الاثنين، 18 ديسمبر 2017

لو نموت معا!


أقابل يومياً الكثير من الموتي؛لأني واحداً منهم!هكذا حدثت نفسي بعد انتهائي من قصة "شرق النخيل"لبهاء طاهر,البطل مات يوم ضاعت أرضه وأحلامه ومات عمه وابن عمه,انعدم وعيه وغاب في دنيا الكحوليات,حيث لا تشعر بأحد ولا تتمني شيئاً,وفي بلادنا التعيسة كلنا موتي,منذ زمن طويل...أجل أعرف موتي كُثر وهم يعرفونني جيداً.
جلجلة وصخب أحداث يناير تنبعث من صفحات هذه القصة التي كُتبت في الثمانينيات عن مظاهرات الطلبة عقب هزيمة يونيو المرة-كم هزيمة مرة أصابتنا-وهو ما أصابني بالوجل والحيرة,كأنه عود أبدي نيتشوي,ندور في حلقة مفرغة الحاضر يكرر الماضي,ذات الأخطاء وذات الغباء,كأنه داء لا يريد مفارقتنا,داء الانهزام والاستسلام,والعذر بيّن ظروف عامة جعلت من ظروفنا الخاصة وأشيائنا الصغيرة لأدوات تعذيب,لا أريد الانجراف لحديث السياسة فقد كرهته منذ زمن بعد أن أصبح الوضع مقززاً,وسقطت كل الخطط الحالمة التي وعدنا أنفسنا بها,كما وعد البطل نفسه أن يستر أرض جده وفشل فضاع وشاب شبابه حتي أضحت السنون تأكله وهو في مكانه,فكيف يتقدم من لا يملك أرضاً يقف عليها,من لا يملك فكرة,من لا يملك إرداة من لا يملك حلماً,هنا يبدأ الواقع البديل المرتبط بالخمر والسكر,حيث الجنان مفتوحة وكل ما يشتهي المرء يجده في خياله.
هذه القصة كعادت قصص بهاء طاهر تصيبني بحالة شجن تلازمني لأيام طوال,هذا الأديب ذو النظرة الوديعة يحمل بين طيات أعماله مشارط جراحية قاسية جداً,يعيد التشكيل والتركيب كجدلية لا تنتهي,ففي أجواء قاتمة تدور قصته,بما فيها من وصف صادق لحالة طلبة الستينيات وتأججهم بحماس تغذيه ثقافة كانت متألقة أيامها,ويشعله حالة هزيمة كاملة حولت مصر لمندبة كبري,هذا الصدق انعكس في الوقت الحاضر,حيث وجدت فيها نفس ما عاصرناه تقريباً,صورة تكاملية في صفحات معدودة مكثفة للحالة المصرية العامة في فترة من الفترات,بحس إنساني مرتبط بنبض الحياة البسيطة,منطلقاً نحو قضايا كبري,كالقضية الفلسطينية وسطوة مراكز القوي والعمل السياسي والاعتصامات.
كان العنوان الجانبي"لو نموت معاً"كأنه يستهل مرثية طويلة لحياة تعسة,وحيدة,مؤلمة,رغبتها الوحيدة هي الموت مع شئ ما...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق