الجمعة، 30 سبتمبر 2022

أحلام النهار

 

أحلام النهار

مسرحية من فصل واحد

 

 

(منزل مملوكي,ينتمي للطبقة الوسطي علي اليمين أريكة خشبية مزخرفة بالأرابيسك,وعلي اليسار مقعدين,وفي الخلف مشربية يدخل منها الضوء بجوارها قلة ماء وعدة أكواب موضوعة علي صينية نحاسية,طرق علي الباب من الخارج,تدخل شمس النهار فتاة في بداية العشرينيات لتفتح,يظهر أبيها محجوب مضطرباً, وهوعجوز قارب الستين)

شمس النهار(مندهشة):أبتاه!لم يظهر الضحي بعد علي صفحة السماء,فما الذي جاء بك مبكراً من الدكان؟!

محجوب:لا شئ...أصابني ألم طارئء فجئت لأستريح.

شمس النهار(خائفة):ألم؟!أي ألم...أبي اكشف لي عما بك.

(محجوب يتهاوي علي الكرسي صامتاً)

شمس النهار:قد صدق حلمي...عندما اكتمل القمر في الشهر الماضي,كنت أري شرفات المنزل متهشمة علي الأرض,والبيت تتهدم أعمدته فوق رؤوسنا والصرخات والبكاء يصمان الأسماع,وبعدها جاء النبأ المخيف وتضعضعت أركان الحياة,هبط الطاعون كغضب من السماء ينصب فوق رؤوس العباد...والآن يا أبي...الآن يا حاج محجوب(تبكي)

محجوب:كل يوم يموت المئات,خلت الطرقات في مصروالشام ويقولون أن في البلاد البعيدة نفس الأمور,كم تصبح التعاسة متشابهة بين الناس لا فرق عربي أو أعجمي مسلم أو مسيحي أو يهودي أو ذاك الساكن في بلاد الأفيال,لا يوجد خشب للنعوش ولا قماش للأكفان من كثرة الاستهلاك ميت خلف الآخر بل عشرات خلف عشرات,ولو وجدوا فالأثمان خيالية من يستر الموتي من الأحياء؟!أصبح اللأب يدفن ولده وقد كان ينتظر أن يهيل ابنه عليه هو التراب...وهذا الصباح وأنا في الدكان رفعت يدي لأعلي ألتمس قارورة زيت فانكشف من الأكمام ذراعي(يكشف عن ذراعه فإذا به دمامل سوداء بشعة المنظر)ووجدت أني أصبت بعلامات الطاعون وليس علي سوي الانتظار(تقترب شمس النهار منه فيبعدها عنه بحركة من يديه,فتغطي وجهها بكفيها).

شمس النهار:آه يا أبي المسكين...ليتني كنت فداك.

محجوب:وقاك الله شر الطاعون والوباء يا ابنتي...والآن ارسلي في طلب خطيبك زياد لابد أنه في هذه الساعة ببيته في الجوار.

(تخرج شمس النهار)

محجوب(وحيداً)أي كابوس هذا؟! يظل الإنسان ساخطاً علي حياته شاكياً من الظروف والأيام,حتي يلم به أول داء,فيطلب من الله العودة إلي سابق عهده فإذا عاد يصير أسعد السعداء!ماذا يكون الإنسان ذلك الجبار الذي شاد الأهرامات وسور الصين العظيم وقصور روما واليونان,يغزو بالسيف ويحكم بالجبروت وبعزيمته خضعت الأمواج والجبال,ومع ذلك يذله الموت والأمراض,أيمكن أن يكون حقاً أعظك الكائنات علي وجه البسيطة فما باله يضطرب ويتقوض بنيانه(يكشف عن ذراعه)بعدة دمامل سوداء تنبثق من طين جسده...المال,الأهل,الولد,الحياة...ليس كل ذلك سوي قبض ريح وهباء,حيت تنحل القبضة المشبثة بالدنيا وقد فارقت الأنفاس الصدر لا يري في يديه وعينيه سوي التراب,نفس تراب أجداده القدماء الذي داس عليه بالأمس,وغداً يدوس بنوه علي ترابه وينفضونه بازدراء إذا علق علي الحذاء(يبتسم بمرارة)ربي ما حمتك في خل الحياة.

(يدخل زياد غير مدرك للكارثة)

زياد:السلام عليك يا عماه.

محجوب:وعليك السلام.

زياد:لماذا طلبتني في هذه الساعة؟

محجوب:اجلس أولاً(يجلس زياد)أين وصلت في دفترك عن حوادث الأيام؟

زياد:منذ بداية ذلك الطاعون الفتاك,وأنا لا أستطيع كتابة حرف واحد,كيف أصف الدمع الجامد في العيون والآماق؟وشحوب اليتامي وارتجاف الأرامل وبكاء الشيوخ؟ماذا أقول عن الموت الأسود وهو يفترس الأجساد ويطفئ الحياة المتألقة في الأحداق؟ودوماً تتتبع المجاعة الوباء لا جدال,ذلك قانون التاريخ الوباء ثم المجاعة,إن منظر الجثث في الشوارع والمقابر الجماعية ينادي باقتراب يوم الحساب...لقد سخر مني أصحابي يوم أخبرتهم بعزمي العكوف علي الكتابة والتدوين,وقللوا من شأني وأهانوني لتركي التجارة والمال,والانغماس في الحبر ومصاحبة الدفاتر والأوراق,لو يدركون ما يلاقيه الكاتب من آلام,ليصور ما في ذهنه ويقرب المسافة بين المعني والكلمات,ويحفر تمثالاً من السطور تجسد الرؤي والمعاني التي تمور في عقله المتعب المنهوك من كثرة التجوال بين الأفكار(ينتبه لشرود محجوب عنه)عماه(لا يرد محجوب فيناديه بصوت أعلي)عماه!

محجوب(ينتبه):أجل يا بني ماذا كنت تقول...ما بال الطاعون الفتاك؟

زياد:إنك شارد البال اليوم مضطرب الوجدان,ماذا جري؟

(يكشف محجوب عن ذراعه,يرتعد زياد)

زياد:ويلي!

محجوب:أوصيك بشمس النهار.

زياد:شمس النهار في قلبي ووجداني لا أحتاج إلي وصايا,ولكن أنت تحتاج للعلاج.

محجوب:علاج؟!

زياد:لي صديق يعمل علي ترياق يقول أنه يفيد لو لم تنتشر تلك الدمامل في أنحاء الجسد,يمكنها محاصرة المرض في مرحلة مبكرة,هل توجد في مكان آخر غير ذراعك؟

محجوب:كلا

زياد:إذن,فلأسرع كي أحضر لك الدواء.

(يندفع زياد للخارج مسرعاً يحاول محجوب الكلام فلا يلحق سرعة زياد,تدخل شمس النهار من نفس الاتجاه حزينة تلتفت خلفها)

شمس النهار:لماذا يندفع زياد للخارج كالسهم المصوب بيد رام ماهر؟

محجوب(بلا مبالاة):يقول أنه سيجلب لي ترياقاً يعالج الطاعون.

شمس النهار(يتلاشي حزنها):ترياق؟!أيوجد حقاً ترياق؟!

محجوب:علمي علمك,خطيبك هو من يقول.

شمس النهار:ويكون فيه العلاج وتشفي يا أبي؟!

محجوب:لا تعلقي آمالك علي خيوط العنكبوت يا شمس النهار,ولا تنتظر من زبد البحر أن ينبت منه التفاح.

شمس النهار(كأنها لا تسمع وقد غرقت في الأحلام):ومن يدري قد يظهر يوماً ترياق,يقتل كل الطواعين,ولا يُرمي لحم الإنسان كالجيفة في الطرقات,ولا يتاجر الجشعون وقت الوباء بالغلال والقمح وبالتوابيت واللأكفان,ربما يحل يوم عما قريب ينسي فيه الإنسان الآلام وتتطهر فيه الأرض من الأدران والأحقاد,فالحقد أيضاً وباء,وضحاياه يفوقون الحصر منذ بدء الزمان(تفتح ذراعيها)ويبزغ فجر الشفاء,شفاء الروح والجسد وتفني في القلوب الأحزان...أبي عليك أن تقاوم فالأمل موجود معنا وباق.

محجوب:أمل واه يا ابنتي وقد علمتني الحياة أن الخيبة منبعها السقوط من ذري الآمال,لتتحول إلي آلام تمزق النفس لأشلاء.

شمس النهار:أبتي إن العالق في الظلام يأتنس بخيط من نور الشمس يتهادي وسط قتامة الأيام.

محجوب:أتريدين حقاً أن أجرب الترياق.

شمس النهار:بالتأكيد ماذا سنخسر علي أي الأحوال؟

محجوب:أجل لن نخسر شيئاً,لكن ماذا لو عجل بنهايتي.

شمس النهار:لا تخش شيئاً,إن قلبي مطمئن لذلك الترياق.

(يهرول زياد وفي يده الترياق)

محجوب:كم دفعت ثمناً له؟

زياد:ذلك الصديق لا يبيع الدواء بل يمنحه,لا يتاجر في آلام الناس.

شمس النهار(تهرع وتقبض علي قارورة الترياق):الناس صنفان صنف يبيع الكفن للأموات وصنف يهب الحياة دون انتظار للمكافأة... هيا أبي اشرب.

(يتناول منها القارورة ويشرب)

زياد:والآن يا عماه ادخل كي تستريح كي يتفاعل الدواء.

(يخرج محجوب)

شمس النهار:كم أحبك يا زياد,يا جالب الترياق.

زياد:لو كانت روحي تكفي لإسعادك ما بخلت بها,كي ترتسم علي شفتيك ابتسامة لوكان ترياق أبيك دمي,ما ترددت.

شمس النهار:ومن يكون صديقك هذا؟

زياد:شاب اسمه عماد,يعمل بالكيمياء والأعشاب,لكنه عبقري موهوب,نابغة في مجاله درس علوم اليونان والعرب والسريان,,وهو الوحيد بين أصدقائي الذي لم يسخرني حين قررت التفرغ للكتابة والتدوين.

شمس النهار:لو يشفي أبي سأذهب إليه وأقبل يديه.

زياد:إنه كالراهب لا يفتح بابه لأي أحد,سوي بضعة أشخاص,حين يشفي أبيك سأشكره نيابة عنك,والآن سأذهب للتدوين,حتي يستيقظ أباكي,إني لأشعر بالأمل يحدوني,لن أكتب عن الموت والخراب,بل سأصور حلماً للحب والحياة,لن يعرقلنا الوباء والموت عن مسيرتنا مادمنا نمتلك موهبة العقل والإبداع...وداعاً وسأعود بعد ساعة.

(زيا د يخرج وتتمدد شمس النهار علي الأريكة,تغمض عينيها ويظهر علي المسرح حلمها)

(يدخل الموت مرتدياً عباءة سوداء مقبضة,يقترب من صبي صغير أقصي يسار المسرح,يتسلل نحوه ويحاول الانقضاض عليه,لكن أمه تظهر في نفس اللحظة فتحمله وتأخذه في حضنها وتخرج...يقترب الموت من فتاة ويركض نحوه لكن حبيبها يجذبها نحوه...يذهب الموت نحو زهرة ويمد يده ليقطفها لكن سرعان ما تسقيها يد ممدودة فيبتعد عنها...يقترب من عازف للناي وحين يبدأ في العزف يصم الموت أذنه ويبتعد عنه,يدور الموت في رقصة جنونية حول جميع الشخصيات في الحلم ويسقط أرضاً...ينتهي الحلم وتنسحب الشخصيات تباعاً وآخرهم الموت المهزوم).

(يظهر محجوب سعيداً ويوقظ شمس النهار)

محجوب:شمس النهار,لقد محيت الدمامل.

شمس النهار(تعانقه)حدثني قلبي أنك ستنجو.

(يدخل زياد فيري ذراع محجوب الصافي)

زياد(لا يجد الكلمات):عماه...إني...

محجوب(يعانقه):إنك رسول الحياة,لولاك ماعرفنا الترياق ولا الدواء...أملي الآن أن تصير الفرحة فرحتان,غداً ستتزوجان.

شمس النهار(خجلة):لكن يا أبي...

محجوب:لا أعذار...وسط أكوام الجثث والموت والدماء ستولد الحياة من جديد,لن ننهزم أمام جيش الدمامل السوداء,ستعود الحياة يوماً صافية ويجب أن نستعد لذلك(للجمهور)وطبعاً كلكم مدعوون

ستار

 

 

 

 

 

فريدة

 

فريدة

عند اقتراب مغيب الشمس كانت الشوارع شبه خاوية,المحال مغلقة والمقاهي مهجورة وصوت الرياح يدوي في الأذان ويجاوبه حفيف أوراق الأشجار المهتزة,البرد القارس جعل الناس تلزم منازلها,لم يمر شتاء بتلك القسوة من قبل,وكان يسرع الخطي في الميدان الخالي حالماً بدفء البيت ولذة المشروب الساخن والفراغ,لما وصل لباب عمارته استغرب من الماء النساب نحو الشارع,دخل في حذر كي لا يبتل,ورآها لأول مرة بعد عشر سنوات,وهتف بدهشة:

-فريدة!

استدارت لتواجهه مبتسمة,وقد شمرت طرف جلبابها المبتل عن ساقيها:

-كيف حالك يا أستاذ أحمد,عاش من شافك,لقد كبرت كثيراً وأصبحت ماشاء الله شاباً,لم تعد ذلك المراهق الشقي.

-كلنا كبرنا,ماذا تفعلين هنا؟

أدرك بلاهة سؤاله فاستدرك:

-أعني ألم تتزوجي وتركتي مسح السلالم منذ زمن؟

بدا في عينيها شهوة للحكي,كأنها كانت تنتظر أن يسألها أحدهم لتتخفف من الهم الساكن في صدرها وتزيحه بلسانها,فأسندت المساحة علي الجدار ومسحت عرق جبينها المتصبب وقالت:

-لقد أردت الهرب من شقاء العمل في البيوت,ومهانة التعرض لمضايقات أصحابها وأغراضهم الدنيئة,وسئمت من مكوثي في بيت أبي لأنه كلما رآني اعتبرني هماً,أنثي تحيا في بيئة شعبية,ألف عين عليها ومثلها من الألسنة فأذاقني من القسوة والعنف ما حطمني,يريد أن يسترني في ظل أحد الرجال كي يستريح مني,فوافقت علي أول عريس ولم أكن أعرف وقتها أني ألقي بنفسي في طريق مهلك...كان رجلاً كالملايين من حولنا,نفس الازدراء للنساء ومعاملتهن كأنهن لسن سوي قطعة لحم يستمتع به,وفم مفتوح ليطعمه,بل ظل يعايرني بما آكله ويحسبه علي,صمدت سنوات طويلة رغبة مني في عدم تمزيق أطفالي وتربيتهم تحت سقف أبيهم,لكن الكيل فاض,أصبح يطالبني بإنجاب الولد بعد ثلاثة بنات...ومن أين سآتي بالولد خبرني وهل لي في ذلك حيلة؟!و في النهاية تزوج سراً بأخري رغبة ولد يحمل اسمه كما يقول كأن بناتي لا يقدرن علي ذلك!لم أحتمل تلك الحياة وطلبت الطلاق,فحرمني من كل حقوقي,ومازلت في انتظار قرارات المحكمة...حاولت البحث عن عمل آخر أقل إرهاقاً فلم أعد تلك الشابة القوية بعدما أنهكتني السنون,حتي أتمكن من إطعام ثلاث ملائكة لا ذنب لهن,فوجدت كل الأبواب مسدودة,لا أحد يريد توظيف مطلقة لسبب ما يخشون منها ويحيدون عن التعامل معها,ومن أجد لديه قبولاً,أشعر بالأطماع الخبيثة تدور في صدره وتفضحها عينيه,لذلك عدت إلي عملي القديم.

ثم ابتسمت بمرارة ساخرة لسعت قلبه:

-علي الأقل مضايقاته ليست جديدة عليّ.

لم تكن تشعر بالبرد بل وخيل إليه أنها لا تشعر بشئ علي الإطلاق,ولما تخففت بالتنفيس عن صدرها قبضت علي المساحة من جديد,وعادت للعمل بجد وتصميم,كمن تقود قارباً متهالكاً وسط عاصفة عاتية تهب من كل اتجاه وتضربها الأمواج من كل جانب,لكنها عازمة علي الوصول بالسفينة وركابها لبر الأمان.

وقف ينتظر انتهائها من العمل وقد اقتبس من جلدها قوة وصبراً,غير عابئ بشدة البرد أو قرب حلول الظلام,باحثاً في جيبه عما يمنحه لتلك القبطانة الحديدية,ورغم كثرة العملات وجد ألا شئ يفيها حقها ,فأخذهم كلهم ووضعهم في كفيها فارتاعت:

-كلا يا أستاذ أحمد ذلك كثير جداً,لا يمكنني قبوله بدون وجه حق,إنني لست متسولة ولن أكون يوماً.

شعرت بحرجه فأخرجته منه بصنعة لطافة,بأخذ عشرين جنيهاً:

-سآخذ هذه لأشتري بها حلوي للبنات,وأخبرهم أنها من عمهم أحمد,كي يشعروا للحظة أن الدنيا ماتزال بخير.

امتلأت عينيه بالدموع وهو يراقبها ترتدي حذائها وتحمل كيس ممتلئ بأشعات وتحاليل للأمراض التي تحاصرها:

-عن إذنك مازالت لدي عمارتين تنتظران المسح وأريد العودة للمنزل قبل تأخر الوقت.

ولوحت له علي عتبة الباب:

-أراك علي خير.

تمتم بكلمات غير مفهومة,وتابعها بعينيه وهي تتقافز بين برك المياه الموحلة بهمة حتي ابتلعها الظلام,وقال لنفسه:

-أنثي تتصف برجولة لا يعرفها الكثير من الذكور

شعر لحظتها بالخجل من نفسه,فأغلق الباب وصعد السلالم نحو شقته.

 

 

رؤية

 

                         رؤية

Logline:يلتقي الزوجان السابقان حسام ورحمة, لأول مرة عقب الطلاق,أثناء اليوم الأول المحدد لرؤية الصغير,فهل ستنجح الطفلة أمل في لم شمل الأسرة من جديد؟

 

 

 

 

 

 

 

 

م/1          منزل رحمة(حجرة النوم)          ن/د

 

-الحجرة خافتة الإضاءة,رحمة(30عاماً) مستلقية بجوار ابنتها أمل ذات العشر سنوات,لقد استيقظت منذ فنرة لكنها لم تقم من السرير بعد,تتأمل وجه أمل في حسرة.

-تدخل أم رحمة إلي الحجرة,فتغلق رحمة عينيها متصنعة النوم,تنظر في رثاء لابنتها وحفيدتها النائمتين,تفتح باب الشرفة فيدخل الضوء وصوت أحد الابتهالات تنبعث من أحد الأماكن القريبة...إنه يوم الجمعة بخصوصيته.

الأم:رحمة...اصحي يلا عشان تلبسي البنت.

تفتح رحمة عينيهافيؤلمها الضوء,تلكز أمل برفق

رحمة:اصحي يا أمل

-الطفلة تتململ تريد النوم

رحمة:اصحي...انتي مش كنتي عايزة تشوفي بابا؟!

-بمجرد أن تسمع أمل كلمة(بابا)تستيقظ بسرعة متلهفة.

أمل(باشتياق وسعادة):بابا.

-تتأثر الأم ورحمة برد فعل الطفلة.

الأم:يا عيني عليكي يابنتي...صغيرة علي الهم ده كله,منهم لله...عشان أمه وأخته ينبسطوا!1

رحمة(بألم):خلاص ياماماأبوس إيدك...أنا تعبت من الكلام ده.

-تخرج من الحجرة محبطة,أمل تنظر في توجس

الأم(لأمل):يلا انتي كمان يا أختي خشي الحمام وتعالي عشان أسرحلك شعرك.

قطع

 

 

 

 

 

 

م/2           أحد المساجد(خطبة الجمعة)          ن/د

-حسام يجلس وسط المصلين مستنداً علي أحد الأعمدة.

الخطيب:أسر تفككت وبيوت خُربت بسبب داء ينهش هذا المجتمع وظاهرة ارتبطت بهذا العصر اسمها الطلاق,لقد أصبح أبغض الحلال عند الله هو الأقرب للساننا والطاغي علي واقعنا,الكثير من البيوت مسها هذا الجرح,فتمتلئ المحاكم بالمتخاصمين,من كانوا بالأمس السند لبعضهم والأمان لبعضهم...ويضيع الأبناء بسقوط أهم مؤسسة مجتمعية ألا وهي الأسرة وبسقوطها يتزعزع أركان المجتمع,وتبدأ الكوارث في الظهور...فاتقوا الله في بيوتكم واتقوا الله في فلذات أكبادكم,فإن لم يكن العيش مستحيلاً مع زوجتك,وأصررت علي الطلاق فستسأل عن نعمة كانت بين يديك وأمانة تعلقت في عنقك...ووقانا الله شر خيانة الأمانة وجحود النعمة.

-يطرق حسام إلي الأرض مفكراً مهموماً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/3          منزل حسام(الصالون)          ن/د

-حسام يستعد للخروج,يرتدي حذاؤه,أمه واقفة خلفه الانطباع الأول عنها أنها متسلطة ومسيطرة علي ابنها.

الأم:لما تشوفها ولا تعبرها...تاخد بنتك ومالكش دعوة بيها.خلي بنت مديحة تعرف إنها ولا حاجة.

حسام(غاضباً):كلمة كمان وهاتنازل عن الرؤية كلها عشان ترتاحي.

-يفتح الباب وينزل علي السلم وسط دهشة الأم.

الأم(تضرب علي صدرها):داهية لتكون البت عملت له عمل وقلبته علياَ!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/4          بوابة النادي          ن/خ

-تدخل رحمة في صحبة ابنتها.

حارس الأمن:الكارنيه يا أفندم؟

رحمة:رؤية.

-يشير لها الحارس بالدخول.

رحمة:أمضي فين؟

حارس الأمن:شايفه حضرتك السور ده(يشير بيده)المكتب آخره عاليمين.

-تومئ له رحمة,تتقدم وهي تنظر حولها,إنها أول مرة تدخل فيها ذلك النادي,أمل سعيدة بالفسحة ورؤية والدها.

أمل:هو احنا هانيجي هنا كل يوم؟

رحمة:لأ يوم الجمعة بس عشان تشوفي بابا زي مافهمتك.

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/5          المكتب              ن/خ

-المكتب أمام حجرة مغلقة,نري عليه عدة دفاتر خلفه اثنان من الموظفين وفرد أمن,الزحام شديد,نماذج متعددة من حالات الطلاق,رحمة تقف وسط الزحام وتشاهد:

-طفل قعيد شديد الضعف يرتدي نظارة طبية,يجلس علي كرسي متحرك خلف أمه,الشمس مسلطة عليه يرفع يده بضعف ليتقيها.

-صبي في الخامسة عشر يرفض الذهاب لوالده.

الأب:ياابني ده أنا أبوك مش عدوك!!

-شاب وقح يندس في الزحام,ينظر إلي رحمة باشتهاء.

الشاب(لرحمة بصفاقة ولزاجة):ده مين المغفل اللي يطلق العسل ده...ده انتي لو قاتلة لي قتيل عمري ما أسيبك يا عمري!

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/6               داخل سيارة جورج        ن/د

-حسام جالس في سيارة جورج يوجد صليب معلق علي المرآة,يقتربان من النادي.

جورج:يا حسام راجعوا نفسكم ياابني البيوت بيحصل فيها ياما,واللي اتكسر يتصلح ده أبوك اللي يرحمه كان علي طول يقول"مفيش خيانة مفيش طلاق",وعايز أقولك حاجة بقي وأعلي علي أبوك حتي لو كان فيه خيانة فوجود أطفال يخلي الواحد يفكر مليون مرة.

حسام:الكلام حلو يا جورج بس الفعل حاجة تانية.

-ينظر له جورج بيأس.

جورج:لو هاتطلع مني تقيلة فأنا زي أخوك...سيبك من أمك اللي مسخناك,بنتك هي مستقبلك وحياتك...وانت حر يا ابني.

-حسام ساهماً,السيارة تركن بجوار سور النادي.

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/7          بوابة النادي          ن/خ

-يدخل حسام حاملاً علبة هدايا,يستوقفه حارس الأمن.

حارس الأمن:الكارنيه ياباشا.

حسام:رؤية.

-يشير له حارس الأمن بالدخول.

حسام:أمضي فين؟

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/8            كشك حارس الأمن         ن/د

يدخل حارس الأمن علي زميله.

حارس الأمن:لما كل دول متطلقين أومال مين اللي متجوز في البلد؟

زميله:ربنا يسترها,ده الراجل لو يعرف الكلمة دي بتوصل لإيه عمره ما كان نطقها,ده الطلاق ده بداية المشاكل مش نهايتها

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/9          المكتب          ن/خ

-الزحام مايزال شديداً وإن تغير الواقفون.

-رجل يتعارك مع شقيق طليقته,الرجل ينزف من أنفه وولد وبنت توأم يبكيان بين أبيهما وخالهما,الواقفون وفرد الأمن يحولان بينهما.

الرجل:عيلة قذرة!أنا هاوديك في داهية.

الشقيق:قذرة عشان ادت بنتها لواحد زيك!

-يشتبكان من جديد,يحاول الناس التخليص بينهما.

-رجل أمام حسام في الطابور يستدير له.

الرجل:فين اللي هايموتوا عالجواز ييجوا يشوفوا المستقبل.

حسام:نصيب...كله نصيب.

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/10           التراس          ن/خ

-حسام يبحث بعينيه عن أمل-وربما عن رحمة!-يراهما جالستان,يقترب منهما,تراه أمل فتجري اتجاهه.

أمل(علي لحن الأغنية):بابا يابابا يابابا!

-يضحك حسام ويحتضنها بشدة.

-تراقب رحمة الموقف خفية,وعندما تتلاقي عينها بعين حسام تشيح بوجهها في تأثر.

-حسام يفتح علبة الهدية ويخرج منها فانوس رمضان.

حسام(يقبل أمل):كل سنة وانتي طيبة؟

أمل:هو رمضان جه؟

حسام:زمانه جاي...رمضان بعد أسبوع

-تجري أمل لأمها بالفانوس وحسام مايزال واقفاً مكانه.

أمل:بابا جاب لي فانوس.

رحمة:الله جميل...خليه هنا بقي أحسن ينكسر.

-تسرح رحمة.

فلاش باك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/11           شقة حسام(الشرفة)        ل/خ

-حسام واقف علي أحد الكراسي,يعلق فانوس رمضان المذهب ذو الزجاج الملون البراق وتسنده رحمة وأمل تنظر في فرح,البهجة تشع من الأسرة.

رحمة:حاسب توقع الفانوس

حسام(مداعباً):شايفة يا أمل أمك خايفة عالفانوس ومش خايفة علي أبوكي.

أمل:أصلك بقالك ساعة مش عارف تعلق الفانوس.

-ينفجر الثلاثة في الضحك

عودة إلي النادي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/12         النادي(مكان الألعاب)          ن/خ

فوتومونتاج:أمل في غاية السعادة تركب العديد من الألعاب المختلفة مع والدها,ويلتقط لها صوراً بمفردها ويلتقط معها صور السيلفي,تنظر أمل إلي أكثر من فتاة في صحبة والديها فتشعر بالحزن والحرمان.

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م/13             التراس           ن/خ

-الوقت عصراً ميعاد الانصراف,حسام وأمل يقفان علي مبعدة من رحمة التي مازالت سارحة في ذكرياتها وتعلو وجهها شبح ابتسامة مقتولة,تترك أمل يد والدها وتعود إلي أمها تجر ساقيها,فتتنبه الأم

-يستدير حسام ليرحل,الثلاثة في ألم بالغ.

-تجذب أمل يد أمها فتنحني عليها,تهمس لها بكلمات لا تسمعها,تعلو قسمات رحمة الإشفاق,تفكر للحظة ثم تومئ بالموافقة.

رحمة:بس لحد البوابة

أمل(تنادي بصوت عال):بابا.

-يلتفت لها حسام تركض نحوه.

أمل:بابا عايزاك تمشي معايا أنا وماما وأنا بينكم زي زمان,لحد البوابة.

-ينظر حسام إلي رحمة بنظرة متسائلة,تتقدم رحمة وتمسك يد أمل وتقف منتظرة دون كلمة,يمسك حسام باليد الأخري ويمشي الثلاثة وأمل علي وجهها ابتسامة.

قطع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

م14          بوابة النادي         ن/خ

-يقترب الثلاثة من البوابة,فتتلاشي الابتسامة مع وجه أمل,إنها علامة الفراق,يقف حسام ورحمة جامدين علي وجوههم حيرة وتساؤل وارتباك,وسطهما أمل ممدودة الذراعين كالمصلوبة أول الممزقة,تواجه الكاميرا بوجهه الحائر المحبط,وعينيها الحزينتين الخائفتين.

النهاية

شاشة سوداء يكتب عليها:تحدث في مصر حالة طلاق واحدة كل دقيقتين وعشرين ثانية,27حالة في الساعة,651حالة في اليوم,7000حالة في الشهر...في الفترة التي يستغرقها ذلك الفيلم تكون عدة أسر انهارت فعلياً...الطلاق مشكلة خطيرة ناتجة عن مشاكل متعددة نعاني منها...إننا في حاجة لكافة عقلاء وحكماء هذا البلد كي يعالجوا تلك الأزمة الخطيرة...كي ننقد أمل وآلاف الأطفال مثلها...فهل من مجيب؟!