الأربعاء، 12 أغسطس 2015

الخريج

الخريج
أخيراً...بعد مرارة أربع سنوات شرب فيها هراءً وجهلاً وتخلفاً في مستودع البلهاء المسمي جامعة,أصبح خريجاً يحمل مؤهلاً.
طبعاً لو حباك الله بربع عقل يعمل بجودة أقل من متوسطة,ستكتشف عبث وصف"مؤهلاً",لا يوجد في هذه البلاد أي شخص مؤهل لأي عمل,يحمل الواحد شهادة أو عشرة,وهو يكاد يستطيع الكتابة والقراءة,دمار والله يا حسين أيها الجالس علي شاطئ الأسكندرية تفكر في كل هذا وأكثر,مولياً ظهرك للعالم وصخبه وحقارته مستقبلاً الماء...حيث بدأ الإنسان,حيث أصل الحياة.
-أيوة...أيوة...نولع بقي يا زميلي!
يجيئه صوت أحد الصيع يسير علي الصخور,يراه يشرب سيجارة فيطلب ولاعة...يفكر في زميله الغشاش الذي أصبح اليوم معيداً,لا يثيره ولا يعادي شيئاً بقدر الغش في الامتحانات,يقف كالديدبان يمنع أي شخص من الالتفات,كعادة هذا المجتمع المريض,كلما ازدادت أزمته وهزيمته وعقدته مع شئ كانت هي شغله الشاغل,لا يندم أنه لم يغش ويسير مع الرائجة مثله ويتعامل مع اللاتعليم المصري بشبه جدية,بل يشكر الله أنه أنجاه منه في أسرع وقت,فالمكوث فيه وقت طويل خطر علي الإنسان فعلاً,يحطم عقله ونفسيته ومستقبله.
منذ ثلاث أشهر كانت فرح تجلس هنا بجانبه.فرح!أي بنت أنتِ,إن الله يتجلي فيكِ يا محبوبتي يا ذات الابتسامة المبهجة ولمعة العين الصافية,لما يداعب النسيم شعرها وتميل عليه برأسها تتأمل ملامحه وهي تقول:
-"اللي شوفته قبل ما تشوفك عينيا عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا...أنت عمري"
-وأنتِ حياتي.
فيحيط خصرها بذراعيه وتريح رأسها علي كتفه,ويصمتان بالساعات,ومع ذلك كلامهما هذا الوقت هو أجمل كلام يقال.
يشتاق لها فيهاتفها لتأتي تجلس معه,تنزل من بيتها بقميص وردي تبدو حمالة صدرها بارزة من خلاله,وبنطال جينز أزرق,تشتري لهما سجائر ومياه غازية.
-لا أعلم,لمَ لا أستطيع رفض طلب لك,بمجرد أن تطلب ألبي؟!
-لأنكِ أنا يا حلوتي,وهل يرفض الإنسان تلبية رغبات نفسه.
فرح يا من أنقذتيه من نفسه التي كادت تقضي عليه,لامسي وجنتيه بأناملك مدللة,كأم تعابث صغيرها,فيضحك هو في سعادة كأنه دخل الجنة بعد عذاب سقر.

يقومان من مكانهما عند المساء,فيحن لهما الشاطئ...والصخرة.

السبت، 8 أغسطس 2015

ليالي قريش...في صحة العقل

كتبت عن مؤمن المحمدي مرة...وكما قال مؤمن المحمدي:"لقيتها تافهة" ,وكنت أشعر أنها لن تكون الأخيرة؛فالمحمدي كاتب موهوب والموهبة يستحيل الإمساك بها وتحديدها,كل ما نقدر عليه هو ملاحقتها من موضوع لموضوع,ومن نص لنص,وليكن الموضوع هذه المرة "ليالي قريش".
أول ما جمعت الألف نقطة من موقع بتانة,المشكور علي ما يقدمه من مسابقات تنعش الحالة الثقافية للشعب المصري,والمصيب في اختياره لشعار"هويتي مصرية",استبدلتها بليالي قريش,وحين أرسلوها لي بريدياً لدمنهور كنت في الأسكندرية التي كانت في زمنها المجيد تسمي "مدينة الله العظمي"أقضي بضعة ليالي بجوار البحر هرباً من نفسي أولاً وأخيراً-طبعاً لم أفلح!!!-وبين نفسي ونفسي كنت هارباً من هراء البشر وضعة الحياة,استلمها بدلاً مني أحد أقاربي بعد أن طلبت منه ذلك,وكان هذا الكتاب أحد أسباب استعجال عودتي لأطلع عليه,واثقاً أنني سأجد فيه ما سيتطلب مني ملاحقته...!!!
فكرت وأنا في الميكروباص علي الطريق السريع,أنها ستكون حركة حلوة من المحمدي لو أرفق النسخة الخاصة بالموقع بإهداء,حينها ستصبح الهدية في كامل رونقها,وبالفعل طالعني "...إلي الصديق
محمود قدري
في صحة العقل"
تحتها إمضاء من الكاتب.
مثلما فعل طه حسين والقمني وخليل عبد الكريم وغيرهم ممن كتبوا عن تاريخ الإسلام والعرب,كتابة واقعية استندت لعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والأنساب, فعل المحمدي عبر لياليه التي استخدم فيها العامية,مغايراً لما هو سائد,لكنها عامية راقية جميلة,أثارت إعجابي كما أثارت رواية السيد ومراته في باريس لبيرم التونسي إعجابي قبل سنوات.
من الليلة الأولي لليلة الأخيرة قبل الميلاد,يقوم المحمدي بدور الصديق الحكاء وسط مجموعة من الأصدقاء,كلهم حضروا نفس المواقف وعاشوا ذات الحكايات,لكن يبقي منهم واحد شديد الملاحظة عميق الرؤية,يستمعون لما يعرفونه عن أنفسهم منه باستمتاع شديد,يعيد الحكاية بطريقة جديدة تماماً,هي ذات الأحداث لكنه يضيف من عنده ما يبرزها,فمثلاً يقتبس عنوان فيلم أو كوبليه من أغنية,يشبه ما حدث بالفعل بمشهد سينمائي شهير,وبالطبع يستخدم السخرية التي يتقنها,الكثير يتقن السخرية,لكن قلة تعرف كيف تضعها موضعها بالتحديد.

حتي لو كنت علي دراية بالتاريخ العربي,من خلال الليالي ستري الحكاية بعيون جديدة,عيون تري الواقع البشري الخالص وتنقل رؤيتها لمجتمع يحتاج للواقعية واكتساب طرق جديدة للتعامل معه,بدلاً من الغيبيات التي تحولت لمخدرات حقيقية دمرت عقول الناس,لن تستيقظ من الليالي علي الصباح إلا وأنت تمتلك معني جديد لما (تلقناه!!) كلنا في الصغر معني لن يضرالإسلام بل سيحافظ عليه وسيعمل علي جعله عوناً للمسلمين,بعكس المعاني الأخري التي أطاحت بالإسلام وذبحت المسلمين...وأعتقد أن هذا ما كان يطلبه المحمدي في لياليه التي أنهاها بـ"اقلب الصفحة".