الثلاثاء، 3 أبريل 2018

لماذا لم أقل أني أحبه؟!


لماذا لم أقل أني أحبه؟!
طالما اغتظت ممن يكتبون عن الراحلين عقب وفاتهم ويملأون الدنيا صخباً,وكنت أقول"في حياتهم كانوا أحوج لهذه الكلمات الجميلة,لماذا ننتظر الموت مجئ الموت حتي نصرح بإعجابنا وحبنا؟!"حتي جاءت هذه الليلة الحزينة التي رحل فيها أحمد خالد توفيق,الواحة الجميلة التي كنت أستظل بها وسط صحراء القسوة والهراء,وتعلمت ضمن ما تعلمت في أيامي أن مرارة الموت تطفح منها مشاعرنا الصادقة,وطالما ظل الإنسان علي قيد الحياة تغرنا الدنيا أن هناك فرصة مؤجلة لكل شئ.
في البداية ظننت الأمر من ألاعيب إبريل ولعنت وسببت في سري كل كدباته التي مثل هذه حتي تأكد الخبر...أحمد خالد توفيق مات!!!!بكي قلبي قبل عيني وتجلي لي الموت وحشاً فظيعاً,وسقطت فجأة كل صغائر يومي الحقيرة التي شغلت بالي في طريقي للمنزل من العمل,وكل خططي تبخرت,ولم يعد في داخلي سوي نشيج مكتوم يصرخ بدون صوت"لماذا لم تقل أنك تحبه؟!"
انقطعت عن الكتابة في هذه المدونة لأسابيع انشغالاً بأسباب المعيشة,ومخزناً في ذهني مشاريع عدة لموضوعات كثيرة ولم أتخيل أن عودتي ستكون في نعي صاحبي الجميل-ليتني ماعدت- الذي لم أره ولم يعرفني,لم يعرف بوجود محمود قدري الساكن في مدينة دمنهور الذي قضي معه ساعات من أجمل ساعات عمره,حينما كنت ألجأ له طلباً للفائدة والمتعة,وكان صاحبي الجميل كريماَ...كريماَ لدرجة أنني كنت أستكثره علي نفسي وأتعجب من فرط جماله وحيويته,عشت معه ساعات مرضه الأخيرة كما حكي لي في مقالاته,وهنأته في سري بالسلامة"هاتروح وتسيبنا لمين يا عم أحمد؟!وهو فيه كام أحمد خالد توفيق في حياتنا,يللا بقي ارجع  زي زمان وكلمنا عن كل حاجة حلوة في الدنيا,كمل كلامك عن الأفلام الأجنبي والروايات الحلوة والفنانين والأدباء الجُمال اللي خلتني نعرفهم ونعيش معاهم...حمد الله عالسلامة يا أخي!...وحتي لو مارجعتش ربنا يخليك لولادك"
لماذا لم أقل أني أحبه؟!
قلبي بداخلي يرتعش...ياللموت!!!"واهتز قلبي كفقاعة وانفثأ"أهكذا كان يشعر أمل دنقل؟!لكني قلبي ينفطر حزناً عليه,لو انفثأ لاستراح لكنه معبأ بكافة المشاعر المتضاربة,صحيح الموت علينا حق,لكنه "علينا"وليس "لينا".
يااااه...يشاركني في هذا الألم آلاف ممن تربوا علي يدي هذا الرجل,آه لأول مرة في حياتي يقترب الموت مني لهذه الدرجة,فأشعر بالهلع علي كل من أحب...الحزن يعم الجمهورية  كلها في المدن والريف في السواحل والصعيد,يكاد تلفحني صوت زفرات الصدور المشتعلة حزناً وفقداً...أراه الآن في غرفة كل من تعلق ماثلاً أمامه في خياله بأشكال متعددة,فهو الصاحب لبعضهم والأب لبعضهم والمعلم لبعضهم وربما الحبيب لبعضهن,صور كثيرة عجزت عن تخيله بها في حياته لكنها بعد رحيله صارت حية أمامي!
يسألني من في المنزل"مالك"فيخرج صوتاً ضعيفاً غريباً أنكر صدوره مني"أحمد خالد توفيق...مات"وأتذكر أني ختمت الخامسة والعشرين كان أحمد خالد توفيق خلالها جزء من حياتي,حياتي التي أصبحت ماضياً غريباً هذه الليلة,كأني فقدت فيها جزءً من نفسي,نفسي التي تعذبها وتعذبني,فجأة نتصالح كصديقين نعزي بعضنا في موت أحمد خالد توفيق.
يا صاحبي الجميل الراحل,اعذرني أني لم أكتب عنك من قبل فأنا لا أتكلم؛لأني لا أجد من يسمعني,فقط أكتب حتي لا تسوء حالتي!لقد كنت تمثل لي شيئا عادياً لا غني عنه فمن فرط وضوحك وأهميتك لم أفطن إلي ذكرك.
يا صاحبي الذي لا يعرفني,كما كنت صاحب آلاف وآلاف لم تعرفهم لكنهم يحفظون وجهك ويرتاحون إلي صوتك,ها أنت راحل حيث كل من أحببناهم بدءً من جدنا إيمحوتب العبقري وانتهاء بهوكينج,عزائي أنك ستجالسهم هناك وتنظر لنا من بعيد وربما تطرأ علي ذهنك واحدة من عباراتك اللطيفة المحببة للجميع,فيها الطرافة واللطف والرقة كما تعودنا,آخذاً معك بهجتنا التي كنت أنت مصدرها.
ستجد كل أحبابك هناك يا صاحبي الجميل ولأننا أصدقاء قدامي فسلم لي عليهم,وأوصيك بنجيب محفوظ قبّله لي وشد علي يديه,واربت علي كتف نجيب سرور,واسأل داروين وأرسطو آينشتاين  كثيراً,ودردش مع ماركيز ويوسف إدريس ويوسف شاهين,وداعب توفيق الحكيم وأم كلثوم,وتمشي مع عبد الوهاب وسامي السلاموني,واسهر كثيراً مع يحيي الطاهر عبد الله  وأحمد زكي ومارلين  مونرو وفاتن حمامة وصبري موسي وخيري شلبي,وناقش إدوارد سعيد ورجاء النقاش ويحيي حقي واستفهم  من نيوتن ونابليون والاسكندر وأمل دنقل ومحمود درويش,وأنت تعرف بقية الأحباب الذين لا تنتهي أسمائهم حتي نلحق بكم,وبلادنا بعون الله آمنة مستقرة وجيرانها الحزاني المفجوعون في أمان وسلام,فقد رحلت يا صاحبي وعقارب الساعة تنزف حزناً ودماً وقلق,أعرف أنك كنت متألماً لما يحدث من مصائب,متمنياً الخيروالسلامة للجميع كما يليق بصاحب قلب كبير مثلك.
يا صاحبي وداعاً مؤقتاً,وحتي وصول أحبابك تمتع بما عندك من صحبة وبهجة,وكلما أردنا لقائك فعنوانك في قلوبنا,سنفتح أي صفحة ونجالسك...آه يا أحمد؟!أأصبحت ذكري يا صاحبي؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق