده بُني معبد(هوريوجي)أقدم منجز في تاريخ الفنون اليابانية.
3-مرحلة الشواجنة(الحكام العسكريين),وهذه مرحلة اعتزال اليابان للعالم,وزهدها في التوسع,قانعة بالزراعة والفلسفة والفن.
4-مرحلة الاحتكاك بالغرب عام1853,عند رسو الأسطول الأمريكي علي سواحلها,وهي فاتحة التحديث اليابانية وتبنيه قيم الصناعة والسعي في فتح الأسواق الخارجية,والوعي بالذات كقوة قومية من شأنها النهوض بثقافتها الخاصة وبأيدي أبنائها,وبرز فيها المصلح الكبير الإمبراطور(ميجي)المعادل الياباني لشخص محمد علي,وكانت تعتبر الحكومة اليابانية تجربته في مصر نموذج ملهم لها بشدة.
5-اليابان التي نشهدها اليوم التي قامت كالعنقاء عقب أسوأ هزيمة في التاريخ الحديث,بعد تدمير هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية,وإذلال اليابان وتقزيمها سياسياً وعسكرياً واحتلالها من قبل الولايات المتحدة,نراها اليوم تحلق ثانية في الأفق الحضاري مؤمنة بالسلام,بعد انجرافها نحو القوة العسكرية,وبالسلام والعمل والإنتاج حققت تلك الجزر الخالية من الموارد الطبيعية,المعرضة دوماً للزلازل والحرائق,معجزة ملهمة اليوم لدول العالم  الثالث من الشرقيين.
2-صورة اليابان في الفكر المصري:
منذ انتصار اليابان علي روسيا القيصرية عام 1905,والتجربة اليابانية تشغل فكر النخبة المصرية,باعتبارها أول دول شرقية تهزم دولة أوروبية,وفي هذا الصدد يعبر العقاد عن تلك الحالة  التي خلفها الانتصار"كنا في حوالي الخامسة عشرة يوم نشبت الحرب بين اليابان وروسيا,وكنا نتلقف الصحف لنقرأ فيها أخبار انتصارها في البر والبحر,وأخبار وقائعها الحاسمة حول المعاقل الكبري في الشرق الأقصي,ولا نذكر أن الشرق من أقصاه إلي أقصاه شملته هزة من الفرح كتلك الهزة التي شملته أثناء الحرب اليابانية الروسية,لأنه اعتبرها حرباً شرقية غربية,وإن لم تكن روسيا مثلاً صحيحاً للغربيين أو الأوروبيين".وفي نفس المقال يتنبأ العقاد بعودة اليابان من جديد كقوة كاسحة"اليابان اليوم ضعيفة مفتقرة إلي العون ولكنها لا تبقي علي هذه الحال ولابد لها من عودة إلي القوة والثروة"
هكذا نجد الزعيم الوطني مصطفي كامل,يصدر كتابه عن اليابان بعنوان"الشمس المشرقة"الذي أوحي لفتحي رضوان بتشكيل رابطة"الطلبة الشرقيين",وفي رسالة إلي مدام آدم  عام1904يقول"إنني أبذل الآن جهدي في وضع سفر عربي عن اليابان ورقيها الحديث ووطنيتها لأنني أريد أن أبين للشعب كيف يرقي وأشجعه في مجهوداته الحاضرة"وفي العام نفسه ينشر حافظ إبراهيم قصيدته"غادة اليابان"نظمها علي لسان فتاة يابانية, جاء فيها:
أنا يابانية أنثني            عن مرادي أو أذوق العطب
أنا إن لم أحسن الرمي ولم             تستطع كفاي تقليب الظبا
أخدم الجرحي وأقضي حقهم وأواسي في الوغا من نكبا
هكذا الميكادو قد علمنا           أن نري الأوطان أماً وأبا
وقصيدة"الحرب اليابانية الروسية":
أتي علي الشرق حين          إذا ما ذكر الأحياء لا يذكر
ومر بالشرق زمان وما       يمُر بالبال ولا يخطر
حتي أعاد الصفر أيامه        فانتصف الأسود والأسمر
فرحمة الله علي أمة         يروي لها التاريخ ما يؤثر
وقد ظلت هذه القصيدة لسنوات طويلة مقررة علي طلبة التعليم العام في مصر لسنوات طويلة,الأمر الذي يعكس مدي الاهتمام بالتجربة اليابانية.
في عام  1923ضرب اليابان زلزال مدمر تبعه حريق قضي علي100ألف نسمة في طوكيو,و37ألف في يوكاهاما رثاهما شوقي في قصيدته"طوكيو"ومطلعها:
قف بطوكيو وطف علي يوكاهمه      وسل القريتين كيف القيامة
وفيها أيضاً:
دولة الشرق وهي في ذروة العز            تحار فيها العيون فخامة
أما محمد صبري السوربوني فيناقش مبكراً المقارنة بين التجربة اليابانية في النهضة ومثيلتها المصرية"إن عصر الانتقال في مصر دام قرناً ولم يبرح بعد,في حين أنه لم يدم إلا سنوات معدودات في اليابان مثلاً,وإني لأشك لحظة في أن الكثيرين سيمرون بهذه الحقيقة مرور الكرام مع أن لها خطرها"
وفي كتاب"رجعة أبي العلاء"يجري العقاد علي لسان المعري ذكري اليابان"وما يدريك لعل أهل نيبون يخدمون أهل الصين بهذه الهزيمة وهم لا يشعرون؟"و "نيبون"هي اليابان ومعناها:المكان الذي تشرق منه الشمس"
وفي الستينيات ذكرت اليابان علي لسان جمال عبد الناصر في الميثاق الوطني"مقارناً بينها وبين مصر,كأنه مازال يأمل في اللحاق بها"إن اليابان الحديثة بدأت تقدمها في نفس الوقت الذي بدأت فيه حركة النهضة اليقظة المصرية,وبينما استطاع الياباني أن يمضي ثابت الخطي,فإن المغامرات المغامرات الفردية عرقلت حركة اليقظة المصرية وأصابتها بنكسة ألحقت بها أفدح الأضرار".ونجد جمال حمدان يصف اليابان بأنها"بريطانيا الشرق الأقصي"




الثلاثاء، 16 أبريل 2019

نوتردام


علمت من الإنترنت نبأ احتراق كاتدرائية نوتردام,شعرت الذعر واجتاحني ألم عميق,عاودني ذات شعور الأسف علي دمار آثار العراق وسوريا بيد الأسافل الهمجيين,هرعت للقنوات الإخبارية,ولما رأيت الكاتدرائية التاريخية تحترق سمعت صرخات كوازيمودو وبكاء أزميرالدا في أذني,وشاهدتهم علي الشاشة ينظرون في لوعة وبجوارهم جثم فيكتور هوجو علي الأرض ينساب الدمع من عينيه,أمام أعينهم يتهاوي محترقاً سكنهم الذي سكن قلوب كل قراء الأدب في العالم...آه لا كلام يعبر عن حزني...كفي أيها الخراب والقبح تدميراً...اترك  لنا ما يساعدنا علي البقاء علي وجه الأرض.


الاثنين، 8 أبريل 2019

أهو ده اللي صار...كلمة من القلب


أهو ده اللي صار...كلمة من القلب
أردت الكتابة بموضوعية نقدية عن هذا العمل,فلم أتمكن.قلبي يتململ يود الحديث,مشحون بكل المشاعرالجميلة التي تلقاها من هذا المسلسل,مبتهج كما تكون البهجة بالفن المصري ولمعانه الذي كاد يخبو وسط هذه التشوهات الزاعقة ليل نهار,فرحان بعبد الرحيم كمال وحاتم وطاقم الممثلين الذين أبكوني وأضحكوني وجسدوا أدواراً لن أنساها,واستعادوا روح مصر في مائة عام مضت كاشفة لنا عن مائة عام قادمة!
بين قصة حب يوسف ونادرة ويوسف وسلمي,أنساني هذا العمل ما ألاقيه في حياتي اليومية مما يلاقيه الناس من الكدر والإخفاق,العجز وسوء التقدير,وكل ما يعتريهم ويعتريني من مشكلات شخصية وعامة,ليلاً أخلو مع حالي خيراً كان أو شراً,وأتتبع بحب هذه القصة التي أحيت من جديد تاريخ الأسكندرية,ومع انتهاء الحلقة الأخيرة أصبح مسلسل  "أهو ده اللي صار"عندي كرباعية  لورانس داريل عن الأسكندرية ورواية ميرامار لنجيب محفوظ وقصائد كفافيس,وغيرها من الأعمال العظيمة التي استلهمت"مدينة الله العظمي"كما سميت الأسكندرية في زمنها المجيد.
هل أقول أنه واحد من أهم الأعمال الدرامية التي أنتجت في مصر؟
هل أقول أن مثل هذه الفكرة ألحت عليّ لحكي تاريخ مدينتي دمنهور المتجذرة في تاريخ الحضارة وفكر الإنسانية,لكني لن أصيغها مثل عبد الرحيم كمال ولو كنت حاولت مائة مرة؟
هل أقول أن روبي وسوسن بدر لو أن  لبلادنا مكانة اليوم في الفن العالمي ويهتم بنا الغرب كما نهتم نحن به,لكانتا وصلتا للأوسكار في يوم ما؟
هل أقول أن محمد فراج لم  أكن أتوقع منه كثيراً قبل أن يصبح "علي بحر",والآن صرت أضرب  كفاً بكف... وأين كان علي  بحر من زمن؟...
هل أقول أن  أحمد داوود و علي الطيب وأروي جودة وهشام إسماعيل وغيرهم من فناني هذا العمل,منحوا لي لحظات فنية صافية لم أعرفها سوي مع الأعمال الفنية الكبري في تاريخ السينما والتليفزيون؟
نعم أقول بلا حساب للتقييمات والكلام الكثير عن النص والإخراج والتعقيدات النقدية,التي سأنبذها منذ اليوم وأترك لقلبي دوماً حرية الحديث عما يعجبني بلا تحفظ...فالجمال في هذا الدنيا نادر...وأمثال هذه الأعمال المحملة بالهم المصري  والمزينة بحرفنة وعبقرية الفنان المصري...(نادرة الوجود)!
وفي النهاية...أتمني أن يصبح هذا العمل فاتحة خير علي الفن المصري,وأن يكسر صوم طويل مفروض علينا,حرمنا من متعة وحلاوة فنون أهل مصر الراقية...وأن يحكي لنا عبد الرحيم كمال حكايات أخري تسمو بنا لدنيا الشعور واللذة الروحية,وتغسل عنا نصب الأيام وانكسار الأحلام  فياضة بالحب"شجرة الخلد والملك الذي  لا يبلي".