السبت، 16 ديسمبر 2023

تفسير التوراة بالعربية

 

 

ترجمت أسفار موسي الخمسة المعروفة بالتوراة،بواسطة أحبار اليهود مرات عديدة عبر التاريخ، ومن أهمها الترجمة السبعينية بالأسكندرية بأمر من بطليموس الثاني، ليضم لمكتبة المدينة كتاب اليهود المقدس،ومن جديد وبعد قرون طويلة تظهر مصر مرة أخري في مسيرة ترجمة العهد القديم،حين يقوم العالم المصري اليهودي سعيد الفيومي،أو سعديا جاؤون -لقب عبري يعني علامة أو فقيه-بترجمة جديدة للتوراة،ويعرفه ابن النديم في الفهرس بأنه"من أفاضل اليهود وعلمائهم المتمكنين من اللغة العربية،وتزعم اليهود بأنها لم تر مثله".

ولد سعيد الفيومي في بداية ثمانينيات القرن التاسع الميلادي بمدينة الفيوم،وتلقي علومه علي يد العلماء المسلمين واليهود، بعدها اطلع علي الثقافة اليونانية،وعاش بين مصر وفلسطين حتي انتهي به ترحاله لأرض العراق، وهناك وجد يهود العراق في صراع مذهبي،بين الربانيين والقراءيين، فعاهد نفسه أن يخدم الدين اليهودي مقتدياً بما فعله المتكلمون للدين الإسلامي،فيوضح أن الديانة اليهودية تتفق مع المنطق والتاريخ،ثم توالت مؤلفاته العديدة ومنها تفسيره للتوراة وترجمتها للغة العربية بحروف عبرية بطريقة تعرف باسم العربية اليهودية وكل مؤلفاته كتبت بذلك النمط،كعادة يهود العصور الوسطي،لأن العبرية لم تكن باللغة السائدة،فأراد الفيومي بتلك الطريقة في الترجمة الوصول للقارئ اليهودي العادي ليطلع علي كتابه المقدس ويستنير بالمبادئ والعقائد اليهودية كما كتب عنها الفيومي في أعماله.

وتلك الترجمة التي أخرجها وصححها يوسف درينبورج،ونقلها وقدمها المترجمان سعيد عطية مطاوع،وأحمد عبد المقصود الجندي،اول ترجمة مباشرة من العبرية للعربية،نري فيها تشبع الفيومي بالثقافة العربية الإسلامية بحكم الميلاد والمعيشة،يظهر ذلك في اللغة التي ترجم لها الكتاب، فهو يستخدم لفظ الجلالة"الله"،ليترجم أسماء الألوهية عند اليهود كيهوه وألوهيم،ويتجلي تأثره بالنص القرآني حين ينزه الله عن اي صفة فيها تشبيه أو تجسيد،وهو ما نجده في الترجمات الأخري للتوراة،لأنه فعلاً موجود في الأصل هكذا،لكن سعيد الفيومي المتأثر بالمعتزلة والمدارس الكلامية أراد ترجمة المعني لتتماشي مع العقل والمنطق مستخدماُ المنهج الفلسفي،ويشهد علي تحرره من القيود التي ربما تحير المترجمون حتي اليوم،تفضيله لترجمة الأسماء كما عرفت في عصره وليس اسمها الوارد في التوراة،فيضع نهر النيل بدلاً من فيشون،والحبشة مكان كوش.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق