الثلاثاء، 26 مايو 2020

قبل المغرب


قبل المغرب

م/1                                                                                   ن/خ
                                                      الشارع
-عصر يوم في فصل الربيع,سيارة نصف نقل متوقفة أمام عمارة قديمة في شارع شعبي متواضع المساكن,علي الرصيف امرأة تبيع الليمون,بجوارها أخري تفرش طشت ممتلئ بالجبن,من العمارة يهبط رجال يحملون كراتين معبأة بالكتب,كراس,منضدة صغيرة وجهاز كمبيوتر.
-بينما يرصون هذه الأشياء,تنعطف الكاميرا وتدور حول السيارة حتي تصل في لقطة متوسطة حتي تصل للسائق ورجل آخر بجواره,السائق يرتدي كمامة لكنها ليست علي فمه بل علي ذقنه,حتي يتمكن من تدخين سيجارة وصلت الآن لنصفها.
السائق:البت أسماء بتي مقهورة عالآخر عشان الأستاذ عمر هايقفل المكان,بتقولي يابابا ده كان أحلي حاجة في حياتي...بنت الإيه جات له عيلة كده وإنت عارف لا فيه مدارس بتعلم ولا فيه نيلة,خلاها بنت مفتحة عالآخر...وترسمني تقولش زي الجدع ده اللي اسمه بيكاسو(بحزن)خسارة حقيقي.
الرجل:وأكل عيشه هو كمان اتقطع,كان لينا فين الهم ده؟! هو إحنا كنا ناقصين بلاوي الكورونا دي كمان!
قطع
م/2                                                                                   ن/د
أمام باب الشقة
-الرجال وقد أفرغوا الشقة تماماً يهبط منه آخر اثنين وهما يحملان دكة كبيرة,تظهر خلفهما علي البسطة رحمة,فتاة في منتصف العشرينيات,رقيقة,شعرها الفاحم وعينيها السوداوين يوحيان بالألفة من أول نظرة,تتجه نحو الشقة في حزن,تدخل أمام الكاميرا وعندما تخرج من الكادر تظهر لافتة "بناء المستقبل"وتحته ثلاث كلمات"تعلم –فكر-ابدع".
م/3                                                                                   ن/د
داخل الشقة
عمر يقف ساكناً أمام نافذة مفتوحة,الكهرباء مفصولة,الزوايا مظلمة,الضوء يغمر البقعة التي يقف فيها,علي الأرض تناثرت أوراق ورسومات طفولية,وقطع كروشيه وطربوش قديم وعباءة علي مقاس طفل صغير كانا يستخدمان كأغراض تمثيلية.
-عمر يشعر بوجود رحمة دون أن ينصرف عن التحديق في الخارج.
عمر:طول حياتي يا رحمة كنت بابوظ بإيدي الحاجات الحلوة,أمشي كويس وعال العال وقبل ما آخد منها اللي أنا عايزه كانت تروح مني...بإيدي...حاجة غلط أعملها أو أقولها وفجأة ألاقي الحلم ضاع... بيتحول لكابوس ودموع...إلا المرة دي جات لوحدها,ومش عليا أنا بس عالدنيا كلها!
رحمة ( تحاول مداراة الحزن في صوتها مصطنعة الدعابة):أنا الحاجة الوحيدة اللي مش هاتقدر تضيعها منك,عارف ليه يا أستاذ لأني هافضل مكلبشة فيك بإيدي وسناني لحد ما نتجوز.
تتقدم نحوه وتضع يدها علي ظهره بحنان
رحمة:وبعد ما نتجوز إنت اللي هاتمسك فيا بإيدك وسنانك.
يلتفت عمر فنراه شاب في أوائل الثلاثينيات ما يميزه أنه لا يوجد به شئ مميز علي الإطلاق,عادي إلي درجة غريبة,عيناه متلألئة بالدموع
رحمة(بجدية وقد بدا صوتها مرتعشاً من الحزن):مش دايماً كنت بتقول إن اليأس خيانة للمستقبل,ما أحبش أشوفك كده تحت أي ظرف كان,أزمة وهاتعدي زي ما مليون أزمة قبليها وعدت
تأخذ يده بين كفيها
رحمة:مين عارف؟زي ما يقولوا لعلها رحمة.
-ينظر لها وليده بين كفيها وفي عينيها شئ فهمته,تترك يده وتدس يدها في شنطتها.
رحمة:معايا كحول.
يبتسمان
-يخرجان من الشقة,يتردد عمر لحظة أمام اللافتة,ثم يخلعها ويحملها تحت ذراعه
م/4                                                                                   ن/خ
الشارع
السيارة رحلت,يخرجان من العمارة والحسرة علي وجهيهما.
طفلة باكية ترقبهما وهما يرحلان.
م/5                                                                                ن/خ
أمام إحدي المحال
باب المحل يرتطم بالأرض بقوة,رجل ينحني ويغلق القفل.
يظهر طفل بدين يلهث من الجري حاملاً كيس.
الطفل:والنبي يا عمو عايز بكرة خيط.
الرجل:ما جيتش من بدري ليه الساعة جات خمسة خلاص بكرة ابقي حود خدها
الطفل:لسه جاي من الشغل والله ما بنطلعش قبل كده
الرجل:قبل ما تروح الشغل
الطفل:أنا باروح من الفجر
الرجل يلتفت له لأول مرة
الرجل:بتشتغل فين؟
الطفل:في فرن
-يفتح الكيس فنري ملابس متسخة بالعرق والدقيق.
-يتعاطف معه الرجل
الرجل( مبتسماً):هاتطير طيارة بيه ولا إيه؟
الطفل:شوية كده قبل المغرب
يفتح الرجل المحل ويخرج حاملاً بكرة خيط,يعطيها للطفل
الطفل:بكام
الرجل:خلاص يا ابني مش مهم كل سنة وانت طيب
قطع
م/6                                                                          ن/خ
صنينة دوران صغيرة
عمر ورحمة يجلسان علي مقعد خشبي في صمت وبجوارهما اللافتة,يرقبان زحام وهرجلة قبل الحظر.
الطفل في المشهد السابق يربط الخيط في الطائرة ,يحاول أن يرتفع بها فلا يقدر, ترتعش في الهوا ثم تسقط,ينظر للأطفال الآخرين الذين تعلو طائراتهم في غيظ,يحاول أكثر من مرة.
يجري بظهره حتي يتعثر في رحمة,تئن من الخبطة ويقع علي الأرض,وينهضانه سوياً.
يلتقط عمر الطائرة من الأرض
عمر:أنا شايفك من ساعتها,طيارتك عمرها ما هاتطير,مش موزونة عشان تقاوم الهوا,لازم تتفك وتتعمل جديد...أعملها لك؟
يومئ الطفل موافقاً
يبدأ عمر في عمل الطائرة من جديد
عمر:الواد ده بيرجعني بتاع عشرين سنة ورا
رحمة:تعرف إني ولا مرة طيرت طيارة.
عمر:خمس دقايق بالظبط وهاتبقي الكابتن رحمة اللي هاتلف العالم
تنظر له بحب وقد انهمك في عمل الطائرة.
بعد دقائق.
الشمس أصبحت متوارية تماماً وآخر خيط ضوء بدأ يرحل الآن
عمر يقف ويعلو بالطائرة,يسلم الخيط لرحمة التي تمسكه فرحة ويبدوان سعيدان لأول مرة من بداية اليوم,الطفل بجوارهما يقفز من السعادة,تبتعد رحمة عنه في مرح مشيرة إلي خوفها أن يصطدم بها ثانية.
عمر ورحمة يسيران في سكون ثم يغيبان عند أول منعطف
الطفل يدور حول الصينية ركضاً بالطائرة,الآن هي عالية وقوية يمكنها مقاومة الرياح ومنافسة طائرات الأولاد الآخرين.
-النهاية-




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق