الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

محاضرة في المطر

 

بعبارات دقيقة ومكثفة صاغها الكاتب المكسيكي خوان بيورو، ونقلها للعربية باستيعاب لروح النص الأصلي المترجم المصري مارك جمال، نقرأ محاضرة جاءت علي لسان أمين مكتبة مولع بالكتب وقراءتها، والكتب ليست ولعه الوحيد، فهو أيضاً شغوف بالنساء، فمن بين أسماء الشعراء والأدباء الذين يطلون من بين الفقرات، يخصص صفحات طويلة- بالنسبة لكتاب مجموعه ٥٨صفحة- حول امرأتين علي النقيض، سوليداد"ضحلة الثقافة" ولاورا ذات العقل المتفتح، والمحاضرة نفسها كانت ينبغي أن تدور حول المطر! لكن المحاضر العجوز أضاع الورق" إن فقد المرء أوراقه فقد وقاره. لا أدري ما الذي يجري لي. إن حياتي تدور حول النظام، فأنا أشتغل في ترتيب مكتبة، وعلي الرغم من ذلك، تنسل الأشياء من بين يدي" فيلقي الأمين محاضرة مرتجلة تتوغل في قلب القارئ-السامع؟! – ويتوحد مع أمين المكتبة وهو يروي حكاياته مع الناس الكاشفة عن كثير من النفس الإنسانية، ويسرد علاقته الحميمة مع الكتب التي تفوق بكثير علاقته مع البشر، ومنها نتعلم شيئاً عن ماهية الفعل السحري الآسر المسمي بالقراءة، ومعني أن يكون المرء قارئاً بصفة عامة للحروف والأحداث والعالم من حوله"إت كل ما يحيط بنا كتاب، والمكتبة نبذة توجزه للقارئ" في هذا الإقتباس مركز الكتاب كله، إنه يسرد ذكريات متقطعة واعترافات لشخص عادي في مدينة بعيدة، ومع ذلك مسّ بتعبيراته وقلبه المفتوح علي الحكي وأفكاره  المضطربة النابضة بخلجات إنسانية صادقة أرواح القراء في كب مكان حيث اجتمعت بين دفتي كتاب يتساقط منه مطر الكلمات والمشاعر.

هذا كتاب عن الحب الموزع بين الكتاب والمرأة... ما تفعله بنا المعرفة وما يؤدي إليه العشق، ويبزغ اسم لاورا التي كساها المطر حلته البهية "تعرفت إلي لاورا وقد ابتل شعرها. مضت تبتسم كأنها غير مكترثة بالبلل الشديد، بينما انسدل شعرها الأسود الرطب علي وجهها كما تنسدل أغصان النبات"

إنها المرأة التي أورثت المحاضر التعاسة تلتهم أيامه، وقط يحارب فئرانه الجائعة، والمسكن لتلك التعاسة والأحزان جاء علي صورة كتاب من أعظم الكتب في تاريخ البشرية كتاب ألف ليلة وليلة، استعارته لاورا من مينديبيل البدين" العلامة الذي تمكن من إخفاء علمه. أتقن اثناي عشر لغة، واستطاع أن يلزم الصمت بها جميعاً" وقد استعارها بدوره من المحاضر ولم يردها له، ولما توفي وهبت كتبه للمكتبة التي يعمل فيها أميناً، وكلف تبويبها وترتيبها" فبحثت اول ما بحثت عن مجلد ألف ليلة وليلة في طبعة بورتون. وكان هناك.

بعد خمس سنوات، مررت بيدي علي الصفحات التي تلقت ربتات لاورا المعشوقة. كنت أملك الحق في استرداد المجلد، ولكن من الصعب تفسير ملكيتي للنسخة المذكورة.

أفضل أن تبقي في المكتبة في انتظار لقاءات أخري."

استطاع خوان بيورو المولود في مدينة المكسيك يوم٢٤سبتمبر ١٩٥٦،أن يبحر بنا بواسطة كلماته في وجدان الراوي، وينقل لنا حياته في لقطات أدبية كضربات الفرشاة علي لوحة بيضاء، فتتشكل مع الصفحات الصورة الكاملة، لشخص عاش للورق، فخلده كتاب "محاضرة في المطر"علي ما عاش لأجله وتبعثرت فيه حياته، وجعله حياً في ذاكرة القراء حول العالم.

ونقله للعربية مارك جمال بوعي تام بأساليب اللغة ورونقها، فنقل الثقافة والأحاسيس والانفعالات بسلاسة تنبئ بمترجم قدير ننتظر منه المزيد من الأعمال الخاصة بأدب أمريكا اللاتينية الحافل بالاتجاهات الأدبية المختلفة الممتلئة بالفن والجمال.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق