الخميس، 29 أبريل 2021

الرمز في كتاب"النبي"لجبران خليل جبران


جبران خليل جبران ,الروحاني الرقيق,العازف علي الحقائق الكونية بمس الحروف الإنجليزية والعربية,المولود في لبنان الجميلة 1883ليلفظ آخر أنفاسه بنيويورك الناهضة 1931,الرجل الذي التهمته ظروف المعيشة المقدرة علي البشر لكنه سما عنهم بروح عظيمة اقتبست جذوتها النورانية من نفس المصدر الي أضاء بتاح حتي وهوميروس وشكسبير ولاوتسو والمعري وفولتير ودانتي,وكل العقول والأرواح المتفردة في عالم البشر,جبران صاحبي اللبناني الذي يفصل بين موته ويومي الحاضر تسعين عاماَ,لكنني أراه أمامي في لحظات كثيرة,في البداية أشتم رائحة شجرة الأرز وتلفحني برودة جبال بشري في ليل كانون, التي كانت ملجأ للموارنة المضطهدين في القرن السابع الميلادي,ثم أسمع قيثارة تنير ظلام قلبي وتجلي آلامي وأتلفت وأنا وحيد ويائس فتطالعني ملامحه المنحوتة كوجه الأنبياء والقديسين,رغم أنه عرف الخطايا وتعثر في الشهوات إلا أن النور المتألق في روحه لم ينخمد,فثابر وكتب ورسم وصار علماً يرفرف علي سماء بيروت ودمشق والقاهرة وبغداد وكل العواصم العربية,يهتف منذراً كأنبياء العهد القديم"ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين,ويل لأمة تلبس مما لا تنسج,وتأكل مما لاتزرع,وتشرب مما لا تعصر,ويل لأمة تحسب المستبد بطلاً,وتري الفاتح المستبد رحيماً,ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت بجنازة........".

جبران حبيبي في الفن والأدب والإنسانية,تلك الروح العذبة لم تتكلم إلا بالرمز كعادة أصحاب الرسالات الكبري,هل يمكنني الدنو يا صاحبي لعلك تراني فتمنحني بعضاً من كنوزك المكنونة,إن لك باباً له مكانة خاصة في قلبي,علي أبوابه اسم واحد من أعظم مؤلفاتك"النبي"إنه روضة يا أخا روحي,فهل تأذن لي أن أفر من جحيم الحياة اليومية ومنغصات عظائم الأمور وتوافهها,وأتجول مع المصطفي في أورفليس...كم أنت كريم يا صاحبي!

الرمز أوسع من اللفظ فيه تحار العقول وتقوم الحروب وتتفرق المذاهب والشيع لأجل اختلاف التأويل,الرموز في الحضارات البشرية لا تحصي بدء من النقوش الهيروغليفية والسومرية إلي رموز زمننا في الماركات العالمية للتكنولوجيا والملابس وما إلي ذلك,إننا نحيا في عالم من الرموز كتب عنه بودلير في ديوانه زهور الشر:

معبد الطبيعة أعمدته حية

وتبعث أحياناً برسائل محيرة

غابات من الرموز بيننا وبين المزار المقدس

فلنقرأ طريقنا إليه بعين الألفة

الأصوات,الروائح,الألوان تتطابق

مثل أصداء امتدت طويلاً وقد امتزجت بمكان ما

في انسجام مبهم وعميق

شأنها شأن اللامحدود والظلمة والنهار

اللغة رموز رصت بجوار بعضها البعض لتعطينا المعني في أدمغتنا,وللأشكال والألوان دلالات تشير لموضوعات وأحاسيس وتغيرات,إذا رأيت نجمة داود فقد رأيت اليهودية تجسدت في شكل سداسي الأضلاع,وإذا رأيت الصليب فهي المسيحية تمثلت في زوايا قائمة,وإذا كان المرأي هو الهلال فهو الإسلام رفع نصف دائرة,الخطوط الهندسية لو رسمت علي هيئة معينة أصبحت علامة علي معتقد ديني,كما يمكنها أن تصبح علامة علي حركة سياسية كالصليب المعقوف الذي تستعلن النازية من خلاله,أو فلسفة كالدائرة التي تحتوي داخلها الأسود والأبيض(الين واليانج)كشعار للفلسفة الطاوية,وإذا رأيت المطرقة والمنجل علي خلفية حمراء ستستحضر الشيوعية,حرف الـ Fواللون الأزرق رمز علي زمن الفيسبوك الذي استهله مارك زوكربيرج منذ عام2005,وهكذا كل ما في الحياة يتولد عنه رمز ما,فإذا اختفت الرموز اختفت الأشياء وأصبحت الدنيا كخارطة مبهمة لا يمكن قراءتها.

في عالم الفن يتخذ الرمز معني أدق وأعمق,شفرات دافنشي أقامت العالم عندما نشر دان براون روايته"شفرة دافنشي"ليناقش المسكوت عنه في التاريخ المسيحي مما أزعج الكنيسة...لقد كان دافنشي بحث سيد الرموز والشفرات,وأصدرت السينما الأمريكية أفلام عديدة عن الرموز في الحضارات كسلسلة إنديانا جونز بطولة هاريسون فورد,والكنز الوطني بطولة نيكولاس كيدج.

يصف أرسطو الاستعارة بأنها"آية الموهبة الطبيعية,وإنها علامة الشاعر العظيم"استعار جبران الرموز ليسلط الضوء علي الوقائع فحفل كتاب النبي بالاستعارات والمجازات والتشبيهات,غابة حقيقية من الرموز,كلمة symbolمشتقة من اليونانية sumbolam تعني التوثيق والربط وكان المرموز علامة للتعارف علي أي شئ مقسم إلي قسمين متساويين يسمح بالتقارب لحامليها والتعارف كأخوين,يستقبل كل منهما الآخر بحفاوة بالغة دون أن يكونا التقيا قبل ذلك,وفي القرون الوسطي عرف ايزيدور الصقلي الرمز بكونه علامة تعطي طريقاً للمعرفة,وتختلف الرموز حسب الثقافات,فالحمار نعتبره-بظلم فادح-رمز للغباء والبلاهة أما في اليونان فإن الحمار هو الحيوان الصبور وقد وصف هوميروس في إلياذته البطل أجاكس بالحمار لصبره علي آلام المعارك وقدرته الهائلة علي الاحتمال,أما ابن منظور في معجم لسان العرب فذكر أن الرمز تصويت خفي باللسان.

جبران من ضمن مواهبه فن التصوير,الرسم بالنور والظلال والخطوط والألوان في بداية الكتاب يصور موقف مشحون درامياً بعناصر متعددة وأصوات داخلية وخارجية نظمت بحس شعوري صادق.

ملحوظة:الاقتباسات الواردة من ترجمتي الخاصة حاولت من خلالها الاشتباك مع كلمات جبران

"انتظر المصطفي المختار الحبيب من كان فجراً لزمنه, اثنتي عشر سنة في مدينة أورفليس عودة سفينته لتحمله إلي جزيرته التي ولد فيه,وفي السنة الثانية عشر في السابع من أيلول شهر الحصاد,صعد إلي التل الواقع خلف أسوار المدينة ونظر باتجاه البحر,ورأي سفينته تقترب يحيطها الضباب,فانشرح قلبه,وطافت بهجته علي وجه الماء,وأغمض عينيه وصلت روحه في سكون.

لكن أثناء هبوطه من فوق التل,شعر بالحزن وقال في نفسه:

كيف أغادر هذه المدينة دون أن يعتريني الأسف؟

كلا لن أغادر هذه المدينة بدون أن تتقرح روحي من الجروح

طويلة هي أيامي المؤلمة التي قضيتها بين الجدران,وطويلة هي ليالي وحدتي,من ذا الذي يمكنه الافتراق عن ألمه وعزلته دون ندم؟

كثيرة هي شظايا روحي التي نثرتها في هذي الدروب,وكم هم كثر أطفالي العرايا الذين يروحون ويغدون بين التلال,هؤلاء هم أطفال شوقي وحنيني,ولا أقدر علي مغادرتهم دون الشعور بالأثقال علي عاتقي والأوجاع في قلبي.

ليس ثوبي هو ما أنضوه عني في هذا اليوم,بل جلدي أمزقه بيدي.

ولا هي فكرة أتركها خلفي وأمضي بل قلب رق من الجوع والعطش

لكني لا أستطيع المكوث أكثر من ذلك.

البحر الذي يدعو كل الكائنات إليه يدعوني معهم ولا بد لي من الصعود علي سطح السفينة.

فلو بقيت علي الرغم من الساعات الملتهبة في الليل,سأتجمد وأتحول إلي بلورات في قالب مرسوم.

لكم أرغب في حمل كل ما حولني هنا معي,ولكن كيف السبيل؟

الصوت لا يحمل جناحيه معه لسانه وشفتيه,يجب أن يمضي وحده يسعي من خلال الأثير.

والنسر وحيداً دون أن يحمل معه عشه يعبر عين الشمس

والآن وقد وصل إلي سفح التل,استدار من جديد باتجاه البحر,ورأي السفينة تقترب من الميناء وعلي مقدمها يقف بحارة وطنه.

ونادتهم روحه قائلة:يا أبناء أمي المعتقة في الزمن يا فرسان المد

كثيراً ما رأيتكم في أحلامي تبحرون,والآن أتيتم في يقظتي,أعمق أحلامي.

جاهز أنا للرحيل,وأشرعة لهفتي ترتقب هبة الريح.

لم يبق سوي نفس واحد سأتنفسه من هذا الهواء الساكن,نظرة حب واحدة سألقيها خلف ظهري.

وعندئذ سأكون واقفاً بينكم,بحار بين رفاقه.

وأنت أيها البحر الشاسع,الأم الغافية

أنتِ وحدك من تكفلين للنهر والجدول الطمأنينة والبراح.

استدارة واحدة فحسب هي ما بقي لذلك الجدول,همسة واحدة ستسمع في تلك الغابة,وحينها سأحل بينكم,قطرة لا حرة في محيط لا متناهي.

وبينما هو ماض في سيره لاح له من بعيد رجالاً ونساء يغادرون حقولهم وكرومهم ويسرعون نحو بوابات المدينة.

وسمع أصواتهم تناديه مرددة اسمه,صائحة من حقل إلي حقل تعلن قدوم سفينته.

وقال لنفسه:

هل يكون يو الفراق هو ذاته يوم التلاقي؟

وهل يكون ظلام ليلي هو في الحقيقة انبلاج فجري؟

وماذا عندي لأعطيه لمن ترك محراثة وسط الحقل أو لمن أوقف عجلة معصرته؟

هل لقلبي أن يصبح شجرة مثقلة بالثمر كي أجمعها وأمنحها لهم.

وهل تتدفق أمنياتي كينبوع فأملأ لهم أقداحهم؟

هل أتحول إلي قيثارة تلمسها يد القدير أو إلي ناي تسري أنفاسه من خلالي؟

راغب أنا في الصمت,وأي كنز أجده في الصمت فأوزعه في طمأنينة؟

لو كان ذلك يوم حصادي ففي أي حقل أزرع بذوري,وفي أي فصول منسية؟

إذا كانت تلك فعلاً الساعة التي سأرفع فيها مشكاتي,فإن الشعلة بداخله ليست لي.

أرفع مشكاي فارغة ومظلمة.

ومن يحرسكم في الليل سيملأه زيتاً ويوقده لكم.

هذه الأشياء انطلق بها لسانه,لكن الكثير ظل في قلبه لم ينطق.

حتي هو لا يمكنه سبر أغوار سره والبوح به.

وعنما دخل المدينة جاء الناس من كل صوب ليلتقوا به,ونادوه وقد توحدت أصواتهم فبدت كصوت واحد,ووقف أمامه الشيوخ وقالوا.

لا تذهب بعيداً عنا

فقد كنت الضياء في غبشة الظلمات وأعطانا شبابك أحلاماً تروادنا.

لست غريباً بيننا ولا ضيف,لكن ابناً عزيزاً محبوباً,فلا تجعل أعيننا تعرف مرارة الاشتياق إلي وجهك.

وقال الكهنة والكاهنات:

لا تدع موج البحر يباعد بيننا وتصبح السنوات التي قضيتها بيننا ذكري.

لقد سرت بيننا روحاً وأضاء ظلك وجوهنا.

أحببناك لكن حبنا كان صامتاً واحتجب خلف البراقع,مع ذلك ها هو الآن يهتف أمامك بوضوح,فالحب لا يعرف عمقه سوي حين مجئ موعد الفراق.

وجاءه قوم آخرين يضرعون إليه لكنه لم يجب أيهم,أحني رأسه نحو الأرض,ورأي من يقفون علي مقربة منه قطرات الدمع تتساقط علي صدره,فشق طريقه بين الناس من حوله إلي الساحة الكبري أمام المعبد.

وعندئذ خرج من الهيكل امرأة سمها ألمطرا,وكانت عرافة فنظر لها بحنان هائل,وقد كانت أول سعي إليه وآمنت به,ولم يمض علي وجوده في مدينتهم سوي يوم واحد,فحيته بقولها:

يا نبي الله يا من سعي إلي المطلق السامي,لكم بحثت في الآفاق عن سفينتك.

واليوم عادت,ولا مفر من السفر.

ما أشد حنينك إلي أرض ذكرياتك وموطن آمالك الكبري,وحبنا لك لن يقيدك أو يحبسك عنها.

لكننا سنسألك قبل أن ترحل عنا,فتخبرنا عن الحقائق.

وسوف نورثها إلي أطفالنا وهم بدورهم سيورثونها لأبنائهم وهكذا لن تفني.

في عزلتك كنت ترقب أيامنا وفي يقظتك كنت تستمع إلي دموعنا وضحكاتنا التي نصدرها في أحلام نومنا.

لذا فلتكشف لنا عن مكنوننا.

وخبرنا عن كل ما يعرض لك بين الحياة والموت.

فأجاب:

يا أبناء أورفليس ماذا أقول سوي ذلك الذي يجيش في نفوسكم الآن؟

ثم قالت له ألمطرا حدثنا عن الحب,فرفع رأسه ونظر إلي الناس وحل عليهم السكون والصمت,وبصوته العميق قال:

إذا الحب أشار لكم فاتبعوه رغم أن دروبه شاقة ووعرة,وعندما يطويكم بجناحيه فسلموا له

بالبرغم من السيف المخبأ بين رياشه.

وعندما يخاطبكم صدقوا كلامه,رغم أن صوته قد يذرو أحلامكم,كما تذرو زهور الحديقة رياح الشمال.

الحب كما يتوج هاماتكم فهو أيضاً يمددكم علي الصليب.

وكما يزهركم يشذبكم.

وكما يعتلي هاماتكم ويداعب أغصانكم الرقيقة المتمايلة في الشمس,كذلك يتنزل إلي جذوركم المتشبثة بالأرض ويرجها.

كحزم الحنطة يستخلصكم إلي نفسه.

ويدرسكم كي يعريكم.

ويغربلكم حتي تتحرروا من قشوركم.

ويطحنكم كي تصيروا دقيقاً أبيض.

ثم يعجنكم لتلينوا له.

فيحيلكم وقوداً لناره المقدسة,لتكونوا خبزاً مقدساً علي مائدة الرب العلوية.

كل هذه الأمور يفعلها الحب فيكم لربما تدركون أسرار أرواحكم,وبذلك تصيرون بضعة في جسد الوجود.

لكن إذا ما أصابكم الخوف وأردتم دعة الحب ولذته فحسب.

فالأولي بكم أن تستروا عريكم وتنسحبوا من بيدر الحب إلي عالم لا يعرف تغير الفصول حيث يمكنكم الضحك بحساب معلوم,والبكاء بمقدار محدد.

الحب لا يعطي إلا ذاته,الحب لا يأخذ إلا من ذاته

الحب لا يملك ولا يُمتلك.

الحب يكتفي بالحب.

إذا أحب أحدكم فلا يقول"الله في قلبي"ليقل"أنا في قلب الله"

ولا تظن أنك بقادر علي توجيه سار الحب,فإذا وجدك هو تستحق فسيغير مسارك أنت.

الحب لا يشتهي سوي تحقيق ذاته.

لكن إذا أحببت وكان لا بد من أن تعتريك الرغبات,لتكن تلك رغباتك:

أن تذوب كغدير جار يعزف نغماته لليل.

أن تعرف الألم النابع من الحنان الدافق

أن تكون جريحاً بسبب فهمك لجوهر الحب.

أن تنزف عن طيب خاطر بإرادتك.

أن تستيقظ في الفجر بقلب مجنح شاكراً لنعمة يوم آخر من الحب.

أن ترقد في الظهيرة ساعة متأملاً في نشوة الحب

وتعود آخر الليل يفيض قلبك بالامتنان.

وتنام وأنت تضرع إلي محبوبك في قلبك وأناشيد الثناء علي شفتيك.

ثم قالت ألمطرة ثانية وماذا عن الزواج يا معلم:

فأجاب بقوله:

ولدتما معاً ومعاً ستظلان دائماً.

وستكونان بجوار بعضيكما وأجنحة الموت البيضاء تنثر أيام حياتكم.

نعم ستظلان سوياً في سر الله الخفي.

لكن ليكن في اتحادكما فُرج للبراح.

لتتراقص رياح السماوات بينكما.

أحبا بعضكما لكن لا تجعلا من الحب قيداً.

دعوه يصبح بحراً يمور بالأمواج بين شواطئ روحيكما.

ليملأ كل واحد منكما كأس قرينه لكن لا تشربا من نفس الكأس.

وليمنح كل واحد منكما الخبز للآخر وفي نفس الوقت تجنبا الأكل من نفس الرغيف.

غنيا وارقصا معاً وكونا مبتهجان,وليحترم كل واحد منكما خصوصية الآخر.

فإن أوتار القيثارة تكون متباعدة,حتي وإن اهتزت علي نفس النغمة.

امنحا قلبيكما لبعضكما دون سيطرة.

فيد الحياة وحدها هي القادرة علي احتواء قلبيكما.

قفا سوياً وليس ملتصقين.

فإن أعمدة المعبد تقف متباعدة.

وشجر السنديان والسرو لا ينموان في ظل بعضهما.

 

المصطفي روح جبران ألبسها قالب فني استوحاه من الفيلسوف الألماني نيتشه الذي أحبه جبران وتأثر بأقواله,فإذا كان نيتشه أحيا نبي الفرس زرادشت في عمله العملاق"هكذا تكلم زرادشت",خلق جبران المصطفي وأعطاه لمسة سماوية,كروح قاربت أسرار السموات,لكن شتان بين زرادشت نيتشه الذي شقي بالناس وشقي الناس به واحتقر المرأة,وأشهر في وجه البشرية ازدراؤه,وبين المصطفي حامل الوردة والمصباح للبشرية,بأكثر من تأويل يمكننا قراءة مقدمة"النبي".

تأويل ذاتي:

المصطفي (هو جبران خليل جبران)الصادح بالأنغام العلوية في أورفليس(نيويورك),الجزيرة التي ينتظر العودة إليها هي (لبنان),أما ألمطرة التي آمنت به(ماري هاكسل,راعيته وداعمته طوال حياته).

جبران قبل النبي كان ساخطاً علي الحياة ووصفها بالعهر,ونقم علي الدنيا وعلي نفسه,ومع كتاب النبي وقد وصل إلي الأربعين سن النضوج والنبوة في مفاهيم الأديان الإبراهيمية,رأي الوجود كتلة واحدة لا تنفصم قوامها الحب كعادة الصوفية في كل الثقافات,تسامح مع الحياة ورآها حلوة رغم ما يغلفها من مرار وما يشوب عينها الصافية من قذي,وتأثر بفلسفات عديدة في هذا الكتاب علي رأسها فلسفة الطاو العميقة,لذلك لم يكن مستغرباً أن يكون كتاب النبي والطاو للاوتسو هما أكثر المؤلفات مبيعاً في أمريكا,ورأي ماضيه وتجاربه علي ضوء آخر فنيويورك/أورفليس مدينة جديدة بكر تحتاج إلي صوت صارخ في البرية يمهد لها مستقبلها الروحي,فخاطبها بلغتها الإنجليزية اللغة المبدعة علي لسان جبران,وعلهم الحكمة الشرقية في ثوب من الخيال الجميل,وهي التعاليم التي دأب علي قولها عشرات الأنبياء والفلاسفة,نطقها بكلماته فصفي اللغة وصفي المعاني العليا للمثل المرجوة,قبل يعود إلي جزيرته/لبنان التي دفن فيها,بعد أن هبط من الجبل/عمره وحياته وتأملاته)هنا تظهر المطرة/ماري هاكسل منفتحة الروح لتعاليمه بسؤالها عن الحب,وماري هاكسل وغيرها هن سؤال الحب في حياة جبران,لم يقدر علي إجابته في الحياة الواقعية,وظلت علاقاته العاطفية معقدة يشوبها حس أوديبي للنساء اللواتي كن يكبرنه عادة في السن,فيجد فيهن حنو الأمومة المفتقد بعد رحيل أمه كاملة,وفي الساحة الكبري(عالم الفن والأدب)يقدم المصطفي قوله عن مسائل اجتماعية ونفسية وأخلاقية وقانونية,تقطر بالحكمة والتأملات الطويلة,وفي أي لغة!لغة شعرية متأثرة بالكتاب المقدس,حافلة بالأقنعة والرموز والاستعارات والمجازات.

تأويل فلسفي:

المصطفي/النفس الإنسانية الحكيمة التي تنتظر الرحيل إلي أصلها القديم المنبتة منه,وقد قضت حياتها تنتظر تلك اللحظة,لحظة الموت والفناء المحببة لمن عرف الدنيا فزهدها وأراد التوحد مع الأصل بالانقطاع عن الفرع,والوصول إلي الحقيقة بعد الاستيقاظ من منام طويل(شهر الحصاد)تاركة المحسوسات في العالم/المدينة,وقد عاشت في العزلة/الجبل خلف الأسوار,ومن هناك تظهر له الحقائق المحجوبة عن الساكنين خلف الأسوار المسجونين في جدران المادة وقضبان الرغبة,وعبر البحر/الحد الفاصل بين الحياة والموت,جاءت السفينة تحمل من سبقوه في عالم الأرواح المشتاقة ذاته لهم,لكنه عاش في الدنيا ولا يريد المضي عنها دون الإفضاء للناس بما يمكن أن يخفف عنهم وطأة المعيشة والناس يحبونه ويريدون أن يسمعوا منه وعلي رأسهم المطرة/المرأة,التي بدونها لا تستقيم حياة الرجل وبلا دعمها لا يستطيع السير علي أشواك الحياة,وهو ينظر لها بحنان وشوق لأنها جزء منه انفصل عنه,وفي الساحة أمام المعبد/وسائل الإعلام والنشر التي يتحلق حولها الناس علي اختلاف هيئتها في كل عصر,يمنحهم ركائزءالحياة,ويبدأهاءبالحب كأساس الحياة والدين والعمل وكل شئ.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق