الخميس، 3 يوليو 2014

إلي أين يمضي المشاءون؟!



إلي أين يمضي المشاءون؟!
سؤال يوسف زيدان عن المشائية الإسلامية
 

بدأت الفلسفة لما توّج سلم التطور الإنساني بالعقل,فكان الجد العاقل الأول أول فيلسوف,تساءل عما حوله ما هو,فتفكر في الماهية التي لا زلنا نتفكر فيها حتي اليوم,ثم تأمل في ذاته ومازلنا نتأمل لليوم,ثم ارتقي ببصره بعيداً عن عالم الهيولي المحيط وأراد عالم المُثل والسلام,وحتي اليوم لا يزال سعي كل إنسان منا هو الانعتاق نحو ما وراء المادة.
فمن العاقل الأول حتي العاقل الأخير-العالم علي كف عفريت ومنذ بدأ وهو يحمل في داخله بذور فناؤه-تمشي العقل البشري في أسئلة نتجت عنها مقدمات ابتدعها عقل شخص مجهول ليصل كل واحد ممن وصلت لنا أسمائهم فيما بعد مدونة إلي نتيجة تخصه,أراحت له نفسيته وهدأت ثوران أفكاره,وأظهرت صورة الدنيا كما تصورها فتأثر بها من تأثر ونقدها أو نقضها من لم يجد في نفسه لها هوي.....لكن هناك عقل جبار تجسد في شخص واحد فارق الدنيا قبل الميلاد بأكثر من ثلاثة قرون لم يفلت من تأثيره البشر حتي اليوم! هذا العقل الجبار اسمه...أرسطو.وكأي إنسان وقع أرسطو في أخطاء وتخيل خيالات ساذجة وله عذره في ذلك فاليونان لم يكن عندهم آلات لأنهم يحتقرون العمل اليدوي وكان علم الأحياء مثلا هو أول البارزين فيه,ورغم أن هذا الرجل أعلي من شأن العقل الإنساني والتفكير فقد حولته أوروبا لعقبة لمدة 15 عشر قرناً بسبب عبارة لاتينية تقول:"هكذا قال أرسطو,فإذا وجدت هذه العبارة فتوقف تماماً عن التفكير,وأن أي محاولة لتخطيها,وهو تجاوز لقدارات أرسطو وامتهان قداسته"!!!
المشائية التي تعني المشي والترقي بالعقل لمحاولة الوصول للحقيقة بدايتها مع الإنسان ونهايتها نهايته,أما المشائية اللوقيونية التي تزعمها أرسطو وتبعه فيها الفلاسفة الآخرون فتلك لها خط يمكن تتبعه,وقد حصرها السؤال في الفلسفة المشائية الإسلامية.
رغم أن اسمها مشائية,إلا أنها وصلت لبلاد المسلمين سابحة عن طريق البحر المتوسط الذي فصل اليونان عن العراق التي يخربها اليوم المجانين مع الشام مفسدين في الأرض,تلعنهم حضارة سومر وبابل وآشور والفينيقيون,وينظر إليهم جلجامش القوي مغتاظاً يتمني أن يعود مع إنكيدو ليخلص بلاده من شرورهم السرطانية,قبل قرون طويلة لم تكن بغداد كبغداد,بل كانت ببساطة كما يناديها عبد الرحمن الأبنودي بعاميته العظيمة
"بغداد...يا أم التاريخ والحكمة والأشعار
بغداد يا أم القصور والنخل والأنهار"
لكن"لكل شئ إذا ما تم نقصان   فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأيام كما شاهدتها دولاً     من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي علي أحد    ولا يدوم علي حال لها شان"
كما نعي أبو البقاء الرندي الأندلس وهي يري تلك البقعة الكوزموبوليتانية تذوب من الأرض كما يذوب الملح في الماء.
فحدث ما قال به أحمد رامي :
"إيه بغداد والليالي وكتاب
ضم أفراحنا وضم المآسي
عبث الدهر في بساتينك الغناء
والدهر حين يعبث قاس
فتصديت للغزاة وجابهت
إذا هم مثل الجبال الرواسي"
الدم والدمع لا يكفيان ما يحدث في العراق وسوريا, ليس للمساكين مثلي إلا ترديد أبيات الرثاء.
إييييه....
بغداد "من أسكن الشاعر الولهان موطنه.. بغداد أنت نجوم الليل والظلمِ
بغداد أنت شفاء العين من رمدٍ.. بغداد أنت لقاء الله بالأممِ
طردت منك لكن لا أودعك.. بغداد أنت انبراء الروح من سقمِ
الشمس أنت فضاء الدوح مبتهجٌ.. أو جنة الجنات أرضها علمى
بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ.. بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ
بغداد أنت هوى العصفور مهجته.. كالريح تعزف ألواناً من الحلمِ
شتان أنت سوى حلمٍ شغفت به.. ذا الحلم كالموت مريحٌ بعضه يلمِ
بغداد كونى للحوادث ضيغماً.. للموت بعد حياةٍ فيه منتقمِ
قد كان ما أصبو بالله لى هدفاً.. شتان ما أصبو والله أن يسمِ
أصبو الحياة بعيداً عن مساوئها.. إنّ الحياة خمارٌ برقعٌ دلمِ
بغداد تصرخ والأعراب يشغلها.. حكم العبيد بعيد العزّ والكرمِ
يا روح دجلة للأرواح مالكةٌ.. تبكى عليك عيونٌ قلّ ما تنمِ
تبكى عليك عيونٌ غاب بؤبؤها.. وذى سيوفٌ لطعم الطعن تلتهمِ
تبكى عليك عيونٌ ذبن من أرقٍ.. وبى عذابٌ بريح الغدر من دَلَمِ "
وصدق المتنبي...!
في بغداد ظهر من سيُحتار فيه وستتبلبل الأقول والآراء في وصفه,الأكيد أنه هو أول فيلسوف ظهر في تلك المنطقة,لكن سيقولون مرة أنه أول فيلسوف مسلم ومرة أنه أول فيلسوف عربي,وهما لقبان يجمعهما الكثير نعم ويفرقهما أيضاً الكثير,فهل تنسب فلسفته للعرب أم للمسلمين,العرب معروفة أنسابهم وقد كان الكندي عريق النسب فهو من قبيلة كندة المعروفة,ومع ذلك لا نستطيع تحديد سنة وفاته ولا ميلاده بالضبط وهذا ماسيحدث مع الفارابي زيادة علي ذلك لن نعرف نسبه ولا مكان ميلاده!! أما المسلمون فهم أنساب شتي وثقافات متعددة انصهرت كلها في دين محمد.
تعرض كل من الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد,لاتهامات ومحن وطعن,حتي من قبل حملة الغزالي علي المشائية وتكفيرهم ,والفلسفة بوجه عام,فكما كانت للفلسفة مقدمات سابقة علي ظهورها كان لرفضها أيضاً مقدمات مضادة,فلم ينشأ أول فيلسوف أو أبو الفلسفة العربية الكندي من الخواء,ففي الشعر الجاهلي الكثير من الفلسفة وفي القرآن والحديث وخطب المتكلمين في الجاهلية وشعائر الحنفاء,فكانت الأرض محروثة لا ستنبات الفلسفة العربية...
الكندي حكايات بخله وجهله!!-الموضوعة- مازلت مقرونة برجل وصفه ابن نباتة"كانت دولة المعتصم تتجمل به وبمصنفاته"ومع ذلك لم يسلم من اتهامات ابن نباتة وتشويه صورته علي يديه,لكن يتلقفه الغرب كما كما يهوي تلقف كل ما يقع تحت يديه ويفحصه ويدرسه ويتعلم منه,فيقول عنه كوردان أحد فلاسفة عصر النهضة الأوروبية :"يعد الكندي واحداً من اثني عشر هم أنفذ الناس عقلاً,وأنه كان في ان في القرون الوسطي يعد واحداً من ثمانية هم أئمة علوم الفلك",ويؤكد ماسنيون"إمام أول مذهب فلسفي إسلامي في بغداد"
لكن ماذا فعل الكندي ليكون أول فيلسوف-عربي أم مسلم؟!-
تعود أهمية الكندي إلي اعتناؤه بترجمة أعمال المعلم الأول أرسطو,وصبغها بالصبغة الإسلامية فهو لم يفارق التفكير الذي صاغه الإسلام ولا فارق منطق أرسطو,فنقل أرسطو وأدخل التفكير الإسلامي فيما يقول,لكن أفسد كتاباته عدم عنايته بالعبارة وإلغاز المعني حتي أن القارئ العادي يجد صعوبة بالغة في المشي مع الكندي,وسواء كان الأمر خارج عن إرادته لصعوبة المادة العلمية ذاتها ومشاق الترجمة مع عدم الإخلال بالأصل,أو كان متعمداً كي لا يطلع عليه إلا صفوة العقول وأن تمتاز الفلسفة عن سواها من العلوم بتلك الهالة التي تحجبهاعن العامة فسنجد نفس الأزمة عند الفارابي رغم  أن كليهما أديب قال الشعر!! وهذا يمكن يرجح كفة التعمد!
في رسالته للمعتصم بالله بعنوان"في الفلسفة الأولي"يعبر الكندي عن إخلاصه وتقديره للفكر الفلسفي؛ولم يبخل عليه الفكر الفلسفي فقدره هو الآخر,يقول:" إن أعلي الصناعات الفلسفية منزلة وأشرفها مرتبة صناعة الفلسفة,التي حدها علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان,لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق وفي عمله العمل بالحق,لا الفعل سرمداً,لإنا نمسك,ويتصرم الفعل إذا انتهينا إلي الحق.
ولسنا نجد مطلوباتنا من الحق من غير علة,وعلة وجود كل شئ وثباته الحق لأن كل ما له إنية له حقيقة,فالحق إضطرار موجود إذن لإنيات موجودة.
وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولي,أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق ,ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف,لأن علم العلة أشرف من علم المعلول؛لأنا إنما نعلم كل واحد من المعلولات علماً تاماً,إذا نحن أحطنا بعلم علته...."

كان الناس قبل اكتشاف المخطوطات القديمة يبدأون الفلسفة المشائية بابن سينا,ثم ظهرت أعمال الفارابي فبدأوا بالفارابي,ثم جاءت مخطوطات الكندي فانقلب الترتيب رأساً علي عقب!!
وقد أراد الفارابي الجمع بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو وتقريب آرئهما,وقد كان عصامياً مكافحاً,محباً للعلم زاهداً في الدنيا,لُقب بالمعلم الثاني بعد أرسطو,قالوا أنه يعرف أكثر من سبعين لغة! ورووا الأعاجيب عن صناعته الموسيقية وينسبون له آلة القانون,ولو كان الكندي صبغ المنطق اليوناني بالفكر الإسلامي فالفارابي مزج الفلسفة بالدعاء في مناجاة فلسفية لله"العلة الأولي"...اللهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء,وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء.اللهم أنقذني من عالم الشقاء والفناء واجعلني من إخوان الصفاءو أصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء,أنت الله الذي لا إله إلا أنت,علة الأشياء ونور الأرض والسماء,امنحني فيضاً من العقل الفعال يا ذا الجلال والإفضال,هذب نفسي بأنوار الحكمة وأوزعني شكر ما أوليته من نعمة أرني الحق حقاً وألهمني اتباعه,والباطل باطلاً واحرمني اعتقاده واستماعه,هذب نفسي من طينة الهيولي إنك أنت العلة الأولي"
ويموت في دمشق التي يموت فيها اليوم الآلاف في مشهد عبثي قاس يذكرني بحرب لبنان الأهلية المجنونة التي لا يعرف فيها المقتول لمّ مات؟قالوا حينها قتل علي الهوية...أي كلام وأي هجص, كما يحدث اليوم في سوريا كأن حرب لبنان الوحشية الهيستيرية كمنت سنوات طوال لتعود في سوريا ولا أمل إلا أن يذبحها بيديه دمشقي كنزار قباني:"
هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي لسـالَ منهُ عناقيـدٌ.. وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ.. تشفي بعضَ من عشقوا وما لقلـبي إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني و للمـآذنِ.. كالأشجارِ.. أرواحُ
للياسمـينِ حقـوقٌ في منازلنـا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ و لمـاحُ
هنا جذوري.. هنا قلبي... هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها حتّى أغازلها... والشعـرُ مفتـاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً فهل تسامحُ هيفاءٌ ..ووضّـاحُ؟
خمسونَ عاماً.. وأجزائي مبعثرةٌ.. فوقَ المحيطِ.. وما في الأفقِ مصباحُ
تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها.. وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ
أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي حتى يفتّـحَ نوّارٌ... وقـدّاحُ
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
والشعرُ.. ماذا سيبقى من أصالتهِ؟ إذا تولاهُ نصَّـابٌ ... ومـدّاحُ؟
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟ وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟
اليوم يوم أحمد شوقي:"
 سَلامٌ  مِن   صَبا   بَرَدى   أَرَقُّ        وَدَمعٌ  لا  يُكَفكَفُ   يا دمشقُ   
بعد أكثر من ألف عام وثلاثمائة عام من ميلاد المعلم الأول يولد هناك بالقرب من بخاري الشيخ الرئيس ابن سينا,فيضع للطب"القانون"ويضع للفلسفة" الشفاء",كأنه أدرك أن النفس والعقل علتهما أخطر من علة الجسد وهو القائل"الوهم نصف الداء والاطمئنان نصف الدواء".
 يقول حكيم المعرة"-الشامي الذي خرب المجانين تمثاله كما فعلوا في كل ذي قيمة!!!-:
أولو الفضل في أوطانهم غرباء     تشذ وتنأي عنهم القرباء
لا يعرف من كتب لهم بالعربية وهو فارسي الأصل من هو ابن سينا,الذين ترُجم لهم عرفوه وقدروه وبنوا عليه,حتي كاد أن يقدس عندهم كأرسطو!!فسمي كتاب القانون"الإنجيل الطبي" ظهر نبوغه مبكراً قارئاً ودارساً ومعالجاً.ورغم تأثيره علي الناس في كل الدنيا إلأ أن عصره سيطر عليه وتلاعب به,وشهواته جرته لحتفه وكان غلمانه السارقين أحد أسباب وفاته بزيادة جرعة الأفيون في مرضه الأخير حتي يموت ولا يسائلهم عن السرقة!!
بن كيسنغلي واحد من أفضل ممثلين هوليوود ولو كان يصلح لأداء الأدوار الأولي في الأفلام لعد من أساطيرها,من طينة أحمد زكي المصري,يستحضر روح الشخصية ولا يمثل يتسدعيها ثم يطلقها علي الشاشة حرة صادقة لا يُنسي دوره في فيلم قائمة تشاندلر الذي يحتل المركز السابع في قائمة أفضل الأفلام,ولا دوره كوالد لآن فرانك في فيلم عن قصة حياته وتجربتها الشنيعة مع الاحتلال النازي,قام منذ عام تقريباً بدور ابن سينا في فيلم الطبيب,وليته ما قام به,ففي الفيلم يموت ابن سينا منتحراً عقب حرق المدرسة الطبية!!!! وفي مشهد فانتازي يعمل هو مساعداً للطبيب الانجليزي الشاب الذي جاء ليتعلم الطب بعد أن غير ديانته لأن المدرسة لا تقبل المسيحيين فيصبح يهودي!!!! لكن يبقي الفيلم بكل أخطاؤه ممتع من الناحية الفنية,يبرز كيف سقطت حضارة في الخلافات والصراعات وكيف ظهرت أخري لما قاتلت وتحملت من أجل أن تتعلم علي أيدي"الحكيم" بعد أن كان ممثلها في الفيلم يعمل عن حلاق ساذج يدعي معرفة الطب,ليعود من عند ابن سينا طبيباً حقيقياً يتحدث عنه الناس.
لهم كل الحق!! فما دمنا لا نحترم تراثنا ولا نعرفه,ولا نصوغه فناً يراه الكل,فما لنا نحن وما يفعل به الغرب.
هذا هو الفكر المدرسي العقيم-أي فكر يتحول للمدرسية عقيم بالضرورة,لا يلد لكنه يتوالد ويسنتسخ نفسه حتي القرف-في ترتيبهم حسب الظهور الزمني,قبل أن يأتي الفيلسوف ناكر الفلسفة وعدوها,من ضرب الفلسفة بالفلسفة ليبرز أن الفلاسفة أغبياء ضعاف العقل,مضحوك عليهم واقعين في أخطاء لا يقع فيها العوام...أجل جاء الغزالي بتهافته الفلسفي الذي أبرز من الفلسفة ما عجز عنه الفلاسفة أنفسهم بعبارة واضحة بليغة فلسفية,قادرة علي الشرح والتفنيد,مستخدماً العقل لإبراز عجز العقل,الحق أنه لولا خوفي أن يغضب مني الغزالي لوصفته بأنه أحد المشائين,لكنه مضي في طريق معاكس وحده,غاضباً علي أرسطو ساخراً منه ومن أفلاطون...ربما هذا الرجل أكثرهم ذكاء,فما مشي إلا وراء عقله ساعياً لانتصار النص الديني علي العقل...بالعقل!
ثم جاء ابن رشد الشهير بشروحه لمنطق أرسطو وهجومه علي الغزالي,يتبناه الغرب كما تبني كل ذي عقل وجده,ونحن لم نرث من كل هذه الدنيا الصاخبة عقلياً إلا كراهية الغزالي للفلسفة وتكفير الفلاسفة دون أن يكون لدينا منهجاً علمياً ودلائل عقلية كالتي توفرت للغزالي الجبار الغريب,الذي مهما اختلفنا معه ومع آراؤه لابد أن نعترف أن الفلسفة خسرت مواهبه الفلسفية ولم يكن لها حظ منها إلا ما نالته من الهجوم عليها.
فتح أرسطو باب اللا النهائية المشائية بقوله:"فلنتفلسف إذا اقتضي الأمر أن نتفلسف,فإذا لم يقتض الأمر التفلسف ,وجب علينا أن نتفلسف لنثبت أن التفلسف لا ضرورة له"!!!
المشائية لا تعني المفهوم الحرفي للحركة علي قدمين,هي حركة عقلية مستمرة نحو المحاولة للوصول إلي الحقيقة عن طريق مقدمات يتبعها نتائج يُستخلص منها حقيقة الدنيا,وهذا سعي الإنسان المفكر أبداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق