الخميس، 27 فبراير 2025

المنفلوطي... الرجل والأثر

 

 

المنفلوطي... الرجل والأثر

 

في عام ١٨٧٦استقبلت بلدة منفلوط الشهيرة بزراعة الرمان،الواقعة علي الشاطئ الغربي لنهر النيل بمحافظة أسيوط،ابنها الأشهر الذي سيرتبط اسمه بها مصطفي لطفي المنفلوطي،وسيقام له عند مدخلها تمثالاً يقف ليذكر الداخل والخارج أنه هنا ولد وعاش صاحب النظرات والعبرات،فخر بلدته وناسه،عائلته تنتسب للسبط الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد رسول الله،ويبدو أن الأصل رسم مستقبل العائلة فعمل أكثر أفرادها كنقباء للأشراف وقضاة شرعيين،والده محمد لطفي قاضي منفلوط الشرعي،أما والدته اسمها هانم حسين تركية من أسرة الجوربجي،طلقها أبوه وتزوجت من رجل آخر.

كعادة أهل مصر في تلك الفترة دخل الصبي مصطفي الكتاب،ليبدأ منه أولي خطوات حياته العلمية،وتخرج منه حافظاً لكتاب الله الكريم،ثم التحق بعد ذلك بالأزهر الشريف ومكث فيه عشر سنوات،ولم يقف اهتمامه العلمي علي مايتلقاه من دروس في الأزهر،بل كان شغفه بالمطالعة والقراءة أوسع من المناهج وأقوال المشايخ،وهناك تتلمذ علي يد الشيخ محمد عبده منذ عام ١٨٩٥وأصبح من المقربين له،لم يستكمل المنفلوطي دراسته الأزهرية ولم يحصل علي شهادة العالمية،بخلاف استاذه الذي تحدي جمود الدراسة الأزهرية ليحصل علي شهادته،بينما المنفلوطي انغمس في القراءة الحرة في التراث العربي القديم والترجمات من الأدب العالمي  والاطلاع علي الكتابات الصادرة من أدباء الشام في المجهر،والتي مثلت روحاً جديدة علي الأدب العربي.

اتسم المنفلوطي بحساسية شديدة لكل موقف يمر به،أو صفحة من كتاب يقرؤه،ورغم تدفق قلمه السيال،لم يكن طلقاً في الكلام،لسانه ثقيل في الحروف حين يتحدث،كأن الطبيعة سلبت من لسانه البيان وأودعته في سن قلمه،وبفعل الموجات المتحررة القادمة من الغرب وتأثره بالثقافة الأوروبية،علم بناته في المدارس الأجنبية،وفي سنواته الأخيرة حاول إتقان الفرنسية فلم يتمكن من ذلك،ورفض أن يستبدل زيه العربي بالزي الإفرنجي،وإن كان تعلق بالملابس الداخلية الأوروبية.

عام ١٨٩٧تعرض للمحاكمة بسبب قصيدة هجا فيها الخديوي عباس حلمي لدي عودته من تركيا،نشرها في مجلة الصاعقة ثارت لها غضبة القصر الحاكم،واتهمه بالعيب في الذات الملكية،وكاد يتعرض لخطر السجن،لولا توسط أصدقاؤه وعلي رأسهم محمد عبده،يقول في مقدمتها:

قدوم ولكن لا أقول سعيد     وملك وإن طال المدي سيبيد

رحلت ووجه الناس بالبشر باسم     وعدت وحزن في القلوب شديد

حين توفي الإمام محمد عبده١٩٠٥عاد لبلدته يكسوه الحزن،ويفضي بمكنون قلبه علي صفحات الجرائد، كجريدة الصاعقة والمؤيد،ومن الثانية سينطلق المنفلوطي بالنظرات والعبرات،ليكون أشهر كاتب مقال في زمنه،مما يؤهله ليعينه سعد زغلول وهو وزير للمعارف ١٩٠٩ في وظيفة المحرر العربي للوزارة،ويظل يرعاه حتي وفاته ١٩٢٤بسبب تسمم الدم"البولينا"،ودفن وشيع يوم ١٢يوليو دون أن يشعر به أحد إلا قلة كانت حوله،بعدما شغل أذهان المتعلمين والعامة بكلماته وكتاباته،لأن ذلك اليوم كانت مصر كلها في شغل عنه،بعد محاولة الاعتداء علي سعد زغلول في محطة القاهرة،فأصيب برصاصة في ذراعه الأيمن،وأخري أعلي الثدي الأيمن،حين كان في طريقه ليهنئ الملك فؤاد بقدوم عيد الأضحي،فهاجت البلاد كلها خوفاً علي زعيمها الذي أشعل ثورتها الكبري قبل خمس سنوات،وفي خضم ذلك ذلك الاضطراب العاصف فاضت روح مصطفي لطفي المنفلوطي في عيد الأضحي،متألماً من المرض كما عاش يتألم لأوجاع وأحزان نفسه،ويتوجع لمصائب الناس من حوله يلقي عليهم نظراته ويسكب لأجلهم عبراته،وكما عاش متأوهاً مع أبطال قصصه ورواياته،مات وهو يصيح بلهجة الصعيد"آه... آه... يابوي!".

ونعاه أمير الشعراء أحمد شوقي،منوهاً بيوم وفاته الذي صادف الحدث الجلل،فصرف عنه الأنظار وهو يلفظ آخر أنفاسه ويواري التراب،وقد عاش في بؤرة الاهتمام،ومحطاً لأنظار كل ناطقي العربية:

اخترت يوم الهول يوم وداع    ونعاك في عصف الرياح الناعي

هتف النعاة ضحي فأوصد دونهم     جرح الرئيس منافذ الأسماع

من مات في فزع القيامة لم يجد     قدماً تشيع أو حفاوة ساع

لا يمكن لكاتب أو فنان أن يبزغ من فراغ،أو يظهر من تربة فارغة،بل لابد من عملية تجهيز طويلة وتدريب ذهني حقيقي،تتألف فيها القراءات والتجارب حتي تضع البذرة الأولي التي ستثمر في أوانها حدائق فكرية وقصور فنية بهيجة يترنم بخلودها الزمن،والمنفلوطي كاتب تراثي من الطراز الأول،تشرب التراث العربي شعره ونثره،وهضمه وصاغ من ذلك تياراً تجديداً رومانتيكياً في الأدب،فما فعله أستاذه محمد عبده من تجديد للفكر الديني،كرره المنفلوطي في عالم الأدب،وكيف للمنفلوطي أن يخفق في التجديد كمعلمه وقد قيل أنه كان يلازمه ملازمة الولد للأب،فتحرر من"قيود التمثل والاحتذاء"علي حد قوله في مقدمة الجزء الأول من كتاب النظرات حيث جمع بين دفتيه مقالاته في المؤيد،ولم يكن ذلك يجدي شيئاً لولا أن المنفلوطي صاحب نفس فنية حساسة وعقل واع ومدرك يحسن التدبر والتفكير،تشبع الرجل من أدب الجاحظ وابن العميد وابن المقفع وابن عبد ربه والأصفهاني والجرجاني،ودواوين المتنبي والبحتري وأبي تمام والمعري،وتنسم ريح عصره بكتابات جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة،فكتب بالعربية أعمالاً مزج فيها اللغة العربية الصرفة بديعة النغم والمعني بالروح الأوروبية،كما قام بتعريب نماذج من الأدب الفرنسي بصورة بليغة محملة بالمشاعر والأفكار أكسبتها شهرة ضخمة ربما فاقت شهرتها في بلاد السين نفسها.

انتهج المنفلوطي في أعماله المنهج الرومانسي وقد جاءت راياته تخفق من أوروبا في القرن التاسع عشر،بعد زوال سلطان العقل وانطلاق الوجدان والقلب،وهو ما عبر عنه الشاعر ألفريد دي موسيه"أول مسألة هي ألا تلقي بالاً إلي العقل... بل اقرع باب القلب ففيه وحده العبقرية وفيه الرحمة والعذاب والحب". يعتبر جان جاك روسو هو الرومانسي النموذجي الأول الذي شق طريقاً للرومانسية،وقد عرفت مدام دي ستال الرومانسية في فجر مولدها بكونها تعني"الحس المرهف،الحزن المبهم،التطلع إلي الله وحب الطبيعة"-إنه أدب المنفلوطي دون زيادة-من أبرز روادها فيكتور هوجو الذي سيطر علي أدب القرن التاسع عشر حتي سماه بعض النقاد"عصر فيكتور هوجو". وكما نري في تلك الإشارة السريعة أن المذهب الرومانسي نبع من الأراضي الفرنسية لذلك يقال"الرومانسية هي الثورة الفرنسية ممثلة في الأدب".لاءمت تلك المدرسة وجدان المنفلوطي،وأظن أنه همس لنفسه في ليلة هادئة بكلمات فيكتور هوجو في ديوان التأملات وهو يستدعي شجونه التي لامست وجدان الجميع وتولهوا بها كأنها مرآة لوجدانهم هم"عندما أكلمك عن نفسي فإنما أكلمك عن نفسك،آه كم أنت مجنون لو ظننت إنني لست أنت". لقد مهد التراث العربي كما عايشه المنفلوطي لدخوله باب المدرسة الرومانسية واعتماده رسولاً لها بين أهل عصره الذين عشقوا كتاباته من أصغر القراء شأناً حتي قمم الأدب المصري كنجيب محفوظ ويحيي حقي،تلك المدرسة التي تعني بالقلب والقلب وحده،وتدور أعمالها في جو من المشاعر والأحاسيس،في مدتئم القلوب وشوارع الخطرات الشاعرية،فعاش يبكي للمنكوبين البائسين،ويرقق القلوب علي الضعفاء العاجزين،وعن منهجه الأدبي يقول"ولقد قرأت ماشئت من منثور العرب ومنظومها،قراءة المتثبت المستبصر،فرأيت أن الأحاديث ثلاثة:حديث اللسان،وحديث العقل وحديث القلب"،ويؤكد أنه لم يحفل سوي بحديث القلب أي إنه رومانسي بالسليقة و إن لم تكن الكلمة طرقت سمعه بعد،نبت في تربة عربية مترعة بالرومانسية يفوح من بلاغتها رائحة القلوب،فقرر استكمال مسيرة أجداده ويؤسس للرومانسية مدرستها في الأدب العربي المعاصر،وأن يكون هو ناظرها الأول وأن يعرف في مقالاته التي كان يتخاطفها القراء المحبون له،وبعضهم يحفظها عن ظهر قلب من فرط هيامه بها،فيثني علي كتاب بلاغة الغرب لكامل حجاج اذي جمع فيه مختارات من الأدب الأوروبي،ويترجم قصيدة الدعاء لفيكتور هوجو مبدع رواية البؤساء درس الإنسانية الخالد،ويخط رسالة لتولستوي الذي هجر أملاكه الشاسعة ومات في محطة قطار بعدما حاول منح ثروته للفلاحين الروس الفقراء،وينعي فولتير المدافع عن الحرية وكرامة الإنسان،ويحلل معني البلاغة متخذاً خطبة أنطونيو بعد مقتل القيصر مثالاً لذلك كما وردت في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير.

بمزيج من الترجمة والتأليف يكتب قصص العبرات التراجيدية،كإرهاص لما سيترجم بعد ذلك من روايات بدأ في تعريبها ١٩١٧بعمله الأشهر ماجدولين لألفونس كار،وقد عربها عن ترجمة صديق له يدعي محمد كاما فؤاد،كعادة المنفلوطي في إعادة صياغة الأعمال الأصلية عن طريق شخص آخر يعرف الفرنسية،فيضيف ويحذف حسب هواه ويعيد ترتيب الأحداث كما يراها هو لما كما دونت ويستفيض في الدروس والمواعظ... وبعد أن يتساءل الناقد عبد الفتاح كيليطو في كتاب"لن تتكلم لغتي"سؤالاً استنكارياً"من هو القارئ العربي الذي لم يتأثر في فترة من حياته بالمنفلوطي،ولم يفتتن بأدبه،ولم يذرف الدموع الغزيرة عند قراءته؟"يلاحظ أن المنفلوطي تشبع بالمؤلفين الفرنسيين الذين ترجم لهم،لدرجة أنهم صاروا جزء من كيانه وروحه لدرجة عدم كتابة اسمائهم علي أغلفة الروايات،فتحت عباءته الأزهرية اللباس الداخلي الأوروبي الذي زلع به،فالمنفلوطي بداخل أعماقه روح أوروبية سترها بالملابس الأزهرية،كما ستر أسماء المؤلفين تحت اسمه العربي الفصيح.

يتذكر الناقد عباس حضر في إحدي مقالاته جزء من حالة الهيام بالمنفلوطي،انهمكت في قراءة المنفلوطي بكل مشاعري وفتنت بعباراته وجمله الموسيقية،حتي إنني كنت أكتب ما يطربني منها في مذكرة جيب أضعها في جيبي كأنها محفظة نقود أنفق منها"لقد أثر المنفلوطي بكتاباته المقالية في النظرات والقصصية في العبرات والأعمال المعربة بروحه ووجدانه الشخصي،في رواد أدبنا الحديث الذين نفتخر بمنجزهم في معترك الحياة الأدبية،نجيب محفوظ أول محطاته الحقيقية بدنيا الأدب في صباه كانت بين يدي المنفلوطي"بدأت أقرأ المنفلوطي حتي تشبعت منه تماماً،وعندما فرغت وبدأت اسأل عنه وجدته قد مات منذ ٢٧عاماً فبدأت أبكيه"ماجدولين هو الكتاب الوحيد الذي أعاد قراءته لأكثر من عشرين مرة!... في ماجدولين شحنة عاطفية لا تفني،مصدرها حرارة عواطف المنفلوطي نفسه وشاعرية بطلها استيفن وروحه العامرة بالحب ومالاقاه من خطوب وتضحيات جسيمة في سبيل حبيبته،ورقة وجمال ماجدولين ومأساتها التي أدت لانتحارها بعد الزواج من ادوار صديق استيفن الثري،مع الجو الأوروبي الذي يغلف صفحاتها،والعبارات النثرية الممتعة،وظل محفوظ يذكر المنفلوطي في أعماله،في رواية بداية ونهاية نسمع حسن يقول لخطيبته"من يقول أن القبلة استهتار؟ألم تقرأي ما قاله المنفلوطي في القبلة وهو الشيخ المعمم؟"أما كمال عبد الجواد المعادل الروائي لشخصية محفوظ فيناجي نفسه في الثلاثية"موت المنفلوطي وضياع السودان ووفاة سيد درويش أحداث كللت زمننا بالسواد"،العميد طه حسين كان من المتولهين بالمنفلوطي قبل محفوظ بزمن،يلتهم مقالاته بأذنه،وتأثر بها من حيث إيقاع النثر وسبك المعاني،ويتجلي ذلك في مقالاته القصصية مثل جنة الشوك والمعذبون في الأرض،وكذلك إبراهيم المازني في صندوق الدنيا وقبض الريح،ولم يفلت من تأثيره كتاب الرومانسية كمحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي،بل ورواد الاتجاه الواقعي كعبد الرحمن الشرقاوي،ويعبر يحيي حقي بكلماته التي تعرف علي الدوام هدفها،بتشكيل فكرة كاملة واضحة بعبارات رشيقة في ذهن القارئ في كتاب"خليها علي الله"عن مكانة المنفلوطي بين أبناء جيله وينسحب ذلك علي الأجيال التالية له"كان المنفلوطي أعز الناس لدي الجيل الذي أنا منه،مصطفي لطفي المنفلوطي.أسال من صخرة الفصحي عيناً سلسبيلاً كم نهلنا منها وارتوينا،إن سحره لا يقاوم وفضله علينا عظيم،ولو أنه رحمه الله أكبر مسئول عن دموع مآقينا وزفرات صدورنا،وخفقات قلوبنا ونحن نقرأ له" العبرات"و"ماجدولين-أو تحت ظلال الزيزفون"".

لقد شق المنفلوطي بقلمه مجري جديداً للأدب العربي المعاصر،وحرك المشاعر فظهر من يكتبون بعد أن أحسوا بلذة الأدب تأثراً به.... وما يزال تأثيره مستمراً حتي اليوم رغم ما يتعرض له علي الدوام من نقد أو بالأحري"نقض"وتجريح،منذ هجوم المازني عليه في العاصفة التي أقامها مع العقاد في كتاب الديوان،ليشتهرا علي حساب كبار من حملوا القلم مع بداية النهضة المصرية،حتي زمن الإنترنت والكلام حق فيه لمن يعلم ومن لايعلم،من يقرأ بتمحيص ومن سمع ويردد دون فهم،يكفي أن كل من يدرك قيمة المنفلوطي ويحمل روحاً شاعرية مهمومة بآلام البشر وأوجاعهم،سيظل يأتنس في لياليه مع النظرات والعبرات،يري كيف تلضم كل عبارة رهيفة حساسة مع أختها لتنتج صفحات تقرأ بالقلب قبل العين والعقل،ويحيا ساعات غير محسوبة من العمر،يعيش فيها مع ماجدولين واستيفن وقد سمت مشاعره،وتعلم أن يفتح قلبه للحب تاركاً الحقد وسخائمه كي لا يتلطخ بالوحل،معرضاً عن الصغائر متعالياً عن الغريزة في سبيل الروح،ويتحمس للوطن هاتفاُ لحياته من أعماقه مع رواية في سبيل التاج،المهداة منه لزعيم الأمة سعد زغلول،ويشهد فيها كيف تغلبت عاطفة الوطنية قسطنطين ابن القائد برانكومير علي كل عاطفة أخري حتي حبه لأبيه الذي يكتشف خيانته لبلاد البلقان،فيفضل حرية شعبه واستقرار بلده علي حياته وحياة أبيه مضحياً في سبيل الوطن بكل ما يملك دون تردد أو ندم...أثر أعمال المنفلوطي في الزمن الحالي ليست في الأسلوب والألفاظ،التي طرب لها أجدادنا في عصره وحفظوها إعجاباً بمقدرته اللغوية التي بجلوها فيه،بل في الروح العذبة والصدق الذي يكسو كلماته،ولأنها خرجت من القلب فتسري للقلب،سواء كان ينتظرها تصدر في جريدة تأتي من مكان بعيد،أو يقرأها علي شاشة هاتف أو كمبيوتر بين أصابعه يفتحها في أي وقت كحالنا اليوم... إنها مؤثرة حقاً لا أحد ينكر وحتي أكثر كارهيها،لا يعترض علي كونها تلامس الروح الساذجة الطيبة الكامنة داخل كل فرد فينا،وتتواري مع كل تجربة مريرة حتي تكاد تتلاشي من الكمد والضربات القاسية!وبمثل تلك الأعمال يمكننا الحفاظ علي جانبنا الخير،في زحام ملابسات حياتية وتعقيدات اجتماعية تهدد باغتياله في كل ساعة،مع المنفلوطي نحتال لأخذ هدنة من ضجيج الترندات والكلام الفارغ والأحداث المخزية،والكتب الرديئة وأدعياء الكتابة والثقافة،ونخلو نتصفح خطرات قلب ذاك الرجل البليغ ومعانيه الحلوة،وننطلق مع شخصياته ذوات المبادئ الثابتة كي لا تذبل فينا الفضائل.

ومع كل معركة أدبية تافهة،أو ضجة من شبه أديب أو مدع ثقافة متضخم الذات،أتذكر ابن منفلوط الذي ترك أثره ورحل،والرجال الحقيقيون هم من تتكلم عنهم أعمالهم لا ثرثراتهم،أتذكره وابتسم قائلاً"سلام عليك يا منفلوطي،يا من جعلت من الأدب ملجأ أهرع إليه في وحدتي فأشارك بوجداني شقاء إخوتي في البشرية،فيرق قلبي ويهتف بحب الإنسانية".