الجمعة، 5 يونيو 2015

الهلال علي المأذنة

بقدر ما يبدو السؤال بريئاً,بقدر ما يجرنا ورائه لطريق محفوف بالمزالق التي تؤدي للمهالك!لذلك لا غني عن تمهيد من عدة نقاط نجدلهم معاً ليكونوا بمثابة حبل أمان نتعلق به كي لا نسقط في هوة لا يعلم مداها إلا الله!
1-لنبدأ بقصة رمزية ستأول تلقائياً في النقطات التالية:لنفترض أن أباً له من الأولاد عشرة,هذا الأب يمتلك كنزاً من سيرثه منهم سيضمن حياة السعادة والنعيم,وستتحقق له كل أمانيه التي ظل طوال عمره يسعي لها,وسيتمتع بالطمأنينة والراحة بعد كد ونصب وألم عاناه علي مدي حياته,هذا الأب أعطي الكنز لواحد فقط وحرم منه التسعة الباقين,بالطبع سنقرر فوراً أن هذا الأب ظالم لأبعد درجة,كيف يكونون كلهم أولاده ويسعد واحد منهم فقط بكنزه ويحرم الباقين المساكين,الذين هم من صلبه ينتمون إليه,يحترمونه ويتمنون رضاه ويفعلون كل ما يأمرهم ولا يعصون له أمراً,كلاً علي طريقته وحسب طبيعته المختلفة عن طبيعة أخيه,حتي الأخ نفسه الذي حصل علي كنز بالتأكيد لن يسعد وهو يعلم أن إخوته سيشقون وسعيشون في ذل الفقر والحاجة...أما لو قام هذا الأب بتوزيع كنزه بالتساوي علي العشرة فيضمن للكل الأمن والطمأنينة,صحيح محتوي النصيب من الكنز سيختلف من أخ لآخر وهذا طبيعي جداً وغير ذلك هو الشاذ! لكنهم في النهاية متساوون في قيمة ما حصلوا عليه,وحبذا لو قام هذا الأب بوضع رسالة في صندوق كل ابن يخبره,ألا يمد بصره إلي ما عند أخيه فما عند أخيه لا يصلح له وما يصلح له لا ينفع أخيه وألا يتقاتل أحدهم يوماً لأجل إثبات أن ما عنده أفضل مما عند أخيه,سنقول حينها أن هذا الأب عادل وحكيم هيأ لأبنائه الذين أوجدهم في الحياة السعادة وراحة البال.
2-كما يتلقي المنشور الزجاجي الضوء من مصدر واحد ثم يحلله لألوان مختلفة,هكذا يفعل العقل الإنساني في تلقيه الدين من مصدر واحد,ثم اختلاف طقوسه وأسمائه حسب الزمان والمكان...الدين كله لله.
3-نتعلم من تاريخ الأديان والعقائد أن نحترم ونجل كل دين ظهر علي سطح الأرض,وألا نسخر من شعيرة أو عبادة مهما بدت غريبة أو مثيرة للضحك؛لأنه لو بذلت بعض المجهود لتبحث في دينك-أي كان هذا الدين-ستجده يتضمن هذه الشعائر وذات الأفكار لكن بطريقة تحورت قليلاً حسب البيئة الثقافية التي ظهر فيها دينك,أو علي الأقل ستجد نفسك في الحياة اليومية تمتلك معتقدات حول أشياء في الكون تتوافق مع ما تقوله الأديان المغايرة التي من الممكن أن تهاجمها وتسخر منها!!فلا يوجد دين أو معني روحي لاقي قبول عند الجد الأول الذي بدأت منه سلالتنا نحن(الإنسان العاقل)اندثر أو تخلي عنه,بل استمر يأخذ أشكالاً مختلفة ونسخ متعددة وفي الكثير من الأحيان يبقي علي ماهو عليه ويستمر حتي يصل إلي قرننا الحالي.
4-لا أحد يملك الحقيقة المطلقة في عالم متغير ونسبي,الله أكرم وأعدل من أن يدع جماعة ما في زمان ما تحوذ كل المطلق الديني والروحي ويحرم بقية البشرية!!!
5-" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"
6-الدين الحقيقي الذي نحتاجه ولابد من الغيرة عليه هو دين الأخلاق والمثل والمعاني السامية والثروة الروحية,ليس دين الأسماء والمذاهب والأصولية المتشددة التي قد تثور علي من يريد إعادة فهم وبناء الموروث بصيغ جديدة تناسب العصر,وتكشف عما يريدون هم التعمية عليه لمصالحهم الإجرامية علي حساب أمة بأكملها,أن نبحث في أصول الدين وربطه بما كان قبله لا يضر الدين شيئاً,بل سيكون رؤية بانورامية للروح الإنسانية التي لم تتخل يوماً عن الدين,وظل الأنبياء يربطون حلقاته ببعضها لتكون سلسلة واحدة تربط كل بني البشر سوياً.
7-الدين ليس علماً بالمفهوم التجريبي,فكله يخضع للرؤية الشخصية وللظروف الاجتماعية والسياسية,فمثلاً لن نجئ بنصوص الإسلام وبعقائده وندخل معملاً لنجري تجربة نبدأ نلاحظ ونشاهد ثم نخرج باستنتاج قطعي أكيد!!هذا لو لم نجد المسلمون في هذا المعمل قد تفرقوا كعادة الناس لمذاهب واتجاهات وإيدولوجيات ما هو مقدس عن فريق لا يعترف به الآخر وقبل أن تبدأ حتي التجربة المستحيلة سيحدث ما يحدث دوماً,صراع دموي وقتل علي الهوية وسينفجر المعمل بمن فيه!!
أعتقد أن هذه النقاط هي أهم من الإجابة نفسها...
لم يكن "الله"مجهولاً عند العرب قبل الإسلام,فقد كان أبو النبي اسمه عبد الله,وأبو بكر اسمه عبد الله,وغيرهم الكثيرين تسموا بهذا الاسم,مع أسماء آلهة أخري كعبد اللات وعبد شمس,بل في مثال حي واضح علي عبادة الأسلاف كان هناك من يسمي"عبد قصي"!!
الله كان أحد أفراد العائلة النجمية العربية وكان هو رب القمر المتزوج من اللات ربة الشمس ولهم أبناء كهبل ومناة,وكان إله القمر الله,هو أكبر الآلهة في مجتمع رعوي كان القمر يمثل فيه أكثر ما يرهبه ويتعلق به كالشمس في المجتمعات التي عبدت وكانت هي الأله السيد في المجتمعات الشمسية,وقد ورد في شهر أوس بن حجر:
"وباللات والعزي من دان دينها              وبالله إن الله منهن أكبر"
ونجد في  المجادلات القرآنية أن العرب لا يجحدون وجود الله بل يعترفون به ويقولون علانية أنه هو خالق السماوات والأرض,لكن مشكلتهم التي لا حل لها مع الرسالة المحمدية هو نكران بقية الشفعاء والأرباب علي شكل أصنام وأوثان والاعتراف الكلي بالله إله القمر وحده سيداً مطلقاً علي الكون,ففي ذلك ديكتاتورية لا تعرفها الحرية الدينية العربية في هذا الوقت,وضرب لتجارتهم ومركزهم الديني المرتبط بالاقتصادي,هذا فضلاً عن أن النبي عليه الصلاة والسلام سيكون هو أداة الاتصال الوحيدة مع السماء وهذا ما لم يكن ليقبل به كبراء قريش!!
لم يفد الإسلام علي جزيرة العرب بإله جديد,لكنه وفد بالدعوة إلي توحيد الله وحده لا شريك ولا شفيع له,فهو ليس كما يتصوره العرب قبل الإسلام لا يمكن الوصول إليه لفرط عظمته وبعده إلا عن طريق شفيع يشفع للإنسان المسكين,بل هو مع الإنسان حيث كان وهو أقرب إليه من حبل الوريد,لو دعاه سيجده بجواره يجيب دعاء من دعا.
والله هو "إيل"إله بني إسرائيل الذي اتخذوه من الكنعانيين وجعلوه رباً لهم حكراً عليهم,وصنعوا من بقية الآلهة الأخري ملائكة له.
السماء كانت هي دوماً مرصد الإنسان الباحث عن الله,عرف بفطرته أن الله لا يسكن هنا في الأرض فجال ببصره بحثاً عن الكمال الإلهي في الفضاء الفسيح,ارتبطت كل الأديان بالفلك وحركة الكواكب.
والإسلام ليس منها ببعيد,بل هو قريب لحد مدهش إلي دين الصابئة عبدة الكواكب والنجوم والذين اعتبرهم القرآن ممن لهم أجرهم عند ربهم ولا  خوف عليهم ولا هم يحزنون,وليس أدل علي ذلك من أنه في بدايات الإسلام كان المشركون ينعتون من يتبع محمد بـ"الصابئ"!
عرف عرب اليمن إله القمر باسم "سين",ويقال أنه هو نفسه"يس"المذكور في القرآن الكريم,وقد ورد عن الرسول أن الدين يمان والحكمة يمانية لأن اليمن هي أصل العرب القريب عقب هجرتهم بعد انهيار سد مأرب.
كان القمر هو المعبود والكبش أو التيس بقرنيه هو الرمز لإله القمر,وقد شوهد في الكعبة قرون كبش معلقة دلالة علي تقديس العرب لتلك القرون التي تذكرهم وتتماهي مع الهلال,الذي أصبح اليوم علماً علي الدين الإسلامي وعلامة مميزة لمنارة مساجده,بل أن الدين كله يرتبط بالقمر عن طريق التقويم والحج ورمضان؛لأنه كان علماً من قبل علي الله جل جلاله الذي وحده المسلمون ومحوا شركائه من بيته الحرام.
عرف أيضاً إله القمر باسم الودود عند المعينيون ومن صفاته أنه الرحيم والرحمن والملك والقدوس!
كل هذا في مرحلة الإله الذكوري الأبوي,أما قبل ذلك وحين كان العالم يعبد الإلهة الأنثي التي تجلي فيها الخير والعطاء والحنان لبني البشر في مجتمع أمومي,كانت ربة القمر عشتار التي تظهر في الأعمال التصويرية امرأة تمسك ثدييها للبشر معبرة عن المنح بلا حدود دليل خير وعطاء ومحبة!ونجد الهلال يتألق في تلك الأعمال الفنية رمزاً علي المرأة التي ارتبط القمر بها وبدورتها الشهرية,رمز الحياة والخصب.
ولا أريد الخوض في أبعد من هذا وأظن أن ما سبق فيه الكفاية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق