الأحد، 26 أغسطس 2018

بسمة تمزق الجحيم



ثلاث مرثيات لأنطويوس نبيل تثير في قلبي كوامن الشجن,نحو ثلاث شخصيات هزتني في أيامي الأولي وأشعلت نار الوعي في داخلي,:الفنان العظيم نجيب سرور أبناء نجيب سرور يجمعون رماد حلمه,العبقري إسماعيل أدهم,وإحدي هدايا أمريكا اللاتينية للثقافة العالمي فيكتور خارا...هذه الأسماء لا ترد في التلفاز وبالكاد قد يأتي ذكر نجيب  سرور في عمل إذاعي عنه أو من تأليفه علي إذاعة البرنامج الثقافي,وهؤلاء الثلاثة الذين رثاهم أنطونيوس تربطهم رابطة العبقرية التي جنت علي صاحبها,فمازال أمام البشر نفس المسافة التي قطعوها من الكهف إلي النانو حتي يتفهموا أمثال هذه الشخصيات النادرة في حياة الأمم,وتأثيرها علي أجيال الفنانين والمبدعين علي توالي السنين.
لكن دنيا الإنترنت تحتفي بهم وتقدر منجزهم الثقافي,ودور أنطونيوس وأحمد شوقي ومريم حلمي في شاهد علي وجود فنانين وسط غياب الفن المصري في الجب العميق,حلقوا فوق حالة الانحطاط ليسيروا في موكب فيكتور خارا لرثائه بعد  أكثر من أربعين عاماً علي مقتله...
كأفلاطون أتخيله وسط طلابه يسير متغنياً بأغانيه,كما كان الفيلسوف اليوناني يسير متحدثاً ومتسائلاً في أكاديميته,وكشهدي عطية أراه يموت بين أنياب القتلة وكالشيخ إمام يحمل موسيقاه فوق أكتافه ليلقيها نوراً وسط الشوارع المظلمة,يتلقف هذه الحالة المبدعين الثلاثة وكردة فعل تكون أغنية"بسمة في الجحيم",في هذه الأيام الصاخبة المدججة بضجة المهرجانات التي تثير  الأعصاب,وتساهم في زيادة حدة  العنف الغير مسبوق في المجتمع المصري الذي اتسم بالوداعة والطيبة عندما  كانت أعصابه تهدأ علي صوت أم كلثوم وحليم وعبد الوهاب ونجاة ووردة وغيرهم,عندما كان يهرب من صلابة الحياة لنعيم الفن,أصبحت كمية ونوعية الجرائم فيه لا تصدق أبداً,يساهم في ذلك ما يشاهده ويسمعه في السنوات الماضية,وما صور له إن البطولة من البلطجة والدم!
تأتي هذه الأغنية لتحاول مع غيرها عدل الدفة نحو الفن الحقيقي-وبالطبع لن أعدم من يتهمني بالحجر علي الآراء والنوستاليجيا وعدم فهم هذا النوع من الأغاني, ومن  يجادل في أن حمو بيكا هو خليفة العندليب!!-هذه الجذوة التي تتقد في وجدان أنطونيوس نبيل عبر أشعاره وموسيقاه,فهو فنان يحمل مشروعه في قلبه,وعبر حالة فنية افتقدتها الساحة تظهر أعماله الغنائية لتنضم لقافلة الإبداع الغنائي المصري التي بدأت مع سيد درويش وبديع خيري,التقت الكلمات والألحان مع صوت شوقي ومريم حلمي في هارمونية تليق بفيكتور خارا متنوعة بين الإلقاء الشعري الحماسي والأبيات الفصيحة باللغة العربية والفصيحة باللغة المصرية,وبأداء استطاع التعبير عن عمق مأساة هذا الفنان المقتول بطريقة وحشية,وهذه ميزة الفنان الواعي بما يقدمه,في عالم التمثيل والغناء توجد نماذج علي قمة جبل الموهبة الإلهي لكنها افتقدت لميزة الوعي والثقافة ولو توفرت لها لغادرت الجبل للسماء السابعة!
هذه حالة نضج فني من شباب واعد,لا يحتمي بالأضواء ولا اللقاءات المصورة ولا بدور النشر,ففي  لحظة تختفي تاركة أسماء باهتة,لكنه حالة تصوف فنية,صحيح أمثالها قليلة لكن رهان المستقبل دوماً عليها!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق