الأحد، 13 أغسطس 2017

يونج ضد فرويد

الشغف المشترك والإعجاب المتبادل وحده هو القادر علي إطلاق الحديث بين شخصين,لحوالي ثلاثة عشر ساعة متواصلة بلا انقطاع,فقط كلام ونقاش وتقليب المواضيع لتتضح أبعادها وتنضج معانيها...هكذا كان لقاء يونج المحلل النفسي الشاب,بأبو التحليل النفسي فرويد الشهير "من حل اللغز الذائع الصيت,وكان أشد الرجل اقتداراً"قول سوفوكلس الذي نقش علي ميدالية أهداها له تلامذته في عيد ميلاده,طبعت ليها صورة أوديب وهو أمام أبي الهول يحل اللغز وينقذ المدينة ويعيد لها الاستقرار,بفضل التفكير واستخلاص نتيجة علمية كان من شأنها قتل الوحش!
هكذا ينظر لفرويد من قبل تلاميذه"الفرويدين"حيث يجلونه بشدة ويأخذون كلامه مقدساً ويدافعون عنه بكل الطرق,مسحورين بإنجازه وسحر اسمه وسعة تأثيره,حتي جاء من اعتبره فرويد خليفته في مجال التحليل النفسي ومثار إعجابه وتقديره كان يسميه أحياناً ابنه ووريثه, وكان يعتبره هو المفكر الأصيل بين تلاميذه الرجل الذي سيخوض بالبشرية في دنيا التحليل النفسي علي غرار عيسي بعد بينما فرويد سينظر لها فقط من بعيد كموسي!جاء يونج لينبذ الكثير من آراء فرويد ويتبني رؤاه الخاصة بالنفس البشرية,متحدياً بذلك سلطة الأب محاولاً قتله والتمرد عليه بحسب نظرية فرويد!!!
قد أُعجب يونج بفرويد منذ أن تعرف عليه عن طريق القراءة والمراسلات وحين قابله اعتبره أهم شخص عرفه قدر فطتنه وذكاؤه اللتان ليس لهما نظير,لكنه كان كأرسطو مع أفلاطون حين قال الأول"إني أحب أفلاطون ولكني أحب الحقيقة أكثر"وكألفريد آدلر خرج يونج عن عباءة فرويد,باحثاً عن هويته وهوية الإنسان,واليوم يدين العالم لفرويد ويونج لتأسيسهما مدرسة التحليل النفسي وبلورة اتجاهها المعروف الآن,حيث بدأ الغوص في أعماقه لتحديد عواطفه ودوافعه مخاوفه وطموحه تاريخه النفسي ومستقبله في عالم يثير الجنون والانتحار,كان لكل واحد منهما رؤيته الخاصة,مما أثري الحياة العقلية في مجال التحليل النفسي"لولا اختلاف الرأي يا محترم . لولا الزلطتين ما لوقود انضرم"بهذه الطريقة يتم دفع ركاب الحضارة والتقدم,بالجدل والنقاشات واستقلال الرأي والثقة في الذات والجهر بالاعتقاد الشخصي المبرأ من الهوي القائم علي أسس علمية,ليس  بالتبعية وتقديس ما لا يقدس واعتبار أن ليس في الإمكان أبدع مما كان,أو كما أرسل يونج لفرويد مقتبساً قول نيتشه"المعلم السيئ يكون جزاءه أن يظل المرء مجرد تلميذ,لماذا,إذن ينبغي أن لا تتجرأ علي مقامي؟أنت تبجلني,لكن ماذا لو سقط موضع تبجيلك واحترامك يوماً؟إحذر حينها ألا يضربك الصنم الساقط من عل ضربته القاضية!أنت لا تبحث عن ذاتك حينما تجدني,ككل الأتباع أتمني أن تخسرني لتجد ذاتك,فقط حينما تنفيني من داخلك يمكنني العودة إليك"
اختلف يونج مع فرويد في
1-اعتبر فرويد أن اللاوعي هو مركز الأفكار المكبوتة,والذكريات,وأن محركه الأساسي الجنس والعدوانية,رآه مخزناَ,لرغباتنا الجنسية,وينتج عنه الهيستيريا,والهيستيريا كانت مصطلحا شهيراً في زمن فرويد,نعرفه الآن باسم المرض النفسي.
ثم جاء تقسيمه للنفس الإنسانية لثلاثة أجزاء"الهو,الأنا,الأنا الأعلي"الهو يشكل دوافعنا ورغباتنا اللاواعية وعلي رأسها الجنس,غير مقيد بأي مانع من أخلاق أو حضارة أو دين أو ضمير,هو فقط يسعي لإشباع شهواته,الأنا هو إدراكنا الواعي,ذكرياتنا وأفكارنا التي تتيح لنا التفاعل مع الواقع المعاش,الأنا الأعلي وهو الضمير الرقيب علي التصرفات,الذي يمثل الأخلاق الاجتماعية المقبولة.
يونج أيضاً قسم النفس لثلاثة أجزاء بالإضافة إلي تقسيم اللاوعي داخل الهو,للاوعي الفردي واللاوعي الجمعي,بالنسبة إلي يونج يتضمن الوعي الفردي كلاً من الذكريات المكبوتة والحرة,واللا وعي الجمعي هو وعاء خبراتنا ومعارفنا التي ولدنا بها.
كان لاهتمام يونج بتاريخ الأديان والروحانيات تأثير كبير علي فهمه للنفس الإنسانية,فظهرت مفاهيمه للمندالا والصور الذهنية الأولية.
-2تأثير فرويد الشهير لتفسير أحلام الفرد ومن خلالها يمكن تحليل رغباته ودوافعه ومخاوفه وآلياته الدفاعية قلقه واضطرابه,شق به طريقاً ملكياً للوصول إلي نفس وعقل الإنسان,حيث يتيقظ في النوم ما كبته وأخفاه طوال النهار,يتحرر من الأنا والأنا الأعلي وينطلق حراً,معبراً عن أعماق الإنسان,ووظيفة المحلل النفسي هي رد هذه الرموز التي ترد في الحلم إلي معناها الصحيح.
الأحلام عند يونج تعتبر النافذة السحرية علي اللاوعي,وعلي عكس فرويد لم يكن يري أن كل محتويات الأحلام بالضرورة عبارة عن رموز جنسية متنكرة تنتظر تأويلها,فمثلاً العصا هي القضيب والفرو أو الطريق الزلق الناعم هو المهبل,وصف يونج الأحلام كمركز لصورنا الذهنية الرمزية,ويمكن تفسير الأحلام طبقاً لتجربة الحالم نفسه.
رفض يونج فكرة"قاموس الأحلام "حيث يتم تفسير الأحلام حسب قواعد ثابتة,فالأحلام تهمس لنا بلغة مختلفة مكونة من رموز وصور و مجازات,تشكل عالم الفرد الخارجي كالشخصيات والأماكن التي يراها الفرد والداخلي كالمشاعر والرغبات والاعتقادات.
وافق يونج علي أن الأحلام تعكس الكثير من أحداث الطفولة كما أكد فرويد في تفسير الأحلام لكنه رآها أيضاً مصدراً للتنبؤات ومصدر فذ للإبداع.
3-الجنس واحد من أكبر النزاعات بين فرويد ويونج إن لم يكن هو الأكبر علي الإطلاق,ففي حين تعتبر الرغبات الجنسية هي كل شئ عند فرويد حيث هو الدافع الخفي خلف كل سلوك,شارحاً لهذا المفهوم من خلال استعانته بالتراجيديا اليونانية من خلال عقدة أوديب وإليكترا,حيث تعتبر الرغبة في المحارم هي الرغبة المكبوتة لدي الطفل ثم تتطور فيما بعد عبر حياته الجنسية وتتجه لنساء أخريات
رفض يونج عقدة أوديب واعتبر أن العلاقة بين الطفل وأمه تقوم علي الرعاية والاهتمام وليس الرغبة الجنسية,واعتبر أن فرويد بالغ كثيراً في تقديره لأهمية الجنس,أن الجنس ليس سوي مظهر واحد من مظاهر القوي الدافعة للإنسان.
4-ككارل ماركس اعتبر فرويد أن الدين طريقاً للهرب عند الناس,وأنه استمراراً لحاجة الطفل لأب يحميه فجاءت فكرة الدين؛لتظلل حياة الإنسان طوال عمره بالحماية والرشاد وأنه يجب أن يحد.
اعتبر يونج الدين جزءً محورياً من حياة الإنسان,وعرض طريقة للتواصل اللاواعي بين البشر,فالرموز الدينية حاضرة في كافة الأديات وتُأول بمعني واحد.
5-الباراسيكولوجي
تشكك فرويد في هذه الخوارق دوماً,والمشهد في فيلم"طريقة خطرة"يوضح جيداً حاثة تصدع المكتبة عندما ربط يونج حدوثها بارتفاع درجة حرارة حجابه الحاجز وتنبأ بأن صوت الطقطقة سيحدث مرة أخري.
ظل يونج طوال عمره مؤمناً بالتزامن والخوارق في اللاشعور,وربما ورث هذا الإيمان من أمه التي كانت لها سابق تجارب في عالم الماورا ئيات,واهتمامه بتحضير الأرواحفي طفولته وحوادث كثيرة في تجاربه مع العلاج النفسي تظهر لنا دور المصادفات والخوارق في هيكلة ذهنه.

 وظهر مبكراً في اهتمامه بتحضير الأرواح في طفولته وحوادث كثيرة في تجاربه مع العلاج النفسي تظهر لنا دور المصادفات والخوارق في هيكلة ذهنه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق