الجمعة، 8 فبراير 2019

الفابريكة...أحلام جنونية لواقع أكثر جنوناً!


من الصفحات الأولي في رواية"الفابريكة"لأحمد الملواني الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية",نستعيد عظمة روح الأدب الحقيقي الكامنة في بساطته التي نالها من تهويمات الساردون تحت أقنعة مختلفة,ضربات عنيفة في بذريعة التجريب, أو أياً كانت المصطلحات التي يبررون بها نشر أعمالهم,فانحرفوا عما يحتاجه القلب البشري من قص يثير فيه روح التساؤل والتأمل, ولا يدفعه نحو الملل والإسراع في الانتهاء من القراءة كأنها واجب ثقيل يود الخلاص منه.
عبر حوالي400صفحة يجذبنا الملواني بأسلوبه السلس المشوق نحو عالم قرية مصرية,هلك سكانها الأوائل وجاء بعثها الجديد علي يد الخواجة رينار,العالم بالحضارة المصرية القديمة,هو ليس عالماً أثرياً يؤرخ ويلضم فجوات الزمن برؤاه التاريخية,بل عالم من النوع الذي يخلق من الماضي مستقبلاً مشرق بالمعجزات السحرية,يحمله هوسه بعلوم الفراعنة إلي أرض مصر مع الحملة الفرنسية,يرحل نابليون وجيشه بما له أوعليه,ويبقي رينار ليعيد بعث القرية التي أفناها الباشا خوفاً من عبور وباء قاتل عبر جسر الفلاحين نحو قصره الفخم!عن طريق دفتر مدون فيه أعاجيب الأجداد العظام بحوزة الخواجة,يتمكن من صناعة آلة تعمل بالبرق علي طريقة العالم الفذ نيكولا تسلا,وبهدف فاق تصورات تسلا نفسه....آلة تحول البهائم لبشر!...وللأسف مر الملواني علي تلك المحطة السردية الحاشدة بتفاصيل مدهشة بإشارات عابرة,ثم نقفز بالزمن -أو الزمن يقفز بنا-للحاضر بعودة الحفيد منصور رينار.
يحكي الملواني حكايته عن قرية تحكمها الحكايات والأساطير,لن أبالغ إن اعتبرت تلك القرية رمزاً لعالم البشر الذي يقتات رؤيته ويفسر سلوكه ,عن طريق طائفة من التقاليد والمفاهيم صيغت في أزمنة ماضوية,لكنها تحكمهم حتي اليوم بل حتي الأبد,ولهذه الحكايات قائمين عليها كالعمدة الذي يستوهب مكانته من نسيج حكايات تحرم وتحلل دون إعمال للمنطق البتة,ويلبسها قدسية وتصير صولجانه الخفي لتحريك نسل البهائم.
وسط الفابريكة,والأولاد المقدسون,والعمدة وقصر الباشا,والفلاحين والخفراءوالأعيان,ينبثق صوت الراوي العليم منساباً متحدثاً عن قريته وناسه,سارداً هذا الصراع بين السلطة والعلم, بحكاية غرائبية عن الواقع المصري,تخفي في طياتها تلميحات كثيرة جداً عن ماهيتنا وماهية الغرب ,وكيف يتم توجيه الناس بكلمات وأساطير سحرية نحو أهداف غائبة عنهم,باستخدام الدين وسطوته علي الشرقيين عموماً والبسطاء منهم بالتحديد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق