الاثنين، 16 أكتوبر 2023

رسالة

 

 

 

أخي نبيل

أكتب إليك لأخبرك أني خرجت من المصحة النفسية الأسبوع الماضي، واستقبل وجهي شعاع الشمس بروح جديدة، ولا أعتقد أني سأعبر بوابة ذاك المكان مرة أخري سأصير" طبيب نفسي" – انظر لما في ذلك الوصف من تورية-وأداوي جروحي بيدي، لن أسمح بعد ذلك للأوهام بهزيمتي والهيمنة علي وجداني، سأناضل ضد جحافل الأفكار السوداء الزاحفة من كل اتجاه تقصد كياني لتستعمره... إن الحياة جميلة رغم المعاناة والألم، فيها الحب والسعادة والفن، ولن أتخلي عن حظي فيها، وأعاهدك ألا أفكر في الانتحار مرة أخري:

سأعيش رغم الداء والأعداء

كالنسر فوق القمة الشماء

أتذكر قراءتنا لقصيدة الشابي تلك في صبانا البعيد، ونحن نعيش سوياً في قريتنا الوادعة بحضن النيل، قبل اضطرارك للسفر إلي بلاد البترول والحر، وأتجه أنا للعاصمة أحاول إيجاد موطئاً لقدمي في عالم السينما كمؤلف ولا أدري هل أنا حقاً موهوب أم ضمن آلاف الحالمين والواهمين الملسوعين بجمرة الفن دون قدرة علي إنتاج حقيقي، أتلطم بين مكاتب المنتجين والمخرجين، أعاني الفقر والإحباط والوحدة، لا أشكو لك لأزيد همك، وإنما لأبشرك إنني بعد عذاب طويل، تعرفت علي مخرج شاب درس السينما في أمريكا أي أنه تعلم حقاً وهذا أهم شئ في الدنيا، أعجب بسيناريو أرسلته لاحدي شركات الإنتاج، ويسعي لتنفيذه، اتصل بي بعد خروجي من المصحة بيومين، قابلته وفرحت به جداً، لأنه يعلم جيداً ماهية السينما، ويشترك معي في رؤاي الفنية ويمتلك ثقافة واسعة أحسده عليها بشدة، إن السينما تجري في دمي، وربما هي التي ستنقذني من نفسي، وتنجيني من غيلان الحياة، والأكيد أن أفلامنا لو ارتقت عن الحضيض الذي تتردي فيه الآن، لأفادت شعبنا ونورت دربه الكئيب، وأرست في وجدانه قيماً وأفكاراً من شأنها أن تغير أسلوب حياته للأبد، ذلك الأسلوب الذي يدفع شباب كثر للانتحار أو الاكتئاب أو الهجرة، ويجنبه مزالق سلوكية أدت تراكماتها للحالة المعاصرة المزرية.

إن أكثر الامور التي أخشاها وأنا أسير في الشارع أن أسمع عرضاً واحدة من تلك الهيستيريا الصاخبة الوضيع  التي يسمونها" مهرجانات" علي الفور أشعر بالغثيان وبيد غليظة خشنة تضغط علي قلبي، وأتساءل كيف انحدرت الأغنية من قمة أم كلثوم وعبد الوهاب لوحلة مروجي البرشام والبلطجية؟ وأجيب بنفس طريقة انحدار كل شئ، اقتل التعليم وقم بتخريج حملة شهادات دون عقول تكون واتركهم يحطمون كل ما هو جميل.

أرجوك أن تراسلني فور وصول انتهاءك من القراءة، ولا تتصل بي، فأنا خجلان منك للغاية لمحاولتي قتل نفسي، أحتاج إلي فترة كي أستعيد شجاعتي وأكلمك فيديو علي الإنترنت، وأسلم علي زوجتك وابنك هشام الصغير، هل تعافي من عملية اللوز، وهل ما يزال يريد أن يصبح لاعب كرة سلة كمايكل جوردن، أم طرأ في خياله شئ آخر؟ كم أتمني رؤيته واحتضانه، لعن الله غربة الأهل والأحباب وجمعني بكم عما قريب في مصر.

وفي الختام أتمني أن تقدر كل لحظة من العمر، إن الحياة غالية و"الروح حلوة" كما يردد الناس وأردد معهم بفم مليان بعد تجربتي المريرة

شقيقك هشام

القاهرة صيف ٢٠٢٢

 

 


الأحد، 8 أكتوبر 2023

أرجوك أضئ الأنوار

 

 

 

كل ما فكرت فيه الليلة السابقة لتحكيه ذاب في تلافيف دماغك، وها أنت ذا ترقد علي الشيزلونج للمرة الثانية خلال أسبوع، في غرفة خافتة شبه معتمة والطبيب يجلس خلفك علي طريقة فرويد ينتظر كلامك، لتحكي عن كل ما دفعك للانتحار بتناول المسكنات، قبل إنقاذك علي يد البواب الأخرق في اللحظة الأخيرة، ما الذي جاء به في هذه الساعة الشؤم، ربما لو تأخر دقيقة لكنت الآن ترقد تحت التراب غاطساً في زوايا النسيان والظلام، مستوراً عن الدنيا والدنيا مستورة عنك وكل واحد في حاله... قدر لك أن تعيش وتحيا وتتألم حاملاً ندوبك لتكتوي بها مع كل رمشة من عينك وكل نفس يستقبله صدرك ويطرده.

قالوا العلاج النفسي سيساعدك في حياتك، بتخفيف أوجاعك أقطع ذراعي إن لم يكن الطبيب نفسه في حاجة لمن يأخذ بيده في معمعة الدنيا، لقد اخترته لأنه تعلم في الخارج، كل هذه الشهادات المعلقة علي الحائط من الجامعات تشير أنه تعلم حقاً، فبوسطن وهارفرد وأكسفورد، محاريب علمية ليست مطابع شهادات كما يجري عندنا، شهادة لكل مواطن ولا تطمح في شخص متعلم أو عقل مستنير، ومنذ قابلت الدكتور مصطفي لأول مرة وأنت تدرك أنه علي درجة عالية من الثقافة، لقد عرفك حين دخلت وخاطبك كصديق قديم" أهلاً... الأستاذ محسن عبد الباري الأديب الكبير في عيادتي... إنني من أكثر المعجبين بأعمالك" تعلم إنك محسن عبد الباري، ٤٠عاماً،مطلق منذ سنتين وابنتك إن لم تكن تكرهك فهي علي الأقل لا تحبك، تعيش منفرداً كذئب عجوز، ربما في كون مواز أنت رستم أفشين عالم نووي إيراني معرض للاغتيال في أي لحظة، أو ديفيد ناثانيل صراف يهودي تمتص دماء الآلاف، إدوارد أريانوس راهب مسيحي في دير علي قمة جبل، أديش بالان حاوي هندي تنام علي المسامير وتبلع النار، أساهي يوكي صياد يحوم بين جزر اليابان، إيغور ديمتري ضابط مخابرات روسي لا يعرف الرحمة...ما تعرفه عن نفسك أنك محسن عبد الباري، لتظل كذلك إذن، تشعر بالمعالج يتململ في مقعده، ربما يفكر في شئ خاص به، لماذا تشغل نفسك بالآخرين لتشغل نفسك بنفسك، عملك قائم علي شئونهم وحيواتهم، حسناً ليكن انشغالك بهم في إطار عملك فحسب، تسمعه يتكلم بعد صمتك المستطال بصوت محايد لا يشي بأي إحساس لابد أنه تدرب علي ذلك طويلاً:

-والآن يا أستاذ محسنهل مازالت الكوابيس تعرض لك في الليل؟

لماذا لا يسألك عن الأصوات التي تدوي في رأسك، عن صوتي مثلاً المسيطر عليك الآن، ويصوغ أفكارك السوداء، ويدفعك للجنون وكراهية الناس ومقت نفسك ويزين لك مغادرة الحياة بإرادتك بدلاً من الغصب الحتمي، صوت يجلدك بسوطه:

-لقد انتقلت الكوابيس من عالم الليل إلي عالم النهار.

-ماذا تعني؟ هل يمكنك الإيضاح أكثر؟

إنه يدرك جيداً ما تعنيه، يريد التأكد فقط، إنك في سبيلك للجنون التام، ستصير أوهامك ضلالات قوية، وتصبح الضلالات واقعك، وستسمع صوتي الأبدي، تنحنح واستجمع أفكارك المشتتة بين الرغبات والمخاوف، وقل بصوت مبحوح مرتجف:

-لقد أخبرتك عن الكابوس الذي يزورني كل ليلة، عن ذلك الرجل الأسود الشرس الذي يركض نحوي، ثم يهوي علي وجهي بصفعة مدوية، ويريد معاقبتي علي جرم لم أقترفه، وحولي ناس لا أعرفهم يتوسلون له أن يرحمني، ويدفعونني لطلب المغفرة منه، ومنهم من يتفرج علي مهانتي كأنه يشاهد مسرحية يسلي به وقته، وآخرون وهم كثر يضحكون ويشمتون، وأسمع صوت ضحكاتهم المتشفية تدوي في أذني، والدمع يطفر من عيني ذلاً وقهراً، في الأيام الأخيرة بدأ الكابوس يراودني في اليقظة، أتوقع حدوثه وأتهيب من البشر، أظن كل من أقابله سوف يمد يده علي ويصفعني، في الشارع في المطعم، في السوبر ماركت، عند مدخل العمارة، حتي وأنا وحدي، وهناك...

أكمل احكِ له عْرِ نفسك وأظهر عوراتك أيها الغبي.

-هناك ذلك الصوت الذي أسمعه يطن في رأسي، يخاطبني محقراً من شأني، ويصور لي الكل أعداء قساة، يودود في رأسي عن شخصيات عرفتها، مفتشاً فيهم عن شتي العيوب والمساوئ، ويقنعني أنهم يتربصون بي يريدون سجني وإهانتي وإذلالي، إني أخشي من مقابلة أي إنسان والتعامل معه... توماس هوبز علي حق" الإنسان ذئب للإنسان".

هل تسمع صرير القلم؟ لابد أنه يكتب شيئاً من عينة" بارانوياً"، "شيزوفرينيا" أو أياً من تلك الأسماء التي يظن أنها تفسر حالتك، إنك بالنسبة له مجرد زبون، أكل عيش، لا أحد يهتم بك حقاً.

-حتي أنه يشككني فيك؟

-وهل تشك في؟

-لا أدري، لم أعد أعرف أي شئ علي الإطلاق، كل ما أريده أن يصمت الصوت، وينمحي الكابوس.

أنت تعرف حيداً كيف ترتاح من آلامك.

-ربما لو كتبت عن ذلك في إحدي قصصك تتخفف من أحمالك النفسية.

-لم تعد لدي القدرة علي الكتابة... أجل تذكرت، إن كل شئ بدأ بعد عجزي عن الكتابة ، شعرت إني غير قادر علي التفكير والعمل، وضعت نفسي في ميزان مع كل من أعرف، فخفت كفتي وثقلت كفتهم.

-فقدت ما كان يضفي علي وجودك معني.

صرير من جديد، ماذا يكتب هذا الرجل؟ ماذا يعرف عنك حقاً؟! إنني أنا فقط من يعرفك، وأبوح لك بالصدق الكل إما كاذب أو مغفل، لا يهتمون إلا بذواتهم ومشاكلهم، لا أحد يفهمك أو ينتبه لك حتي من يصفقون لأعمالك لا يرون سوي كلماتك أما أنت فتقبع في بئر مظلم علي عمق سحيق، هل تظن لو جئت للعيادة هنا بدون مال، أكان يسمح لك بلمس الشزلونج حتي؟! قم يا متخلف وافعلها.

-فقدت الثقة في كل شئ وأصبحت أخاف من كل شئ، فسخان الغاز قنبلة موقوتة تنتظر تشغيلها حتي تنفجر وتحترق شقتي وأتفحم فيها، والبوتاجاز عيون من الجحيم تنتظر الإشعال لتلهمني، ومرايا الحمام تنتظر السقوط فتتشظي وتخترق وجهي وعيني، ورخام المطبخ سيسقط يوماً علي قدمي فيهشمهما،وإذا ركبت الأسانسير فإني ذاهب لحتفي، وإذا رأيت سيارة شرطة فهم جاءوا ليضعوا حبل المشنقة حول عنقي، وإذا عبرت الطريق فسأطير في الجو حيث ستصدمني سيارة مسرعة، أري الناس آلات حادة، سيمزقونني بألسنتهم وأيديهم، ينتظرون سقوطي، ومن آلامي ينهلون سعادتهم، السرحان والشرود يسيطران علي، لا أفهم شيئاً مما حولي ولا أعي ما يدور، أشعر بحرقة الألم وجحيم الخوف، حياتي عبارة عن كابوس وصوت، تصدع من ذهني مصرف ذكريات قديمة ظننت أني نسيتها وانتهت، وأخري أخذ الصوت يفسرها لي تفسيراً جديداً، وأراها بصورة مختلفة فتؤلمني كأنها تحدث الآن، فيتملكني الذعر والضعة والخذلان، ويسيطر علي إحساس بأن حياتي سلسلة من الهزائم والخيبات والفشل... أرجوك أضئ الأنوار... يكفي هذا اليوم.

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

جودي آبوت... من جدران الملجأ للعالم الفسيح

 

جودي آبوت... من جدران الملجأ للعالم الفسيح

 

صدرت رواية صاحب الظل الطويل عام ١٩١٢، للكاتبة جين ويبستر وتعتبر حتي يومنا الحالي إحدي علامات الأدب الأمريكي، يسرد عملنا الأدبي في سلاسة وبساطة آسرة تستحوذ علي القلوب، تفاصيل حياة فتاة تدعي جودي آبوت، لقيطة لا تعرف أبويها تعيش بين جدران ميتم جون غرير، وليس لديها أحداً يعتني بها في هذا العالم-آه ما أقسي أن يكون الطفل وحيداً وسط وحوش تلمع أسنانها أمام عينيه تستعد لنهشه- مثلها مثل بقية أطفال الملجأ يعيشون علي إحسان الغير، وذات يوم يتكفل أحد المحسنين بدراستها وتعليمها، فينقذها من حياة الملجأ ويرسلها لكلية البنات علي أمل ان تغدو كاتبة ، بشرط أن تستمر في إرسال خطابات له تخبره فيها عن حياتها الجديدة، ويبقي هذا المحسن مجهولاً حتي الصفحات الأخيرة.

من خلال تلك الرسائل نشهد تحول الصبية اليتيمة الساذجة علي مدي أربع سنوات، لفتاة  متعلمة نضجت نفسياً وفكرياً وتتوج محاولاتها الأدبية برواية تدور حول ما تعرفه جيداً... أجل حياة اليتم تحت سقف جون غرير ومديرته المتزمتة، بعدما صقل شخصيتها الزمن والعلم فتغيرت نظرتها له ولماضيها.

في تلك الرسائل نعيش بوجداننا تفاصيل الحياة اليومية لجودي، نبتسم لدعاباتها الكثيرة، ونتعاطف مع فشلها وآلامها، ونشاركها لياليها التي تدون فيها رسائلها، ونكاد نراها في حجرة الدرس، وفي غرفة الطعام، وفي المزرعة، وفي كل مكان ذهبت إليه، إن خلود تلك الشخصي  يكمن في أنها عادية مثلها مثل ملايين الفتيات في العالم في كل زمان ومكان، فتاة تكافح لتصير أفضل حالاً، حتي تكتشف وقد تحسنت ظروفها فعلاً، إن صاحب الظل الطويل كما كانت تسميه، لأنها لم تر منه سوي ظله في الملجأ، رجلاً تعرفه جيداً، بل ونشأت بينهما علاقة عاطفية، فالرجل الذي تسبب في إثارة خيالنا وتغيير حياة جودي هو جيرفي بندلتون عم صديقتها جوليا المنحدرة من عائلة ثرية وعريقة.

جيرفي هو المحسن الذي يذكرنا بمساعدة المحتاجين في هذا العالم، وجودي  تعطينا دروساً حول والعمل والإقبال علي الحياة والكفاح بابتسامة في وجه تقلبات القدر.


محاضرة في المطر

 

بعبارات دقيقة ومكثفة صاغها الكاتب المكسيكي خوان بيورو، ونقلها للعربية باستيعاب لروح النص الأصلي المترجم المصري مارك جمال، نقرأ محاضرة جاءت علي لسان أمين مكتبة مولع بالكتب وقراءتها، والكتب ليست ولعه الوحيد، فهو أيضاً شغوف بالنساء، فمن بين أسماء الشعراء والأدباء الذين يطلون من بين الفقرات، يخصص صفحات طويلة- بالنسبة لكتاب مجموعه ٥٨صفحة- حول امرأتين علي النقيض، سوليداد"ضحلة الثقافة" ولاورا ذات العقل المتفتح، والمحاضرة نفسها كانت ينبغي أن تدور حول المطر! لكن المحاضر العجوز أضاع الورق" إن فقد المرء أوراقه فقد وقاره. لا أدري ما الذي يجري لي. إن حياتي تدور حول النظام، فأنا أشتغل في ترتيب مكتبة، وعلي الرغم من ذلك، تنسل الأشياء من بين يدي" فيلقي الأمين محاضرة مرتجلة تتوغل في قلب القارئ-السامع؟! – ويتوحد مع أمين المكتبة وهو يروي حكاياته مع الناس الكاشفة عن كثير من النفس الإنسانية، ويسرد علاقته الحميمة مع الكتب التي تفوق بكثير علاقته مع البشر، ومنها نتعلم شيئاً عن ماهية الفعل السحري الآسر المسمي بالقراءة، ومعني أن يكون المرء قارئاً بصفة عامة للحروف والأحداث والعالم من حوله"إت كل ما يحيط بنا كتاب، والمكتبة نبذة توجزه للقارئ" في هذا الإقتباس مركز الكتاب كله، إنه يسرد ذكريات متقطعة واعترافات لشخص عادي في مدينة بعيدة، ومع ذلك مسّ بتعبيراته وقلبه المفتوح علي الحكي وأفكاره  المضطربة النابضة بخلجات إنسانية صادقة أرواح القراء في كب مكان حيث اجتمعت بين دفتي كتاب يتساقط منه مطر الكلمات والمشاعر.

هذا كتاب عن الحب الموزع بين الكتاب والمرأة... ما تفعله بنا المعرفة وما يؤدي إليه العشق، ويبزغ اسم لاورا التي كساها المطر حلته البهية "تعرفت إلي لاورا وقد ابتل شعرها. مضت تبتسم كأنها غير مكترثة بالبلل الشديد، بينما انسدل شعرها الأسود الرطب علي وجهها كما تنسدل أغصان النبات"

إنها المرأة التي أورثت المحاضر التعاسة تلتهم أيامه، وقط يحارب فئرانه الجائعة، والمسكن لتلك التعاسة والأحزان جاء علي صورة كتاب من أعظم الكتب في تاريخ البشرية كتاب ألف ليلة وليلة، استعارته لاورا من مينديبيل البدين" العلامة الذي تمكن من إخفاء علمه. أتقن اثناي عشر لغة، واستطاع أن يلزم الصمت بها جميعاً" وقد استعارها بدوره من المحاضر ولم يردها له، ولما توفي وهبت كتبه للمكتبة التي يعمل فيها أميناً، وكلف تبويبها وترتيبها" فبحثت اول ما بحثت عن مجلد ألف ليلة وليلة في طبعة بورتون. وكان هناك.

بعد خمس سنوات، مررت بيدي علي الصفحات التي تلقت ربتات لاورا المعشوقة. كنت أملك الحق في استرداد المجلد، ولكن من الصعب تفسير ملكيتي للنسخة المذكورة.

أفضل أن تبقي في المكتبة في انتظار لقاءات أخري."

استطاع خوان بيورو المولود في مدينة المكسيك يوم٢٤سبتمبر ١٩٥٦،أن يبحر بنا بواسطة كلماته في وجدان الراوي، وينقل لنا حياته في لقطات أدبية كضربات الفرشاة علي لوحة بيضاء، فتتشكل مع الصفحات الصورة الكاملة، لشخص عاش للورق، فخلده كتاب "محاضرة في المطر"علي ما عاش لأجله وتبعثرت فيه حياته، وجعله حياً في ذاكرة القراء حول العالم.

ونقله للعربية مارك جمال بوعي تام بأساليب اللغة ورونقها، فنقل الثقافة والأحاسيس والانفعالات بسلاسة تنبئ بمترجم قدير ننتظر منه المزيد من الأعمال الخاصة بأدب أمريكا اللاتينية الحافل بالاتجاهات الأدبية المختلفة الممتلئة بالفن والجمال.