الاثنين، 21 أكتوبر 2019

جراح المرآة


جراح المرآة
مازالت الدماء الساخنة تسيل من جسد الكاهن حور وسط صحراء سيناء الملتهبة,توقف للحظة متكئاً علي عصاه الأبنوسية ذات المقبض الذهبي المصاغ علي شكل تحوت,استجمع فيها روحه المبعثرة,ومضي في طريقه وسط بحر الرمال الممتد أمامه,لم ينته صراعه مع الثعبان ذو الرأس الحجرية إلا بعد استنفاد قواه,وسقطته القوية علي أعشاب شعر سخمت الحادة كشفرات موسي.
مع ظهور البدر مضيئاً كحلقة من لجين فضي تسبح في السماء المظلمة,استلقي يرمق الفضاء حوله بعيون سوداء تدور في محجرين متورمين من السهد والعذاب,رآها منعكسة علي البدر تنظر له في رجاء عنيف,أغمض عينيه مسترجعاً,وقفته بجوار الملك أحمس في طيبة منتصراً حولهم الشعب يهتف بحياة مصر وباسم ملكها الظافر,عودته للمنزل مشتاقاً لزوجته ميريت بعد نضال طويل وجهود خارقة,كرسها في سبيل استرداد بلاد النيل من الهكسوس المحتلين,دفع الباب ونادي ببهجة لا حد لها:
-ميريت أين أنتِ,عدت و معي النصر...مهرك الجديد!
طالعه قط أسود مخيف,له طابع قاسي,وتحدث بصوت يعرفه جيداً:
-إذن يكفيك النصر أيها الكاهن حور.
جفل حور واتسعت حدقتاه من المفاجأة:
-أين زوجتي أيها الملعون خيان؟ألم أقتلك في الميدان؟أي خدعة هذه؟
قفز القط علي الطاولة:
-كنت أظنك أذكي من ذلك يا كاهن آمون وحبيب أوزوريس,المطعون بسيفك رجل من أتباعي صورته علي شاكلتي...يبدو أن مشقة القتال أنستك حدسك السحري.
صاح حور أحمر الوجه من الغضب:
-اللعنة عليك وعلي قومك أجمعين!أين ميريت أيها الهكسوسي الحقير.
-أنت تعرف أين تجدها,تعال وخذها...بالمناسبة لديها ثديان رائعان حقاً.
قهقه الصوت وقفز القط من النافذة,هب حور مسرعاً,وفي كل طريق يلاقي أفخاخ خيان, آخرها الثعبان,قبل أن يصل سيناء بالقرب من معبد ست المهجور,حيث يقبع خيان ككاهن أكبر لست المهيمن علي الصحراء,وفي سيناء سيجد قلبه ومستقبله.
فتح حور عينه ودمعة تنساب علي خديه شاعراً بملوحتها علي شفتيه,مسح شفتيه وقد أدرك أن راحته في اللقاء لا في المكوث والنوم,قاوم شلل الإرهاق وسار يحدوه صوتها الرقيق تغني غنائها الجميل"هناك في الأعالي عند أقدام حابي يتوجه حبيبي يقطف من المنابع,برغم كل حاسد زهوراً جميلة,سيأتيني في المساء يحمل خبزاً وماء أنا في انتظارك حبيبي"طالما سمعها منها قبل الحرب الكبري لتحرير البلاد,بعدها تقبل عليه بوجهها البرئ مداعبة:
-سأرد لك مهرك,كنت حمقاء وصغيرة.لن أقبل الآن بأقل من طيبة حرة ومطهرة من الهكسوس.
قدماه تؤلمانه حقاً...لكنها في انتظاره.
دارت به عتبات معبد ست وخيل له رؤية ثلاثة أبواب بدلاً من واحد,ركز حواسه كله واستطاع رؤية ما خلف الأبواب,كلها مسدودة ولا واحد منها,مد يده نحو الجدار ,اخترقته كهلام لزج,عالج من الداخل المفتاح داعياً باسم الإله الواحد الموجد نفسه بنفسه صاحب النور والحكمة,فظهر الباب الحقيقي واختفي الزيف كله عرف مساره فتقدم,يعرف جيداً قوة خيان ومهارته,جمعتهما معارك عديدة أثناء الحرب,استعرضا فيها قواهما في المعرفة وقوة الإدراك ومهارة الحركة والنفاذ لأسرار الكون المقدسة أو ما يسميه الناس بالسحر,أقواها محاولة ملكه أبوفيس خطف الملك أحمس مستعيناً بقواه في الجذب,وتحويل عربته خارج سرب الجيش,وقف الجنود عاجزين بمواجهة هذه القوة العجيبة,وهم يرون العربة تجري بلا جواد,لولا صلابة أعصاب أحمس وظهور أفراد لهم قوي سحرية عاونوه في قطع حبال الجذب الموصولة بخيان,لأصيب مصر بنكبة قاصمة,وهي في ذروة انتصارتها,بوثبة هائلة طار في السماء وحل في العربة الملكية,قابضاً علي عصاه يحركها بذراع قوية وقد تدلي جسده علي جانب العربة,ثبتها في الأرض,فهدأت العربة حتي وقفت,قال أحمس لاهثاً:
-يبدو أنهم لا يقنعون بالسيوف والعجلات الحربية...حروب جديدة! باركك الرب أيها الجندي...
انحني حور بين يدي الملك:
-اسمي حور يا مولاي وأنا كاهن.
شد أحمس علي يديه مبتسماً:
-هذه الأيام كلنا جنود,أيها الجندي حور!
سيكون الباب الفاتحة لألغاز لا تنتهي,في الداخل اكتست الجدران والممرات بالمرايا,صانعة متاهات,أكثر من مرة يرتطم بواحدة منها,وعندما يصطدم بصورته يشعر بالسخرية من الإنسان الذي دوماً تضيعه نفسه وتلهيه عن الحقيقة,ترك لحواسه الخمس الطبيعية وقلبه مهمة هدايته,لن يستخدم السحر,لو ضيعته نفسه فلن يقدر علي إيجاد أي شئ,واجهها مراراً,أصابه الغثيان والدوار, تحسس نفسه ليعرف من هو بين هؤلاء.سمع بكائها الحزين,صرخ باسمها يجاوبه صداه.
 بقي ممر واحد,آخر مرآة,رأي نفسه فيها تذوب وتظهر ميريت محبوسة فيها,تبكي وتنادي,لا تسمعه ولا تراه,غلظت عروقه من الغضب,نزع عباءته الممزقة وتوجه نحو باب الحجرة المقدسة وجد خيان متربعاً في يده حبل يلعب به ببرود مستفز,اصطنع المفاجئة من رؤيته:
-من صديقي حور هنا؟...قاتل أخي سيان ومفتت كبدي عليه؟
عند أسوار طيبة برز سيان دون علم أخيه,تياهاً بغرور الشباب يود إيقاف الزحف المصري,جاهل باستحالة اصطياد النسور المنقضة علي فرائسها المتوحشة,أطلق عليهم طوفان من ماء,فحول حور نفسه لسد عالِ حجب عن الجيش الغرق,أطلق سهام من حمم الشمس,فجعل نفسه جبل من جليد,حلق سيان بصورة وطواط عظيم فأصبح حور زهرة لوتس عملاقة واعتصره بين أوراقه,سقط سيان مقتولاً,واستعر الجنون في قلب أخيه وصمم علي إحراق قلبه,خرج من قصر أبوفيس غير عابئ بنداءاته,الحقد في عينيه يستعلن والرغبة في الانتقام تسيطر عليه,لم يحب في الدنيا أحد كأخيه,يعتبره ولده وصديقه,فقدانه ضربة سببت له اضطراب عصبي اتضح لحور وهو ينزل فوق كرسيه علي وجهه ابتسامة مريضة,يجر خلفه الحبل علي الأرض,تراجع حور خطوة:
-أخيك حكم عليه القدر.
هوي خيان بالحبل الذي أصبح حيات تصرخ في حنق علي وجه حور:
-بل حكمك.
تلاشي حور وبدا خلف خيان:
-للحرب ضحايا كثر,من يشارك عليه توقع الموت,أنت قضيت علي المئات.
استدار خيان وهوي من جديد:
-وستكون أنت وزوجتك بينهم.
اختفي من جديد,هذه المرة خرج من العدم علي صدر خيان وتدحرج فوقه,خرج من فمه شعاع نقر رأسه فانفجر,قام فعاجلته ضربه أوقعته أرضاً.
-صورة جديدة أيها المصري.
التفت حور فوجد عشرات كلهم خيان,احتار مقلباً النظر فيهم,أغمض عينيه وترك حدسه يدله"البصر فخ فاحذره,واستسلم لبصيرة القلب الصادق,الساعي للحق والعدالة"تذكر كلمات أبيه هابو التي تلقاها منه صبياً.
ابتسم للذكري ودون أن ينظر,فتح فمه من جديد وسدد...
لم يبق في الحجرة غير واحد منطرح علي ظهره ينزف الدم من أحشاؤه,انتصب حور فوقه وقال بنبرة هادئة:
-لم يكن لي رغبة غير العلم والسلام...لكنكم بدأتم كل ذلك.
-وأنتم أنهيتموه.
وخرجت روحه مع كلماته.
رجع لميريت,دار حولها مرات عدة,غرز في المرآة عصا تحوت,في الداخل عرفتها ميريت,تشبثت بيها,وانتزعت نفسها من سجن المرآة وهي تبكي من الألم,انفطر قلب حور,وهو يري جسدها يدمي كأنها تنزع عن نفسها جلدها,خرجت مجروحة فداوها أحضانه,حملها ومضي نحو الباب.
أمام المعبد رأي أسرة مصرية تمر بالجمال,هرعوا لهما وقادوهما نحو الخيام,غاب حور عن الوعي مستسلما للرقاد,أفاق بعد أيام فطالعه وجهها,لف ذراعه حول خصرها,فكتمت صرخة ألم من جراح المرآة,جذب يده بعيدا:
-عدت ومعي النصر.
ردت بصوت مفعم بالأمل:
-والجراج ستشفي.
وطرق سمعهما صوت الأطفال يلعبون في مرح,تحت أشعة الشمس الذهبية.





معالجة سينمائية


ملخص رواية كفاح طيبة:
رواية كفاح طيبة لنجيب محفوظ,يسرد فيها فترة من تاريخ مصر المجيد,امتدت منذ سكننرع حتي حفيده أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر,ويصور كفاحهم مع الشعب المصري ضد احتلال الهكسوس لشمال البلاد,وحلم سكننرع بالتحرر الوطني,وهزيمته علي يد أبوفيس,الذي يحتل الجنوب وتصير مصر كلها خاضعة للحكام الأجانب,ثم يكبر أحمس ويبدأ رحلة النصر مبتدئاً بالحيلة والاختباء تحت عباءة التجار,مما يمكنه من تكوين جيش قوي يستطيع من خلاله السيطرة علي البلاد وقهر الهكسوس وطردهم,ومن الخطوط الدرامية المتوازية مع هذا المضمون,تضحيات نساء الأسرة المالكة وصبرهن علي فقد الأبناء وتربية الأحفاد لاسترداد الوطن,وحب أحمس لأمندريس ابنة أبوفيس,ونهايته برحيلها مع قومها تاركة الفرح بالنصر والحزن علي الفراق يتصارعان في قلبه,مع وصف للظروف الاجتماعية للشعب المصري تحت حكم المحتلين,ورغبتهم في الخلاص منهم والسعي مع أحمس في سبيل القضية الوطنية.
المعالجة السينمائية:
سفينة عملاقة تشق النيل علي مقدمتها شعار زهرة اللوتس,عليها وفد من الهكسوس,يميل كبيرهم للبدانة يغطي وجوههم البيضاء لحي شقراء وحمراء كقومهم, بينما قوارب الصيد حوله يتناثر عليها المصريون بوجوهم السمر وأجسادهم المشدودة,تبدو أمامهم أسوار طيبة من خلفها مسلات عملاقة,تلتمع قممها الذهبية,ينظر لها مع مرافقيه بانبهار وهو يتنهد باسم المدينة,يمتزج تنهده مع الصخب الدائر في شوارع المدينة, تظهر علي الشاشة إشارة للزمان والمكان(مصر-طيبة-1558ق.م).
في الممر المفضي لبهو القصر يتهامس الوفد الهكسوسي حول شموخ أهل الجنوب وقوة بأسهم,لكن مع ذلك يظل متفوقون في العتاد للهكسوس,تفتح أبواب القصر الملك سكننرع(سيقوم نفس الممثل بدور أحمس)في نهاية الأربعينيات من عمره طويل القامة,مجعد الشعر,قمحي الوجه,قوي العضلات له نظرات نفاذة صلبة,وصوته يعبر عن إرادة لا تلين,علي رأسه تاج الجنوب, متصدر علي كرسي العرش,يتوسط حاشيته علي اليمين:ولي العهد كاموس,والحاجب حور,وعلي اليسار:الكاهن الأكبر نوفر آمون,والقائد بيبي.تقع أعينهم علي التاج فيظهر الغيظ في وجه الرسول,ينحني في مواجهة الملك ويخاطبه بالحاكم مما يتسبب في رد فعل متوثب علي المصريين بينما الملك يحتفظ بأعصابه,ويسرد علي مسمعه بصوت خبيث ثلاث رسائل من ملك الهكسوس أبوفيس:
1-بناء معبد لست.
2-الخلاص من أفراس النهر.
3-التخلي عن التاج,فلا متوج سوي أبوفيس.
يستمع سكننرع إلي مطالبه,يقف في مواجهة الرسول غاضباً,ويتكلم في ثبات"مطالبك هذه تمس شرفنا الوطني وعقائدنا الدينية المتمثلة في تقديس الرب الباطن آمون,ولن نرضخ أبداً لمن تسول له نفسه مجرد المس ببلادنا ومبادئنا".يبادله الرسول الغضب ويتراشقان بالعبارات الحادة,ثم يخرج والحقد يشتعل في عينيه,يتحول سكننرع إلي مستشاريه,ويكلف كل منهم بمهمة تخص حشد الجيش لتخليص البلاد من الهكسوس هاتفاً"جاء اليوم الذي انتظرناه".
يجتمع في المساء مع زوجته إياح حتب وأمه توتيشيري وولده كاموس وزوجته ستيكموس وحفيديه أحمس ونفرتاري,يقرر منع كاموس من الانضمام له والبقاء علي عرش مصر بديلاً عنه,يطمئنهم بالحديث عن مصر الخالدة التي قد تنهزم في معركة لكنها في النهاية تفوز بالحرب,ويختم"لا أحذركم إلا من عدو واحد هو اليأس"ثم يبتسم موجهاً الكلام لا أحمس متسائلاً عن عدوه الأوحد فيجيب دون وعي"اليأس",تبتسم الأسرة ويحتضنهم سكننرع.
عند الرحيل يزور سكننرع معبد آمون,وأثناء خروجه وسط هتاف الشعب بحياته وحياة جنوده,يتوجه نحوه الكاهن الأكبر,يحييه ويضع علي رأسه تاج مصر الموحدة فيتعالي حماس الشعب,وتنبت في عين الملك السوداء المتوثبة دموع التأثر الوطني.
يعسكر الجيش وعند الظهيرة يسمع جلبة ركض الناس,يتوجه أحد الضباط لاستطلاع الأمر,فيجد أناس يفرون بأحمالهم,تصرخ امرأة منهم تحمل طفلة"أغيثونا يا جند مصر,بانوبوليس سقطت والرعاة في إثرنا قادمون.
يتفاجأ سكننرع وقواده بسقوط المدينة,واقتراب العدو,تشتعل المعركة(كل المعارك تصويرها لابد أن يكون ملحمياً)يتغلب الهكسوس بكثرة عجلاتهم الحربية,وقوة عتادهم,يتجمعون حول سكننرع,يدمون جسده,يتلقي الطعنات في ثبات,صوت صراخه يرهب قواد الهكسوس لكنهم ينالون منه بضربه بالسيوف والرماح في وقت واحد,يسقط علي الأرض,يقترب منه فارس قوي ويهشم رأسه...ظلام.
في الليل تتعالي أنات الجرحي ويستولي الذهول والخيبة علي القائد بيبي,يحمل جثة مليكه وصديقه بتبجيل,ويترك بقية جيشه ويعدهم بالرجوع عند الفجر.
في القصر يجمع أسرة سكننرع ويخبرهم بالمصيبة,ويرجوها الالتجاء للنوبة,يرحلون في سفينة ملكية يتبعهم الحاجب حور,يعدهم كاذباً باللحاق بهم,يرسل رسالة لزوجته إبانا وولده أحمس,يصعد إلي القصر مجدداً,يركع أمام العرش ويبكي ناعياً ملك مصر,يتماسك ويستعيد رباطته كقائد حربي,يأمر الخدم بحمل الكرسي يودعه مع الجثة والتاج في معبد آمون في أمانة الكاهن الأكبر.
مع الفجر,يأخذ المصريون أهبتهم عالمين بما ينتظرهم,هذه المرة كل رجل بعشر رجال,غذاهم الانتقام بروح جديدة,يقاتلون وسط جحافل الهكسوس السيوف والأيدي والصراخ والركل,في الختام يدرك القائد بيبي هزيمته التامة,يتوجه نحو ملك الهكسوس بقواته الصغيرة,يشق طريقه كأسد جريح ,يموت بيبي بعد أن أعياهم ومزقهم,يتوجه أبوفيس لجثته وينظر له في إعجاب ويتمتم"الميتة التي يتمناها الأبطال",وبعد لحظة يضحك في هيستيريا.
بعد عشر سنوات...
رأس قزم زنجي يسكر ويرقص علي سطح سفينة تتهادي في النيل,علي متنها شاب في العشرين وشيخ في العشرين هما أحمس والحاجب حور,لكنهما يتسميان باسم إسفينيس ولاتو,يتخفيان في زي التجار,نعرف من حوارهما خطتهما في التستر بالتجارة لنقل رجال مصر للتدريب في النوبة لاسترجاع البلاد,يلمح أحمس الأميرة مندريس ابنة أبوفيس وهي تشير لرفيقاتها للقزم زولو متعجبة,ثم تنادي لأحد الملاحين فيستوقف سفينة أحمس وتنزل بكبرياء إلي السفينة,ونشعر أن شرارة الحب اندلعت بينهما من أول مرة,يهديها عقد ثمين وتأمره بالذهاب للقصر لأخذ الثمن.
بعد رشاوي للهكسوس حيناً,وادعاء البلاهة حيناً, يعبرا بسفينتهما إلي طيبة, ,يصطدم بهما شاب قوي البنية في نفس سن أحمس,يرمقهما باحتقار وهو يتفرس في الغني البادي عليهما ويصفهما بعملاء الهكسوس.
يدخلان حانة في حي الصيادين ويدور فيها فقرة غنائية يؤديها الصيادين والفلاحين,تصف عسف الهكسوس ويشارك فيها أحمس وحور,ثم يدخل شخص يخبرهم أن السيدة الطيبة إبانا في المحكمة.
في المحكمة يتجلي ظلم الهكسوس للمصريين,القاضي شبه نائم,وفي كل قضية يحكم بالجلد,يأتي دور إبانا,فتحكي تعدي الضابط رخ عليها فيحكم القاضي عليها بخمسين جلدة لأنها دفعته في الطريق وبأسلوب ساخر أو دفع غرامة 50قطعة ذهبية,بينتفض الشاب الذي قابلاه في الطريق ويهتف أمي بريئة,يتقدم أحمس ويدفع الغرامة.
يعتذر لهما الشاب وتدعوهما المرأة لوجبة متواضعة,وفي المنزل البسيط ينطلق الحماس في كلماته في وصف احتلال الهكسوس وذكريات الملك سكننرع,ويخبرهما أن الشعب ينتظر يوم الخلاص,ينشرح صدريهما ويسألانه أن يدلهما علي قصر الحاكم خنزر.
في قصر الحاكم نعرف في شخصية خنزر الفارس الذي هشم رأس سكننرع, يحمل أحمس هدايا نفيسة من بينها القزم تلتمع عينه وعين زوجته بالذهب وينسحران بلسان أحمس اللبق ووسامته,وتدخل الأميرة مندريس فيرتج أحمس لمرآها مع القاضي نسيب الحاكم,يعده خنزر بالمثول بين يدي أبو فيس في عيد النصر علي المصريين,يتأثر أحمس لكنه يخفي ذلك بضم قبضته في غيظ.
عند الخروج يجد في انتظاره حور والشاب,وبعد ذهابهما يبكي الشاب,ويصرح لهما أن هذا قصر أبيه وأنه أحمس ابن القائد بيبي وأمه إبانا قرينته,وبأن خنزر هو قاتل سكننرع يضطرب قلب أحمس ويتجلي علي وجهه الرغبة في الثأر,في المنزل يكشف لهما أحمس عن خطته ويستعين بأحمس الآخر علي جمع أمثاله من الوطنيين للتخطيط للرجوع إلي النوبة.
في عيد النصر يدخل أحمس قصر أبيه بقلب كسير لكن الابتسامة علي وجهه تغطي لوعته,ويري تماثيل أبو فيس في كل مكان,يشهد انحلال أخلاق الهكسوس ونهمهم للطعام والخمر.
عندما يراه أبوفيس في قاعة القصر يستغرب من كونه تاجراً,وأنه الأجدر بهذا الجسد أن يكون وجيها في بلاطه,يهديه أحمس تاج ذهبي لا مثيل له يخلب لبه فوراً,ويثير ضحكه القزم,ويبدو راضياً عن أحمس ويعده بفتح باب التجارة,وعندما يهم أحمس بالجلوس يقبض علي الضابط رخ,بعد أن علم شخصيته من القاضي,يطلب النزال ضد هذا الفلاح الجرئ,يغلبه أحمس وسط إعجاب الهكسوس وملكهم.
يلاحقه رخ أثناء رجوعه,يهزمه من جديد علي ظهر سفينته,يهم الجنود بالفتك به,لكن مندريس تظهر وقد علمت بنيته وتمنع قتله وتأمر بحمل رخ لطبيب القصر,يشكرها أحمس في مقصورتها,ويظهر حبها بكلمات تحمل معنيين.
تتوالي الرحلات في ظاهرها التجارة وفي حقيقتها تجميع للجيش المصري وتدريبه في النوبة,يشرف كاموس وأحمس وأحمس ابن إبانا علي تدريب الجيش وصناعة الأدوات الحربية,تعاونهم نساء الأسرة من بينهم زوجته نفرتاري,.
تبدأ المعارك الكبري في تاريخ مصر تتجلي فيها آيات الشعب, تسقط المدن  في يد كاموس ويزداد المتطوعين, حتي تغتاله يد الغدر وهو يتفقد جرحي العدو موصياً بالحسني معهم,يتولي أحمس قيادة قوات المشاة والعجلات والرماة,وأحمس ابن إبانا يقود الأسطول,في معركة هيراكونبوليس يبارز أحمس خنزر,وبعد إنهاك من الطرفين يغلبه ويصرح له خنزر وهو يحتضر أنه آخر أبطال الهكسوس ويتبأ له بالنصر.
أمام أسوار طيبة تدق القلوب فهم بين مناصر للحصار ومشفق منهم بسبب تجويع أهل طيبة, ,يبدأون في فتح ثغرات في السور بعد تضحيات أسطورية,حتي يقوم أبوفيس باستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية,فيتجمد المصريون في ذهول,ويحتار أحمس حتي يحسم الأمر أحمس ابن إبانا الأمر باستمرار الهجوم حتي لا يضيع أمل شعب مصر وكالأسود يهجمون علي الهكسوس هاتفين"حياة أمنمحيت المجيدة أو ميتة سكننرع الخالدة",يرمي أول سهم وهو يهمس"سامحيني يا أماه,أعرف أنك كنتي لتطلبين مني ذلك" يقذف بعض الأهالي أنفسهم من أعلي السور ليمنحوا رماة السهام والمتسلقين فرصة ,ينسحب أبوفيس بجيشه ويدخل أحمس المدينة ظافراً.
في كل مدينة يعين أحمس أحد رجاله المخلصين حاكماً,ويكرم جثث المدنيين من بينهم إبانا, يقدم المصريين له أمندريس أسيرة,فتدهش وتظنه شبيهاً بالتاجر إسفينيس,تدرك الحقيقة فتتمنع عليه,ثم يأمر بإكرامها, ويتتبع الهكسوس حتي عاصمتهم هواريس, يقف أمامها الجيش مبهوراً بسورها العظيم,و يقررون تحويل المياه عن المدينة بتغيير مجري النهر ليدفعوا الهكسوس للخروج,يتعاون العمال والجند في هذا المشروع الجبار,حينها يبعث أبوفيس رسوله لأحمس,هذه المرة يبدو عليهم الهزيمة,يخيرونه بين قتل كافة 30ألف أسير مصري ثم الخروج عليهم بجيشهم المستميت أو استبدالهم بالأميرة أمندريس وأسري الهكسوس والخروج من مصر,يوافق أحمس وقلبه يتمزق من ألم الفراق,يتبادلان النجوي في مقصورتها,تمنحه سلسلة القلادة كذكري,وتحتفظ بالقلب.
يعود إلي طيبة مجتمعاً بأسرته وابنه الوليد أمنحتب,وأمام معبد آمون,يسلمه الكاهن نوفر آمون تاج مصر الموحدة وتابوت جده,وسط تهليل المصريين باسمه وهتافات الجنود"عاشت مصر فوق كل,يخطب الغزاة",يعلن أحمس أمامهم"السلام يحتاج لقوي العقول والسواعد أكثر من كل الحروب,أمامنا طريق طويل في سبيل بناء الإمبراطورية المصرية القائمة علي العلم والعمل,لتسمو مصر عالياً ومعها يسمو بني الإنسان...إخوتي...كانت مصر منذ الأزل وبنا ستبقي حرة وعزيزة إلي الأبد,ولا أحذركم إلا من عدو واحد...اليأس"
في إحدي الليالي يخرج أحمس أمام أبواب القصر عند النيل وقد أصبح خالط شعره البياض,يستمع لأغنية عاطفية تنبعث من صياد,يتحسس السلسلة في يده والدموع في عينيه, يقابل ابنه أمنحتب عائداً من تأديب إحدي الدول التي تجاسرت علي مصر,يحتضنه في فخر قائلاً"من تسول له نفسه التجرؤ علي بلادنا وفيها من الشباب مثلك",ويتجهان في حديث ضاحك إلي القصر.
النهاية
.......................................
ليلة رمادية

المعالجة السينمائية:
في حجرة استراحة المستشفي يفتح طبيب في منتصف الثلاثينيات عينيه,وهو ما يزال ممداً فوق الأريكة,علي صوت ضجة منبعثة خلف الجدران,يقفز ويهرع نحو الخارج؛ليجد شخصاً مصاباً لا يتبينه بسبب تزاحم الممرضات من حوله,وبعد لحظة يري وجهه واضحاً,يقف جامداً في مكانه,وذهنه يتسرجع ذكريات قديمة مضي عليها 25عاما,يري نفسه طفلاً صغيراً يسير بجوار والده في إحدي ليالي الشتاء,بشارع مظلم,فجأة يتهجم  عليهما شخص يقاومه الأب فيطعنه الرجل,يلمح الطفل وجه المعتدي لثانية قبل أن يفر مسرعاً بعد  سقوط الأب مضرجاً بالدماء,يتنبه لنفسه علي صوت الممرضة تناديه,تستيقظ حواسه من جديد ويعي لحظته الحاضرة,تتردد في نفسه كلمات ما أقسم عليه من صيانة حياة الإنسان تحت أي ظرف,ويسرع خطاه خلف المصاب,وفي غرفة العمليات ينهمك في العمل واضعاً كل طاقته لإنقاذ حياته.
في المنزل تشعر زوجته بثقل ما ينوء به من قلق,تحاول جره للحديث إلا أنه يتهرب,ويعزي سبب وجومه وشروده لهموم العمل,يطفئ نور الحجرة ويستلقي علي السرير,ولا يغمض له جفن.
في الليلة التالية يسير الطبيب في ردهة المستشفي متجهاً نحو غرفة المصاب,تكتسي ملامحه بألم صراعه الداخلي,ويرتسم علي وجهه قرار يخالف طبيعته فيكسي ملامحه بطابع التردد والحيرة,يقع بصره علي المصاب فاقد الوعي علي فراشه و بمواجهته ابنته الصغيرة نائمة,يتقدم نحو الفراش,ويري وجه قاتل أبيه,وقد غزته السنوات الطويلة بتجاعيدها وهمومها,يمد يده نحو جهاز الأكسجين ويزيحه,يتأمل وجهه وهو يتقلص من الاختناق,وأنفاسه تتحشرج,وتتوازي مع تعابير وجه أبيه لحظة احتضاره,تهدأ ملامح الطبيب وقد تحررت نفسه من غريزة الانتقام,يعيد القناع إلي وجهه,ويتأكد من انتظام أنفاسه,يغطي ابنته ويتحسس شعرها.
يتجه نحو النافذة,محاصراً بين ظلمة الليل من الخارج والرجل قاتل أبيه من الداخل,يتهاوي علي الأرض باكياً التجربة القاسية.