الجمعة، 22 ديسمبر 2023

ذكريات محفوظية

 

 

في مراهقتي كان رأسي يشتعل خيالاً، لحد الإيمان بالعوالم الفنية والأدبية، أتنفس مع أبطالها وأحيا حياتهم، وأتوحد معهم بكل كياني وأتبني رؤاهم للحياة، وأول من تعلقت بعالمه الأدبي كان نجيب محفوظ... مازلت أتذكر تلك الصباحات الرائقة المشعشعة بنور الشمس في السماء، والملونة بكلمات محفوظ في وجداني أتشربها علي مهل ومع كل عبارة يتجلي لي رونق اللغة العربية، ويزداد إعجابي بذلك الرجل الدؤوب في عمله وقدرته علي تطويع اللغة ليقطر من قلمه كل تلك الصور الصادقة العذبة، القادرة علي لمس شغاف القلوب من أول سطر.

ومنذ تلك الفترة المبكرة في حياتي سكنني نجيب محفوظ، وأخذ مكانة عزيزة في قلبي وتملك جزء نبيل من ذكرياتي البعيدة،، وأصبح أصدقائي هم كمال عبد الجواد والملك أحمس، وبروحي أصبحت فرداً من عائلة الناجي أشهد علي الأحوال العجيبة للبشر وهم يتقلبون بين قمم النجاح والشرف، ثم يهوون إلي حضيض البؤس الرذيلة، ومازلت أنتظر  يملأني الأمل أن"ينفتح الباب ذات يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة" وتأملت الصراع الأزلي بين الخير والشر وتطورات الحياة مع أولاد حارتنا فبعضهم يسعي لإصلاح مافسد وتقويم المعوج، وآخرون-وما أكثرهم-يقتاتون علي الفساد والظلم والقهر، ويحاربون كل من يبذر المحبة في الأرض الخراب، وعرفت المرأة مع نساء الثلاثية وخفق قلبي واللص تطارده الكلاب، ورحلت مع ابن فطومة أبحث عن المعني، وتذوقت عطر الكلمات وتعلمت معني إحياء التراث مع ليالي ألف ليلة وليلة، أتتذكر تلك الأوقات السعيدة التي قضيتها بين صفحات روايات محفوظ وابتسم وأنا انظر بعطف وحنان من نافذة الماضي، لذلك المراهق القابع بين الكتب وقتئذ يقرأ ويتعلم ويحلم-قبل أن يصطدم بالحياة وتصطدم الحياة به ويترك كلاً منهما ندوب لا تمحي علي الآخر-وتتفتح ذائقته الأدبية علي يد عميد الرواية العربية حالماً أن يصير مثله بل إنه يتقمصه ويصبح هو! وتدور الأيام وتتغير الظروف وتتبدل الأماكن... ويبقي أثر محفوظ خالداً في القلب لا تزعزعه مرور السنوات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق