الأربعاء، 6 ديسمبر 2023

وعاد كل شئ كما كان

 

وعاد كل شئ كما كان

 

 

(مسرحية من فصل واحد)

 

 

 

المنظر: صالون في منزل ينتمي إلي الطبقة الوسطي، الأثاث مبعثر في الأرجاء عقب خناقة شديدة بين الزوجين، الكراسي مقلوبة، وصورة الزفاف سقطت من مكانها علي الحائط المواجه للجمهور، والورد الذي كان في الآنية اصبح علي الأرض، والتلفزيون انفصل عن الكهربا، القطعة الوحيدة التي بقيت في مكانها هي الأريكة التي تتوسط المسرح، والجو العام يوحي بعاصفة من الفوضي، الوقت صباح مبكر من يوم حار، من خارج المسرح يسمع صوت الزوجين.

ص. الزوجة: إن حياتي معك عبارة عن سلسلة من الآلام والعذاب المستمر، يا ربي أيدفع الإنسان حياته كلها ثمناً لقرار أحمق؟!

ص. الزوج: أنا من أصبحت أيامي جحيماً لا يطاق البتة... لقد فاض بي الكيل!

تدخل الزوجة  إلي المسرح، امرأة في الثلاثين متوسطة الجمال والقامة، تحمل حقيبة ملابسها ).

الزوجة( تستدير برأسها للخلف كي ترد علي الزوج) : لا تحمل.هماً بعد الآن، سأريحك مني إلي الأبد).

(بتبعها الزوج، رجل في الخامسة والثلاثين، طويل القامة).

الزوج: اجل هذا ما تجيدينه، كلما حدث بيننا شئ ترحلين هاربة إلي بيت أبيك.

الزوجة: وهل تسمي ماحدث منذ ساعة مجرد مشكلة يا أستاذ، لقد انطلقت من المنزل كالثور الهائج، وانظر ما فعلت في الصالون(تبكي) الصالون!

الزوج: لقذ شاركتني... لا يمكنك إنكار ذلك.

الزوجة: لقد نقلت لي عدوي العنف والكراهية، إن الغضب كالفيروس ينتقل بين الأشخاص في لحظة وهذا الحر القاتل المثير للأعصاب، فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أطيح بالأثاث معك (برثاء) أتذكر كيف اشترينا ذلك الصالون  بل كيف اشترينا تلك الشقة وأثاثها؟

(تتهاوي علي الأريكة، تعتري الزوج نوبة ذكريات، فيهوي هو الآخر علي الأريكة).

الزوج (بنصف ابتسامة حزينة) :كل شئ كان مناصفة، جنيه علي جنيه، من عرقنا وسهرنا وبهدلتنا في مختلف الأعمال، لقد عملنا في كل شئ، ولم نتكبر علي أي عمل، مادام شريفاً، ونستطيع الكسب من ورائه، عشنا سنوات نحلم به، ونفذناه كما نحلم به نماماً، كنت أعد الساعات كي نجتمع فيه سوياً، كزوجين يستمتعان ببعضهما، ويستمتعان بالحياة.

الزوجة: وأنا أيضاً كذلك، لكن كان... كان(تكتم الكلام في قلبها).

الزوج( يبوح بما تكتمه) : كان يؤنسنا الامل ويخفف عنا الحب، وكنا آبرياء لم تدهسنا الظروف والأيام وتتركنا مشوهين ممتلئين بالجروح، كانت تسكرنا الأحلام العذبة... أحلام البيت الهادئ العامر بالحب.

الزوجة: أين ذهب كل ذلك(تشير للفوضي من حولها) وكيف اصبحت معيشتنا علي تلك الصورة؟!

الزوج: تبذيرك هو السبب أيتها المرأة.

الزوجة(وقد فاض بها، تعدد الاتهامات التي طالما سردها عليها الزوج) :حرام عليك! أنا مبذرة، وكاذبة واسمع لكلام امي التي لا تحبك وتريد خراب بيتنا، وأم مهملة وامرأة لا تعني بنظافة بيتها، وزوجة لا تهتم بمظهرها أمام زوجها، لقد سئمت من تلك القائمة، وأنت ملاك لا غبار عليك، نسمة تسري في الحياة لا تعرف سوي اللطف والعطف والمودة المطلقة.

الزوج: لم أقل علي نفسي ذلك، إن كل إنسان في هذه الدنيا لديه عيوبه الخاصة، الظاهر منها للعيون، والمستتر عنها في أستار الأسرار والظلام... وما خفي كان أعظم... لكني في العالم الخارجي أرزح تحت ضغط هائل لا يمكم وصفه، لقد أصبح الناس قساة إلي درجة الوحشية، والقرش يجئ بطلوع الروح وإهدار الكرامة، والتعرض لكل ما يأكل الروح ويذيب الحديد، أبسط حقوقي أن أُسير بيتي كما أشتهي وأشعر فيه إني السيد... قشة أتعلق بها وسط الطوفان العارم.

الزوجة: علي حسابي؟! إنني ايضاً أعيش تحت ضغط هائل هنا، إني أم لثلاث أطفال في المدارس، لا تعرف ماهية العناية بثلاث أرواح علي مدار الساعة، وحيدة لا معين لي، وأنت طوال النهار والجزء الأكبر من الليل في الخارج، لا تدري شيئاً عن معاناتي مع اولادك.

الزوج: لكل مسئولياته.

الزوجة :وأنا أدير مسئولياتي علي أفضل وجه ممكن.

الزوج: (ساخراً) :مسئولياتك؟! إنك يا مدام لا تعرفين معني المسئولية، أتدرين كم مرة تغفلين عن موتور المياه فيصاب بالعطب، وأدفع ثمن استبداله وتصليحه،قلت لك مائة مرة حين تقفلين الصنبور اقفلي معه زر الموتور.

الزوجة: ما أسهل الكلام... ولد يحتاج للاغتسال، وبنت تبكي، وآخر ينادي علي وقد اوقع شيئاً، كل هذا في لحظة واحدة، وفي النهاية علي أن أتذكر موتور المياه.

الزوج (ساخطاً): الأولاد... الأولاد حجتك في كل شئ الأولاد، كأنك الأم الوحيدة فوق الأرض، لطالما نصحتك بالاحتياط، لكنك حملتي بهم تباعاً.

الزوجة( مستنكرة) :هل هذه غلطتي أنا أيضاً؟! هل حملت بهم من تلقاء نفسي؟!

(يهم الزوج بالرد، لكن يوقفه جرس الباب).

الزوج: هل تنتظرين أحداً؟

الزوجة: كلا.

الزوج: ربما تكونين اشتريتي شئ أون لاين، وقد وصل الآن.

الزوجة: يعلم الله إنني لم أشتر شيئاً لنفسي منذ ثلاث سنوات، كل قرش يُنفق علي الأطفال.

 (يريد الزوج الرد لكنه يكبح نفسه وينهض لينظر في العين السحرية)

الزوج: إنه جارنا العجوز(ينظر إلي الفوضي حوله في حيرة ولا يجد بداً من فتح الباب، بينما الزوجة تحاول إخفاء حقيبتها تحت الأريكة) تفضل.

(يدخل الجار العجوز، نحيف البنية، هزيل الجسد، يتكئ علي عصا خشبية، وبالكاد تحمله قدماه).

الجار العجوز: السلام عليكم(ينتبه لحال الصالون) ما هذا، هل جرت هنا معركة(مداعباً) هل عادت غارات الألمان من جديد.

الزوج(مرتبكاً، يفتعل الضحك) :إننا... إننا نجري بعض التجديدات، في المنزل، تفضل اجلس علي الأريكة.

الجار العجوز(بينما الزوج يساعده في الوصول للأريكة) :عندكم حق، فلا مفر من التجديد أو الهلاك(يجلس بجوار الزوجة) كيف حالك يا ابنتي؟

الزوجة: بأفضل حال، شكراً علي سؤالك؟

الجار (يلمح الحقيبة) :وتلك الحقيبة ضمن التجديدات؟

الزوجة: إنها ملابس قديمة لم نعد نحتاج إليها.

الجار العجوز: آسف إني أتيت لكما في هذه الساعة المبكرة من الصباح، لكني أعرف أن الأولاد بارك الله لكما فيهم يذهبون في ذلك الوقت للمدرسة... آه الأولاد... ما أجملهم من نعمة أعظم نعمة علي وجه الأرض.. اللهم اعطي كل محروم يارب(يرفع يده للدعاء بينما الزوج والزوجة يتبادلان النظرات ثم ينظران للأرض مطرقين) وفي تلك الساعة تكون أنت لا تزال في البيت، علي كل لن أطيل عليكما، الأمر ومافيه إنني ذاهب لابنتي في امريكا، إنها تلح علي ولم تعد تقبل حججي في البقاء، تريد أن تصون شيخوختي عن المتاعب في كنفها... هكذا هي الحياة نعتني بأطفالنا وهم صغار، ويعتنون بنا نحن حين نصل لأرذل العمر، وأريد أن أئتمنكما علي شقتي بكل مافيها، وحين يجئ قضاء الله فسلموها لابنتي إذا جاءت أو لمن ترسله لكما، لقد فكرت كثيراً في الشخص الأصلح لأضع بين يديه هذه الأمانة، فلم أجد غيركما( يتبادل الزوجان النظر) إن شقتي هذه هي كل ما املك بعد رحلتي الطويلة في الحياة،(يتنهد) وأريد السفر وأنا مطمئن عليها(ينطق السفر بطريقة تحمل المعنيان السفر الحقيقي والموت) فما قولكما؟

الزوج: الحقيقة إننا....

الزوجة: إنه شئ يسعدنا ولكن....

(يتبادل الزوجان النظر، بينما الجار العجوز ينتظر الإجابة).

العجوز(ينهض) : لا أريد الجواب الآن فكروا وقرروا، ومهما كان قراركم إني شاكر لكما).

(يتجه العجوز ناحية الباب، يخرج ويغلق الباب خلفه، ويترك الزوجين يلفهما صمت يدوم لثوان وقد غرق كلاً منهما في أفكاره الخاصة)

الزوج: علي الأقل هناك من يرانا صالحين رغم كل شئ.

الزوجة: أتريد كلمة الحق، إنك إنسان صالح، ولولا إيماني بذلك لما تركت بيت أبي وتزوجتك.

الزوج(متأثراً) :وأنت امرأة فاضلة.

الزوجة: شكراً... منذ فترة لم أسمع منك كلمة تبل الريق.

الزوج(يقترب منها) :ما الذي جري لنا؟ هل دهستنا الحياة إلي درجة إننا لم نعد نعرف ذواتنا، انسلخنا عن حقيقتنا وارتدينا، أقنعة أخري طمعاً في الحماية والاختباء من أنياب الأيام، فلم تزدنا تلك الأقنعة إلا تعاسة.

الزوجة: إنك محق، لقد أغلقنا باب القلب بألف قفل وقفل، أمام الحب والتسامح والعطف والغفران، وفتحناه علي مصراعيه للكراهية والحقد، فتحطمت بداخلنا المشاعر الإنسانية(تشير للأثاث المحطم) وطغت حيوانيتنا علي السطح بفعل الصراع الدائم، ورغبة كل طرف في الانتصار علي حساب الآخر.

الزوج(شاعراً بالخجل) :آسف علي ما فعلت.

الزوجة(شاعرة بالخجل): وأنا أيضاً آسفة علي ما فعلت.

الزوج: ما رأيك في مسألة هذا الجار؟

الزوجة(ناظرة إلي حقيبتها): لا أدري، هل سنحافظ علي بيتنا كي نحافظ علي بيوت الآخرين.

الزوج: إن كلامه وثقته فينا جعلتني أري الأمور بمنظور جديد.

الزوجة: وما هو؟

الزوج: إننا في الأصل خيران رغم كل شئ، وعلينا التمسك بالخير في داخلنا، ولا نسمح للصراعات والمشاكل أن تشوه طبيعتنا، وتحطم حياتنا.

الزوجة: كلام جميل، والعمل؟

الزوج: أن نعيد حساباتنا.

الزوجة: بمعني؟

الزوج: بمعني إني أحبك... بمعني أن نعود كسابق عهدنا، وأعدك أن أشاركك همومك داخل البيت، والمساعدة بكل طاقة.

الزوجة(في سعادة): حقاً؟! وتتوقف عن اتهامي دون العناية بمعرفة الآسباب التي أدت للنتائج التي تكرهها؟

الزوج: أعدك.

الزوجة: وأنا أيضاً سأحاول أن أكون هدنتك وسط معارك الحياة الخبيثة التي تشوه كل ما هو جميل... وعلي فكرة إنني موافقة علي طلبك بيع أساوري الذهبية للبدء في مشروعك الخاص.

الزوج(ينهض): إذن ساعديني اولاً في إعادة كل شئ كما كان.

(تنهض الزوجة ويبدأ الزوجان في ترتيب البيت، يرفعان صورة الزفاف مكانها علي الحائط، ويعدلان الكراسي المقلوبة، وتلتقط الزوجة الزهور من علي الأرض وتعيدها للآنية، وتعيد وصل التلفزيون بالكهرباء، فينبعث صوت وردة في أغنية"طبعاً أحباب" وتستمر حتي نزول الستار، فيبتسم الزوجان لبعضهما في مودة، يعود كل شئ كما كان، ويبدو الصالون منتم للطبقة الوسطي، ذوقه وألوانه ينمان عن اختيار شاعري).

الزوج( ينظر حوله في سعادة) وعاد كل شئ كما كان، ما أغبانا لنحطم حياة كهذه... حلوة بالرغم ما يعتريها من أزمات.

الزوجة (تنسق الزهور) :أجل الحياة تحلو بالتعاون والمودة والوفاق.

الزوج: والآن، نحافظ علي حياتنا وحياة الآخرين، نؤتمن علي مستقبل أولادنا الذين يعتمدون علينا، وعلي ذكريات جارنا العجوز؟

الزوجة: بالطبع وأشعر إننا سنكون أكفاء، مادمنا سوياً، قلباً واحد ويداً واحدة.

الزوج(متجهاً لباب كي يفتحه وهو ينادي بحماس وسرور وسط ضحكات زوجته) : أيها الجار الطيب... نحن متفقون... نحن متفقون.

 

ستار

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق