الاثنين، 17 يناير 2022

مشكلة اسمها"الضوء"

 

مشكلة اسمها"الضوء"

1905من الأعوام البارزة في علم الفيزياء المدهش والنضالي خلال القرن العشرين,لم نعرف لها شبيه سوي ما حدث في 1666وكان بطل العام إسحق نيوتن,وقد أمضاه في بيت أمه بقرية وولستروب بعدما أغلقت كامبريدج جامعتها عقب انتشار الطاعون الدبلي,وأثناء ذلك أسس للفهم العلمي لحركة الكون من حولنا,بوضع قانون الجاذبية الذي ينص علي أنه"توجد قوة تجاذب بين أي جسمين في الكون,تتناسب مادياً مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بين مركزيهما"وابتكر حساب التفاضل والتكامل الذي يعرف بأنه دراسة رياضية للتغير المستمر,وقام بالتحليل الطيفي للضوء,مشككاً في المفهوم السائد حينئذ القائل بأن الضوء الأبيض متجانساً,ومن خلال تجربة المنشور الزجاجي الشهيرة,لاحظ أن شعاع الشمس حين يخترق المنشور يتفكك إلي مجموعة ألوان مختلف تسمي الطيف,تعتمد هذه الخاصية بشكل أساسي علي الأطوال الموجية للألوان المختلفة,حيث تسبب المنشور في انحراف كل لون بزاوية معينة طبقاً لطوله الموجي,هذه الإسهامات جعلت منه الاسم الأشهر في دنيا الفيزياء,وينسب له الفضل في دفع التقدم العلمي منذ القرن السابع عشر حتي وضع الإنسان قدمه علي القمر بفضل قوانينه العلمية,وأصبح العالم مستقراً في عين معظم العلماء وشبه مفهوم ومتوقع,فلكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه,والزمن يسير في اتجاه واحد إلي الأمام كالسهم,محطاته الماضي والحاضر والمستقبل,لا يمكن تفويت أحدهم للحاق بالأخري,والسبب يؤدي إلي النتيجة,القوة تؤثر علي الأجسام,ومن الناحية النظرية يمكن تفسير كل شئ,حتي أنه ينسب للورد كيلفن-الفيزيائي صاحب الأعمال المحورية في مجال الثيرموديناميك والكهرومغناطيسية,والذي تم إطلاق اسمه غلي وحدة قياس درجة الحرارة المعادلة لدرجة مئوي-أنه قال في خطاب له بالجمعية البريطانية لتقدم العلوم عام 1900"ليس هناك جديد يمكن اكتشافه في الفيزياء الآن,ولم يبق إلا مزيد ومزيد من الدقة في القياس".

من نيوتن إلي العالم التجريبي الإنجليزي مايكل فاراداي إلي الفيزيائي الأسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل إلي العالم الألماني ماكس بلانك,مرت التجارب العلمية بأيام تاريخية,ستمهد لثورة أينشتين في عام المعجزات1905,أكثر أوقات أينشتاين إبداعاً وألقاً,ففيه أصبح الشاب ذو السادسة والعشرين عاماً خصماً لنيوتن بكل مايعنيه من ثوابت علمية درجت عليها البشرية لقرون,وليس ذلك بمستغرب علي من يدرك شخصية أينشتاين المتمردة علي السلطة والقيود,وروحه المتوهجة بالحلم والشاعرية,فنظرية النسبية لأينشتاين كنظرية التطور لداروين كلتاهما لا تخرجان إلا من عقل فنان ذو خيال اتخذ العلم مجالاً للإبداع والعمل,لا تقيده النظريات الشائعة يحدق في العالم بعين الدهشة لا بعين التعود والمجاراة والفارغة,مثبتين أن الشخص الذي يفكر بصورة مستقلة هو القادر علي ترك بصمة حقيقية في مجاله.

ولندرك مدي الزخم الذي أطلقه أينشتاين في المجتمع العلمي ذلك العام,لنستعرض علي لسان أينشتاين للمفاهيم الأساسية للأوراق العلمية التي نشرها وهو موظف في مكتب براءة الاختراعات بمدينة بيرن السويسرية,يخفي أوراقه العلمية ويتظاهر بالعمل المكتبي كلما اقترب منه أحد,في خطاب أرسله لزميه كونراد هابكيت أحد أعضاء أكاديمية أوليمبيا كما سمي أينشتاين رفاقه المهتمين بالعلوم والفلسفة,ساخراً من الأكاديميات التي عاني فيها ووقف أعضائها أمام جموحه العلمي,وسخطه علي المفاهيم البالية المتمسكون بها,يذكر خطته العلمية الطموحة المتمثلة في أبحاثه الجديدة"يتناول الأول الإشعاع وخواص طاقة الضوء,وهو بحث ثوري جداً,كما ستري إذا أرسلت لي بحثك أولاً,والبحث الثاني هو تحديد للأحجام الحقيقية للذرات...والثالث يثبت أن الأجسام التي لا تزيد عن 1000/1من الملليمتر,والمعلقة في السوائل,تتحرك حركة عشوائية ملحوظة ترجع إلي حركة حرارية.وقد رصد حركة الأجسام المعلقة بالفعل علماء وظائف الأعضاء,وأطلقوا عليها اسم الحركة البروانية.والبحث الرابع هو مجرد مسودة بسيطة حالياً,وهو يتناول الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة التي تستخدم تعديلاً نظرية الزمان والمكان".

البحث الرابع هو الخاص بالنسبية,أشهر أعمال أينشتاين لكن ما يصفه بـ"الثوري"بحثه في كمات الضوء,لأنه من المسائل الجدلية فقد كان العلماء مقتنعين أن الضوء عبارة عن موجات؛لذلك لابد أن الكون يحتوي علي مادة غير مرئية أسموها الأثير منتشرة في كل أرجاؤه و هي التي تحدث التموجات مثل الماء الذي يحمل الموج في المحيط,لكن أينشتاين أعتقد أنه علي الرغم من صحة ذلك الأمر في الغالب إلا أنه توجد شروط معينة يتحول فيها الضوء إلي جسيمات عرفت فيما بعد باسم الفوتونات,لا تستقر علي الإطلاق بل تتحرك علي الدوام,ويعبتره العلماء بالفعل أكثر الأفكار ثورية في تاريخ الفيزياء,وقد سببت الفوتونات حيرة أينشتاين,وبدأت تلك الحيرة مبكراً حيث اختار له عنوان"وجهة نظر إرشادية تتعلق بانبعاث الضوء وانتقاله",معتبرها مجرد "وجهة نظر إرادية"ليست فرضية مثبتة,وقد ظل أينشتاين حتي نهاية حياته يعتبر الفوتونات والنتائج المترتبة عليها بكل ما حملته من ارتباك واضطراب وأحياناً لامعقولية"إرشادية".

بعد تأمل أعمال فيليب لينارد وماكس بانك لوقت طويل,استخدم"ثابت لانك"وربطه بالنتائج الضوئية للينارد,وأعلن العبارة الأكثر جرأة التي كتبها في أبحاثه التي بلغت حوالي 3000ورقة علمية"وفقاً للغرض الذي ندرسه هنا,فعندما ينتشر شعاع من الضوء من نقطة ما فإن الطاقة لا تتوزع علي نحو متصل في فراغ متزايد,بل تتكون من عدد محدد من كمات الطاقة التي تتمركز في مواقع ثابتة في الفراغ,والتي لا يمكن أن تنتج أو تمتص إلا كوحدات كاملة".

نظرية نيوتن الكلاسيكية تتضمن أن قوة الدفع أو الزخم لأي جسم تشترط وجود كتلة له,وهناك علاقة مباشرة بين الكتلة والزخم,ومع ظهور معادلات ماكسويل عرف العالم أن الفوتونات لها أيضاً نصيب من الزخم,مع أنها لا تمتلك كتلة وهنا أدرك أينشتاين وجه القصور في نظرية نيوتن.

ومع السنين سيكتشف النتائج الغير منطقية من وجهة نظره لميكانيكا الكم,والطبيعة المزدوجة للضوء باعتباره موجة تتنكر علي شكل جسيم أو جسيم يتظاهر بأنه موجة,وسيقول في خطاب كتبه قرب وفاته لميكيلي بيسو أحد أصدقاء عمره"هذه السنوات الخمسون التي أمضيتها في التفكير والتأمل لم تقربني أكثر من إجابة السؤال:ما هي كمات الضوء؟"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق