الاثنين، 22 فبراير 2021

البذور

 

البذور

تجمع ثلاثة رجال يحملون فئوساً حادة ووقفوا أسفل الشجرة ليقطعوها حتي تتمكن أسلاك الكهرباء من الاستقرار,فإذا نمت الشجرة انقطعت الأسلاك وانطفأت الأنوار,ستخفت أصوات التليفزيون ومراوح الكمبيوتر عالية الصوت والأهم من ذلك أن الإنترنت سينقطع,وجود الشجرة يهدد الكثير من الأشياء,رفع الرجل الواقف في المنتصف الفأس عالياً وهوي بقوة علي جذع الشجرة وهو يتألم من داخله,لأنها روح تئن بلا صوت وتستنزف بلا دماء,لكن أليست تلك سنة الحياة,فلو كان سداً لقتل الأرواح في الغابة كي يعيش,بل لاحاجة لأن يكون الإنسان أسداً فهو يأكل لحوم الحيوانات الأخري في أفخم المطاعم,ويشرب دماء إخوته البشر عن طريق الشيكات والفواتير والخصم من المرتب بلا داع,بل إنه يعرف بعض الرجال الذين لا يتورعون عن مص دماء أسرة كاملة لو كان يعني ذلك أموال زيادة في خزائنهم,تشجع الثاني وقبّل ثغر فأسه جذع الشجرة قبلة متشوقة تأوهت لها الشجرة في ألم,وكذلك فعل الثالث,أصبحت وجوههم مغبرة من العرق والتراب والشمس تتصاعد فوق رؤوسهم وهم منهمكين في تقطيع الشجرة.

علي الرصيف المقابل وقف طفل صغير يحمل حقيبة مدرسية ضخمة ينحني ظهره من وطأتها ومع ذلك عقله فارغ من أي معني حقيقي,يذهب إلي المدرسة ويرجع من المدرسة ولما يكبر سيذهب إلي الجامعة ويعود منها وسيتخرج مع آلاف أخري ممن يُلفظون في كل عام,وعقولهم ما زالت فارغة لكن مع الوقت يزيد انحناء ظهورهم وتنهك أرواحهم وتشيخ قبل بلوغ زهرة الشباب المزعومة من دوار الذهاب والمجئ الأبدي دون فائدة.

وقف الطفل يرقبهم شاعراً بالرهبة من المنظر,قلبه حزين علي الشجرة,الضربات تأتيها من كل اتجاه,رآها في الصباح شامخة تبدو أنها ستعمر إلي نهاية الكون,العصافير ترفرف فوق غصونها,تستقبل نهار جديد,وفكر في العصافير التي ستعود عند المغرب لتجد حياتها مدمرة وستضطر للبحث عن بيت جديد,هل صحيح أن العصافير تصير عمياء في الليل إذن ستضيع وتتخبط في الطرقات وربما سيجد جثة أحدهم مرمية فوق الأسفلت تدهسها السيارات المسرعة,ضربته الفكرة فقرر الانتظار,صحيح ستضربه أمه علي التأخير والقلق الذي سيسببه لها وقد صارت بعد الطلاق تثور لأتفه الأسباب,لكنه سيبقي مهما كان الثمن,وعلقة تفوت ولا حد يموت,أخرج ثمرة يوسفي انفعصت من اللعب بالحقيبة ع العيال,أكل فصاً فلم يستسغه في فمه,جلس في مكانه صامتاً,واستخرج كافة البذورة وجمعهم في قبضته الصغيرة,ولما لململ الرجال فئوسهم يتنازعهم الحزن علي الشجرة والراحة لضمان تدفق التيار الكهربائي,عبر الشارع جرياً وسط صراخ سائقي السيارات,ووقف قليلاً أمام الشجرة الذبيحة المتهاوية علي الأرض,ثم انحني علي الأرض وبسن القلم الجاف أخذ يوسع ثقوب التربة ودفن كل البذور حول الجذع القصير المقطوع,وفتح الزمزمية ليروي التربة...وفي كل يوم يمر عليها مترقباً ظهور أول نبتة وتعهد في سره أن يحمي زرعته من الفئوس مهما كان الثمن.