الأربعاء، 24 يونيو 2015

مطاردة اللبؤة

في الظلام الحالك ظهرت لي لبؤة متوحشة,تطاردني وأنا أعدو بكل جهدي متخبطاً في البيوت والناس...راعني أن الحياة كانت تستمر كما عهدتها والناس يتحركون في عادية غير عابئين باللبؤة التي تنوي علي قتلي وتمزيق جثتي بأسنانها وافتراسي,ودفني لحماً ميتاً في جوفها الجائع دوماً,أخيراً وأنا مازلت أعدوت تأكدت أن اللبؤة لا يراها سواي ولا تريد إلاي,زدت من سرعة جرياني وقلبي يتصدع خوفاً وألماً والدمع ينساب من عيني مدراراً بلا صمام ولا حاكم,والخوف...الخوف يشل تفكيري تماماً لا أعرف إلي أين أمضي ولا كيف عبرت كل تلك الشوارع,انكمشت إنسانيتي تماماً ولم يعد لي منها إلا ساقين أهرب بهما من العذاب والموت,صوتها المفزع المخيف يطاردني يهدّ بنيان مقاومتي,علا صوتي بالصراخ والعويل وتفجر الدمع من عيني بقوة دفعة واحدة وحين انتهت شهقتي التي وصلت للسماء كان الدمع نفد وبدأ الدم يحل محلها,بكيت دماً من آلامي وقسوة طريقي,قدماي أيضاً تنزفان,تمزق حذائي من الأسفلت فدخل فيهما الشوك وكسر الزجاج والأحجار الحادة وكل ما يمكنه أن يؤذي جسد إنسان لا يوجد أضعف منه علي كوكب الأرض,فكرت في أن أهاتف أحد أصدقائي,اتصلت بأول رقم ظهر لي في قائمة أسماء الجوال,وجدت حوله أصوات ضحك ولهو ونشوة بالمتعة,وامرأة تناديه باسمه بصوت ناعم,لم يصل له صوتي بوضوح,كانت الضجة الضاحكة من حوله تغطي علي صوت استغاثاتي,ولهاثي من العدو لا يكاد يبين ما أقول,ثم أغلق السماعة في وجهي,تكرر هذا الأمر مع كل أصدقائي,أحدهم كان كثير القراءة,كلمته فوجدته يزدريني ويسبني ويقول لي"هل تتصل لي في هذا الوقت لأجل هذا الهراء يا مغفل,ألا تعرف أن روما علي وشك السقوط"فأجبته أن روما سقطت بالفعل منذ قرون مضت,فصرخ في وجهي"لا أصدق حتي أجد سقوطها في الكتب"وفعل كما فعل الكل أغلق السماعة في وجهي,رميت بهاتفي غيظاً وظللت أعدو صارخاً جريحاً ليس لي حيلة في النجاة إلا الصمود,ساعدني أني لا أنظر خلفي أبداً ولا أفكر في اللبؤة بقدر ما أفكر في حياتي,لو نظرت خلفي لوجدتها أمامي مع أنها ورائي ولانكفيت علي وجهي في الحال وأصبحت لقمتها التي تسعي ورائها.
حتي رأيت يداً بضة بيضاء ناعمة الملمس تمتد لي من خلف باب بيت جميل ليس له مثيل في أي بيت دخلته أو عرفته,سحبتني للداخل بسرعة وأغلقت الباب الفولاذي في وجه اللبؤة فاصطدمت بعد أن فشلت في كبح جماح اندفاعها وماتت من قوة الصدمة.
نظرت بجانبي بعد أن هدأت وهدأت دقات قلبي,وخالطه بعض الطمأنينة والراحة,فوجدت صاحبة اليد الجميلة تنظر لي باسمة وتربت علي كتفي في حنو,بيضاء كالحليب النقي,وجهها لم تصنعه الجينات والدم واللحم,صحيح أنهم في تركيبه,لكن يداً إلهية تدخلت تدخلاً مباشراً وواضحاً لتنثر عليه جمالاً من جمالها,ليغدو كهذا الذي رأيت,قدها ليس له مثيل في بنات حواء,بل أن حواء نفسها لم تحلم أن يكون لها مثل هذا القد,العينان عميقتان صافيتان بريئتان,نظرتهما مطمئنة تحتضن من ينظر إليهما وتدخله لرحابهما فوراً,الشعر سارحاً متموجاً حتي نهاية الدنيا لو كانت لدنيانا هذه نهاية أو بداية!ابتسامتها تلغي الزمان ودورة الفلك,ابتسامة سكن قلبي علي الشفاه التي تبسمت بها...لم أشعر بنفسي إلا وأنا أحتضنها بين ذراعي بلا كلمة,احتضنتني هي الأخري وراحت تمسد ظهري براحة يدها المريحة... أحورية من الجنة هبطت علي الأرض لإنقاذي من شرور الحياة؟"لاأنا إنسية واسمي سارة"اسم علي مسمي فهي حقاً المرأة الجميلة التي تسر القلب,ثم أشارت بإيماءة تسأل بها عن اسمي فأجبتها"رأيتك تعدو من النافذة واللبؤة تطاردك وأنت تكاد تقع من التعب والخوف,فنزلت كالريح وفتحت لك باب بيتي"ولكن كيف رأيتي اللبؤة وهي لا يراها أحد ولا يشعر بها سواي ولا يتعذب بسببها إلاي"أو حقاً هذا؟"أجل"إذن فلا تفسير لذلك إلا أن الحب بصرني بما لا يعرفه أحد"الحب...أجل...سمعت هذا الاسم من قبل لكني جربته أبداً,حتي شككت في وجوده خاصة وكل من حولي هكذا,يسمعون به ولا يجربونه,لكني أعرف أن هناك من يتعذب به ومن يتعذب له"والآن؟!"قالتها برقة كادت أن تمنعني من لمسها خشية أن أؤذيها"الآن..."لم أكمل العبارة وهويت علي شفتيها في قبلة طويلة ذبنا فيها سوياً.

والآن هي بنا نخرج لنعيش حياتنا سوياً"واللبؤة!...ألا تخشي من لبؤة جديدة تظهر لك وتعذبك؟" فلتظهر ألف لبؤة ولبؤة فما دمنا معك فلأواجه كل وحوش الغابة وما دام الحب معي فلتظهر لي كل شياطين الدنيا وأنا كفيل بردعها...وخرجت يدي في يدها ونضحك في بهجة وسط كآبة الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق