الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الرجل الطائر



الميثيولوجيا القديمة تحمل في ثنياها خبرة ومعرفة حضارات وصلت لذروة لم يتمكن من جاءوا في زمن لاحق من الاقتراب منها! الميثيولوجيا لها مرادفها في العربية"الأسطورة",معني ملتبس في الأذهان يُترجم باعتباره خرافة أو خيال لم يوجد,رغم أن الأسطورة "هي كل ما سُطِر"أي كل ما هو مكتوب في سطور "أسطورة"!!
من الأجداد العظام في مصر القديمة,للسومريين في بلاد بين النهرين حتي فارس ثم اليونان,نجد الفلك يحتل مكانة أساسية في تلك الحضارات بمعتقداتها وأديانها وأعيادها وأدبها,مدرسة من شارحي أساطير تلك الشعوب القديمة المحيرة,يرون أساطيرهم بعيون فلكية,فكل شخصية أو حدث ورد ذكره في كل حضارة له أصل فلكي,ذلك التأويل ليس بعيد عن واقع النص ونصوص التسجيلات الفلكية التي وصلتنا,فالسماء ظلت طوال الوقت هاجس للإنسان منذ أن رآها لأول حين ظهر علي الأرض مرة حتي استطاع الصعود إليها والتجول فيها بمراكبه الفضائية,وفي الأديان الثلاثة الكبري وغيرها من الديانات محدودة الانتشار ذات الأثر الفلكي البارز بصورة ملفتة,منه يؤكد المؤمنون علي عظمة دينهم وبه يهدم الملحدون أسس تلك الديانات!
الأهرام في مصر وأبو الهول فعلاً لا يمكن فهم مبرر بنائهم وطريقة عمارتهم الملغزة لو لم نرجع لما فوقهم من شمس ونجوم أراد الأجداد من خلالهم التواصل مع السماء بلغة خاصة,كذلك الحال مثلاً في أبراج بابل.
أجل من يقل أن سبب بناء الأهرام وأبو الهول يعود لحسابات التقويم؛لضبط الزراعة والفيضان,فهو صاحب رأي مُقدر مدعم بالشواهد الكثيرة...الأكيد أن مدخلي الفلك والنيل,بوابتان لفهم الأثر المادي لحضارة الأجداد العظام.
أول شخصية موسوعية عرفها العالم,هو الحكيم المصري (إيمحوتب)عصامي الترقي في المراتب والمناصب من شخص عادي إلي شخص يضع ملك مصر زوسر اسمه بجواره في مثل بيّن علي تمجيد مصر القديمة للعلم والعلماء,أحد أهم الشخصيات في تاريخ الحضارة البشرية,حمل ضمن ألقابه المتعددة لقب(كبير الرائيين),لقب يشير لواحد من مهامه الفلكية في تأمل السماء ومراقبة حركتها.
بين الجد إيمحوتب العظيم و كارل ساجان الجميل ظهر فلكيون عباقرة في الحضارة العربية,جمال ساجان يكمن في رغبته المتحرقة لاكتشاف الكون من حوله,هذا التحرق يتحول في كتبه وأحاديثه إلي أغان كونية جميلة,نكاد نسمع صوته يرتل آيات العلم الفيزيائي الفلكي,وفوق ذلك اصطحابه للقارئ العادي من يده في رفق آخذاً إياه في رحلة فضائية تسبب الدوار لفرط جمالها وإدهاشها,أنا من فرط إعجابي بشخصية العالم كارل ساجان صاحب "رومانسية العلم"...ياله من اسم!فكرت-حين كان التفكير متعة!!!-أن أكتب رواية علمية مبسطة للأطفال يصطحب فيها كارل ساجان طفل,يتجولا سوياً بين الكواكب والمجرات,ومن خلال الأحداث يتعرف الطفل علي الفيزياء الفلكية بصورة جذابة.
لا يقل عن ساجان جمالاً عباس بن فرناس مخترع آلة ذات الحلق,الحكاية الشعبية المسمومة عن عالم متهور اغتر بعلمه,فصمم علي الطيران ثم سقط ميتاً للأسف تعود لخطأ من أحد الباحثين خلط في التواريخ والشخصيات فأنتج قصة شعبية نالت من عباس بن فرناس,الذي بحث وفكر وقدر,ثم اعتمد علي علمه وتجاربه فاستطاع بالفعل الطيران لمسافة كبيرة لكن أثناء الهبوط تأذي لعدم وجود ذيل في ردائه الريشي, كان من الممكن أن يتفادي الأذي لو استطاع أن يتحكم في حركة الجناحين بطريقة تؤمن هبوطه,لكن يكفيه شرف ذكره كأول شخص استطاع الطيران...بعد الحضارات القديمة بالطبع!فنحن في مصر نجد نماذج لطائرات شراعية اندهش لها رواد الفضاء حين رأوها,وجري عليها التجارب فعلياً واستطاعت أن تطير!
يطالعنا في هذه التجربة العلمية الاستثنائية وجه عالم شجاع,حافزه علي المخاطرة تمكنه من خبرته العلمية المؤهلة له أن يصعد علي أن يقفز في الهواء من مرتفع عال طائراً دون خشية!علي عكس الشائع عن هذه المحاولة التاريخية المحفزة للإنسان أن يحلق بخياله لأبعد مدي ممكن,بشرط أن يتبع الخيال العمل الجاد والمحاولة المثابرة لتحويل الفكرة في خياله لأمر واقع يصنعه بنفسه.
دوماً ما يحلم الإنسان أثناء نومه أنه يقع من شاهق؛اختلفت التفسيرات حول هذا الأمر,أشهرها تفسير يعود لتأثير الأديان المختلفة التي اتفقت علي أن العقل يختزن سقوطه الأول من جنة عدن.التجربة الأرضية المعاشة تخبرنا أن الجاذبية فعلت فعلها في هذا المسكين الخائف الهارب من الضواري والوحوش دون أن يتسلح سوي بعقله,فكان هائماً يخشي في كل مطاردة أن يسقط بفعل الجاذبية الأرضية... لو كنا ندرك فعلاً ماضينا لكان ابن فرناس رمز للسمو فوق الدنيا والبشر بعلمه و وعيه بما يقدم عليه غير عابئ بالخاطر طالما تجهز بإدراكه الكلي لما يفعل,لكن للأسف تحولت تلك اللحظة المجيدة في حياة الثقافة العربية إلي مادة للتندر تقفز عليها السخرية من ألسنة الساخرين البلهاء!
تلك اللحظة استعادها عبد الرحمن الشهبندر:
                      
إن يركب الغرب متن الريح مبتدعا

ما قصرت عن مداه حيلة الناس

فإن للشرق فضل السبق نعرفه

للجوهـري وعباس بن فرناس

قد مهَّدا سبلاً للناس تسلكهـا

إلى السماء بفضل العلم والباس

الغرب نفسه لم ينس عباس بن فرناس ووضع اسمه عالياً علي القمر...فوهة ابن فرناس.
ارتبط بن فرناس بالسماء بصورة دعته أن يصنع قبة سماوية متقنة للسماء بنجومها وسحبها,ودعته كذلك لصناعة آلة ذات الحلق,التي تعتبر ابنة للآلة اللاسطرلاب يونانية الأصل,وبين العرب واليونان في العلوم والفلسفة ما بينهما!!!
ذات الحلق: "هي آلة فلكية تمثل المدارات الفلكية للكرة الفلكية عبر حلقات متداخلة، يرصد بها الكواكب. استخدمها البتاني في أرصاده. وتركب من حلقة تقوم مقام منطقة البروج، وحلقة تقوم مقام الدائرة المارة بالأقطاب وتركب إحداهما بالأخرى بالتنصيف والتقطيع.
وهي مركبة من حلقات متحدة المركز، لتمثل الدوائر المذكورة سابقاً بالإضافة إلى بعض دوائر أخرى أساسية. وكي يسهل تحريك كل حلقة على حدة، فقد اختلفت أحجامها، حتى لا يحدث احتكاك يعوق حركاتها. والحلقات الأساسية هي خمسة كما يلي:
1-
دائرة الأفق.
2-
دائرة توازي مستوى الزوال أي المستوى الأعلى المار باتجاه الشمال والجنوب.
3-
الدائرة الكسوفية.
4-
دائرة خط الاستواء.
5-
الدائرة الأخيرة متعامدة مع الرابعة، وتدريجاتها تبين البعد عن دائرة خط الاستواء. وباجتماع الدوائر الأصلية التي تنسب إليها مواضع الكواكب والنجوم في السماء، وفي آلة واحدة أصبح في مقدور العالم الفلكي رصد المواقع في أي لحظة باستخدام مؤشر أو أكثر في هذه الحلقات."

المؤسف أننا بعد قرون من ذروة الحضارة العربية,والمقصود بالحضارة العربية تجمع الشعوب المختلفة تحت لغة واحدة بفعل الدين,أما بني قحطان وعدنان من سكان الجزيرة العربية فلا يُشار إليهم حين الحديث عن الحضارة العربية,المصيبة أنهم حتي اليوم ما زالوا شوكة في الثقافة العربية التي ازدهرت في عواصم لم تكن عربية في الأساس,علي يد شعوب لها حضارة وتاريخ انصبغت باللغة العربية والدين الإسلامي   فاصطنع مصطلح(الحضارة العربية)ونسب من ليس منها لها!!!
بعد أن قال الجغرافي العربي الشهير الإدريسي:"الأرض مدورة كتدوير الكرة والماء لاصق بها وراكد عليها ركوداً طبيعياً لا يفارقها...والنسيم محيط بها من جميع جهاتها"ثم يقرر أنها غير صادقة الاستدارة أي بيضاوية,نجد ابن باز ينكر كروية الأرض وعدم دورانها حول الشمس بعد أن استفاد كوبرنيكوس نفسه من علماء العرب في هذه النقطة,في ضربة من الضربات الموجهة بضراوة نحو أي تفكير علمي في هذه المنطقة,علي الرغم من كون سكان الخليج أنفسهم حياتهم قائمة علي استهلاك جائع لكل الإنجازات العلمية التي ابتدعها أناس يؤمنون بكروية الأرض ودورانها حول الشمس,ولا يعرفون عن ثقافتهم سوي أن ابن باز الشهير هناك ينكر كل ما أثبته علم الفلك!!
وما زلت الإنسانية كبطل رواية الجحيم لهنري باربوس,تري الحياة كلها من ثقب صغير تحاول كل الأجيال الإنسانية توسعيه بدمها وعرقها وسهرها وعلمها وعملها,رغم كل المعوقات التي تود لو لم يكن للناس حتي ثقباً صغيراً يطلون منه علي الكون اللا متناهي,متعدد الأبعاد,عجيب التكوين مدهش الاستمرار,عظيم التأويل بالنسبة لهذا الإنسان  الذي وصفه جميل صدقي الزهاوي:
وما الأرض بين الكائنات التي تري   بعينيك إلا ذرة صغرت حجماً
وأنت علي الأرض الحقيرة ذرة     تحاول جهلاً أن تحيط بها علماً






الجمعة، 17 أكتوبر 2014

قومي إليكِ السلام يا أرض أجدادي!




أضم رأيي لرأي عبد الرحيم منصور حين نطق بصوت محمد منير في حدوتة مصرية"ما نرضاش تدوس البشر بعضها","بمد إيدي لك طب ليه ماتقبلنيش,لا يهمني اسمك لا يهمني عنوانك لا يهمني لونك ولا ميلادك مكانك...يهمني الإنسان ولو مالهوش عنوان"
لا نرضي أن يدوس ابن آدم ابن آدم,كل روح خلقها الله أياً كان صاحبها جزء من نسيج الحياة تتزلل الحياة لموته وتخر الطبيعة لفقدانه...لكن -ولكن هذه بداية كل مآسي البشر-الحرب أيضاً حجر ضخم من البناء الإنساني المُشيد من آلاف السنين,القصة الدينية الرمزية المتوارثة تحكي عن قتل قابيل لهابيل وردت في التوراة والقرآن بنفس المعني,ربما كانت الغيرة من الآخر هي المحرض الأساسي علي القتل في بداية الحياة ومع تشعب مسالك الحياة أصبح كل مسلك مر به قاتل,فكان القتلة بعدد دروب الحياة,اختصر ستانلي كوبرنيك في فيلم أوديسا الفضاء تاريخ البشر بمشهد قرد من الفصيلة العليا التي نشترك معها في الأصول يقتل آخر بعظمة,العظمة تتحول في لحظة لتكون سفينة فضاء,وبين العظمة والسفينة ظل الرب ينادي ابن آدم بنداء يهوه-رب الجنود!!!!!-في سفر التكوين:"ماذا فعلت؟صوت أخيك صارخ إليّ من الأرض"والآدمي علي نفس صلفه وغيه الأزلي يردد قول قايين التوراتي:"لا أعلم!أحارس أنا لأخي"في القرآن يتجلي حوار بين ضميرين أحدهما سيموت والآخر  ·   سيعيش بندمه وخسرانه:
لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
·  إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ
·  فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ
·  فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
·  مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
لابد للحرب حتي تسير الحضارة,بل أن المؤرخين يعتبرون الحرب هي أم الحضارة الإنسانية,وفي ذلك الرأي وجاهة يمثلها المشهد العبقري للعظمة المُتحولة لسفينة فضاء!
"هي الحرب قد تثقل القلب
 لكن خلفك عار العرب
لا تصالح ولا تتوخي الهرب"
هكذا يوصي كليب الزير سالم في خيال أمل دنقل,وهكذا تتوارث المجتمعات الأحقاد والكراهية...الحرب هذا اللفظ الكريه الممقوت,نطقه في العربية (قذيفة لغوية)مخارج حروفها تأتي من الصدر حتي الشفة!لا يفرقها عن الحب غير حرف واحد!!
كم أكره الحرب...لن تسمعني الدنيا فهذه الدنيا وهي "دنيا "فعلاً!
لن أحول أرواح الشهداء الأبطال لرقم عابر,ليس لأن الأرقام نفسها متضاربة علي الألسن وفي البيانات,كيف نحول البطل العظيم إبراهيم الرفاعي السيد إبراهيم أسطورة الصاعقة المصرية لرقم, هوميروس في الإلياذة يفخر ببطولة أخيل,شجاعته,قوته,ثم ورثه العقل الغربي رمزاً للعظمة القتالية,وأخيل شخصية أسطورية صاغها هوميروس شعراً خالداً,أما نحن فلدينا يفوق أخيل,شخصية حقيقية عرفناها وعرفتنا ولم تبخل بروحها في سبيلنا,لكن نحن مجموعة من الخائبين البائسين لم يقم منا هوميروس لينشد بطولة الرفاعي أحد أعظم الفدائيين في تاريخ مصر,فهو والجمسي والشاذلي حتي أصغر مجند في حرب أكتوبر,أحفاد أجدادنا المحاربين العظام أمثال حور محب ورمسيس وتحتمس, من سعوا في سبيل النصر بلا انتظار لوسام أو تكريم, قدموا أرواحهم فداء لمصر...أولاد الأفاعي بعد ذلك حولوا المعاني التي جسدوها في الفعل والمواقف إلي مدعاة للسخرية والاستهزاء, رحم الله الشهيد الرفاعي ورفاقه الذين اختارهم الله في المعركة حتي لا يشهدوا ما حدث بعدها من مآس عبر عنها نجيب سرور بجرأته وألفاظه الصريح فسمي الأرض المروية بدمائهم:"يا بلاد الهوي يا بلاد يا بلاد النجوي فؤاد"!!
آه...أسمع الآن في رأسي صوت صلاح ذو الفقار في فيلم صلاح الدين يصرخ باكياً في حرقة وألم:"اللعنة علي الأبراج,اللعنة علي الحرب! أيجب أن تختطف منا الحرب كل الذين نحبهم؟! اللعنة علي كل شئ أقسم لكم أنه حي. حي!"
سأحاول الكلام عن الحروب المصرية منذ حرب 48حتي حرب أكتوبر تحت غطاء من الأدب والسينما والأغاني؛لعلها تخفف من حدة الدماء والصراخ والقتل وفقدان الآباء وضياع الأبناء وافتراق العشاق!وقبل ذلك لأن الحرب حين تنتهي تُصبح أداة للعب السياسي والقذارة الاجتماعية والمتاجرة بدماء الشهداء,وبعد واحد وأربعين عاماً من أكتوبر لم يخجل المتحدث العسكري الاسرائيلي أن يعلن أن إسرائيل انتصرت!!!نحن نعاقب علي بيعنا للنصر وتحويله لانفتاح "سداح مداح"علي حد تعبير احمد بهاء الدين,نُعاقب من هذا الشخص علي جعل تضحيات الأبطال صراع علي الثروة والسلطة عن طريق الفساد الممنهج علي يد أبطال السرقة والاحتيال وتحويل الفسيخ لشربات ودلق الشربات الحقيقي في جوفهم.
أين أنت يا رفاعي يا أمير الشهداء,أمازلت معك تسجيلات صراخهم واستغاثاتهم خوفاً منك؟!
جفف دموعك يا جمسي بسبب أفعال السادات بعد الحرب وعُد أيها"النحيف المخيف" كما وصفتك جولدا مائير لترد عليه,كرر مشهد وصف الشاعر الإسرائيلي يهوناتان جيفن لك مقارنة مع رئيس وفد المباحثات الإسرائيلي الذي اضطرك السادات علي الجلوس معه والاتفاق وأنت من كنت تود لو طورنا الهجوم فلم يسمع لك وحدثت الثغرة التي ضُخمَت لتغدو غطاء للتراجع...يبدو أن التراجع كان مهيأ من خلف ظهور الأبطال:"
أنا أشفق علي إليعازر
أشفق عليه عندما أري جسد الجمسي سليماً
وإن لم أخطئ فهو أيضاً مرفوع الرأس
أحسن هنداماً من ضابطنا اليعاذر مطأطئ الرأس المنهك"
ارجع إلي بلدك يا شاذلي وقاوم ما فعله السادات فأنت من سيذكره التاريخ العسكري في قائمة شرفه وعلم أدرعي الجالس علي تويتر ليهرف بأي كلام كيف تدار الحروب وكيف يكون النصر.
رحمكم الله...ويرحمنا!
هل الصراع أساساً قائم علي أساس ديني عميق الجذور؟أجل قائم علي صراع ديني عميق الجذور ممتد في التاريخ والنصوص والعقليات والنفوس.هذا لا يهمنا في تلك الكلمة القصيرة المحدودة,ما يهمنا الصراع علي أساس وطني,وطني ومحاولات الآخر القاسية المجنونة المستهترة بكل قيم الإنسان عديمة الرحمة لإنشاء وطن علي حياة الأطفال وأمن النساء وحلم الشباب وشيخوخة العجائز...حلم الآخر كابوس للآخر!!
يكفينا لمحة واحدة من التاريخ البطلمي لمصر,هذا التاريخ القاتم الممتلئ بصراعات عائلية دموية لم يتورع فيها الأب عن قتل ابنه والأم علي قتل ابنها طمعاً في العرش!!!كان يقود الجيش المصري قائدان يهوديان هما تشيكلس وأنانياس في زحفه إلي سوريا لإعادة العرش لجرايفون!
أثناء حرب 48 في العصر الحديث,فتح المصريون قلوبهم لليلي مراد وأخيها مراد منير,وقبل ذلك لداوود حسني,وتعلق بالفاتنة كاميليا,وكلنا يذكر راقية إبراهيم وهي تشكو لعبد الوهاب ألم أسنانها في أغنية حكيم عيون,وعرف نجوي سالم,وأمِّن بنزايون (ابن صهيون!!)وعدس وغيرهما من رجال الأعمال علي أموالهم في مصر,فمصر طوال تاريخها منذ عهد الأجداد العباقرة القدامي,لم تعرف نفي الآخر ولا عدائه مهما كان اعتقاده الديني,طالما كان مواطناً صالحاً يحافظ علي النظام والقانون,غير المصريين كذلك لم تعاملهم مصر كغرباء ماداموا يحترمون عادات البلاد؛لذلك كل الحروب المصرية في مجملها ليست كثيرة مقارنة ببلدان أخري لها تاريخ مقارب لسنوات التاريخ المصري,فبلادنا هي الوعاء الكبير للإنسانية عبأت جرارها منه في كل المجالات بدءً بالتوحيد في كل عصورها علي عكس الفكرة الخاطئة المنتشرة عن تعدد الآلهة عند المصريين حتي بعض الألعاب التي ظهرت لأول مرة في مصر.
ساهمت عزيزة أمير في تأسيس السينما المصرية ولُقبت بـ"أم السينما المصرية" يحاول السبكي وكتيبته من الراقصات المبتذلات فاقدات أبسط مبادئ الرقص العاجزات عن أداء حركة واحدة من حركات جسد تحية كاريوكا والبلطجية الصيع ومغنون الدرجة العاشرة اليوم التي يسمم بهم عيوننا,هذه الأيام تقويضها بهطل سينمائي يصيب المشاهد بحزن عميق علي حال السينما المصرية...نعود لعزيزة أمير أفضل,لهذه السيدة فيلمين عن حرب فلسطين الأول في نفس عام الحرب"فتاة من فلسطين"للأسف نادر جداً وغير متاح منه علي الإنترنت سوي لقطات لا تؤدي للمعني العام للعمل,والثاني بعد عام 49"نادية"عن أخ يستشهد في حرب فلسطين فتتحطم حياة أخته بعد أن كانت مدرسة لطيفة محبوبة لسكيرة تحاول الانتحار حتي ينقذها(ضابط الجيش) ويحمسها لمساعدة الجيش كممرضة,الفيلم سيناريو وحوار يوسف جوهر وإخراج فطين عبد الوهاب.تظهر عزيزة أمير في أول مشاهدها في الفصل متحمسة لفلسطين متحدثة عن أخلاق(العربي) الكريمة,ومحمود ذو الفقار في دور ضابط الجيش,ورغم سذاجة الكثير من المواقف وكرتونيتها المضحكة اليوم إلا أننا نستشف أولي محاولات صناعة البطل العسكري المصري,علي طراز جيمس بوند,لولا الأداء المفتعل أحياناً والأحداث الساذجة!
بعد ثورة يوليو اهتاجت السينما المصرية بأفلام تمجيد الجيش المصري وتبرير خسارته في حرب فلسطين بسبب وحيد"الأسلحة الفاسدة"تلك القضية التي أثارها إحسان عبد القدوس.في عام 55كتب إحسان قصة فيلم "الله معنا"سيناريو وحوار وإخراج أحمد بردخان,يفقد فيه ضابط الجيش الوطني ذراعه وفي مشهد مؤثر حين عودته تحتضن الجارة طفلها بعد رؤية ذراعه المقطوع كأنها تحميه من نفس مصيره,خائفة علي مستقبله,أن يفقد ذراعه في حرب مماثلة,أما أحد المسئولين عن توريد الأسلحة الفاسدة للجيش فهو العم الثري الخائن لبلاده المتعاون مع الملك الفاسد والإنجليز المحتلين,ويلاقي مصيره في نهاية بذات الطريقة التي لاقي فيها بسببه الشباب المصري حتفه في الحروب,علي حد ما شاهدته من أفلام مصرية تحكي عن تلك الفترة,لم تعرف السينما المصرية لخسارة الحرب غير فساد الملك وفساد أسلحة الجيش أشدها تحمساً لهذا السبب فيلم رد قلبي,وهو سبب مدرسي شهير جداً مر علي كل من قدر الله له أن يفقد ذهنه في اللاتعليم المصري الهادف لمحو أي قدرة علي التفكري,وتلك القضية مزيفة من الأساس,الشهادات أثبتت أنها كانت بالفعل من مخلفات الحرب العالمية الثانية لكنها بم تكن فاسدة...الكل حاول أن يتناسي في غمرة اليأس الرهيب,الهدنة الخبيثة التي مكنت عصابات إسرائيل من تقويض انتصارات الجيوش العربية وتحويلها إلي هزائم بمساعدة انجلترا التي لو كُتب تاريخها الاستعماري في بلاد الناطقين بالعربية لكانت صفحة من أسود صفحات التاريخ-أعتقد أن الحكام العرب بعد ذلك استعانوا بأساليبها وطوروها حتي تفوقوا عليها-,ولم يسأل أحد مرددي أكذوبة الأسلحة الفاسدة التي تم تبرئة أطراف قضيتها من محاكم الثورة نفسها,كيف تفوقت الجيوش العربية في البداية علي عصابات إسرائيل؟!نجد صدي لهذا التفوق الأولي في فيلم إسرائيلي قصير-قليل القيمة الفنية- عن النكبة يبرز خوف المقاتلين وحصارهم من العرب قبل الهدنة...تخيل نفسك في جيش جعله الملك جيشاً للاحتفالات والزينة لا تدريب ولا كفاءة ولا بعثات في الخارج إلا واحد فقط كل عام علي أحسن تقدير وفوق كل ذلك كمصري يتم تفتيشك من قبل السلطات البريطانية وأنت ذاهب للحرب,وكأردني يقودك قائد إنجليزي!!!! ستدرك حينها مدي شجاعة هؤلاء الذين صمدوا, ثم يأتي السبب الأهم للهزائم العربية المتكررة أمام إسرائيل مهما,عجزنا عن التواصل الثقافي معهم لدرجة أن من يدرس لغتهم يعاني من نظرة مستهجنة يشكو منها!! التواصل الثقافي لا يمكن ترجمته للتطبيع.الإنسان في نهاية المطاف مهما تفرق عن أخيه بفعل عوامل لا دخل له فيها,تسيطر عليه وتحكم حياته,لا يختلف عنه في الباطن,كلنا لنا ذات القلب نحزن علي نفس الصورة ونفرح,نكتب روايات وقصص ونصور أفلاماً,كلنا يريد التعبير عن ذاته,وليس هناك ما هو أصدق من التعبير الفني,لغة البشر الموحدة,عن طريق وجوه الفن والثقافة سنكتشف مشتركاتنا الدينية شبه الموحدة في الديانة اليهودية الرسمية بتوراتها المعترف بها إسرائيلياً,سنعرف صورتهم عن مصر مثلاً من سفر الخروج,وهنا يجب التفرقة بين ما هو اعتقادي وما هو تاريخي والكلام فيهما لا ينتهي ولا حل له سوي بتأويل النص الديني,سفر الخروج تمنيات لم تتحقق-لا حققها الله أبداً- لخراب مصر وعذاب شعبها,بخيالات مريضة فعلاً من عزرا كاتب التوراة,تشي بكراهية اليهود للحضارة المصرية التي وصفها فرويد بأنها"العقدة الأزلية للشعب اليهودي",كأي قزم يشعر بالدونية أمام عملاق عظيم,لا يملك سوي الوقوف علي قارعة الطريق وسبابه مع تمنيات حارة بالهلاك العاجل!للأسف بعض الدول التي تشترك معنا في اللغة بعد الدخول العربي للبلاد حول شبه الجزيرة العربية,تعاني نفس عقدة النقص اليهودية وتصف مصر بأبشع الأوصاف البذيئة...لكنه قدر حضارتنا القديمة المنيرة في ظلام الدنيا,أن تتحمل هجمات وتخريب الكل,ومع ذلك مازالت صامدة متحدية.
إسرائيل تهزمنا لأنها تدرسنا...تعرف أدبنا وتقرؤه,تتألق فيها سيريت حداد بأغنيات الست,80 عربياً يقرأون في السنة كتاباً واحد,بينما الإسرائيلي يقرأ في نفس السنة 40كتاباً بحسب الإحصائيات!!!
الحق أن النظرة العربية التي أنتمي إليها عبر عنها علي محمود طه وعبد الوهاب"أخي قدا جاوز الظالمون المدي    فحق الجهاد وحق الفدا
من أواخر الأربعينيات حتي اليوم مازالت تلك القصيدة المغناة صالحة,حين يري المرء بشاعات الإسرائيليين في حق العرب,وهم في معتقدهم يخلصون ثأراً قديماً,فها هم ينتقمون لبني قينقاع علي أيدي المسلمون الأوائل ويخلصون ثأر خيبر وقبل ذلك ينفسون عن ميراثهم المتوهم عن الاستعباد في مصر-هل دخلوها أصلاً ليخرجوا منها؟؟؟!!!-وما كانت أجيال القرن العشرين من الطرفين هناك حينها,لكنه ميراث الدم من عهد الأجداد!!
"هي الحرب قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب(اليهود)
لا تصالح ولا تتوخ الهرب"
لسان حال الطرفين!!
كما انشق البحر عن يحيي أمام رقية "الطنطورية"في رواية رضوي عاشور,انشق القدر أمام الشعب الفلسطيني عن المشكلة اليهودية,اختزلت رضوي المأساة العربية من حرب48مروراً بالعدوان الثلاثي والنكسة-غريب لم تعرج علي حرب أكتوبر في سردها!!!-و هيستيريا القتل الدموية المجنونة التي دارت في لبنان بين الكل,الكل يضرب في الكل!شبكة معقدة من الفصائل والقيادات في حرب أهلية تعيسة,يُعيدها السوريون اليوم في نسخة جديدة من فيلم قديم,يريد المنتج الملعون توزيع أدواره علي كل المنطقة!حتي تحرير الجنوب,سردية تنز بالوجع علي شعب اُقتلع من أرضه إما ليدفن تحتها أو ليشرد منها يعاني الهوان والإهانة كلاجئ...السياسة والتاريخ هما الخلفية لحياة رقية مع آبائها وأبنائها,هل تعود رقية الفلسطينية يوماً للطنطورية,وهل يقابل ناجي رقية الصغير يوماً كما تساءلت في النهاية؟...
اتهموا الفلاح الشجاع أحمد عرابي بأنه ورفاقه العرابيون الخارجون من رحم الاستعباد والذل مشوهة ظهورهم من ضربات السياط وأبدانهم من الجوع والبرد سبب غزو انجلترا لمصر!!!ولم يتورع أحد السفهاء أن يبصق في وجهه حين عاد من المنفي عجوزاً كسيراً,عبد الناصر كانت الاتهامات الموجهة له أنكي وأشد من أن أرددها,تجدها عند أصدقاء إسرائيل وأصحاب المصالح والفاسدين,وفي أوهام السادات في بحثه المتخيل عن ذاته!
وعي جمال عبد الناصر مقولة البطل أحمد عبد العزيز,واعتبر ميدان المعركة الحقيقية في مصر...إذن استعاد المصريون حكم بلادهم,فالتأت إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لوقف تلك المهزلة التي يريد عبد الناصر فعلها,كيف يتجرأ علي أسياده ويؤمم القناة حقنا,واحد ينجعص في جلسته ويقول مزدرياً غباء الموقف"القناة كانت ستعود لنا بعد سنوات,فلم التأميم والحرب ووجع الدماغ علي الفاضي؟!"هذا الرجل هو حفيد من بصق علي وجه عرابي!!!وبعيداً عن أصحاب هذا المنطق... طبعاً من المستحيل أن يعود لنا حقنا المسلوب من الإمبريالية العالمية طبقاً للعقود والاتفاقيات...وإلا كانت الحياة فعلاً لونها بمبي!متي خرج المصري من جحره لنجده في الجزائر يعاون الثوار علي التخلص من الاحتلال؟!
 تأثير عبد الناصر في القرن العشرين نجده عند الشاعر العراقي الجواهري"عظيم المجد عظيم الأخطاء"؛سنقابل منذ قيامه بالثورة حتي وفاته,مجد عظيم وأخطاء عظيمة,كأننا أمام مأساة إغريقية ابتدعها أحد الثلاثة العظام(اسخيلوس,سوفوكليس,يوربيدس).
اعترف جيفارا وكاسترو أن حرب 56ألهمتهما الكثير في كفاحهما,وهما رجلان من طراز عبد الناصر, االثلاثة وطنيون وحالمون,أحبتهم شعوبهم وكرهتهم الإمبريالية الإخطبوطية,وجه خلالها كمال عبد الحليم للدول الثلاثة المعتدية تحذيراً نقلته فايدة كامل وعلي إسماعيل:" دع سمائى فسمائى محرقه
دع قنالى فمياهى مغرقه
واحذر الارض فأرضى صاعقه
هذه أرضى انا
وأبى ضحى هنا
وأبى قال لنا
مزقوا أعداءنا"
حاول عبد الرحيم منصور وشادية أن يوفيا بجزء من حق بورسعيد علي الضمير المصري:" امانة عليك امانة  يا مسافر بورسعيد
لتبوس لي كل إيد   حاربت في بورسعيد
قامت مجموعة من فناني مصر في ذلك الوقت بالاشتراك في فيلم"بورسعيد الباسلة"بعد شهور قليلة من رد العدوان علي أرض مصر...نحن فاتتنا بطولات عظيمة علي مدي التاريخ المصري لم نوثقها فنياً للأسف,لو كان نصفها لأمريكي لفعل سحر هوليودد الجميلة فعله في أفلام ضخمة الإنتاج تنشر أسطورة البطل الأمريكي الفذ القادر علي القتال بروح مخيفة وهو يدخن سيجارته!!!
يؤمن البعض بنظرية "القومية العربية"وهي نظرية وجيهة جداُ وأنا أؤيدها علي شرط أن أكون مصرياً قبل اعتباري عربياً أنتمي للأمة المصرية وثقافتها,باعتباري حفيد جدي الحكيم المصري العظيم "إيمحوتب"أول شخصية موسوعية عرفها البشر صاحب أول بناء حجري علي الأرض(هرم زوسر المتداعي علي يد السفلة",وغيره من أجدادي حكماء الوادي وأدباؤه,قبل أن أنتسب لشبه الجزيرة العربية بعامل اللغة,العامل الخطير الذي اعتبره البعض الأساس الأول لفكرة القوميات عموماً,كما أن العراقي يعود بأصوله لأجداده السومريين والسوري للفينيقيين...وهكذا.
آمن عبد الناصر بالقومية التي شاع ذكرها قبل الثورة بكثير,وجعلها من أسس حكمه كرد فعل علي التكتلات العالمية في ذلك الوقت,ولازل العرب حتي اليوم يذكرون تلك الأيام المجيدة-مجيدة رغم كل النقائص مقارنة بعقود الضنك التالية-,فذهب الجيش لحرب اليمن في خطوة غير محسوبة نعم...لكنها كانت واجبة,منها خرج إبراهيم الرفاعي كضابط لفت انتباه القادة بشجاعته ومهاراته القتالية المبشرة بمستقبل بطل عسكري من أبناء مصر.
تصل المأساة الناصرية التراجيدية لذروتها بهزيمة فاضحة أمام إسرائيل,انقلبت في الأدب بانتشار مفهوم العبث بين الأدباء حتي وصل لأديب الواقعية المصرية العظيم نجيب محفوظ لم يقدر أن يفلت من الشعور الصادم المسيطر علي كل العرب,تحكي رقية الطنطورية أنه قبل حرب67 استعد الفلسطينيون للعودة لبيوتهم؛إيماناُ منهم بالانتصار الأكيد علي إسرائيل,فكيف الحال بهزيمة ثلاث دول واقتطاع أجزاء من أراضيهم مضافاُ إليها أرض فلسطين!!كانت الضربة قاسية..قاسية حتي الهذيان.
خرج صوت الأبنودي مع محمد حمام ينادي بيوت السويس ليطمئنها: يابيوت السويس يابيوت مدينتي
استشهد تحتك وتعيشي انتي
يابيوت السويس
يابيوت السويس
هيلا هيلا هيلا يالله يابلديا
شمر درعاتك الدنيا اهيه
وإن باعوا العمر في سوق المنية
رفاقة هانروح السوق نجيبه
ونعود ونغني ع السمسية
ليكي يامدينتي
ياللي صمدتي
يابيوت السويس
استشهد والله ويجيى التانى
فداكي وفدا اهلي وبنياني
اموت وياصاحبي قوم خد مكاني
دا بلدنا حالفة ماتعيش غير حرة
قفلت بيتي وسكيت دكاني
ياشطي وبحري وشبكي وسفينتي
يابيوت السويس
يابيوت السويس
والله بكرة ياعم ابورية
لهاتضحك واحنا ماشيين سوية
ع المينا ولا عند الزيتية
وهاتاخد ابنك وبنتك ومراتك
ونعدي على نفس لمعدية
ونقول يادنيا والله وصدقتي
يابيوت السويس
يابيوت السويس
وان عشنا وانا كنت شديد متعافي
أنا لأحمل طوبك على لحم كتافي
وأقضي يومي عرقان وحافي
وإن قدمي اتعفر بالرمل الأصفر
لأغطس قدمي ف البحر الصافي
وتعودي احسن من يوم ماكنتي
يابيوت السويس
ليست طمأنينة خادعة,إنما يعلن شعراً أحد أعظم شعراء العامية في مصر-لولا الملامة لقلت أشعرهم-عن عقيدة المقاتل المصري منذ أن قدم مينا ليوحد المملكتين في مملكة واحدة...بيان شعري عن العقيدة العسكرية المصري"يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي أستشهد تحتك وتعيشي إنتي..... أستشهد والله وييجي التاني فداكي وفدا أهلي وبنياني أموت يا صاحبي وقوم خد مكاني دي بلدنا حالفة ما تعيش غير حرة",هذه الأغنية لو سمعتها في أي حالة من حالاتي المزاجية تسري في داخلي رعشة حنين لبيوت السويس,أود لو أطمئنها أنا الآخر مع كافة بيوت مصر... مهما تأكلني تلك البلاد حتي تنهيني وأنا حي-لست حياً تماماً-يظل شعوري الوطني يردد بلا وعي"وإن عشنا وأنا كنت شديد متعافي ,أنا لاحمل طوبك علي لحم كتافي وقضي يومي عرقان وحافي!وإن قدمي اتعفر بالرمل الأصفر لأغطس قدمي في البحر الصافي وتعودي أحسن ما كنتي"
مهما كانت الهزيمة قاتلة,سنحمل طوبها طوبة طوبة علي لحم أكتافنا العارية,مهما اصطلينا بنارها المريعة,سنغمس أنفسنا في بحرها الصافي ونسعي لتعود أحسن مما كانت...ونطمئنها مرة أخري بكلمات نجيب شهاب الدين"يا مصر قومي وشدي الحيل كل اللي تتمنيه عندي لا القهر يطويني ولا الليل","يا مصر لسه عددنا كتير لا تجزعي من بأس الغير يا مصر ملو قلوبنا الخير وحلمنا ورد مندي".
لو لعناها وشتمناها في لحظات يأسنا؛معذورون عاني جيلنا ما لم يعانيه جيل في القرن العشرين من بؤس ينفجر في وجهه من كل اتجاه...لكن ما في القلب في القلب.في العيد السابق تمشيت لساعات طويلة علي البحر السكندري مع صديق,سألني فجأة أثناء الحديث عن الظروف العامة"لو لم تكن مصرياً فأي جنسية تختار؟!"قبل أن يُنهي سؤاله جاءت إجابتي-الواعية- بلا وعي بصوت غريب شعرت أنه احتبس داخلي قرون طويلة قبل اليوم"لا يمكنني أن أكون سوي مصرياً,ولا أريد أن أكون إلا مصري!"
للأبنودي أغنية أخري في فيلم"أغنية علي الممر"استعار فيه علي سالم بمسرحيته المأخوذ عنها الفيلم...للأسف بحثت عنها طويلاُ ولم أجدها متوفرة بأي وسيلة فكتابة علي سالم دوماً تثير في داخلي متعة من نوع لم أعهده سواء كتب مسرحية أو قصة أو مقال وهو صاحب الرحلة الشهيرة إلي إسرائيل المسجلة في كتاب له! والسيناريست مصطفي محرم والمخرج علي عبد الخالق والأبطال محمود مرسي,محمود ياسين,صلاح السعدني,صلاح قابيل,والموهوب أصيل الموهبة مُخاصم الشهرة التجارية علي مدار عمره الفني أحمد مرعي بطل فيلم المومياء للفنان شادي عبد السلام,والأبنودي بأغنيته صوت كل من ضحي في سبيل الوطن ممن لم نعرفهم ولا نعرف حكاياتهم,كلما شاهدت هذا الفيلم لا أملك حبس دموعي...تذكرت مع حكاية الأبطال حكاية البطل محمد عبيد  بطل الثورة العرابية.
يقدم الفيلم نماذج لأبناء محمد عبيد,في دفاعهم عن الممر عطاشي جائعين لم ينهار منهم سوي واحد,لاقي الموت وهو يهرب من الموت!!
صوتهم المستعار تعلو نبرته في أغنية الجندي حمدي(أحمد مرعي):
أبكى.. أنزف.. أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر
وتعيش يا نيل يا طيب
وتعيش يا نسيم العصر
وتعيش يا قمر المغرب
وتعيش يا شجر التوت
أبكى.. أنزف.. أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر
***
وتلاميذ المدارس
والنورج اللي دارس
والعسكرى اللي دايس ع الصعب عشان النصر
يا مراكب.. يا صواري.. يا شوارع.. يا حواري.. يا مرازع.. يا صوامع.. يا مصانع.. يا مطابع.. يا مينا.. يا كباري.. يا منادر.. يا بنادر.. يا منازل.. يا بيوت..
أبكى.. أنزف.. أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر

كتب نزار قباني هوامشه الصادقة علي دفتر النكسة قالباً الآية:"إذا خسرنا الحرب لا غرابة"
لماذا لا غرابة بعد كل تلك الثقة؟: إذا خسرنا الحرب لا غرابة
لأننا ندخلها..
بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها..
بمنطق الطبلة والربابة"
يصبح السادات بعد غياب عبد الناصر رئيساً...لو تخيلنا ناقداً فنياً متوهماً يكتب عن السادات فسيقول:
"...إنني لا أجد نفسي حقيقة إلا في صحبة الممثلين"
عبارة دالة وردت في إحدي مقالات السادات في جريدة الجمهورية,أسهب فيها عن شغفه بفن التمثيل ذاكراً فيها مفتاح من مفاتيح شخصيته كمديوكر أصيل ضرب حظه للسماء,ثم سقط من علي المنصة في النهاية,يتبعها ما هو أكثر دلالة:"وهنا كان عليّ فعلاً أن أمثل أدواراً حقيقة علي مسرح الحياة"!!
يكرهنني المخرجون,الفنانون,كتاب السيناريو المطربون,الملحنون...لا أحد في مجال الفن في مصر يذكرني بكلمة طيبة,لا يهم كلهم أوغاد إلا من نجا من وباء الإسفاف وقدم فناً حقيقياً يجعل قلبي يرتعش إعجاباً,لكن يعز علي جداً مكالمة من الممثلة الرقيقة"......"بكت فيها من قسوة الهجوم عليها,وأغلقت الهاتف! لم أنم ليلتين حتي قبلت اعتذار الوسطاء,وانحنيت علي يديها أقبلهما لعلها تسامحني علي جرح مشاعرها,من بعدها لم أكتب.
كانت أمي تقول لي دوماً:"لسانك يا ولد لسان أفعي مسموم...لكنك يا سامي صريح صراحة الحمار لما ينهق كلما رأي شيطاناً"رحمها الله ورحم أوهامها التي زرعتها فينا,وخيالاتها التي ربتنا عليها,قبل أن يظهر وحش العلم ليلتهم كل ماعندنا ويبقينا عرايا أمام الغرب.
ما اضطرني لمعاودة الكتابة,مرور عشرون عاماً علي وفاة"الساداتي",أو المعروف بعد تغيير اسمه ليزيف أصله"السادات"...محمد أنور السادات,الممثل الذي ظهر علي مسرح السياسة في مصر,السادات لم أره يوماً سياسياً,بل مؤد فاشل,وهذه شهادتي علي الممثل الذي أحب الكاميرا والظهور والخطب حتي انشغل بها عن كل شئ,وظل يتصاعد بدراما الأداء الكوميدي حتي لحظة المأساة التي أتعاطف معه فيها بكليتي,ولولا نهايته المحزنة لكان كتاب"البحث عن الذات"الذي كُتب له-موسي صبري ربما؟!-قطعة كوميدية تنتمي لما أسميه"أدب المهزلة السياسي"!...ما أقسي الكذب علي الذات.
صباح6أكتوبر 2001,الكل يومها يحتفل بالنصر,القليل من يتذكر بائع النصر المقتول يومها!
أوبريتات لا لزوم لها تظهر فيها صفاء أبو السعود كأنها مدرسة حضانة تخاطب حفنة من البلهاء:"إحنا ولاد مصر العظيمة يا شعبنا...يا شعبنا...بنحب مصر وحبنا من قلبنا...من قلبنا" فيدير مبارك إبهامي يديه المشبوكتين ملولاً...أصبحت أشفق عليه بسبب اضطراره لسماع الهراء السنوي,مع انحدار الكلمة واللحن والأداء أسفل سافلين.
ولطيفة:"من قلبي جاية أهنيكوا وأشارك فرحة لياليكوا وأغني لمصر"
نحن تحت حذاء العالم ونغني لمصر!استنزف جهدنا الغناء (علي)مصر بدلا من محاولة إنهاضها من كبوتها التاريخية...مساكين الألمان والأمريكان واليابانين,لا تغني لهم لطيفة.
والقائمة طويلة,ليس مكانها هنا.
بم يحتفلون ويغنون؟! إننا فهمنا النصر فهماً خاطئاً كما نفهم كل شئ من الانفتاح الكبير في عهد السادات؛لتشاهد كل الدنيا عرضه البهلواني,ومشيه علي الحبل بين القاهرة وتل أبيب.
"وكان السادات يذكرني بفيلم شاهدته منذ زمن طويل اسمه"حياة والتر ميتي السرية,وقام بتمثيله داني كاي وكان دوره بائع لبن ينتقل بسيارته علي منازل زبائنه,وفي الطريق من منزل إلي آخر كانت تنتابه أحلام اليقظة,فمرة يتخيل نفسه نبيلاً من نبلاء القرن الثامن عشر من أجل حب حسناء جميلة فيصرعه ويفوز بها,ومرة يتخيل أنه مغن أوبرا ذائع الصيت لا مثيل له يطيح بصواب مستمعيه,ومرة أنه طيار في الحرب العالمية الأولي,كلما طلع يسقط طائرات الألمان واحدة بعد الأخري كالذباب ويعود سالماً إلي هتاف الجماهير"
محمد إبراهيم كامل وزير خارجية السادات من كتاب"السلام الضائع في كامب ديفيد".
يبدو أن كامل لا يذكر الفيلم جيداً,فوالتر ميتي لم يكن بائع لبن بل كان يعمل في إحدي المجلات,وتخيل نفسه طياراً في الحرب العالمية الثانية,حيث كان يلصق علي جانب طائرته وهو في الهواء علامة النازية ببلها بريقه كلما أسقط طائرة!
لكن المقارنة في غاية الذكاء...
كلنا والتر ميتي بدرجات مختلفة,أما السادات فقد غلب والتر ميتي,ميتي كان يكبت خيالاته وحين يعود منها متأثراً بها يصطدم بالواقع,يعود ميتي الساذج,السادات قام بالعكس كبت حقيقته في مقابل إعلان وجهه البطولي المضحك!
يذكر كامل نكتة في سياق تلك الفكرة متسائلاً إذا ما كان الشعب هو أيضاً شعر بأداء السادات التمثيلي المفتعل,تقول النكتة أنه في أثناء انتفاضة 77التي هرب منها السادات وكاد يقلع بطائرته لولا حظه السعيد الذي يدين له,حدث حريق كبير,وكان السادات يهوي ارتداء الملابس الرسمية,مرة كقائد للجيش ومرة للطيران ومرة للبحرية,فاستدعي السادات وزير الداخلية وسأله عن مكان الحريق,فقال له الوزير:اطمئن سيادتك يا ريس رجالنا اطفأوا الحريق,فصاح متحسراً السادات: يا خسارة!! كانت فرصة لأرتدي زي القائد العام لقوات المطافي!!
المحزن أن مقارنة داي كاي بالسادات فيه ظلم لكاي,كاي فنان أضحك الجمهور بموهبته,أما السادات أضحكهم بأداء overوfakeإلي أبعد الحدود,الفنان هو المحبوب دوماً,الخالد بفنه لا يمكن مقارنته بشخص عادي أو أقل من عادي,إلا علي سبيل التندر.كفي بكاي تفوقاً ظهوره مع الجميلة فيرجينيا مايو في نفس الفيلم-هل أنا وحدي من يظن أنها تشبه برلنتي عبد الحميد بصورة مدهشة؟ّ!-,مع من ظهر السادات,مع "صديقي بيجن".
عرض الفيلم عام 1947,حينها كان السادات في السجن متهماً في قضية مقتل أمين عثمان,عملية قام بها ونجحت عكس محاولته الفاشلة لقتل مصطفي النحاس!!"عجبت لك يا زمن" علي رأي محمد رضا,لنفس الأسباب التي اتخذها السادات مبرراً لسلوكياته العنيفة,كانت نفسها مبررات قاتليه لقتله.
نحن هنا أمام شخصين,البطل العاقل الذكي الوطني المصلح الفيلسوف المثقف الأمين الزاهد......كما أظهر نفسه في "البحث عن الذات" والهجوم علي عبد الناصر!والسادات الباهت المشكوك في أمره المهزوز كما تقول حقائق التاريخ.
ليلة مقتله كان يعرض فيلم "حكمت المحكمة" للمخرج أحمد يحيي وبطولة فريد شوقي ويسرا,وكأن السينما تخبره أن المحكمة التي صنع قضاتها بيديه وقواهم وساندهم حكمت بإعدامه رمياً بالرصاص وسط يوم يسميه البعض"انتصار".
السينما المصرية,مفتاح فهم التاريخ المصري المعاصر لو أردنا الخروج من كهف السلطة المظلم المحدود لبراح الخيال والإبداع,وللأسف كان عصر السادات قليل الخيال,ضنين بالإبداع,فظهرت أفلام لا تعرف لم صنعت,ولا ماذا تقول,وبالمصادفة كانت السبعينيات عصر الأفلام الإباحية الذهبي كما يصفها إخواننا المخضرمون في هذا المجال,وكما ظهرت في فيلم حكمت المحكمة لما طلب يوسف شعبان من ماجدة الخطيب التي تقوم بدور زوجته أن تطلب من أبيها جهاز فيديو,وفي مشهد لاحق نجده مستغرقاً في مشاهدة ما نستشف أنه فيلم إباحي وبجواره ماجدة متفاجئة بما تراه...مفاجأة سعيدة! فكانت أفلام السبعينيات في معظمها فاترينات لأجساد النساء الجميلات,كأن شعار السينمائيون:مادمت وقفتِ أمام الكاميرا فلابد أن تري الكامير ما تشتهيه من جسدك"ليس عندي كناقد أي معارضة لأي شئ مادام يخدم العمل الدرامي...أيها التعري لأجل التعري,كم ابتذلتك باسمك معاني النقد!
العارية هي البطلة,والبطل شخص عبيط لا يفعل شئ إلا ليضحك عليه الجمهور,لكن لا يهم فقد ضحك عليهم قبلاً وأخذ المال مقاولة عالساهل,ولا عزاء لمجد السينما القديم,وآلتها الجبارة في بلورة مفاهيم ونشر قيم,ومتعتها الفنية والفكرية التي يمتصها العاشقون لها الفاهمون لمعناها, مع ذلك نفتقد جميلات السبعينيات بملامحهن وأنوثتهن,ونفتقدهم أكثر كلما شاهدنا تلك الملامح السوقية والأجساد الضخمة المنفوخة تطل من الشاشة!
هناك استثناءات بالطبع...لكن كما قال الرجل المجهول المخطئ وتعمم خطأه حتي أصبح قاعدة أنا نفسي لم أنج منها هذه المرة:"السيئة تعم والحسنة تخص"
عام المنصة المشهود ظهر أول فيلم للمخرج محمد شبل الذي رحل مبكراً بعد عدة أفلام غرائبية,كان فيلمه الأول"أنياب"أفضلها بالنسبة لي,فشل الفيلم جماهيرياً في رأيي يعود أولاً إلي أن جمهور الانفتاح هؤلاء السادة "المنفتحين!!" لا يعرفون معني التجريب السينمائي,وقد أشار الفيلم لذلك في مشهد داركيولا وهو يهاجم أحد أفلام يوسف شاهين,وقام بدور دراكيولا نجم الانفتاح الأول"أحمد عدوية"!!
علي الحجار ومني جبر-لهما نفس الأسماء الأولي في الفيلم-خطيبان في طريقهما لحفلة عند أحد الأصدقاء بمناسبة رأس السنة,تتعطل بهما السيارة فيلجآن لبيت الكونت...الكونت دراكيولا!
الأداء غاية في السذاجة من الجميع ,فمني جبر مذيعة بالأساس والحجار مطرب وعدوية هو عدوية, وظهور حسن الأمام الباهت عدمه كان أفضل,تقريباً لم يكن هناك ممثلين بالمعني الطبيعي! لم يفلت من هذا الحكم سوي عهدي الصادق في دور الخادم الأحدب.
دراكيولا في كل نواحي الحياة الانفتاحية كما عبر عنها الفيلم,فهو السباك,المدرس,الميكانيكي,سائق التاكسي....,هو بحق"كله علي كله وأما تشوفه قوله هو فاكرنا إيه؟مش ماليين عينيه,هو!"الأهم أنه سيد القصر وحاكم البيت وفي النهاية بمعاونة الخادم ومني وعلي يحرقونه ويحرقون أتباعه ليبدآ من جديد.
كأن لا خلاص من الفساد ومصاصي الدماء إلا بالقتل...والقتل وحده,الدم كان علي لسان الجميع كمنظف وحيد لقذارات المدينة.
قبل فيلم أنياب بست سنوات,تظهر الفاتنة سعاد حسني التي تتقاسم لقب "الفاتنة"مع سلسلة طويلة من نجمات الزمن الماضي,ابتعدوا عن الشاشة فأظلمت,في فيلم من تأليف رأفت الميهي وكمال الشيخ"علي من نطلق الرصاص.."عنوان الفيلم في اللأفيش الرسمي متبوع بنقطتين,العنوان كأنه فكرة طرأت في ذهن شخص,ليس سؤالاً كما يبدو لأول وهلة,بل ترتيب لا ينقصه سوي الخطة النهائية,الفيلم أحد أفضل 100فيلم مصري,علي عكس أنياب,كل الممثلون ظهروا في أوج تألقهم وأروع أدائهم الفني,بدءً من سعاد حسني حتي علي الشريف الذي ظهر في مشاهد قليلة في آخر الفيلم وفردوس عبد الحميد التي تظهر لأول مرة علي الشاشة,السيناريو محبوك والحوار يشد الأعصاب,خاصة عندما يتحدث ياسين عن الأحوال العفنة المقرفة للبلد,لم يخفف من إيقاع الفيلم الحاد إلا صوت سعاد الهادئ كأنها تدرك أنها هي أنظف الشخصيات في فيلم تعري,لكن من نوع آخر,استربتيز سياسي,يخلع عند كل ذروة قطعة من كسوة السلطة الساداتية.
يقول الميهي علي لسان مجدي وهبة في دور سامي عبد الرؤوف,قبل أن يموت مسموماً علي أيدي الفاسدين حتي يغطوا علي عملية قذرة تسببت في وفاة الكثيرين:"واحد بس ينضرب بالرصاص والباقي كلهم هايبقوا كلاب".
يطرح نجيب محفوظ ذات الفكرة الهاجس عند الكل,تعبيراً عن الوعي العام في المرحلة الانفتاحية التي سحقت في طريقها كل قيمة ومعني وأسست لقيم المال والاستهلاك,في حوار قصير كاشف في رواية"يوم قتل الزعيم":
-فلنتسل بحصر أعدائنا
فدخلت اللعبة قائلة:
-غول الانفتاح واللصوص الأماثل....
-هل ينفعنا قتل مليون؟
فقالت ضاحكة:
-قد ينفعنا قتل واحد فقط"
في النهاية ويشهد الله علي ما في قلبي,إني رغم كل خلافي مع السادات وأمنيتي المستحيلة أن يعود الزمن للخلف فيرحمنا منه ومما صنعه في مصر والشخصية المصرية,وكل ما ورثناه من عصر هو الخطوة الأولي إلي مانحن ساقطين فيه اليوم,إلا أنني أتعاطف معه من كل قلبي,و لازلت حتي اليوم أشعر بمرارة ما حدث له وهو علي المنصة وسط جيش مكلف بحفظ أمن البلاد فما قدر علي حمايته شخصياً,خاصة مع ما يروي عن رفضه ارتداء الزي الواقي لشعوره بالأمان والعزوة وسط الجيش الذي ينتمي له,أو الغرور أعماه وصدق نفسه وذاته الكذابة,وزين له من حوله حسن عمله فماتت بداخله غريزة استشعار الخطر كرجل عسكري,
روح كل كائن حي في العالم غالية,ولما يحين أجل خروجها من جسده,لابد من اعتبارها لحظة مهيبة يسقط فيها كل شئ,ولا يبقي في قلوب من ظلوا أحياء إلا الشعور بجلال الموت...وجلال الحياة!

انتهي كلام الناقد المتخيل!
لا يوجد فيلم سينمائي واحد ارتقي لأهم لحظة في تاريخ مصر القرن العشرين...كل المحاولات الغير التجارية الغير عابثة بمعني لا يتكرر في حياة أي جيل مرتين,مشكورة,لكنها ليست كافية,فن أكتوبر العظيم لم يظهر إلي الآن,خنق السادات الثقافة والمثقفين ثم جاء مبارك بهرائه وقضاياه المزيفة فلم نجد من السبعينيات إلي اليوم وسط كل أفلام المقاولات والتعري المستفز فيلماً واحداً يحكي لمن لم يشهد الحرب ما فعله الأبطال في الحرب,نريد فيلماً يحكي عن الجندي الفلاح البسيط الذي استطاع تطوير الأسلحة وتفنن في استخدامها,نود فيلماً عن الرفاعي أمير الشهداء وفرقته39 المُسماة من قبل إسرائيل بفرقة"الأشباح"لعملياتهم المستحيلة خلف خطوط العدو.
الغناء قام بدوره علي أكمل وجه,حتي اليوم لما نود استدعاء روح أكتوبر لا نجد إلا الغناء الجميل الذي كسبناه من قلب الفعل الرهيب الحرب....كل أغنية تحتاج لمقال منفصل.
كان أكتوبر لحظة مجيدة في تاريخ مصر,وواجب,واجب,واجب علي الأدباء والسينمائيين والمطربين القادمين من ضمير مصر ومستقبلها,لا أقصد من علي الساحة الآن,فهؤلاء معظمهم بكل ما فعلوه في حق الثقافة المصرية-لو أكرمناهم وأسبغنا عليهم تلك الألقاب السامية أصلاً- من جرائم كذيل الكلب لن ينعدل ولو علقنا فيه قالب!!تدوينها أدباُ وسينما وغناءَ...لعلنا نعطي لمن ضحي ولم ينتظر مكافأة,من ترك أولاده  في اليتم وراح للموت بقدميه لنعيش نحن,من أصيب بالعجز لأجل أن نعيش نحن بلا أصابة حرب,شئ من حقه علينا.
ابتدأنا بعبد الرحيم ولننتهي به هو وعبد الحليم,يناجيان مصر في استجداء وعطف يليقان بأميرة جميلة من عاشق ولهان:
قومي اليكي السلام يا أرض اجدادي.."
عليكي منا السلام يا مصر يا بلادي.."