الأربعاء، 21 فبراير 2024

جزيرة اسبروو... فانتازيا صاغها الواقع

 

جزيرة اسبروو... فانتازيا صاغها الواقع

 

للقصص التي تدور في البحر بين الأمواج والجزر سحراً خاصاً، بقي متوهجاً لا يخبو بريقه منذ أن عرف الإنسان فن السرد والحكاية، ففي مصر القديمة مازالت تحمل قصة الملاح الغريق متعة فنية فريدة، وستظهر فيما بعد بصورة مختلفة في عوالم ألف ليلة وليلة، ومع أوديسيوس التائه في البحر المتوسط بعد غضب الإله بوسايدون عليه تبدأ أحداث ملحمة الأوديسة لهوميروس شاعر اليونان الأول، وتنتهي بعودته لأرضه إيثاكا وزوجته بنلوبي بعد سنوات طويلة عاني فيها الضياع والشقاء دون أن يرسي علي بر، وحين ظهرت قصص السندباد، وعبد الله البحري وعبد الله البري وغيرها من قصص ألف ليلة وليلة، المرتبطة بعالم البحر طغي سحر المغامرة البحرية علي العقل الانساني، وظهر في الأدب الغربي روايات عديدة اتخذت من المغامرة البحرية موضوعاً لها، خاصة مع التقدم الملاحي الهائل وظهور البوصلة التي كانت احدي الركائز الأساسية لحركة الرينيسانس الأوروبية، وأشهر تلك الأعمال رواية روبنسون كروزو لدانييل دافو.

وللأسف يفتقر الأدب العربي المعاصر لحد كبير لأدب البحر، رغم أن العالم العربي يمتد من المحيط للخليج! صحيح عندنا عملاقين هما صالح مرسي وحنا مينا كتبوا عن البحر، لكن كيف يصنع اسمان فقط تياراً أدبياً.

رواية"جزيرة اسبروو" مغامرة فانتازية اتخذت من البحر مصدر إلهام لها، وقد انطلقت الروائية هيام بيومي من حادثة واقعية تجري كل يوم، فالشاب مصطفي مهاجر غير شرعي محشور في مركب، هرب من بلاده بحثاً عن حياة أفضل... ليس هناك ما هو أكثر واقعية من حياة مصطفي، حتي إننا في الفصل الأول نعتقد أننا أمام رواية اجتماعية، وسيظل الخط الاجتماعي متواجداً حتي النهاية لنتبين المحيط والمشكلات الاجتماعية والتربوية التي صاغت شخصية مصطفي الأقل من عادية، المثيرة للشفقة، والمقولبة في نمط الهروب كحل للمشكلات، وقد رسمت الروائية ذلك الجزء بصدق شديد وحرفية عالية، فأنا شخصياً أعرف أشباهه من ضحايا مجتمع قاس منحرف الاتجاهات والآراء، وفهم خاطئ للأبوة أو عدم فهمها علي الإطلاق، ومع غرق السفينة التي تقله مع غيره من الطامحين بحياة آدمية، كالرجل الأسمر الذي قال عنه لنفسه"لابد أن الحرب التي يبدو أنه هارب منها أصعب من الحرب التي نحن فيها وكلاهما مر حقاً، نهرب داخل أنفسنا حين يشتد صراع الحياة ونغلق قلوبنا قهراً حين تتكرر الندوب" يجد نفسه في جزيرة تجسد مفهوم الغرابة الأدبي، وسرعان ماسيندمج القارئ في الأحداث، وسيستكشف شخصية مصطفي التي ستتحول إلي النقيض، فهو يتخد من الهروب والجبن مبدأ يتحكم في حياته، لكنه في النهاية يواجه نفسه ويواجه المخاطر المحيطة به، وتلك نظرية نفسية تعرف باسم fight or flightوهي استجابة الإنسان والحيوان أمام الخطر، فإما يهرب او ويواجه، وفي ميزان الأخلاق ذلك مقياس الجبن أو الشجاعة، يحدث ذلك بعد إداركه" إن القتل ليس إخراج الروح من البدن بل إنه أسهل فالقتل الحقيقي أن تذبل رويداً رويداً حتي آخر قطرة وبعدها لا يهم بماذا تقتل".

تلك الرواية تستحق القراءة والمناقشة، فآفة الحياة الأدبية والفنية، التي أصبحت مجرد بوستات علي منصات التواصب الاجتماعي هدفها الدعاية والمجاملة الفجة أو السخرية المنفلتة، تركز علي أعمال في غاية الرداءة وياللعجب تكون رداءتها وسخرية الناس منها سبباً في شهرتها ونجاحها! وهو مايحطم المنطق لشظايا! بينما الأعمال الجيدة تتواري كأنها تعاقب علي جودتها!

لا تخلو الرواية من أخطاء لغوية وأسلوبية مزعجة، يقع اللوم في ذلك علي الكاتبة كما يقع بنفس الدرجة علي دار النشر، التي أهملت مراجعة الرواية، أما ما نلفت له نظر الكاتبة كي تستفيد منه في الجزء الثاني-إذا كان لكلامي أي فائدة علي الإطلاق-، هو العناية باللغة لأقصي حد وبذل مجهود حقيقي فيها، فاللغة هي اللبنات المكونة للصروح الأدبية، وعندما تخون الكاتب لغته لا يحظي بالقبول المطلوب، ويحدث عكس ذلك أحياناً قد تكون الفكرة متواضعة والموضوع مستهلك ولكن اللغة القوية تغطي علي عيوب كثيرة، وتجنب التكرار في الوصف، وإلي إبطاء الإيقاع السردي قليلاً فهي تريده أن يكون لاهثاً كي يصبح مشوقاً، وبذلك تغفل الكثير من التفاصيل المهمة في الحبكة و، وتقع في مغالطات منطقية، فالفانتازيا ليس معناها عالماً دون قوانين أو منطق بل هو عالم له قوانينه المختلفة، وننتظر الجزء الثاني علي أمل أن يتلافي عيوب الجزء الذي سبقه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق