الثلاثاء، 9 أبريل 2024

مصر شريان تعايش عالمي

 

مصر شريان تعايش عالمي

 

تتوسط مصر خريطة العالم كميزان للجغرافيا وراية للتاريخ، جسدها في أفريقيا القارة الأم، ولها ذراع ممتد في آسيا، وعينيها علي أوروبا، وقدمها راسخة في محيطها العربي، ويمتد في القطر المصري قناة مائية لا مثيل لها في العالم، كجسر بحري بين الشرق والغرب، اسمها قناة السويس، ذلك الموقع الفريد جعل مصر مهد الحضارات، لينبلج منها فجر الإنسانية، ويغمر بنوره أكابر الفلاسفة والفنانين المنكبين علي دراسة الإنتاج الغزير لوادي النيل المتشعب في كل المجالات.

ذلك الموقع المتوسط جعل مصر بوتقة وملاذاً لكل الأديان والأجناس منذ الأزل، وهكذا تم صياغة الشخصية المصرية علي نمط يسمح بالتعايش مع الجميع دون تفرقة، وهنا أقول تعايش لا تسامح، فكلمة تسامح توحي أن هناك من هو علي حق والآخر علي باطل، أو أن فرداً يتفضل علي بالمسامحة، كلا إننا في حاجة لتعايش مشترك علي قدم المساواة.

في عالمنا المضطرب المعاصر موجات من التعصب يتم بثها من خلال عشرات الوسائل بصورة يومية، ناتجة عن صناعة الكراهية ليستفيد سادة الحروب وسماسرة النزاعات، وللأسف تأثرت مصر برياحها المسمومة، ما يجعل نشر ثقافة التعايش مسألة مصيرية لا غني عنها، ولتكن البداية من الطفولة، بتحسين أساليب التعليم واستعادة المدرسة دورها التربوي والعلمي، كمؤسسة لها الدور الأساسي في تشكيل الشخصية الوطنية، وليضاف للمناهج مادة جديدة، وليكن اسمها"روحنا واحدة" يتعلم خلالها الطفل، أن جميع بني البشر سواء، لا اللون والجنس ولا الثروة ولا الدين يجعل الإنسان غريباً عن أخيه، بل كل واحد منهما يكمل الآخر ويمنحه مايفتقده، فكلنا لدينا نفس القلب الإنساني الراغب بالاتصال بالسماء، وكل مجموعة اتخذت طريقاً يناسب تكوينها التاريخي، وكلهم مأمورين بالرحمة والعدالة، ولو كان كل البشر أغنياء لتوقف العمل في كل مكان ولخرب العمران، ولو كانوا كلهم عباقرة لانشغلوا بعلوم الذرة والفضاء، ولافتقدت البيئة ملائكتها الحارسين في ثياب عمال النظافة، الذين يعملون في الظل لحماية أرواحنا من الأوبئة الفتاكة، ويتعلم الطفل أيضاً أن الرجل لا يتفوق علي المرأة ولا المرأة لها فضل علي الرجل، إسكاتاً لكل الدعاوي المتعصبة من الطرفين لجعلهما في حالة من العداء المستمر، فالذكر والأنثي يتحدان لإعمار الأرض ولتخفيف حمول الحياة علي بعضهما، وليس من مصلحتهما المنافسة بل الانسجام والتناغم.

ومع ازدياد أعداد ضيوف مصر الذين وجدوا فيها الحماية والأمن من الصراعات المشتعلة في المنطقة العربية منذ سنوات، بسبب غياب ثقافة العيش المشترك ما ترتب عليه معاناتنا الجمة الآن، تتأكد أهمية تلك المادة المقترحة.

وبالمثل تعمل أجهزة الإعلام بما لها من تأثير عارم في النفوس، علي ابتكار برامج وأعمال فنية تبث رسائل تمتلئ بالمودة وإشاعة روح الوحدة بين الجميع، بدلاً من رسائل العنف والكراهية والتنمر علي مدار الساعة، ومن خلال القوة الناعمة المصرية يزداد وعي المواطن بإنسانيته، وبالتالي سيزداد إحساسه بمن حوله وينظر إلي الناس باعتبارهم شركاء له في الحياة، لا أعداء ومنافسين كما يتم شحن النفوس وملء الأسماع بعبارات تمجد القوة الباطشة، والانتقام الأعمي والتقليل من شأن الآخرين، فيمكن لفيلم واحد أو عمل تليفزيوني أن يغيرا ما يعجز عنه ألف خطيب وواعظ، لأن الفنون تخاطب اللاوعي الإنساني وتتسلل إلي روحه فتسكنها للأبد، لتقيم إذن في أرواحنا بأثر طيب يغير سلوكنا للأفضل، ونحن في مرحلة تحتاج لصناع الميديا أكثر من أي وقت مضي، لتراجع قيمة الكلمة المكتوبة لعوامل عدة، وعزوف الشعب عن القراءة الجادة الحقيقية المثيرة للتفكير والتغيير، بسبب ضعف الأدباء في المقام الأول، فأصبحت الشاشات المحيطة بنا من كل جانب مصدراً للمعرفة والمتعة في نفس الوقت، بعد الثورة التكنولوجية الخارقة التي جعلت الصورة وجمالياتها سيدة الثقافة المعاصرة.

وتطبيق خطة شاملة في المساجد والكنائس لإبراز عناصر الوفاق اللامعدودة من كل الجوانب بين الأديان، ونبذ التطرف والتعصب والتركيز علي الفضائل التي تحث المعتقدات السماوية وعلي رأسها المحبة والمساواة وبذل الخير لكل أبناء آدم، بالتزامن مع حملة ثقافية موسعة في الهيئات الثقافية المصرية، لمناقشة وشرح الأعمال الأدبية الكبري من كافة أنحاء العالم بمختلف اتجاهاتها الفكرية، وسنكتشف معها واحدية الأصل الإنساني والتشابه الذي يقارب التطابق بين الذهن البشري، لكن كل قسم جغرافي مغاير عن الآخر في التفاصيل، مع إعطاء مساحة واسعة للأعمال المؤسسة للثقافة العالمية ككتاب الخروج للنهار من مصر القديمة، والإلياذة اليونانية، والإنيادة الرومانية، والفيد الهندية والأفستا الفارسية.

بتلك الخطوات يزداد وعي المصريين بأهمية الترابط والتلاحم بين جميع أفراد المجتمع، لمواجهة تحديات معقدة غير مسبوقة، علي المدي القريب والبعيد، ولاسبيل لاجتيازها إلا باتحاد كل من تظلهم سمائها، ويقتاتون من خيرها تسري في عروقهم مياه النيل النيل، وباجتهاد الجميع للتقارب والتفاهم، سيكون الأمرة متعباً ومكلفاً، لكن ثمن التنافر والتشاحن والكراهية لا يمكن لأي مجتمع أن يحتمله...فلنزدهر سوياً أو نذبل فرادي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق