الصين اليوم... قراءة بعيون عربية
في يناير عام ١٩٥٢ بالمنزل رقم ١٦ في زقاق داتساوتشانغ بالعاصمة الصينية بكين، صدرت باللغة الإنجليزية مجلة بناء الصين، والتي سيعرفها العالم بخمس لغات باسم الصين اليوم بدء من عام ١٩٩٠حتي الآن. أسست المجلة السيدة سونغ تشانغ لينغ زوجة القائد السياسي والمنظر الثوري صن يات سن، الذي كتب عنه الكاتب المصري عباس محمود العقاد كتاباً حول سيرته عنوانه"أبو الصين"، لتكون تلك المجلة رسالة الصين الجديدة بعد ثورتها لشعوب العالم، تخاطبهم بالصدق والمودة وتشرح لهم واقع الصين، لكسر الحصار الإعلامي ضد الجمهورية الوليدة من رحم سنوات من الكفاح والنضال.
في عام ١٩٦٤صدرت الطبعة العربية، لينفتح أمام الوعي العربي المعاصر باباً جديداً علي الحضارة الصينية، ومن ذلك الزقاق في ببكين بدأت مرحلة هامة بين الصين المتجذرة في التاريخ ٥٠٠٠آلاف عام، والحضارة العربية التي تمتد علاقاتها بالصين منذ عهد أسرة تانج، وتوجت في زمننا الحالي بالعديد من الصلات والزيارات المحورية، والمساندة من الشعب الصينية للشعوب العربية كافة لاسترداد حقوقها المهدورة، ومن أبرز تلك المواقف الثابتة تجاه المصير العربي مساندة رئيس الوزراء الصيني تشواين لاي لمصر أثناء حرب أكتوبر.
لقد غيرت مجلة الصين اليوم من حياة العرب وتفكيرهم، وفتحت لهم آفاقاً جديدة من المعارف والتجارب، ومازلت أتذكر وقلبي يمتلأ إيماناً بالإنسانية وروعة التواصل بين الشعوب تلك القصة المؤثرة عن الشاب السعودي، فبعد سنوات قليلة مز صدور الطبعة العربية، يزور ذلك الشاب الصين حاملاً معه معاناته من مرض شلل الإطفال، وفي يده يقبض علي الأمل المجسد في نسخة من مجلة الصين اليوم، ورد فيها أخباراً عن قدرة الطبيب الصيني تشن سي خه علي علاج مرضه الذي سجنه في كرسي متحرك طوال حياته، وجاء لبكين يتوق للحرية، فاستقبله العاملون في المطبعة وساعدوه في الوصول للطبيب الصيني، فأحاطه بعناية طبية فائقة، وعاد لبلاده معافياً أقوم مع كل عدد لمجلة الصين بالسفر لربوعها، فأجلس علي ضفة نهر اليانجستي وأسافر لشانغهاي، وأري ما فعلته المدن الصينية من معجزات كنينغبوه وأردوسي ومقاطعة شاندونغ وشيتسانغ، فما كان ينشر علي صفحات المجلة قبل عقود مضت كأحلام وأماني، أصبح في الأعداد الحالية واقعاً حياً، أراه في القفزة العملاقة للصين التي ألهمت أبناء العالم الثالث، وجعلتهم يرغبون في اللحاق بها كنموذج مثالي، وها نحن نقرأ اليوم في المجلة عن مساهمة الصين في بناء مستقبل جديد لعالم يتهدده الضياع، بمشاريع عملاقة كالحزام والطريق ومجموعة البريكس، وأطلع بشغف علي القسم الثقافي لأستزيد من عمق الفلسفة الصيني، وأقف علي شاطئ بحر حكمتها مبهوراً، وأطالع أخبار نجوم السينما الصينية التي أدين لها بإضافة الكثير لوجداني ومشاعري ومتعتي البصرية، وكلما قرأت قسم"علي مقهي في الشارع الصيني" أبتسم ويرد علي خاطري باباً صحفياً شهيراً كان يكتبه الأديب المصري إحسان عبد القدوس تحت عنوان"علي مقهي في الشارع السياسي"، وخصصت المجلة للمسلمين الصينيين قسماً خاصاً بهم، يناقش حياتهم ويمد جسور الصداقة والتعايش بين الأديان.
القراءة عن الصين ودراسة تاريخها آدابها وفنونها متعة شخصية، فمن خلال ذلك أتثقف ذهنياُ وأنتشي روحياً وأتنور حياتياُ، لقد شعرت بنبض الصين منذ بان كو أول المخلوقات في المثيولوجيا الصينية، حتي الأعمال الأدبية ليو هوا ومويان، وأفلام جونج لي-ممثلتي الصينية المفضلة- وسينما زانج ييمو المبدعة، وفي رحلتي مع الصين ترافقني علي الدوام مجلة الصين اليوم، أتابع علي صفحاتها ما ينشط عقلي، ويجعل الأمل ينبثق بداخلي، فنحن في النهاية أبناء الشرق أو علي حد تعبير المجلة"كلنا شرق" أعرف جيداً إننا إما ننهض سوياً أو نسقط فرادي، فما نجحت فيه الصين ويشرق علي صفحة مجلتها ولسانها في العالم أعتبره هدف يتجدد مع كل عدد لكل بلاد الشرق، وأسعد بما أراه وأعتبره نجاحاً شخصياً لي، فما بين النيل واليانجستي صلة تاريخية ومستقبل نري خطواته الأولي الزاهرة منذ سنوات، وأتمني أن أجده قريباً يكتمل علي صفحة مجلة الصين اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق