السبت، 26 مايو 2012

لا توجد جامعة في مصر حتي أهاجمها!!


لا توجد جامعة في مصر حتي أهاجمها!!


"وفيما عدا أولئك الذين علموني كيف أقرأ الحروف,وكيف أكتب الأرقام بعد أن أعد علي أصابع يدي,لا أحتفظ بذكري طيبة للمدارس والمدرسين"
لماذا لا يحمل شكري عياد للمدارس والمدرسين ذكري طيبة؟
وهل هو وحده الذي لا يجد في نفسه شيئاً يمتّن به للمدرسة؟!

أظن كتاب"العيش علي الحافة"من أروع ما كُتِّب في فن السير الذاتية.
وقد تسألني من أنت لتعتقد أو تظن؟
وأسأل نفسي ذات السؤال,فأجد الأبنودي يردّ عليّ:أنا الجاهل لكين بقرا
وتلك إجابة كافية....إلي الآن.
في الواقع-وأظن مرة أخري-أن ما سجّله شكري عياد,في سيرته لم يكن فناً,إذا أخذنا بالمبدأ القائل أن الفن هو تشكيل جمالي للواقع.هونفسه يعتبرها"قصة فرد شرد من القبيلة نحو المجهول"...تأمل الوصف الذي اختاره لسيرته الشخصية تجده,قاسياً به لمحة من الوجودية المُعذِّبة التي تؤدي بالمرء إلي مشارف الهلاك.
لقد صحبَّني شكري عياد في رحلته إلي أن قال: "لا أحتفظ بذكري طيبة للمدارس والمدرسين ",وقد وجدت تلك العبارة عندي صدي قوياً,جعلني أكتب عنها في السادسة صباحاً,والنوم يدق جفوني بشدة قائلاً:يابني حرام عليك...مش مركز ومش هتعرف تكمل...قوم نام.
كم هو حنون ذلك النوم عندما يصبح في متناول اليد!!!!

هل يوافق ذلك الرأي دعوة(عالم بلا مدارس)الذي يري البعض أنه أفضل من التعليم النظامي؟
قد نجد أن أمر التعليم والدراسة الأكاديمية مفروغاً منه,ولا يحتاج إلي نقاش,في حين أنه يسبب أزمة حادة عند الكثيرين من أصحاب الفكر.وبما أنه من شأن أصحاب الفكر,فلابد أن اختبئ...واتلصص عليهم من ثقب الباب!

أقامت مجلة الهلال عام1947ندوة حضرها شفيق غربال بك وكيل وزارة المعارف,والسيدة أسماء فهمي وكيلة معهد التربية,ومحمد رفعت بك,والدكتور عبد السلام الكرداني بك.
الندوة كانت بعنوان(هل أخفق التعليم الجامعي)!!!!!

التاريخ مرة أخري:1947

ماذا رأيت يا رفعت بك؟....قول ماتخفش

"رأينا الأساتذة الجامعيين كالموظفين الحكوميين يكثرون من التفكير والحديث في الكادر والدرجات والترقيات"

لماذا أنت ممتعض هكذا يا كرداني بك؟...اللي في نفسك قوله

"أود أن ننصف الأساتذة الجامعيين فلهم عذراً,وألا نغفل موقف الطلبة من أساتذتهم هذه الأيام,لقد قلت هيبة الجامعة وانعدم تقدير الطالب لجهود أساتذته"

أري شفيق بك يضحك أضحكنا معك يابك!
"من طريف ما يذكر في هذا الصدد,ما يقال عن ورود بند في لوائح المعاهد الأجنبية يحرم علي الطلبة ضرب أساتذتهم!!"
لمَ تغيرت ملامحك إلي الكآبة فجأة؟!
"أذكر أنه كثيراً ما يحز في نفسي عدم تقدير الطالب للجامعة وعدم اعزازه لها وحبه إياها.فهو لا يهتم بل قد يسر,إذا أصبح فوجدها أنقاضاً.وشتان بين علاقة الطالب عندنا بجامعته وعلاقة الطالب الأجنبي بجامعته التي يطلق عليهاAlma mater والتي يؤلمه أن يمسها ضرر مادي أو معنوي,ولا يألو جهداً في سبيل درئه وتفاديه ولوضحي في سبيل ذلك بأعز ما يملك"

كرداني بك تفضل بطرح سؤالك.
"ولكن ألا ترون أن المستوي العلمي للطلبة الجامعيين قد انحط...وأنه من الصالح قصر التعليم الجامعي علي الموهوبين فقط بعد التأكد من صلاحيتهم للتعليم الجامعي؟
السيدة اسماء:"إن طريقة الاختيار صعبة جداً ولا سبيل إلي التحقق من صلاحية الطالب للتعليم الجامعي إلا بعد التحاقه بها"

الكرداني بك:"ولكن ماذا أضافت الجامعة...وما الفرق بين التعليم الجامعي الحاضر والتعليم في المدارس العالية؟ المفروض أن الخريج من الجامعة لا تنقطع صلته بجامعته وأساتذتها ومعاملها ومكتباتها كي يكون ناجحاً في عمله...وهذه الصلة تكاد تكون معدومة"
شفيق بك:"لقد مهدت الجامعة طريق التقدم الفكري والعلمي وهيأت أسبابه...فأعطوها فرصة لتحقيق أهدافها"
السيدة أسماء:"أعتقد أن الجامعة تستطيع أن تفعل
أكثر من ذلك...تستطيع أن تبث في طلبتها روح الشجاعة والابتكار والاستقلال الفكري...وهذا هو أساس الإنتاج و قد لمست في الطلبة والطالبات ميلهم إلي الحفظ عن ظهر قلب و حشو أدمغتهم بالمحاضرات دون هضمها أو استيعابها...لذلك ينبغي معالجة هذا النقص"

مرة أخير تلك مقتطفات من ندوة,أقامتها مجلة الهلال عام1947.قمت بربط أجزائها بصورة مسرحية.

وفي حوار مع مفيد فوزي يضع زكي نجيب محمود أربع نقاط حول....أو بالأحري يجلد بسوطه الفكري أربع جلدات علي ظهر التعليم المصري الهزيل:
1-التعليم سيئ.بحكم الأعداد الغفيرة والضيق الاقتصادي الناتج عن حروب دخلناها!
2-كانت نتيجة التعليم-علي أحسن الفروض-إنه يقدم خريجاً ضحلاً يعرف بضعة أسطر.
3-التلاميذ-في عصرنا-يذاكرون مذكرات اعدتها لهم السوق.إن معلوماتهم نتاج الملخصات التجارية وهي تتبخر بعد الامتحان مباشرة!وصار كتاب المدرسة في خبر كان.وأصبح التفوق رخيصاً.فمن يتقن حفظ الملخصات السريعة يحقق أعلي الدرجات!
4-أعطانا التعليم بصورته المخزية,إنساناً بلا رأي.بلا رؤية.بلا ابداع ذاتي!أليس من النهم ونحن ننقاش قضايا الثقافة أن ننفذ إلي الأصل والجذور أم نظل ندور في دوائر مفرغة؟ أليس من المهم أن نعيد-مرة أخري وبجدية شديدة-قراءة ورقة التعليم,محتواه,هدفه,أبعاده,هل أبالغ في الأمر

بالتأكيد أن زكي نجيب محمود لو كان حياً الآن,لخرج عن وقاره ورصانته الفكرية, وتحدث حديث من فاض به الكيّل.لا أستطيع تخيُل ردَّة فعله,إذا زار واحدة من تلك الجامعات الخاصة!!!

لقد كان برنارد شو محقاً حين قال:"قد يكون صحيحاً أو غير صحيح ما يقال من أن الهرة إذا وجدت من ينظفها مرة فلن تنظف نفسها بعد ذلك.ولكن مما لا شك فيه أنك إذا علمت إنساناً شيئاً,فهيهات أن يتعلمه...لذلك لم ألتحق بالجامعة أبداً"
ويتفق معه شكري محمد عياد-يبدو أنك نسيته!-في سيرته عندما يتساءل ويجيب:
"هل يمكن لأحد أن يعلم أحداً شيئاً؟ اشك كثيراً.هناك استثناء واحد:يمكنك أم تعلم شخصاً آخر كيف يعمل جهاز معين,سواء أكان هذا الجهاز لغة أرقاماً أم لوغاريتمات أم حاسوباً.فيما عدا ذلك لا يصنع المعلم شيئاً إلا أن يحول بين المرء وعقله"

للأسف الشديد...في مصر...ليس عندنا حتي جامعة...أي جامعة لنعيب فيها ونهاجمها,في بداية القرن الواحد والعشرين,يواجه الطالب المصري بجسده العاري,ورأسه الحاسر,سؤالاً أفني عمره يطارده:هو إيه اللي جاي في الامتحان؟!!!
 وللامتحان قصة أخري!!!

عبارة واحدة من سيرة شكري عياد,أدخلتنا إلي قضية يتفرع منها قضايا,تؤدي إليها قضايا أخري...هوالذي اعتبر سيرته"حصي وتراب"

هناك تعليق واحد:

  1. و الله انت معاك فى كل الى بتقولة و كمان جاية على الوجيعة علشان الامتحانات هتبدأ بكرة

    ردحذف