الاثنين، 2 سبتمبر 2019

أمل أسماء


قدمت هند صبري في فيلم" أسماء"للمخرج والمؤلف عمرو سلامة,معادل سينمائي للعجوز سانتياجو في رواية الأديب الأمريكي إرنست هيمنجواي"العجوز والبحر",تحت إطار أن الإنسان قد يتحطم تحت ضغوط الواقع,لكنه لا يستسلم,وهكذا نري شخصية أسماء حاملة فيرس الإيدز والمرارة,المحقونة بمسكنات لتخفيف آلامها المتوحشة,حولتها من فلاحة قوية نشيطة,تصنع السجاد بمهارة وتقف أمام الرجال في الأسواق,إلي امرأة متهالكة يخرج منها الكلام بطلوع الروح,وكأي أم حبتها الطبيعة معني الأمومة,لا تضع لآلامها اعتباراً أمام مستقبل ابنتها,فكل ما تقوم به بعد وفاة الزوج الذي نقل إليها المرض بعد التعدي عليه في السجن,عقب قتله خطأ من صفع وجهها في مشاجرة بينهما,لخاطر البنت ولخاطر ذكراه المحفورة في قلبها كامرأة محبة,ضحت بجسدها في سبيل الحصول علي جسد آخر,يرث أرض أبيه ويحفظها من الضياع,فتتبادل معه الحب عارفة بالمخاطر التي تحيط بها بعد إيهامه أنها بالفعل التقطت العدوي منه,بينما هي حتي تلك الليلة سليمة تماماً.
بأداء هامس يشي بالضعف البدني الذي تتفجر منه قوي روحية,تنبعث منها لتقف في وجه الناس الذين لا يرحمون ولا يتركون رحمات الله تتنزل في أرضه,تواجه أسماء المجتمع بمرضها في إحدي البرامج الفضائية,مع مذيع في البداية لا يهتم سوي بالشو الإعلامي المرتقب,لكنه مع كلماتها المؤثرة في برنامجه التي ختمتها بـ"أني لما أموت مش هاموت بالمرض بتاعي...أني لما أموت هاموت بالمرض اللي عندكوا انتوا",عندها نراه يقدم لها مبلغ 300ألف جنيه كتبرع علي الهواء دون ذكر اسمه باعتباره فاعل خير,في مشهد دال علي قوتها النابعة من إرادة مصرية أنبتتها أرضنا الخالدة,بفضلها تغلبت علي أمراض المجتمع المزمنة المتعلقة بالجشع والنجاح علي حساب الآخرين,فالمذيع يعتبر نفسه صراحة يتاجر في مشكلات الناس كمهنة يرتزق منها,وفي لحظات نادرة كهذه يتجلي معدن الإنسان الحقيقي الذي تغطيه طبقات الصدأ في ظل ظروف متردية لم تبق الراكب راكب ولا الماش ماش كما يقولون في مثل شعبي عن تبدل الأحوال والأخلاق.
تسير أسماء بعد ظهورها في التليفزيون شجاعة ومشرقة لها نظرة تجمع بين التحدي والتصالح مع الذات,ووجه مبتسم يذكرنا بأسماء الشابة في أيامها الحلوة,برعت هند في إبراز التحول والتناقض بين المرحلتين,كما أدي العملاق سيد رجب دور الأب قليل الحيلة,الذي يتمني مساندة ابنته المريضة لكنه لا يعرف كيف,أما ماجد الكدواني بالسهل الممتنع يؤدي شخصية المذيع محسن بأسلوب قريب الشبه بمذيع آخر شهير,بينما الفنان أحمد كمال بدور مريض الإيدز, في كل مشاهده يعلن عن موهبة كبيرة لم تحسن السينما استغلالها حتي اليوم,وقام بدور الزوج هاني عادل بعيداً عن الافتعال والاستسهال الذي أبعداه عن قلوب المشاهدين في أعمال أخري,من هذه القماشة الفنية صاغ عمرو سلامة فيلم عن أمراض الذات وأوبئة المجتمع,وبما أني أحمل جراح شخصية من نظام التعليم المقيت في مصر,أنوه بمشهد طبيب الجراحة المتعجب من خوف الأطباء من إجراء عملية المرارة لها,واعتبار نظام التعليم البائس أحد أسباب أزمتها,وأقول بل هو السبب الرئيسي لأزمة مصر الكبري.
في لقطة لا تتعدي ثوان,يدمج المخرج بين شخصية أسماء وشخصية فايزة(بشري)في فيلم(678) للمخرج محمد دياب,حيث تهبط من نفس الأوتوبيس الذي تصعد إليه أسماء,في تجربة لخلق عوالم سينمائية متحدة من شخصيات السينما المصرية,ويبدو للمشاهد كأن الشخصيتان تستقيان آلامهما من منبع واحد,وهو المجتمع الذي يرمز له بالأوتوبيس الذي يهين كرامة وآدمية الإنسان,فركابه يتحرشون يومياً بفايزة مما يفقدها شعورها بالكرامة,وتتحول لمعتدية تطعن المتحرشين في ذكورتهم بآلة حادة عقاب توقعه علي المجرم وأداة الجريمة في ضربة واحدة,نفس هؤلاء الركاب من تخشاهم أسماء ويخشونها,مما يعرقل مسيرتها العلاجية,وزواج ابنتها حلمها الذي تعيش لأجله,ومن الفيلمين تُستدعي عبارة سارتر"الجحيم هو الآخرون"...وإني علي يقين بوجود آخرين هم النعيم لإخوتهم في الإنسانية,متوارين ونادرين...لكن الأمل معقود عليهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق