الاثنين، 19 أغسطس 2024

هل يمكن أن تنبت وردة بين صديد الجروح

 

صديقي زين

سألبي لك رغبتك التي طلبتها منذ لحظات،وأسرد لك وقائع خطوبتي السعيدة التي حدثت في أيام قلائل،وسأحكي لك ما جري في رسالة كما طلبت... عندك حق فالشات ليس أداة استرسال بل أشبه بنظام البرقيات في القرن الماضي أما ما يميزه سرعته الفائقةحيث يتم الرد عليه لحظياً،أما البرقيات فكانت تستغرق وقتاً طويلا ولكل حرف فيها ثمن... ذلك زمان مضي كان فيه الكلام غال!

إنك تستغرب بشدة وأنت في غربتك ببلاد العم سام إنني خطبت فجأة،والحكاية ومافيها تتلخص في كلمة"النصيب"،وقد سمعتني مراراً أقول لك أن الزواج عملية قدرية تحكمها يد إلهية،لا يمكن لإنسان التدخل فيها لأن الزواج سينتج عنه خلق أرواح جديدة في الحياة،لابد لظهورها أن يجتمع شخصان لابديل لأحدهما عن الآخر،وإني متأكد أنه عندما سيحل دوري في تلك العملية القدرية سأجد نفسي متزوجاً،وقد جاء دوري في ليالي شهر رمضان المباركة في أيامه السريعة المتلاحقة.

تعرف يا زين كيف كان سخطي في شبابي المبكر علي زواج الصالونات،فعلي إذن إخبارك بأني أصبحت أراها بعين أخري اليوم،لأنها كانت بوابة لحب يزدهر في روحي رغم قتامة ماحولي... كان الإلحاح علي شديداً للزواج فعندما يتخطي الإنسان الثلاثين يصاب أهله ومعارفه بالفزع وتسري بينهم نوبة غريبة من الهوس بزواجه ويقع تحت ضغط عصبي كبير لا يقاس بالطبع بالضغط علي البنات حين يرتحل بهم مركب العمر،وفي تلك الفترة أشفقت عليهن كافة،مما يتعرضن له من تخويف مستمر حول أفخاخ الزمن وتقدم العمر.

حين دخلت بيت رانيا-وقد صارحتها بذلك فنحن قبل أي شئ آخر صديقان-ظننت أن هذه زيارة كسابقاتها،مجرد لقاء تقليدي آخر تدبره أسرتان لتزويج أحد أفرادهما،سنتبادل كلمات قليلة ونصمت أغلب الوقت ثم نسلم مودعين... حتي أقبلت خارجة من حجرتها،شعرت حين رأيتها بشعور يلف كياني ويسري في أحشائي،وسمعت قلبي يهمس لي"هذا مبتغاك،وآخر بيت ستدخله للزواج"لقد كنت كما عهدتني دوماً تلقائياً علي طبيعتي وذلك هو أول ماجذبها ناحيتي،فأنا حين أتقدم للزواج لا أحاول إرضاء أحداً،أو أسعي للظهور بصورة مختلفة في عين فتاة مهما بلغ جمالها،إنني أضع حقيقتي أمامهن في كل مرة هاتفاً بدون صوت"هذا أنا!فلتقبل من تشاء،ولترفض من تشاء"،وقد عرفت بعد ذلك من رانيا أنها لم تكن تفكر في الزواج بل في العمل واقتحام الحياة بهمة وأحلام شابة تستقبل عامها الثاني والعشرين،لكنها انجرفت ناحيتي وقبلت الخطبة بسرعة هي نفسها لا تستوعبها حتي اليوم،رغم مرور حوالي أسبوعين لنظرتنا الأولي لبعضينا... إن كل شئ يسير في هذه العلاقة بسرعة فائقة وكأن عناية سماوية ترعاها،فصاحب القاعة يتعجب إنني استطعت أن أجد مكاناً ثالث أيام العيد-صحيح يازين هل يوجد كحك وبسكوت عندك في أمريكا؟-وأنا اتصلت به آخر رمضان ويوم كذلك يتم حجزه قبل شهور بصعوبة شديدة،وحين اشتريت دبوساً باسمها لأعلقه في البدلة قبل الخطوبة بساعات وكنت أظن أنه لن يسعفني الوقت وجدت اسمها هو الوحيد المتبقي عند صانع الفضيات،وقال لي:تلك الزيجة سالكة إن دبوساً كهذا يستغرق صناعته أسبوعاً"وأيده الواقفين أمام فاترينة المعروضات.

إن السرعة التي تمضي بهل هذه العلاقة تعجبني وتخيفني في نفس الوقت،كل يوم أزداد تعلقي برانيا وتزداد هي تعلقاً بي،ومخاوفها تزيد عن مخاوفي،ولا يمكنني تحديد مصدر هذه المخاوف الآن،فأنا رغم كل شئ أستمتع بكل لحظة وأشعر بسعادة وراحة في وجودها،وأنا أرقص معها سلو في حفل خطوبتنا ربت عليها كثيراً متذكراً قول آدم في التوراة حين رأي حواء لأول مرة"هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعي امرأة لأنها من امرء أخذت"، وقلت أنا لنفسي"هذه هي امرأتك وحظك الجميل من الحياة كن لطيفاً معها وعاملها كما تريد لابنتك أن تعامل من زوجها وباللين والعطف يكن ميزان حياتك معها"

أتدري متي دق قلبي ناحيتها بقوة،حين سمعتها تحكي عن إلغاء لقاء مع خالاتها وقالت أثناء حكيها" قلت لهم أحمد جاي لي"في تلك اللحظة شعرت أني أدخل لحياة جديدة،وشعرت بمسئولية أن أمنح رقبتي لتلك الفتاة الصغيرة تتعلق فيها للأبد،وأن أهيئ لها في قلبي مكاناً يظلله المودة والحب... إني أخطو علي عتبات دنيا جديدة أحاول اجتيازها بالحب والصداقة والإحسان،والعالم يخطو علي عتبات خارطة جديدة سيتم تشكيلها الدسائس والحديد والنار،الصراع في كل مكان وبين كل البشر فهل يمكن أن تنبت وردة وسط صديد الجروح بينما التربة معدة سلفاً للكراهية والنبذ؟ وهل تتغلب يوماً أغنيات المحبة والسلام علي صيحات الحقد والمقت؟... اسئلة كثيرة تراودني يا صديقي وأتطلع بحرارة للقائنا سوياً واستكمال ثرثرتنا اللامتناهية حول كل شئ، فإن فاتتك خطوبتي فلن يفتك حفل الزفاف،وسننظم موعده ليناسب إجازتك السنوية،وانا متأكد أنك ستمتدح ذوقي حين تري رانيا...

صديقك أحمد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق