الأربعاء، 19 يونيو 2019

موت سهل


موت سهل
لساعات طويلة ظلت واقفة تحت لفحات الشمس المتوهجة,عودها النحيل ووجهها الضامر يشيان إنها ليست إلا طفلة تعاني من سوء التغذية,تشير  للسائرين في الميدان الفسيح بأكياس المناديل الورقية,تتلقي التجاهل والجنيهات النادرة بنفس الوجه المحزون,عندما حل الليل زاد الزحام,زحام  ليلة العيد بصخبها وضجيجها,ابتعدت عن الرصيف خطوات لتغدو أقرب إلي المارة والسيارات معاً,لعلها تجمع ما يكفي لعشاء ليلتها,تتنبه عندما تلحظ بنتاً في مثل سنها ترتدي ملابس جديدة وتضحك مع  صديقاتها,وهي تتمايل مع بهجة العيد,ثم تعود لتنظر لأمها علي الرصيف المجاور,بجوار  أختيها وقد تمددت واحدة علي حجرها والأخري نامت علي الأرض,وأمامهم قفص عليه علب بخور,كان الكل يعمل ولا يستجدي شيئاً من أحد,التسول عندهن جريمة,لم تجرهن الحاجة إلي امتهان الشحاذة,أمام نفسها هي بائعة تسعي علي رزقها ولا تمد يدها دون مقابل.
تلوح حولها الأضواء والزينات كأنها في مهرجان سينمائي هي نجمته الوحيدة,راق لها هذا التصور,وارتاحت لما بنته في خيالها المحلق,أخذت تروح وتغدو في الميدان وهي تتثني في دلال,كما تراهن يفعلن علي شاشة التليفزيون,وابتسمت وهي تنظر للعابرين المجهولين,ولدهشتها زاد إقبال الناس عليها,لم يصف لها أحد مدي جمال ابتسامتها,وكيف تتألق عيناها وهما يضحكان,تغدوان لامعتان لهما بريق الحياة نفسها حينما تصفو من الكدر,وتنافس النجوم روعة وجمالاً,يتحول وجهها الأسمر إلي قطعة حلوي أشهي من الحلويات التي يسيل لها لعابها في الفاترينة المجاورة.
بدأ جيبها يمتلئ ومع امتلاؤه بزغت في صدرها نية شراء واحدة من هذه الحلوي بعد أن  يخف الزحام عليها, تخجل من الدخول وسط هؤلاء الناس بملابسها  المزرية الممزقة,تحلب ريقها من جديد فابتلعته وهي تمني نفسها...توغل الليل وظهرت تباشير الصباح مؤذنة بيوم العيد,ه لا تفرق  بين العيد وغيره من الأيام,قالت لها أمها ذات عيد-حتي تتهرب منها بلطف- عندما طالبتها بشراء حذاء ولو  مستعمل بدلاً من المهترئ في قدميها"كل يوم يمر علي الواحد منا وهو معافي عيد",تراكمت عليها الأعياد,دون قطعة ملابس حلوة تتزين بها وسط أقرانها,وكل الأيام جميلة,مادام الإنسان معافي.
هرولت نحو محل الحلوي وصاحبه يهم بإغلاقه,أعاد فتح الباب وأعطاها ماطلبت,حملت اللفافة في يدها تتأملها,وارتسمت الابتسامة من جديد علي وجهها, حينما تخليت نفسها تطعم أختيها,رق لها صاحب المحل وقد تبدت براءة طفولتها في هذه اللحظة,منحها قطعة زيادة دون ثمن,في البدءرفضت لكنه أصر وقال بحنان:
-اعتبريها عيديتك.
لانت له وقبلتها شاكرة,وحين خرجت تمتم في خفوت"لو تربت في بيئة أخري لأصبحت شبيهة بالأميرات",قابلت في طريقها إلي بيتها المتهدم بائع البالونات,اشترت منه واحدة,فاستخفها الفرح بممتلكاتها البسيطة,حتي شغلها عن رؤية الطريق وهي تقطعه.
لما رأت الموتوسيكل وهي يطير ناحيتها,لمع في ذهنه اسمه الذي سمعته من رجل كاد يدهمه واحد مثله بالأمس"فعلاً أنه لا بد أن يسمي(موته سهل)بدلا من  موتوسيكل,هذه الركوبة الخطرة تحت أقدام صبية مستهترين"ارتطمت علي الأرض بعنف,وكان آخر ما سمعته قبل أن تفقد الوعي,صوت فرقعة البالون بينما اللفافة تسقط علي الأرض ويتناثر منها قطع الحلوي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق