الأحد، 23 أبريل 2023

حكاية سالم وسليم

 حكاية سالم وسليم في قديم الزمان عاش فلاح في إحدي القري، مع زوجته وولديه سالم وسليم، وحين مات الفلاح تولي سالم مسئولية زراعة الأرض والعناية بها، بينما سليم ملأت رأسه الشائعات التي انتشرت مؤخراً حول وجود كنز مدفون بين الجبال البعيدة، كان سالم ينهض في الصباح يحمل فأسه ويمضي نحو الأرض يوليها كل طاقته وعنايته، ويظل يعمل بإخلاص حتي الغروب، أما سليم فكان يستيقظ متأخراً ويقضي وقته مع العاطلين في القرية يتتبع أخبار الكنز ويحلم به، تاركاً أمر العمل وإطعام الأسرة لأخيه سالم، وكان سالم يحتمل راضياً دون أن يشتكي، وفي أحد الأيام قرر سليم الرحيل بحثاً عن الكنز، حاول سالم إقناعه بالبقاء معهم قائلاً: 

-الكنز الحقيقي يا أخي ليس هو ما يجده الإنسان دون تعب أو كفاح، بل هو ما يحققه في حياته بالعمل والاجتهاد. لكن سليم صمم علي تحقيق رغبته في البحث عن الكنز، غير مهتم بنصائح أخيه وتوسلات أمه كي لا يرحل عن قريته وأرضه ويعرض نفسه للهلاك في سبيل وهم، بينما أرض أبيه في حاجة إليه، وفي صباح يوم شتوي بارد خرج سليم من القرية سراً وذهب نحو الجبال البعيدة يحلم بالكنز المدفون الذي سيغير له حياته ويجعله سعيداً وفي أثناء سفره قابل رجل عجوز عند الطريق المؤدي إلي الجبال يسأله

: -إلي أين تتجه أيها الشاب؟ خشي سليم أن يخبره عن وجهته لأنه كان يريد الكنز لنفسه فقط، فأجاب في وقاحة

: -لا شأن لك بي أيها العجوز. 

ضحك العجوز وقال: 

-انتظر قليلاً... ألست ذاهباً للبحث عن الكنز؟ 

بدت الدهشة في ملامح سليم فأكمل الرجل:

 -إني رجل عجوز رأيت الكثير في حياتي، وكل من مر في ذلك الطريق يقصد الكنز المدفون بين الجبال... إني أستطيع أن أدلك عليه. 

فرح سليم واتجه نحو العجوز الذي قال في حزم:

 -بشرط واحد. قال سليم بحماس ممزوج بالسرور: 

-كل ما تبتغيه أيها الرجل الطيب مجاب، قل مرادك. 

-أن تتزوج ابنتي. بدا الشرط غريباً ومفاجئاً، لقد توقع سليم أن يشترط عليه العجوز نسبة في الكنز، أو أن يؤدي له عملاً ما لكنه لم يرد علي ذهنه أن يتزوج، وقبل أن يجيب سليم، نادي العجوز ابنته:

 -يا زعانف ظهرت زعانف من أحد الكهوف أمام عيني سليم، فوجد صورتها منفرة وفي نظرتها قسوة واضحة، لكنه لما تذكر الجواهر والذهب والأموال التي ستصبح في حوزته زينها له الطمع، ووافق علي الزواج دون تردد، وبعد مكوثه في الكهف عدة أيام، أنهي العجوز رسم خريطة تفصيلية لمكان الكنز وقال: 

-أخبرنا أجدادنا أن في ذلك الطريق جبل قمته صفراء كالذهب وسفحه أسود كالقطران تحته صندوق كبير فيه ما يسعد من يجده. وبما أن زعانف كسولة جداً استغرقت رحلتهم شهور طويلة كي يصلا إلي الجبل ذو القمة الصفراء كالذهب والسفح الأسود كالقطران، ولما وصلا بقي سليم يحفر وحده لأيام طويلة حتي عثر أخيراً علي صندوق فولاذي ضخم حاول فتح قفله الضخم بكل الحيل الممكنة لكنه لم يفلح ، فظل بجواره ليل نهار متألماً لعجزه عن فتح الصندوق بعد إيجاده، ومن طباع زوجته السيئة ومضايقاتها المستمرة له، وذات ليلة اكتمل فيها البدر ظهر بسبب ضوئه الفضي عبارة منقوشة علي الجانب الأيمن من الصندوق نصها " المحظوظ هو من يكتشف علي ما أحتويه، إذا أردت الحصول علي ما بداخلي اذهب إلي النهر الكبير واجعل السمكة في منقار الديك، فذلك هو مفتاح الققل " اصطحب معه ديكاً وانطلق إلي النهر الكبير، ثم اصطاد سمكة وجعلها في منقار الديك وحاول أن يفتح بها القفل وظل يحاول طوال الليل، وعند الفجر مر به صياد ولما رآه علي هذه الحال ضحك وقال ساخراً:

 -يا للعجوز الماكر لقد أفلحت حيلته حقاً!

 لكن سليم لم يهتم البتة بما قاله، وفي اليوم الثاني مر عليه نفس الصياد وقال مرة أخري:

 -يا للعجوز الماكر لقد أفلحت حيلته!

 وفي اليوم الثالث كرر:

 -يا للعجوز الماكر لقد أفلحت حيلته! حينها استوقفه سليم وسأله مغتاظاً: 

-ما معني كلامك أيها الرجل؟

 -لن تفهم كلامي لأنك أحمق. 

غضب سليم وهجم علي الصياد، قهقه الصياد وهو يدفعه عنه بيده: 

-ألم أقل لك أنك أحمق؟!... وهل يوجد في الدنيا من يصدق أنه يمكن فتح صندوق فارغ، بمنقار ديك فيه سمكة؟ صاح سليم:

 -فارغ؟

 -سأثبت لك. 

حمل الصياد الصندوق وخلع جانبه بسهولة شديدة وقال:

 -إنه مجرد صندوق خشبي ردئ الصنع!

 نظر سليم داخله فوجده فارغاً إلا من ورقة مكتوب فيها" كنزك الحقيقي هو ما تنجزه فوق الأرض، فاترك باطنها وعد لتجده" جلس منهاراً منهكاً علي ضفة النهر وحكي له الصياد عن حقيقة والد زوجته:

 -ذلك العجوز أخبرني حكايته في جلسة جمعتني به في أحد الخانات علي طرق السفر، كان له ثلاث بنات قبيحات شريرات، فاحتار في أمر زواجهن كي يرتاح من مشاكلهن وإزعاجهن المتواصل له، فابتدع حكاية الكنز، وأخذ يقف في الطريق المؤدي للجبال كي يلتقي بالحمقي الباحثين عن الثراء السريع بدون عمل، فيخدعهم ويدلهم علي مكان صناديق وضعها بيده ويحتارون في فتحها علي شرط أن يقبلوا الزواج ببناته، وبالفعل نجحت حيلته بتزويجك آخر بناته، ولما تمت خطته أصبح يحكيها علي سبيل المزاح، للسخرية من أمثالك...فوداعاً يا من تحاول فتح قفل وهمي بمفتاح سحري!

 قهقه الصياد من جديد وراح ليصطاد رزقه من النهر، تاركاً سليم في قبضة الحزن والندم. استغرقت رحلة العودة سنوات عديدة، كان سليم خلالها يعمل عند الناس أجيراً كي يوفر تكاليف السفر، وأحياناً يسمعه الناس يبكي وهو يقول" ليتني لم أترك أرض أبي، وبقيت في بلادي أعمل مع أخي" ولما تقدم به العمر عاد أخيراً مع زوجته التي تسبب له الإزعاج والمشكلات إلي قريته، وبجوار منزله القديم رأي طفلاً يشبه أخيه تماماً حتي خيل له أنهما عادا طفلان يلعبان في الحقول، أفاق من تصوراته علي صوت الطفل يصيح:

 -يا أبي هناك غريب في أرضنا.

 تأثر سليم لكلمة غريب، وفاضت عيناه بالدموع، خرج سالم علي صوت ابنه وتعانق الشقيقان شوقاً بعد غياب طويل، واحتضن سليم أمه والحزن يعتصرهما، وحكي لهما ما لقيه من متاعب وآلام فأشفق عليه أخيه وقال: 

-مازالت أرضنا بخير يا أخي، لقد تضاعفت مساحتها ونصيبك فيها محفوظ. 

عاش سليم بقية حياته مع زوجته المزعجة وحيدين يملأ حياتهما الشجار والتلاسن اليومي، وكان كلما رأي أسرة أخيه السعيد والأرض التي أثمرت بعرق جبينه وكفاحه علي مدار السنوات الفائتة يردد لنفسه همساً" حقاً إن الكنز هو ما يحققه الإنسان بعمله وصبره"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق