الجمعة، 11 مارس 2022

Lost...ذكري الـ15عاماً

 

Lost...ذكري الـ15عاماً

عندما عرض مسلسل lost لأول مرة علي قناة mbc action عام 2007كنت مراهقاً أبلغ من العمر 15عاماً,بدون قصد أسجل انطباعي عن ذلك العمل الدرامي الذي أعتبره جزء من وجداني وقطعة من كياني مازالت حاضرة حتي اللحظة,بعد مرور 15عاماً أخري...الأرقام!!!

متعة المشاهدة الأولي لا تنسي مع الأعمال العظيمة لكن أن تتكرر في كل مرة فذلك أمر لم أعهده في أياً من الأعمال الفنية والأدبية التي أثارت إعجابي,ربما يرجع ذلك فضلاً عن الإبداع المتكامل لمسلسل lostإلي أني شاهدته في مرحلة المراهقة أخطر الفترات حساسية في حياة الإنسان,لينفتح لي باباً للخيال والتفكير والتأمل,ومن وقتها انجرفت لنهر الأدب والفن أطوف فيه علي قدر طاقتي,ليحمني تياره إلي بلاد العالم المختلفة وعصوره المتباينة,دق قلبي مع أبطال دوستويفسكي وتأثرت بحال شخصيات فيكتور هوجو,وعشت مشكلات زمن ديكنز,وعشقت السينما الإيطالية علي يد فيلليني واليابانية علي يد أكيرا كوراساوا والصينية علي يد زانج يمو,ودار رأسي من سحر الصورة الصامتة بعدسة فريتز لانج وجريفيث شارلي شابلن,وتابعت مسلسلات بالغة الروعة والإتقان كـ game of thrones,breaking bad,dark,prison break,واستغرقتني المشاهدات والقراءات لسنين طوال,وبقي lost هو الأقرب إلي قلبي علي الإطلاق الحي في الذاكرة علي الدوام,وكيف أنسي جاك القائد المكسور الذي يعتقد علي الدوام أنه غير كفء بسبب علاقته المضطربة مع أبيه-كل الشخصيات تقريباً في المسلسل تعاني من عقدة الأب-وكايت الحسناء التي يلاحقها ماض قاس ينتج عنه أزمات لا تستحقها,وجون لوك رجل القدر والإيمان القادر علي فهم لغة الجزيرة منذ اليوم الأول,وسوير الجريح نفسياً والساعي للانتقام,وسعيد الضابط العراقي الذي لم يعرف من الدنيا سوي العذاب يوقعه علي غيره أو يوقعه من حوله عليه,وكلير الأم العزباء التي سيكتب لها مصير شبيه بمصير دانييل روسو بعدما فقدت طفلها,جن وجين والحب في أوجه والنفور في غليانه,هيرلي ومرحه ونحسه وأوهامه,بن وجاذبيته الشيطانية وخططه الجاهزة,ديزموند العاشق التائه في الزمكان ومكالمته التاريخية مع حبيبته بيني,جولييت وتضحيتها من أجل أختها,ريتشارد وحقيقته التي سنكتشفها في آخر الحلقات لتصبح مفاجئة عن المستضعف المستعبد الذي سيتحول لخارق علي الجزيرة,مايكل وابنه والت,شانون وأخيها بون,دانييل روسو وابنتها الضائعة أليكس,دانييل فاراداي وأمه إليويز هوكنج وحياتهما بين الأزمان,تشارلز ويدمور وهوسه بالجزيرة, جاكوب وأخيه والحيرة بين الشر والخير,سقوط الطائرة,مخيم الشاطئ والكهف,طائرة مهربي المخدرات,الحجرة تحت الأرض وضغط الزر كل 108دقيقة لإنقاذ العالم,مبادرة دارما وتجاربها,المغامرات في ثوب الفلسفة أو الفلسفة في ثوب المغامرة,والختام المهيب في الكنيسة حيث الكل في واحد ينشدون الرحيل كأرواح هذه المرة تسعي للنور الأبدي,وليست أجساد تتخبط في ظلمات العالم الأرضي...كيف يمكن نسيان أول لبنة في تذوقي الفني والنبضة الأولي لشغف الإبداع والانحناء تحية ورهبة لما تكنه القصص والحكايات من مضامين أشعر بها لكني عاجز عن التعبير عنها؟!

لقد كنت أنتظر حلقاته أسبوعياً أحلم وأتخيل في الاحتمالات وأرسم سيناريوهات في ذهني,لم يكن الإنترنت وقتها منتشراً بالكثافة الحالية,فالآن حلقات مسلسلات العالم كله بين يدينا لكننا نفتقد شغف الانتظار والترقب بل ربما نحتار فيما نشاهده نظراً لكثرة المعروضات!فالوفرة أحياناً ليست في صالح الإنسان,كل لقطة ختامية تتركني مذهولاً وتثير في الغضب والفضول,إني أتذكر الآن الصبي الذي كنته ملتصقاً بشاشة التليفزيون قبل عرض كل حلقة في أي مكان يصادف أنه فيه,يبحث عن mbc actionوسماع عبارة"previously on lost"كفيلة بسحبه من العالم الواقعي من حوله إلي عالم الجزيرة وحياة من فيها,فإذا تكلم بعدها فعن المسلسل وإذا صمت فإنه يفكر فيه,ويقضي ليال بين كل حلقة وأخري يتخيل نفسه أحد الضائعين-سيكبر ليتأكد أنه أحد الضائعين لكن بصورة أخري-ويتساءل كيف سيتصرف في ذلك الموقف أو مع هذا الشخص وهل سيجد النجاة أم سيظل ضائعاً؟

Lostعلامة ثقافية وفنية ظهرت أوائل القرن الحالي,فعندما سقطت طائرة أوشيانيك 815في سبتمبر 2004علي جزيرة غامضة تغيرت ذائقة الجمهور للأبد-مع أن المشروع الذي قدمه لويد برون مدير قناة abc لم يكن يتوقع له أحد النجاح بل وأقيل من منصبه بسبب التكلفة العالية له قبل حصد النجاح الهائل- وتفجرت عشرات الأسئلة والقضايا التي أثارها عبر حكاية مشوقة فارتحلنا بالزمن بين الفلاش باك والفلاش فورورد أسس درامية جريئة كانت لتغيظ أرسطو وقواعده فيها تشظي الزمان بين الماضي والحاضر والمستقبل,و المكان من أستراليا للعراق ومن أمريكا إلي بريطانيا,وبدت الخوارق قابلة للتصديق كوحش الدخان المخيف والسفر عبر الزمن ومحاولة تغيير الماضي,التي نتج عنها نهاية رغم جمالها ومنطقيتها لم ترض المشاهدين,لغموضها وامتلائها بالرموز والإحالات الدينية والفلسفية.

عشت بروحي في ذلك العالم الذي قدمه مبدعو الدراما الأمريكية,وجسد شخصياته علي الشاشة فنانين أبدعوا في أداء أدوارهم,لكن للأسف ضاعوا بعد تلك الملحمة التليفزيونية,الوحيدة التي استمرت بالظهور في أعمال هوليوودية هامة هي إيفانجلين ليلي(كايت) فشاهدناها في عالم مارفل وعالم الأرض الوسطي مع الهوبيت والمفارقة أنها كانت علي عكس أغلب الشخصيات اسم غير معروف للمشاهدين وقتها,وهنري إيان كوسيك(ديزموند)كانت له عودة قوية علي الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل the 100بدور ماركوس وهو مسلسل شبيه بأجواء lostأما البطل الرئيسي ماثيو فوكس(جاك)فهو الخسارة الحقيقية,أغرمت مع الجمهور بأداؤه لشخصية جاك شيبرد,وانتظرت أدواره العظيمة التي كنت واثقاً أنه سيقدمها بعد ذلك,لكن للأسف لاحقه سوء الحظ وحاصره الإخفاق,كأنه اتجه لعالم التمثيل فقط كي يؤدي دوره الخالد في lostويبتلع الزحام والنسيان القليل الذي قدمه بعدها.

مؤلفو ومخرجو المسلسل استلهموا من الأعمال الأدبية والفنية التي أثرت فيهم وفي الثفافة العالمية عموماً,مواقف درامية وحوارات ذهنية ومعان فلسفية دمجوها في القصة التي خلبت لب الملايين علي قناة abcفي 121حلقة,بدأت بعين جاك تنفتح وانتهت وهي تغلق للمرة الأخيرة في نفس المكان,وخلال تلك الرحلة كانت التفاصيل هي المتعة التي عششت بين كل حلقة وأخري.

حققlostصدي قوي منذ عرضه حتي الآن,فأصبح ظاهرة أفردت لها عشرات المواقع وتم تحليلها في العديد من المؤلفات باعتباره عملاً فلسفياً ذو حبكة معقدة وخط سردي ملتو,وعمل فني رفيع المستوي من النوع الذي يعلق بالأذهان ولا يغادرها,لأنه قدم كل وجوه الدراما من تراجيديا وكوميديا وتشويق وخيال علمي,والدوافع لأبطاله دوافع أولية لدي كل إنسان تتمثل في الرغبة في النجاة والخوف من المجهول والبحث عن الإنقاذ والسعي للأمل,في المنطقة العربية الكتابات والتحليلات الخاصة بها هزيلة للغاية,وأتمني ذات يوم أن يمنحني زماني فسحة من الوقت,وذهني فرجة من المشاغل,فأستعيد حماسي المفقود وأن أكتب عنه بحثاً مطولاً أكتب فيه باستفاضة ودقة عن أجمل قصة درامية عايشتها في حياتي...وهي تجربة يصعب تكرارها مرتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق