الأحد، 5 مايو 2024

عتبات البهجة المغلقة

 

 

 

للدراما غرام خاص بالأدب، فمنذ ظهور الكاميرا ارتوت الشاشة من نبع الأدب في مختلف البلدان والثقافات، واجتماعهما سوياً يثير مشاعر مختلفة فيصبح للقلب عينا علي الصورة وأخري علي الكلمة، ومهما قيل عن اختلاف الوسيط والوسيلة بين العمل الادبي والعمل الدرامي المقتبس عنه، ستظل المقارنة بينهما موجودة وذلك أحد الحسنات الكثيرة لعلاقة الدراما بالأدب، لأنها تشرع للناقد نوافذ عديدة يتأمل منها تفاصيل تثير التفكير والتأمل.

وللأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد عدة تجارب مع السينما والتلفزيون، فتم تحويل روايته الشهيرة-وفي رأيي الأجمل في مسيرته الأدبية- لا أحد ينام في الأسكندرية ثم رواية في كل إسبوع يوم جمعة لأعمال تلفزيونية، أما السينما فقد اختارت رواية الصياد واليمام، وأخيراً عرض مسلسل عتبات المأخوذ عن رواية بنفس الاسم نشرت في عام ٢٠٠٥ تدور حول صديقين تجاوزا الخمسين، يبحثان عن البهجة في العلاقات النسائية والتكنولوجيا والأعشاب الطبية والسينما، وقد كتبها عبد المجيد عقب وفاة زوجته بالمرض الخبيث، واصابته هو نفيه بمرض في القلب استدعي العلاج بالتمشية كل يوم، وتلك الظروف تركت بصمتها واضحة عند أحمد بطل الرواية وصديقه حسن صاحب الآراء الغرائبية في الحياة والطب، وبنل إن السينما ملمحاً بارزاً في حياة وأدب إبراهيم عبد المجيد، حتي إنه خصص لها كتاب"أنا والسينما" نجدها حاضرة بقوة في أعماله عموماً بل إن فيلم عربة اسمها الرغبة بنهايته الحزينة هو ما زرع فيه بذرة تلك الرواية التي جلس لتدوينها مباشرة عقب مشاهدة ذلك الفيلم.

بين صفحات الرواية نستشف الحالة العامة للمجتمع المصري في بداية قرننا الحالي، ونلمس جزء من الاسباب التي فاقم تجاهلها من أضرارها دام تأثيرها حتي اليوم.

ومع تحويل المسلسل لرواية بنفس الاسم في رمضان ٢٠٢٤من بطولة يحيي الفخراني وإخراج مجدي أبو عميرة والإشراف الدرامي لمدحت العدل، لم يحتفظ صناع العمل إلا بالإطار العام للرواية، ويحسب لهم إدخالهم في صميم القصة أزمات الجيل الحالي كانهيار التعليم وانتشار المخدرات والجانب المظلم من الانترنت والتكنولوجيا، وغيرها من المشكلات التي يئن تحتها الشعب المصري، وقبل بداية عرضه كانت التوقعات تلامس قمة التفاؤل والأمل بعمل مميز بسبب ارتباط الفخراني في الوجدان العربي بالأعمال الجميلة التي تحتل مكانة خالدة في الذاكرة البصرية للجمهور العربي ككل، لكن من الحلقات الأولي تقلصت الآمال المعقودة علي النجم المحبوب، رغم إن أداء الفخراني نفسه لم ينقص منه شيئاً، فالعيب الأساسي للعمل يكمن جزء كبير منه فيما وراء الكاميرا، وخصوصاً في السيناريو الذي قدم شخصيات نمطية للغاية لها سلوك متوقع، مع العيوب المعتادة من ورش كتابة السيناريو وخلط فن الذراكا بمحتوي السوشيال ميديا، والأداء التقليدي للغاية لبعض الممثلين وأبرز من وقع في فخ الأداء التقليدي هي جومانة مراد في شخصية نعناعة، فدور المرأة الشعبية يحتاج لمراجعة جذرية من أهل الفن في مصر، بمشاركة مختصين واعين للماهية الحقيقية للمرأة الشعبية وصفاتها الإيجابية والسلبية علي السواء، في المقابل نري علاء مرسي في شخصية عيطة قليل الحيلة المقهور، يؤدي شخصية الغلبان بصدق مؤثر، وبالنسبة لتسكين الأدوار للعديد من الوجوه الشابة فقد جاء بعيداً عن الصواب لحد كبير... وإذا سألتني"أين أجد عتبات البهجة في الرواية أم المسلسل؟" فسأنصحك أن تتجه لصفحات الرواية، ولتعتبر المسلسل محاولة لم يحالفها النجاح لصناعة بهجة درامية كعادة الفنان يحيي الفخراني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق