السبع دوخات
عن قصة زعبلاوي لنجيب محفوظ
سيناريو وحوار: محمود قدري
م/١ عيادة طبيب نفسي ن/د
ضياء رجل في الأربعين يجلس علي مقعد أمام طبيب نفسي، يناوله الطبيب روشتة دواء
ضياء يسخط ولا يأخذها منه
ضياء: مش عايز دوا! علاجي مش برشامة أزحلقها بشوية ميه في زوري.
الطبيب(مهدئاً): الدكتور النفسي مش ساحر، والاكتئاب وحش بيكبر كل دقيقة، لازم نواجهه بكل الأسباب الممكنة... وجع الفقدان مش سهل.
يقبض ضياء بأصابعه علي الروشتة ويضعها في جيبه، ويخرج متضايق من الباب.
ينظر له الطبيب في أسي وعجز.
قطع
م/٢ شقة ضياء(الصالون) ل/د
الإضاءة كابية... نور باهت وحيد منبعث من أباجورة صغيرة موضوعة علي طاولة مستديرة.
ضياء ممدد علي الأريكة، يقلب في صور هاتفه، فنري صورة زفافه مع زوجته الراحلة، ينظر لها بتأثر شديد ويتكلم معها.
ضياء: سنة يا سلمي من غيرك... سنة مرت عليا كأنها قطر هرس جوايا كل حاجة.
يرن هاتفه، يرد ولا نسمع ما يقوله الطرف الآخر لكن ندركه من كلام ضياء.
ضياء(ساخراً بمرارة) ماتقلقش لسه عايش، الانتحار عايز شجاعة مش عندي
ثوان يستمع فيها لمحدثه.
ضياء: حاول تمد لي الأجازة أكتر معلش، مش قادر آجي الشركة
يغلق الخط، ويستمر في تقليب الصور، نري صورة له مع والده وهما في غاية السعادة، ويسرح فجأة متذكراً شئ ما.
ص. ضياء في صغره: هو مين بابا زعبلاوي ده اللي كل ماترجع من عنده، تبقي فرحان قوي كده وتشتري لي كل الحلويات اللي بحبها.
ص. الأب: الزعبلاوي ده يا ابني راجل زي الملايكة كده، تقعد معاه تحكي له همومك ترتاح كأنه شالها عنك، حلال المشاكل والعقد، حاكم فيه ناس كده يا ضياء يا حبيبي، ربنا يخلقها عشان الدنيا تتوزن بين الوحش والحلو.
ص. ضياء في صغره: طب ليه الناس بيغنوا له(يغني) الدنيا مالها يا زعبلاوي شقلبوا حالها وخلوها ماوي؟
ص. الأب: بيشكوا له حالهم واللي جرالهم.
ص. ضياء في صغره: بابا...يعني إيه ماوي؟
ص. الأب: يعني اللي كان فوق بقي تحت، واللي بات الضحكة علي وشه صبح دموعه علي خده(يتنهد) دنيا!
قطع
م/٣ إشارة شارع مزدحم ن/خ
ضياء يقود سيارته في زحام خانق.
يري امرأة شوهاء تحمل علي كتفيها طفل رضيع تتسول به.
زوجان في السيارة التي بجواره يتشاجران.
فتاة تبكي وبحوارها أخري تربت عليها.
تفتح الإشارة وينطلق بطيئاً وسط زحام البشر والسيارات.
قطع
م/٤ مكتب الأستاذ قمر(صالة الاستقبال) ن/د
يجلس ضياء في مكتب بالغ الفخامة، وسط مجموعة كبيرة من الناس الذين يحملون أوراقاً عديدة، وملفات كثيرة ينتظرون دورهم في الدخول.
ينظر للوحة شكر كبيرة معلقة علي الجدار تقديراً للأستاذ قمر المحامي في حل مشكلات الموكلين.
تخرج من حجرة قمر امرأة فاتنة الجمال ترتدي ملابس مثيرة، تضحك وتقف عند الباب تودعه بتلويحة رقيقة من يدها.
من فرجة الباب نري قمر متهلل الوجه يحيها برفع يده
تشير السكرتيرة لضياء بالدخول.
السكرتيرة: اتفضل دور حضرتك
قطع
م/٥ حجرة قمر ن/د
يدخل ضياء يتعثر في خجله، فيقابله قمر مبتسماً بترحيب حار، مشيراً له بالجلوس وبين أصابعه سيجاراً فاخراً،وعلي المكتب الانيق لوحة باسم"الأستاذ قمر بهجت المحامي".
قمر:شرفت مكتبنا
يجلس ضياء أمامه يمسح وجهه بمنديل، تمر لحظات صمت يقطعها قمر ليدفعه للكلام.
قمر: خير إن شاء الله؟ قولي مشكلتك وماتقلقش ولا تحب تشرب حاجة الأول.
ضياء: لا مالهوش لزوم، أنا ابن علي التطاوي زميلك في الأزهر
تتلاشي ابتسامة قمر لحد ما
قمر: الله يرحمه
يتغلب ضياء علي خجله، فلم يعد هناك مجالاً للصمت.
ضياء: الحقيقة أنا جاي اسأل عن الزعبلاوي، أبويا كان قايل إنك اللي عرفتهم علي بعض.
يرجع قمر بظهره للمكتب وقد تلاشت ابتسامته تماماً
قمر:ده كان زمان، أنا بقالي ٣٠سنة ماشوفتهوش.
ضياء: كان فعلاً زي مابيقولوا عليه؟
قمر: وأكتر.
يتشاغل قمر ببضعة أوراق علي مكتبه.
يقوم ضياء ويخاطبه بينما يتراجع للخلف نحو الباب.
ضياء: ماتعرفش ممكن ألاقيه فين؟
قمر(بصرامة من ينهي حديثاً لا يعجبه) : بقولك بقالي ٣٠سنة ماشوفتهوش.
يخرج ضياء شاعراً بالإحراج الشديد.
يسهم قمر للحظات وكأنه يتذكر شيئاً ما يسيطر علي كيانه.
يدخل رجل يبدو عليه الثراء الشديد، فيفيق لنفسه ويرحب به بحرارة.
قطع
م/٦ معرض سيارات ل/د
يقف ضياء مع الحاج علي، وهو رجل وقور يرتدي عباءة، ويخاطب عامل عنده يمسح واجهة المعرض الزجاجية.
الحاج علي:اتكي شوية عالإزاز يا مسعود الله يكرمك، ولما تخلص خد حسين وطوقوا العربيات تطويقة حلوة كده.
العامل: أوامرك يا حج علي.
الحاج علي(لضياء) :متآخذتيش يا أستاذ معلش، قطعت كلامنا، بس لازم تبقي عيني علي كل حاجة، انت سيد العارفين، حاكم محدش بيشتغل بضمير إلا لما يحس إن العين عليه.
ضياء: الله يكون في عونك يا حاج
الحاج علي: زي ما كنت بقولك كده الزعبلاوي مالهوش مطرح معين، صحيح أنا أقدم واحد في المنطقة، أقدر أدلك علي الكبير والصغير، اللي حاضر واللي غايب، بس الزعبلاوي مش معني إنه بيته هنا يبقي عايش هنا.
ضياء: يعني إيه؟
الحاج علي: يعني ده راجل سواح هايم في أرض الله، ممكن يقعد شهور في بيته مايعتبش براه، ويقعد سنين مايهوبش ناحيته.
يحني ضياء رأسه بيأس.
ينظر له الحاج علي بعطف
الحاج علي: ياه ده انت باين عليك حالتك صعبة قوي... طب اسمع.
ينتبه له ضياء بكل حواسه.
الحاج علي: أنا سامع كده، مجرد سماع يعني والعلم عند الله إنه بقاله فترة بيروح عند حسين الخطاط
ضياء: عنوانه اعمل معروف.
قطع
م/٧ دكان حسين الخطاط ن/خ
يقترب ضياء فنري حسين من ظهره.
يكتب حسين بالخط العربي الآية الكريمة "فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور"،ثم يلتفت خلفه فيجد ضياء.
ضياء(في حزن) :زعبلاوي!
ينظر له حسين في دهشة
قطع
م/٨ حارة قديمة ل/د
حارة شعبية تختلط فيها أصوات الباعة مع النداء مع شجار النساء.....القمامة في كل مكان
قطع
م/٩ بيت الملحن جاد (صالة) ل/د
المنزل في فوضي، خمسة أطفال منهم من يبكي ويركض ويتشاجر، يرن الجرس تظهر فتفتح زوجة جاد وهي امرأة بدينة يبدو عليها سمات التفاني الذي تخلفه الأمومة في نفس المرأة، فتجد ضياء عند الباب.
ضياء:الأستاذ جاد موجود؟
المرأة(مرحبة) :اتفضل موجود
يهدأ الأطفال وينظرون له في فضول.
تقوده المرأة إلي حجرة مغلقة وتفتح الباب، تغيب لحظة وتعود.
المرأة: اتفضل بيتك ومطرحك
قطع
م/١٠ بيت الملحن جاد(حجرة الجلوس) ل/د
يدخل ضياء الحجرة فيجد جاد هو رجل خفيف الدم يتسم بالبساطة، يدندن علي العود لحن"مدام تحب بتنكر ليه"، يشعر به جاد فيقف محيياً
جاد:أهلاً وسهلاً، اقعد ياراجل واقف ليه!
يجلس ضياء علي إحدي الشلت.
جاد: شاي ولا قهوة؟ ولا تحب الست أم إبراهيم تعمل لك شوية رز بلبن؟
يبتسم ضياء لبساطة الرجل.
ضياء: لا ولا أي حاجة.
جاد( ينادي) :يا أم أبراهيم اتنين شاي.
جاد يلعب بأوتار العود وكأنه نسي وجود ضياء.
ضياء: اسمي ضياء وجاي لك من طرف حسين الخطاط، قالي إن الزعبلاوي عندك.
جاد:الزعبلاوي ياالله... ده لسه كان عندي الشهر اللي فات.
ضياء(بأمل) :وهو بيجي هنا كل شهر؟
جاد:مالهوش مواعيد، ممكن يخش علينا دلوقت، وممكن ماشوفهوش لحد ما ربنا يفتكرني.
ضياء: يا خسارة المشوار!
جاد: الله يسامحك بقي تقول كده علي زيارة عرفتنا ببعض؟!
ضياء:آسف قصدي....
جاد: ولا يهمك الله يعينك، محدش بيحتاج الزعبلاوي غير اللي شايل هموم طابقة علي صدره وكاتمة علي نفسه، ممكن تلاقيه عند رجل الأعمال المشهور ونس الدمنهوري، بيقعدوا لا مؤاخذة في بار النجمة.... حاكم الزعبلاوي كده تلاقيه في أماكن ماتخطرش علي بال، ولو حد عاتبه يقول: كلهم عباد الله وياعالم مين فيهم اقرب له.
هذه المرة لا يبدو ضياء متحمساً للخبر، لقد تسلل إليه اليأس
يدندن من جديد
جاد: تحب تسمع حاجة موسيقية.
ضياء: طبعاً
جاد: هاسمعك لحن ألفته والزعبلاوي قاعد عندي، يلاعب الإولاد كأنه عيل زيهم، وكل ما أتعب يخش عليا بنغمة ولا بمقام ألاقي ربنا فتح عليا، لحد ما خلصت اللحن في ليلة واحدة.
ضياء(مندهشاً) :ليه في الطرب كمان زي ماطلع ليه في الخط؟
جاد: ده أبو الطرب نفسه... ياسلام علي صوته كده لما يغني ويلعلع، تقولش ربنا خلق فيه عبد الوهاب وعبد الحليم مع بعض.
يغني جاد مطلع قصيدة ابن الفارض
جاد:أدر ذكر من أهوي ولو بلام
فإن أحاديث الحبيب مدامي
ليشهد سمعي من أحب وأن نأي
بطيف ملام لا بطيف منام
قطع
م/١١ حانة النجمة ل/د
الحانة راقية وروادها غير مبتذلين، ونس الدمنهوري له يرتدي بذلة فاخرة، ويجلس وحيداً علي إحدي الطاولات، يشرب وهو بستمع لمغنية تغني أغنيةmalade je suis.
يدخل ضياء، ويقترب منه.
ضياء: لو سمحت يا ونس باشا ممكن دقيقة؟
ينظر له بلا مبالاة
ونس(بصوت سكران) :اقعد واشرب.
ضياء: مابشربش.
ونس: مابتكلمش مع حد غير وهو بيشرب، غير كده مع السلامة.
يضطر ضياء للجلوس، يصب له ونس كأساً يشربه ضياء باشمئزاز، وحين تهدأ حرارة الكأس يهم بالكلام.
ضياء: أنا....
ونس (مقاطعاً): مابكلمش حد فايق!
يشرب ضياء عدة كئوس ثم... يغيب في حلم.
قطع
م/١٢ حديقة(حلم) ن/خ
حديقة في غاية الجمال.
ضياء وزوجته يقفان علي حافة بحيرة، يضحكان في سعادة، يقطف ضياء الزهور وينثرها علي قدميها.
فجأة ينزلق في البحيرة ويختفي داخلها.
قطع
م/١٣ عودة إلي الحانة ل/د
يفيق ضياء مفزوعاً، ويتلفت حوله فيجد البار فارغاً ولا يوجد سوي عدة زبائن.
يضع يده علي رأسه متوجعاً فيجدها مبللة بالماء.
ضياء:إيه الميه دي؟
ونس:واحد حبيبي حاول يفوقك كتير وفي الآخر طبطب عليك وقام.
ضياء:حد شافني عالحال ده؟
ونس(ضاحكاً) :ما تقلقش ده مش أي ده الزعبلاوي! ماسمعتش عنه؟
ينتفض ضياء واقفاً.
ضياء:الزعبلاوي؟
ونس: آه مالك؟
ضياء: ده أنا دايخ عليه السبع دوخات.
يركض للخارج محاولاً اللحاق به.
قطع
م/١٤ شوارع ل/خ
يركض ضياء متلفتاً حوله في كل ركن.
يتوقف فجأة يبتسم بمرارة وقد طرأ علي ذهنه شئ ما.
ضياء(لنفسه) :حتي لو شوفته مش هاعرفه
قطع
م/١٥ البار ل/د
يعود ليجلس بجوار ونس متهالكاً.
ونس علي وجه أسف حقيقي.
ونس: سامحني ماكنتش عارف إنك محتاجه.
ضياء: هو انت خليتني أقول حاجة!
ونس: أنا غلطان حقك عليا... لو مشكلتك فلوس ولا يهمك أنا سداد
ضياء: مشكلتي نفسي... معاك تمنها؟
ينظر له ونس بإشفاق
ونس: تعالي بكرة أكيد هاييجي تاني.
قطع
م/١٥ فوتومونتاج ل/د
١-ورقة خريف صفراء تقع علي أرضية شارع موحل بماء المطر، وتدوس عليها قدم قاسية.
2-ونس وضيلء يسيران مع بعضهما يتحدثان، وقد نمت بينهما صداقة.
٣-ونس وضياء يشربان وكل منهما سارح في أحواله.
قطع
م/١٦ أمام الحانة ل/خ
يخرج ضياء من الحانة، ينظر للسماء.
ضياء(منادياً) :يازعبلاوي!
تنظر له امرأة تمر به في سخرية.
يسير في الشارع حتي يبتلعه الظلام كأنه يدخل للمجهول.
النهاية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق