الاثنين، 15 أغسطس 2022

كل الأبواب مغلقة

 

كل الأبواب مغلقة

تظهر مجموعة من عشرة أفراد تتباين في المظهر والفئة العمرية,المسرح عبارة عن مكان غامض ومقبض أبرز ما فيه بضعة سلالم حجرية تفضي إلي الهاوية,الضوء مسلط فقط علي البقعة التي يتجمعون فيها,إنهم في الحقيقة خليط من عصور مختلفة وثقافات متعددة تعبر عن تاريخ البشرية بقدر الإمكان,لا أسماء لهم لكن كل واحد يحمل رقماً يدل عليه,بينهم امرأة واحدة هي رقم أربعة

خمسة(مستكملاً الحديث مع رقم ستة:..إذن قل لي ما الذي يخيفك؟

ستة(متمسكاً بالرقم الموضوع علي صدره):أخاف أن أفقد رقمي فأضيع ولا يصبح لي قيمة.

(يتسلل شخص مقنع من خلال الظلام المحيط بهم ويضع أول باب أمامهم,لكن المجموعة لا تراه ولا تشعر به)

عشرة:أعتقد أننا يجب علينا الاستمرار.

سبعة:ألم يكن الموعد هنا؟

خمسة:هو قال ذلك.

سبعة:إذن فلننتظر.

(يوضع الباب الثاني)

ثمانية:أحياناً أحلم أني أعيش حياة سعيدة دون هموم أو قلق,وأستيقظ من النوم والكآبة تعتصرني...فهل أنا رجل بائس يحلم أنه سعيد,أم رجل سعيد يحلم أنه استيقظ في عالم من الشقاء.

(لا أحد يجيب)

صوت:ضحكات ساخرة مستفزة

(تهبط من السماء دمي برؤوس مقطوعة)

ستة:إني خائف

(يوضع الباب الثالث)

تسعة(في حوار جانبي مع خمسة,):وكيف تتأكد من صدق وعده,ربما يكذب ولن يأتي أبداً,لطالما وعد أناساً غيرنا بالمجئ وتبخرت أحلامهم في رؤيته,ولم يرثوا من صبرهم غير الحسرة والألم,وسيطر علي أرواحهم اليأس وغزت أجسادهم الأسقام.

خمسة:إذا كانت تلك المسيرة القاسية كلها دون جدوي فقد ضاعت أعمارنا سدي في انتظار سراب.

(يوضع الباب الرابع)

واحد(هو الأكبر سناً في المجموعة):لا تقلقوا  إننا علي المسار الصحيح,ذلك هو المكان المقصود وسرعان ما سيجئ بعد قليل.

أربعة(ضارعة في سعادة)هل عند وصوله سيهبني الطفل الذي أرجوه؟!

واحد:بكل تأكيد لقد قالوا أنه صانع معجزات,سيمنحك الطفل والمال إذا رغبتي في ذلك,لكن عليك التحلي بالصبر.

(يوضع باب خمسة)

ثلاثة(يتحدث إلي الجمهور):عندما يجئ سيتغير العالم إلي الأفضل,وستغدو الأشجار أكثر اخضراراً,والمياه أكثر عذوبة,والشمس ستكتسي بحلل البهجة,وسيسكن الحب قلب كل إنسان,ولن نري دمعة طفل ولن نسمع صراخ امرأة,وسنحيا في السعادة الأبدية,وسيتعزي الحزاني,و يُنصف الأبرياء,ولن نعرف الظلام بعد اليوم,بل سنعيش تحت النور الكامل وكل من حُرم شيئاً سيجزي بأضعافه,وكل من ذاق مراً,سيمتلأ فمه بالشهد,وسنرتاح أخيراً بعدما عرفنا التعب وعَرفنا كأنما عشنا توأماً ملتصقاً لا حياة للواحد دون الآخر.

صوت:طلقات رصاص ومدفعية,صواريخ وطيارات محلقة,تتخللها صرخات مرعوبة,وصوت الكاميرات وتعليقات علي الأنباء.

(يوضع الباب السادس,وتمر لحظات صمت مقلقة,المجموعة لأول مرة تشعر بحدوث شئ غير طبيعي في الظلام من حولها,يغشاها القلق والتوجس,يجلسون في خضوع ومذلة علي السلالم الحجرية الموضوعة خلفهم...يدخل من المساحة الخالية من الأبواب شابان يضعان طاولة يتبعهما رجل يحمل كاميرا وخلفه مذيعة جميلة,ورجل يرتدي قناع مهرج علي بذلة غالية الثمن,يجلسان إلي الطاولة وتبدأ الكاميرا في التصوير.

المذيعة:وهكذا أعزائي المشاهدين في كل مكان,وصلنا إلي الفقرة الثابتة في برنامجنا مع الأستاذ السيد الدكتور الفاهم في كل المجالات,والدارس في الداخل والخارج وعلي الأطراف,ليحلل لنا أحوال العالم.

الرجل:في الواقع لا يوجد جديد تحت الشمس,ما يحدث اليوم هو نفس ما كان يحدث في القرون الماضية منذ ظهور البشرية علي كوكب الأرض,الاختلاف الوحيد أنه يحدث بوجوه جديدة وأساليب تتغير مع الزمن؛لذلك أهيب بالسادة المشاهدين ألا يزعجوا أنفسهم لأن كل ما كان سيكون من جديد ولا حيلة لنا في ذلك.

المذيعة:برافو برافو برافو...شكراً لكم أعزائي المشاهدين ونتمني أن نراكم في القرون التالية علي خير.

(يجمع فريق البرنامج أدواتهم ويخرجون)

ستة(مايزال متمسكاً برقمه):إني خائف...خائف.

ثلاثة(يحاول طمأنة ن حوله):لابد أن أوهامنا من فرط الإجهاد وعسر المسير,تصور لنا مخاوف لا أساس لها من الصحة,إن أفظع المخاوف وأشدها تحكماً في العقل والجسد هي ما يوحيه الإنسان لنفسه...أجل كلنا خائفون ولابد أن نخاف,لكن ما معني الحياة دون مقاومة للخوف والأوهام والألم,إذا استسلمنا لأفكارنا السوداء لن نفلح,سندمر أنفسنا وندمر غيرنا.

(يدخل رجل يركض خلف امرأة حاملاً مسدساً)

الرجل:سأقتلك.

المرأة:ارحمني.

الرجل:ليس اليوم محلاً للرحمة,إن تلك الكلمة قتلتها الخيانة.

المرأة:أقسم لك أني بريئة.

الرجل:لا يوجد في الدنيا بريئاً الكل يستحق العقاب لسبب أو لآخر.

(يطلق عليها الرصاص ثم ينتحر,ثم يدخل طفل صغير هو بالتأكيد ابنهما,يراهما فيبكي ثم يخرج صارخاً في فزع ويبتلعه الظلام)

ثلاثة(يقترب من أربعة فتفزع بشدة لكنه يطمئنها أنه معجب بها):لا تخشي شيئاً,لا أقصد أي سوء(متردداً في خجل)سمعت أنك تتمنين طفلاً.

أربعة:أجل.

ثلاثة:والقادم وحده هو القادر علي ذلك!

أربعة:ليست مسألة قدرة...إنني لا أرغب في أحد سواه.

ثلاثة(محبطاً,لقد نبت الحب فجأة فتغير فجأة):ولكن ماذا لو لم يأت؟!

أربعة(مندهشة):لقد تلوت للتو خطبة بليغة عن قدومه المرتقب وما سيصنعه في العالم من سعادة وبهجة لا نظير لهما.

ثلاثة (لنفسه):يا إلهي... أتمني لو لم يأت.

أربعة:أتقول شيئاً؟

ثلاثة:كلا... والطفل كيف تتخيلينه؟

أربعة(حالمة):بهي,شقي,وسيم,حنون...يعطيني بداية جديدة ومعني لحياتي,إنني أحلم منذ طفولتي أن أصير أماً,فالأمومة هي أعظم عمل في العالم,وأنت بم تحلم؟

ثلاثة(يكتشف لحظتها شيئاً محزناً عن نفسه,فيبتسم في مرارة):قضيت سنوات عمري كلها أحلم بالقادم,لم أفكر في سواه أبداً,سيطر علي فأنساني الماضي والمستقبل(يتأملها)أنساني نفسي.

(يوضع الباب الثامن)

ستة(يتشبث برقمه وقد طار صوابه):إنني رقم ستة(يصرخ)إنني رقم ستة ترتيبي بعد خمسة وقبل سبعة.

(يذهب ويقف بينهما,يتحركان فيتحرك معهما,ينظران إليه باستغراب)

سبعة:توقف عن ذلك!

ستة:وماهو ذلك"الذلك"؟

سبعة:هذا الذي تفعله.

(يتحركان من جديد,فيتحرك معهما ويحشر نفسه بينهما)

خمسة:هل جننت؟!

ستة:لا أدري كل ما أريده ألا تتركاني أنكما الشاهدان علي وجودي.

خمسة(ساخطاً):لقد جننت فعلاً!

سبعة:لم يكن ينقصنا غير ذلك.

ستة(يهمهم مترنماً)أنا ستة,ستة,ستة(يضحك بجنون)وأنتم ما رقمكم؟ومن تكونون؟وما هو الشاهد علي وجودكم(تستمر ضحكاته المجنونة)

(يوضع الباب التاسع)

(عشرة يخرج من دائرة الضوء,وينتبه للأبواب التي وضعت في الظلام,يتحسسها بيديه,يحاول فتح الباب الأول فلا يقدر,يجرب في الثاني مضطرباً فلا يستطيع)

عشرة(يصرخ ملتاعاً):يوجد هنا أبواب معلقة.

(يركض البقية نحو الأبواب وقد خرجوا من دائرة الضوء نحو الظلام الخافت,ويحاولون فتحها بطريقة بالتدريج بهيستيرية,وقبل وصولهم للفرجة الأخيرة يثبت عليها الباب العاشر,يفشلون في فتحه هو الآخر,رقم أربعة تبكي,وعشرةيقع علي الأرض منهاراً,ستة يزداد جنوناً,سبعة يبكي,ثمانية خائف,واحد ساهم,خمسة غاضب,تسعة لايزال يحاول فتح الأبواب,تسعة يائس,واحد ينظر إلي السماء برجاء,كل ذلك يحدث في ثوان قليلة,المجموعة كلها منهارة,وقفة قصيرة صامتة...يدخل من الجهة المقابلة للأبواب شبح غامض علي هيئة ظل سلويت,لا يمكن معرفة كينونته,يدق الباب,ينتبه الجميع ويثارون من جديد ويندفعون لفتح الباب,لا يزال الشبح يدق علي جميع الأبواب.

المجموعة:كل الأبواب مغلقة

أربعة(تتقدم إلي مقدمة المسرح,يتبعها ثلاثة)لما جاء ميعاده لم يتمكن من الوصول.

ثلاثة:ربما كان علينا أن(يغالب تردده وحيرته)ربما كان علينا أن نكتفي بما نمتلكه دون انتظار لأمر مجهول.

أربعة:الانتظار عذاب والوصول عذاب أشد(تنظر له بحنان وقد فهمت معني كلامه)

ثلاثة(يمد يده فتمسكها)قد يكون ما كنا ننتظره طوال حياتنا كامن داخلنا ومعنا طوال الوقت...ما يشع منه النور ويصلح حالم العالم في قلوبنا دون أن نشعر به,أو نشعر به ونتجاهله وربما نسخر منه فيذبل(ما يزال الشبح يدق في إصرار وإزعاج)...من يدري ربما كان القادم لا يحمل لنا إلا الشر.

(ثلاثة وأربعة يخرجان من الجهة المقابلة للأبواب, في سلام وانسجام متماسكي الأيدي)

ستة(يدور في جنون حول المسرح):أنا رقم ستة أنا رقم ستة,أنا بعد خمسة وقبل سبعة(يشير إلي الجمهور أثناء ركضه):فمن تكونون؟...من تكونون؟...من تكونون؟

ستار

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق