السبت، 11 يوليو 2020

غرفة في قصر الإمبراطور


بني أحمد زكي بموهبته الفياضة قصراً فنياً هو الأعلي قامة في تاريخ السينما المصرية,يعيش فيه عشرات الشخصيات التي قدمها في السينما,لكن أحمد زكي نفسه لا وجود له,فقد وهب شخصياته التي أبدعها روحه ودمه فعاشت كما نعيش نحن,من خلالها تعرفنا علي مشاعرنا الحقيقية,مخاوفنا وأحلامنا,آمالنا وخيباتنا,تلك هي الوظيفة الأسمي لفن السينما تعريفنا ومصالحتنا علي أنفسنا,الطبطبة عند الفشل والتشجيع عند اليأس,كل هذا موجود في الغرف العامرة لقصر الإمبراطور,في تلك الحجرة يقبع عبد السميع وأولاده في أيام تغير اجتماعي عاصف لم يعد أحد يعرف البيه من البواب,وفي تلك أحمد سبع الليل متورطاً في أمور أكبر منه ولكن قلبه ما يزال بريئاً,أما هذه فعندها إبراهيم الخجلان من بيئته والرافض لوضعه الاجتماعي يكذب كي يتجمل,بجوارها خالد عبد الحميد المدمن يداوي جراحه بالمخدرات حتي يجد الشفاء في الحب,نتقدم أكثر فنري غرفاً أخري,محمد حسن النمر الأسود يجئ ألمانيا بسيطاً وجاهلاً ثم يتحول لأحد أكبر رجال الأعمال,عبده الطبال يكافح في سبيل فنه المؤمن به حتي يتحطم أمام الراقصة,أحمد أبو كامل في شادر السمك يتجبر ويتعالي متحكماً في الأرزاق حتي يلقي مصيره,علي عبد الستار لا يجد سوي هضبة الهرم ملجأ للحب بعدما أعيته الظروف المحيطة به,العقيد هشام أبو الوفا الرجل المهم وزوجته التي لم تجد الأمان مع الرجل المفترض أن يمنح مجتمعه الأمان,حسن هدهد يسلي الأغنياء علي حساب نفسه وقد حلق كابوريا,منتصر عبد الغفار في رحلته للهروب من الظلم فيظلم الناس معه دون قصد,مصطفي خلف ضد الحكومة يسرق التعويضات ثم يتطهر بخطبة تاريخية ما زالت صالحة لليوم,صلاح يلعب الكاراتيه ليدافع عن نفسه وسط عالم لا يرحم,الباشا ضابط الآداب الذي يرفض ملاحقة الصغار والتوافه لكنه عاجز عن القبض علي الرؤوس الكبيرة,حمادة يسوق سيارة الهانم ويكشف أسرار عائلتها,الرجل الثالث في الطائرة يحبط عملية تهريب مخدرات,عبد الناصر في 56يؤمم القناة وتسانده الملايين,غرف كثيرة جداً كلها مغرية للدخول,لكن كما في قصص ألف ليلة وليلة,توجد غرفة هي الأهم لكن دخولها يكلف ثمناً غالياً,غرفة أرض الخوف التي بناها معه داوود عبد السيد عام1999,هي أعجب الغرف علي لافتتها ثلاثة أسماء(يحيي المنقبادي/آدم/يحيي أبو دبورة)مما يجعلها أعقد من دكتور جيكل ومستر هايد,فهنا ثلاثة شخصيات تتشارك جسداً واحداً لا اثنتين فحسب كما في قصة ستيفنسون,وداخل هذه الغرفة يوجد سر أحمد زكي.
أي محب للفن السينمائي لابد أن يعجب بمجموعة من الممثلين والممثلات ممن جسدوا حيوات لا تنسي,رأيناها علي شاشة السينما وشكلت وجداننا,ألهمتنا وجعلتنا نفكر في الحياة من جديد,أحمد زكي واحد من هؤلاء خاصة عندما يجتمع مع مخرج بعقل فيلسوف كداوود عبد السيد ليدفعوا بالمشاهد معهم إلي أرض الخوف.
ضابط شرطة يتم تكليفه بمهمة سرية تمتد طوال حياته,هدفها زراعة عميل في العالم السفلي لدنيا المخدرات والجريمة,لن يكون مجرد جاسوس تنتهي مهمته عند مرحلة معينة,بل سيصبح فعلاً مشاركاً في الجريمة والفساد,لكن في أعماقه لابد أن يؤمن بقدسية مهمته وهي تخليص العالم من الشر والفساد!مهمة صعبة لا يقوي عليها إلا أولو العزم من البشر,يوافق يحيي المنقبادي علي أن يصبح يحيي أبو دبورة بشرط ألا ينسي أنه آدم في مهمته حيث يوالي إرسال التقارير للداخلية,ويحصل علي اعتراف من الدولة يحميه ويثبت حقيقة مهمته,مع الوقت وتوالي السنين يبدأ الشك والوهم لعبتهما في العبث بعقل الإنسان حتي يخيل له أنه في الأصل مجرم,وكل الذكريات عن المهمة ومكافحة الشر محض خيالات تترائي له خاصة عندما يقابل موسي موظف البريد ويعلم منه أن كل تقاريره لا تصل لأحد من المسئولين بل تقع في يده,وفي النهاية يتخلي عن مهمته لكنه ما يزال حائراً بين يحيي المنقبادي ويحيي أبو دبورة.
يتم قراءة هذا العمل الفني علي أكثر من مستوي,سواء المباشر كضابط يكافح الجريمة,أو المستوي الفلسفي المتساءل عن جدوي حياة الإنسان وجهده الدائم في تحقيق شئ ما يذكر له,أو المستوي الديني عن خلق الإنسان ورحلته علي الأرض متشبثاً بقوانين السماء وربما يمكن القول أنه يشير إلي طبيعة التغير العاصف لسياسة الدولة قبل النكسة وبعدها فقد تقاطع يحيي في مهمته علي أحداث سياسية هامة,لكن المستوي الذي نجد فيه سر موهبة أحمد زكي هو المستوي النفسي...صراع الوهم والحقيقة.
وتلك مشابهة للأزمة التي عاش فيها يحيي لعشر سنوات,أزمة الوهم وفقدانه لبوصلة نفسه لحساب مجرم وقاتل يتضاد مع كل ما يمثله ضابط شريف يرفض الرشوة ولا يتواني عن تحرير محضر ضد رؤسائه إذا شكاهم أحد المواطنين,ضابط يعيش للقانون فيجد نفسه بقرار واحد يوافق عليه مطارد من العدالة,منبوذاً من زملاؤه,نبرة صوت أحمد زكي في السرد بداية الفيلم,بينما هو في مستهل حياته الجديدة المفروضة عليه,تختلف عنها في نهاية الفيلم وهو ضائع يطرح علي المشاهد أسئلة من عينة:هل يمكن للإنسان أن ينسي نفسه,أن تدفعه ظروفه التي فرضت عليه أن ينسي علام كان يرتكز في وثبته الأولي نحو هدفه القديم؟هل يمكن أن يشكل المحيط الاجتماعي والكلام والمواقف إنسان منبت الصلة بالآخر القديم؟هل الوهم عذاب أم الحقيقة عذاب أشد؟
في المشهد الذي يعترف فيه يحيي أبو دبورة لزوجته منفعلاً أنه تاجر مخدرات,ينسي وننسي معه يحيي المنقبادي,بل يصيبنا نحن الشك فعلا عندما تلتمع عينا أحمد زكي بصدق لا مثيل له,والصدق هو مفتاح الشخصية الفنية لأحمد زكي والشخصية الإنسانية؛لذلك كان صوفياً من طراز نادر يسعي كالفراش نحو نار الحقيقة,نار التجلي,والحقيقة لا تمنح نفسها سوي لمتصوف يقدر علي مواجتهها ثم إعطائها لنا سهلة نقرؤها أو نشاهدها,ويظل فعل المواجهة نفسه بعيداً عن الإنسان العادي.
المشاهد التي جمعته مع موسي(عبد الرحمن أبو زهرة) في جامع السلطان حسن من أجمل مشاهد الفيلم,موسيقي روحانية لراجح داوود مع أداء ثنائي يتمازج فيشع منه الفرق بين القلق والطمأنينة,بين الفوران والخمود,بين الآمال العظيمة والمطالب البسيطة,يحيي المنقبادي متحفزاً للمعرفة متألماً لضياع هويته بفعل الأحداث,بينما موسي يصلي لله قانعاً لا يعرف عن المهمة شيئاً ولا يريد أن يعرف! لا يريد من الدنيا سوي العيش البسيط بدون أن يفكر كثيراً أو يتطلع لأفق أكبر حتي أنه عندما يراه لأول مرة يسأل"عندك أولاد؟"وعندما ييأس يحيي من الإجابة عن أي شئ لا يجد بداً من التحرر من أفكاره المعذبة ويلقي أحمد زكي بصوت مهزوز بدأ العجز في التسلل إليه بدليل جلسته المنكمشة كهزيمة أمام واقع ساحق"أنا لما ابتديت المهمة...كنت قادر أشوف كل حاجة بوضوح..كنت متأكد من اللي بعمله..بعد كده..ابتديت أحس إني بشوف الصورة من ورا لوح إزاز..وبالتدريج ابتدت كده طبقة تتكون زي التراب..والمشكلة إن التراب ابتدي يزيد..لدرجة إني مبقتش شايف أي حاجة صورة ضبابية..ذكريات اختلطت مع الأحلام مع الأوهام مع الحقايق.
الفترة الأخيرة ابتديت أحلم بكوابيس وأصحي خايف..مش عارف ليه؟بقيت بحس إني محكوم عليا بالوحدة..متعلق في الهوا لا قادر أمسك حاجة بإيديا ولا في أرض تحتيا..
وبقيت أسأل نفسي سؤال:أنا ليه بقيت كده؟".
وعندما يتسبب يحيي في اضطراب حياته يموت!
مشاهده مع المعلم هدهد(حمدي غيث)أيضاً يشع منها الفرق بين الرفض والقبول,النقمة والرضا,الاشتباك مع النفس والتصالح معها,المعلم هدهد كبير معلمي الباطنية متوائم تماماً مع قدره كمجرم,يعيش عارفاً أنه سيموت قتيلاً جراء اقترافه القتل في حق الآخرين,صاحب فلسفة تجعل الكون في تناغم أمام عينيه,فعندما يقبض البوليس علي رجاله لا ينزعج بل يقول في ثقة"ربنا بيرزق الكل الطير في السما...والنمل في الشق.. وبيرزقنا احنا كمان..الصياد لازم يرجع مجبور,والبوليس لازم يرجع ومعاه صيده..حتي اللي اتقفشوا ربنا هايرزقهم هم كمان"
في مشاهده مع عمر(عزت أبو عوف) يبرز الفرق بين الطريق السهل المضمون والطريق الوعر,الضابط العادي الذي يعيش في حياته الواقعية دون التضحية لهدف أسمي يهدف للقضاء علي تجارة المخدرات,والضابط الذي اختار الاندماج والتوحد مع شخصيته الجديدة.
ومع فريدة (فرح) يجد يحيي جزء من ذاته المفقودة كأن الحب-أغلي ما يمتلكه إنسان-التعويض العادل عن ما لاقاه في أرض الخوف من عناء,يعود لزوجته قبيل النهاية وقد كبر ابنه من زوجته الأخري هناء التي أعطاها له المعلم هدهد,وبينما هي ساكنة في حضنه يعلق يحيي بنبرة محايدة بعد كل ما مر به"عادت لي فريدة كما لم أعرفها من قبل,وبقي الحذر والخوف رفيق دائم,وبقيت ذكرياتي وظل حنيني...لأرض الخوف"
في أثناء بحث داوود عن الحقيقة أياً كان الدرب الذي سلكه,قدم أحمد زكي في صورة جديدة,ربما هي الأبرز علي الإطلاق في مسيرته الفنية,داوود في كل أفلامه سمة روحانية شاعرية,تحتاج لممثل شاعر متمكن من أدواته الفنية لأقصي درجة,ليجسد شخصية سيختلف عليها النقاد والمشاهدون,بينما الفيلم واضح كل الوضوح والدراما أمام العين لا منذ اللحظة الأولي لا تختبئ خلف ألغاز,لكن السؤال هل هو مجرد ضابط شرطة أم هو رمز للإنسان وحيرته الوجودية في البحث عن الخلاص من خطيئته الأولي الواردة في النصوص الدينية,وقد عبر عنها داوود بأكل يحيي للتفاحة أثناء تلقيه العرض من رئيسه و مع وجود أسماء كيحيي وهدهد وموسي ويونس وآدم وكلها ذات دلالات في الأديان الإبراهيمية,هل ذلك الشخص واهم أم يجبر نفسه علي الوهم للهروب من بشاعة اختياراته في الحياة؟...وهكذا تثير الأعمال الفنية الحقيقية جدل متواصل يثير العقل ويحرك الأفكار,بل يحركها المشاهد تجاه نفسه,ويبدأ في الغوص والتساؤل حول حياته الشخصية,كلنا كبشر كانت لنا أهداف وطموحات أسمي كنا نتأجج بها في بداية حياتنا,ومع تقادم العهد عليها وسرقة الأحلام بفعل واقع مزر ربما لم يكن لنا فرصة اختياره كيحيي نبدأ بالتدريج بالانسلاخ عما كان يعيش تحت جلدنا من قبل,وأصبحنا كأننا أناس غير التي كنا,ابتدأت الأقنعة الزائفة تحل محل وجهنا الحقيقة ومر السنين التصق القناع بالوجه فأصبح الفصل بينهما يتطلب عملية مرهقة مؤلمة لابد أن ينزف منها الدم الغزير وقد يتشوه الوجه الحقيقي,أصبح الواحد منا كلما أتاحت له الحياة هدنة قصيرة يعود فيها لنفسه قليلاً بعيداً عن الصراع والضجيج المُصم للآذان يشعر كأنه شخص معلق في الفراغ,لا أرض تسنده ولا سماء تظله!ويبقي السؤال هل يمكن للإنسان استنقاذ نفسه من فوضي الواقع حوله؟لم يدل يحيي علي الطريق سوي الوثيقة المخبأة في أحد البنوك,التي تبرئه من كل ما ارتكب وتحفظ عليه أمواله التي اكتسبها خلال تجارته في المخدرات,أي إن عوامل العالم الخارجي هي سبيل الهدي للكائن البشري,أما الظلام القابع داخله لا يمكن طرده دون نور من مؤثر خارجي,الصراع ليس بين شخصيات فحسب,بل بين المعاني المتضادة من خير وشر جريمة وشرف,الثنائيات كانت حاضرة علي الدوام وهي غير متوافقة كل منها لا وجود له مع الآخر.
إننا نلجأ للأفلام الجيدة طالبين الانفعال الصادق,ولا يوجد في السينما المصرية من منح مواطنيه الذي يشبههم ويشبهونه انفعالاً أصدق من أحمد زكي,حين يصرخ بألم أو يضحك في سعادة,أو ينظر في حزن,أو يتضرع طلباً للرحمة,أو يحدق في قوة,حتي عندما يغني بصوته الخشن يجذب أسماعنا راضيين متطلعين للمزيد ,أحمد زكي فنان متصوف يفني في عمله وشخصياته التي أبدعها طوال تاريخه الفني,يتأثر بها ويعايشها إلي حد غير معقول يخلط به الوهم بالحقيقة,جهازه العصبي حساس طوال الوقت يجعله يتقمص الأدوار فتنبض فيه حية,فعرف بشخصياته التي نذكر أسمائها أحياناً دون الإشارة لأحمد زكي نفسه,وصوفيته منبعها إيمانه بفن التمثيل أو التشخيص وهو المصطلح الأكثر دقة بالنسبة لأعماله, كإطار مصطنع لكشف حقائق الناس الذين راقبهم جيداً ودرس حركاتهم ثم أعاد تشكيلهم أمام الكامير,فصب في أعيننا وآذننا متعة فنية,وجعلنا نشعر بأنفسنا وبالآخرين من حولنا,فدفع ثمناً باهظاً من أعصابه وصحته النفسية,يريد أن يجسد جميع الناس ويحيا حياتهم,مقابل هذا الحب للناس والشعور الصادق بهم,أحبوه بالمثل وجعلوه إمبراطوراً لفن التمثيل,كلمة filmالإنجليزية من معانيها"الغشاء الرقيق"والقلب أيضاً غشاء رقيق مبطن بالأحاسيس,لا يكتب لممثل الخلود علي شريط الفيلم وداخل قلوب المشاهدين بغير حساسية غير عادية تتماهي مع ذلك الغشاء الرقيق المعبأ بشئ يشبه ما يجول في القلوب من معاني وصور,وحده ذلك الممثل القادر علي أن يصبح اسمه في مرادفاً للمعاني العظيمة التي ربما لم يتح لنا تجربتها في الواقع لكننا جربناها معه علي شاشة السينما.
 أثير وجه التشابه بين أحمد زكي والفنان الأمريكي آل باتشينو في القدرة علي نقل الأحاسيس الإنسانية,بالفعل جاء التشبيه منطقياً كليهما تنطق عينيه كلسانه وجسده,منهما أطللنا علي عوالم نفسية معقدة وصراعات داخلية تموج في النفس,حتي آل باتشينو في ملابسات ظهوره بفيلم الأب الروحي وعدم رضا معظم فريق العمل عنه,مقاربة لبداية أحمد زكي في معاناته مع رفض المنتجين وبعض الممثلين من قبوله بشكل كامل لابتعاده عن الصورة التقليدية للنجم,لكن كل الظروف الجانبية تبخرت ولم يبق سوي تجارب فنية عظيمة,طبعاً آل باتشينو لا يحتاج شهادة أحد لكن أحمد زكي بتكوينه النفسي ورغبته في إثبات الذات في بيئة فنية متواضعة مختلفة عن التقدم والصناعة الهوليوودية المذهلة يحتاجها وتسعده,موقف روبرت دي نيرو عندما كان رئيس لجنة تحكيم مهرجان موسكو المعروض فيه فيلم زوجة رجل مهم,عندما قابل أحمد زكي"actor you are excellent "ضحك قائلاً excellent يعني ممتاز صح؟"ومن فرط سعادته أخذ يتقافز وسط الوفد المصري وهو يردد في بهجة الدنيا تلك البهجة التي حرم منها صغيراً يتيماً-ومنحته السينما إياها طوعاً اعترافاً بعبقريته الفنية-:"بيقوليexcellent يا ولاد الكلب"هذه الواقعة تكشف عن الطفل البرئ في قلب فنان عظيم تجئ بعد تعب ومجهود وبذل لا حدود علي علي مذبح فن التشخيص,حرث وزراعة سنوات طويلة أثمرت في النهاية عن منجز فني يستحق القراءة كمشروع متكامل مرة تتلوها أخري,مشروع من شأنه إلهام أجيال جديدة من ممثلي السينما المصرية المتوعكة بشدة منذ سنوات طالت وقد آن أوان الإفاقة في سبيل وعي جديد نحو فن السينما ونحو واجبها تجاه وطنها,وتجاه تاريخها المجيد منذ أكثر من قرن مضي,ذلك التاريخ يضع جميع صناعها في حرج بالغ وهم للأسف يقدمون أعمالاً لا ترقي لرؤية والتزام وعطاء المؤسسين الأوائل والأجيال التالية لهم ممن جعلوا من أفلامهم تاريخاً نتعلم منه قبل أن نباهي به,وضمنهم يقف أحمد زكي بين المتصدرين للواجهة...واجهة أحلامنا الجميلة وتجاربنا الصادقة.
 عند بوابة القصر نري أحمد زكي نفسه قابعاً علي بابها يتأمل هذا البناء المذهل بعين الناقد,وتلك ميزة الفنان وعيبه عدم الرضا عما يقدمه,وربما لو رضي الفنان لماتت موهبته وتجمدت,أحمد زكي الفتي الريفي الغلبان الذي اقتحم بوابات العاصمة فنجح بموهبته وعمله فقط,في تجربته الشخصية نفسها نجد قبساً من صلابة المصري وإيمانه وقدرته علي الخلق والإبداع حتي في أصعب الظروف.
محمود قدري